‫مفهوم العدالة في النظرية الليبرالية المعاصرة‬ ‫دراسة في االتجاهات(المساواتية والليبرتارية والجماعاتية)‬ ‫رسالة تقدم بها الطالب‬

‫شهاب أحمد عبدهللا‬ ‫الى مجلس كلية القانون والسياسة في جامعة السليمانية‬ ‫وهي جزء من متطلبات نيل درجة الماجستير‬ ‫في العلوم السياسية‬

‫بأشراف‬

‫أ‪.‬م‪.‬د‪ .‬احسان عبدالهادي النائب‬

‫‪ 1437‬ه‬

‫‪ 2716‬ك‬

‫‪ 2017‬م‬

The Concept of Justice in the Contemporary Liberal Theory A Study in Egalitarianism, Libertarianism and Communitarianism Trend.

Thesis Submitted by

Shahab Ahmed Abdullah To the Council of the College of Law and Politics At the University of Sulaimani In Partial Fulfillment of the Requirements For the Degree of Master in Political Science

Supervised by

Assist. Prof. Dr. Ehsan Abdul Hadi Al-naeb

1437 H.

2716 K.

2017 A.D.

‫ضةمكى دادثةروةرى لة تيؤرى ليربالزمي هاوضةرخدا‬ ‫خويَندنكاريةكة لة ئارِاستةكانى يةكسانطةرايي وليربتار وكؤمةلَطةرايي‬

‫ئامادةكردني‬

‫شةهاب أمحد عبداهلل‬ ‫ثيَشكةش كراوة بة ئةجنومةني كؤليَجي ياسا و رٍاميار لة زانكوَ سليَماني‬ ‫وةك بةشيَك لة ثيَداويستييةكانى بة دةستهيَنانى ثلةى ماستةر‬ ‫لة زانسيت رِاميار دا‬

‫بةسةر ثةرشيت‬

‫ث‪.‬ى‪.‬د‪ .‬إحسان عبداهلادى النائب‬

‫‪1437‬ه‬

‫‪2716‬ك‬

‫‪2017‬م‬

‫‪1‬‬

‫المقدمة‬ ‫إن موضوع العدالة وتطبيقاتها وما يترتب عليها من اثار في حياة األفراد والمجتمعات البشرية‪ ،‬هو‬ ‫موضوع قديم ومبتغى إنساني منذ بدء تأريخ البشرية وبزوغ شمس الحضارة‪ ،‬فاألنسان وبحكم فطرته‬ ‫يعطش للعدالة ويشتاق إليها ألنها تمثل كرامته ويسعى الى رفض األوضاع التي تولد الالمساواة‬ ‫واألضطهاد واالبتعاد عنها‪ .‬كما ان العدالة تمثل نضال اإلنسان في سبيل إنهاء حرمانه من حقوقه‬ ‫المشروعة كحقه في الحياة والحرية والعيش الكريم‪ ،‬وال سيما بعد ظهور الفلسفة األخالقية والسياسية على‬ ‫أيدي فالسفة االغريق‪ ،‬الذين انشغلوا بالتساؤل حول افضل انواع الحياة وافضل نظام سياسي قادر على‬ ‫تعزيزها‪ .‬لقد حضيت قضية العدالة وأرتباطها بالسلطة والفرد والمجتمع وكيفية تطبيقها وتحديد المعاير‬ ‫التي تحكمها(وال سيما الحرية والمساواة) بأهتمام كبير من قبل الفالسفة والمفكرين‪ ،‬وأصبحت محو اًر رئيساً‬ ‫في التفكير الفلسفي والنظريات السياسية ونتائجها الفكرية مع أختالفهم على تحديد مضمونها وتجسيدها‬

‫في المؤسسات والبيئة األجتماعية‪ .‬وهكذا أصبحت العدالة هي القضية الكبرى التي تجتمع فيها المبادىء‬ ‫مع الممارسة والفكر مع السلوك‪ ،‬وأصبحت العدالة الفضيلة األولى للمؤسسات األجتماعية كما هي حقيقة‬ ‫لألنظمة الفكرية‪ ،‬هكذا كان مطلب العدالة ومازال واحداً من أهم مطالب اإلنسانية الفردية والجماعية‬ ‫وذلك بأرتباطه الدقيق بمفهومي الحرية والمساواة‪ ،‬وقدرة هذه المطلب على أستبطان القسم األعظم من‬

‫المطالب اإلنسانية األخرى ‪.‬‬ ‫هذا المفهوم أو هذا المطلب للعدالة جعل من النظرية السياسية المعاصرة أو الفكر السياسي المعاصر‬ ‫يولي اهمية وبشكل اساسي على تقديم نموذج جيد من السلطة السياسية‪ ،‬ونظام سياسي قادر على تعزيز‬ ‫أفضل ألنواع الحياة مرتك اًز ومنطلقاً من مفهوم العدالة وراغباً في تحقيق العدالة والمساواة بشتى أنواعها‬

‫السياسية واألجتماعية واألقتصادية‪ .‬كل هذه الجهود شكلت في السبعينيات من القرن الماضي موضوع‬ ‫نقاش واسع وخاص ًة عند مفكري بين ما يسمى أنذاك بالليبراليين والجماعتيين وفالسفتهم(اذ تؤلف قيمة‬ ‫الجماعة مقابل قيمة الفرد نواة نظريتهم‪ ،‬والتي ركزت جهودهم في االعوام االخيرة على نقد الليبرالية)‬

‫حول ذات الفرد من حيث جوهره ومن حيث مدى تحدد وجوده بمختلف الروابط األجتماعية في المجتمعات‬ ‫المعاصرة وعالقة هذه الروابط بمسائل مثل العدالة األجتماعية والمتمثلة في(الحرية والمساواة‪ ،‬والعدالة‬ ‫التوزيعية)‪ ،‬فضالً عن هذا‪ ،‬ففي العقدين االخيرين شهدت المجتمعات البشرية في سائر ارجاء العالم‬ ‫تغيرات مهمة‪ ،‬وتعد المطالبة المتزايدة باإلعتراف رسمياً بالتعدد الثقافي والمطالبة بحقوقهم والمطالبة‬ ‫باحترام متقابل لهويتهم ورفع اإلجحاف الذي لحق بهم في الماضي‪ ،‬ومطالبة الحكومات بأتخاذ موقف‬

‫عادل تجاه التعددية الثقافية ماهي إال جزًء من هذه التغيرات‪ .‬لذا فأن هذا البحث هو دراسة لمفهوم‬ ‫العدالة وتطورها بشكل عام وفي النظرية السياسية بشكل خاص‪ ،‬والوقوف على مدى تغلغل هذا المفهوم‬

‫‪2‬‬

‫في حقل الفلسفة االخالقية والنظريات السياسية بمختلف اتجاهاتها‪ ،‬وتبيان الرؤى المختلفة لهذا المفهوم‬ ‫عند النظريات السياسية المختلفة‪ ،‬والمقارنة بينهم من خالل طرح افكار بعض من منظريهم‪ .‬ومن هنا‬ ‫تركز بحثنا على المناظرة والجدل والنقاش القائم على مفهوم العدالة بين األتجاهات الفكرية المختلفة‪.‬‬ ‫وستتركز دراستنا على النقاش الواسع وامقارنة بين األتجاهات(المساواتية والليبرتارية والجماعاتية )‪ ،‬حول‬ ‫مفهوم العدالة ومبادئها والموازنة بين الحرية والمساواة داخل المجتمع ومدى دور الدولة والمؤسسات‬ ‫الدستورية والسياسية فى المساهمة الفعالة من أجل تحقيق ذلك‪.‬‬

‫أهمية البحث‪:‬‬ ‫فتح جون رولز نقاشاً سياسياً واسعاً في الواليات المتحدة االمريكية بين الليبرالية االجتماعية المناهضة‬

‫للفوارق وما تمثله هذه الفوارق من مخاطر على التماسك االجتماعي والتوافق السياسي‪ ،‬وبين االتجاه‬ ‫فرد‪ ،‬وبين الليبرالية القائمة‬ ‫الليبرتاري المناهض لتوسيع دائرة المساواة وما يمثله من مخاطر على حرية اال ا‬ ‫على قيم وحقوق فردية‪ ،‬والجماعاتية القائمة على قيم وحقوق الجماعة(بما فيها األقليات الثقافية واألثنية)‪،‬‬ ‫في محاولته إلعادة المبحث االخالقي(الديونطولوجيا) الى صلب االشكالية السياسية‪ ،‬اي اعادة التفكير‬ ‫الليبرالية السياسية في الحرية والمساواة عند المجتمعات المعاصرة‪ ،‬مما جعل اهمية البحث تكمن في‬ ‫العدالة كونها مفهوم جوهري عالوة على اهميتها الذاتية وخاص ًة للمجتمعات المعاصرة‪ .‬وتولي كل األنظمة‬

‫السياسية اهمية لحقوق األفراد وحرياتهم داخل المجتمعات وخاص ًة األنظمة السياسية الليبرالية بكل‬ ‫اتجاهاتها‪ .‬لذا تعزز اهمية بحثنا في توضيح وجهة النظر الفلسفية المهتمة باإلشكاليات األخالقية‬ ‫والسياسية واألسس التي يقوم عليها بناء مجتمع عادل والتي تمكن اإلنسان من أن ينعم بالحياة السعيدة‬ ‫القائمة على مبدأ العدالة واإلنصاف‪ .‬فضالً عن هذا‪ ،‬فبحثنا يتناول تأثير رؤى الجماعاتية في توسيع‬ ‫مفهوم العدالة وطريقة تحقيق المساواة في التعددية الثقافية واالخالقية في الفكر السياسي المعاصر‪.‬‬ ‫اهداف البحث‪:‬‬ ‫تهدف هذه الدراسة للوصول الى عددة غايات من خالل تسليط الضوء على عدد من المواضيع وهي‪:‬‬ ‫‪ .1‬بيان تطور مفهوم العدالة ومعانيها المختلفة في النظرية السياسية عبر الحقبة الزمنية المتعاقبة‪.‬‬ ‫‪ .2‬تحديد مفهوم العدالة في اإلتجاهات الليبرالية المعاصرة‪ ،‬وتسليط الضوء على الجدل بين فالسفة‬ ‫ومفكري االتجاهات(المساواتية والليبرتارية والجماعاتية)‪.‬‬ ‫‪ .3‬توضيح الجدل والنقاش بين االتجاهات المساواتية والليبرتارية والجماعاتية والخاص بمفهوم العدالة‪.‬‬ ‫‪ .4‬تسليط الضوء على كيفية بناء بنى أساسية عادلة تسهم في استقرار المجتمع‪ ،‬وكيفية تحقيق العدالة‬ ‫في مجتمعات متعددة ثقافياً وعقائدياً وعرقياً من اجل بناء الديمقراطية‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫إشكالية البحث ‪-:‬‬ ‫يمكن تحديد اشكالية البحث من خالل مجموعة معينة من التساؤالت الجوهرية كاآلتي ‪-:‬‬ ‫‪ -1‬ما مفهوم العدالة‪ ،‬وهل للعدالة معنى واحد؟ وكيف تطورت داخل إطار النظريات الليبرالية المعاصرة؟‬ ‫‪ -2‬ما القيم والمفاهيم األساسية لمفهوم العدالة في النظرية الليبرالية االجتماعية(نظرية العدالة عند رولز)؟‬ ‫وما األسس والمبادىء التي اعتمدها لتسويغ هذه النظرية؟‬ ‫‪ -3‬ما مفهوم العدالة لدى إتجاهات الليبرالية المعاصرة المساواتية والليبرتارية(اليسار واليمين)؟ وما‬ ‫معاييرها؟ وما أوجه المقارنة بينها؟‬ ‫‪ -4‬ما مفهوم الجماعاتية للعدالة؟ وما اهم افكارهم ونظرياتهم في هذا المفهوم؟ وما موقفهم من القيم‬ ‫والمعايير التي اعتمدتها النظريات الليبرالية المعاصرة؟‬ ‫فرضية البحث ‪-:‬‬ ‫بغية االجابة عن التساؤالت المطروحة في اشكالية البحث‪ ،‬تنطلق فرضيتنا من ان مفهوم العدالة قد‬ ‫تطور مع تطور النظرية السياسية‪ ،‬وال سيما مع تطور قيم الحرية والمساواة التي يرتكز إليها مفهوم العدالة‬ ‫المعاصر‪ ،‬حيث اضحى لهذا المفهوم معان مختلفة داخل اإلتجاهات النظرية الليبرالية المعاصرة‪ ،‬من‬ ‫خالل تقديم رؤية مبنية عل مبادىء اخالقية‪ ،‬لتحقيق نظرية سياسية في العدالة على مستويين الفردي‬ ‫والجماعي‪ ،‬األمر الذي ادى الى تباين هذه اإلتجاهات في رؤيتها لمعنى العدالة‪ ،‬بالرغم من اشتراكها في‬ ‫تقديم نموذج للعدالة يمكن تحقيقه في مجتمع ديمقراطي‪.‬‬

‫منهجية البحث ‪-:‬‬ ‫في سبيل الوصول الى نتائج‪ ،‬ومن أجل تقييم مفهوم العدالة وتوضيحها في النظرية السياسية‬ ‫المعاصرة أعتمدنا في بحثنا على مناهج بحثية عدة‪ ،‬فقد أقتضى البحث األستعانة بالمنهج التأريخي وذلك‬ ‫كي نتمكن من إيضاح كيفية تطور مفهوم العدالة عبر العصور ومراحله التأريخية وفي النظريات‬ ‫السياسية‪ ،‬بدأً باألغريق وصوالً الى النظريات الليبرالية المعاصرة‪ ،‬وكذلك األستعانة بالمنهج الوصفي‬ ‫بقصد تتبع موضوع البحث عبر تاريخ الفكر السياسي والتطو ارت التي طرأت على مفهوم العدالة من‬ ‫خالل وصف األفكار والظواهر التي من خاللها تبلورت فيها نظرية العدالة وتطورت عبر األزمنة‪ ،‬وبما‬ ‫ان هذه الدراسة متعددة الجوانب ومتشعبة االبعاد كان من الضروري أستخدام المنهج التحليلي وذلك من‬ ‫اجل تحليل أفكار الفالسفة والمفكرين الذين أهتموا بمفهوم العدالة داخل اإلطار النظريات الليبرالية‪ ،‬وأخي ار‬ ‫أستخدام المنهج المقارن لغرض المقارنة بين االفكار واإلتجاهات التي تضمنتها دراستنا‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫هيكلية البحث ‪-:‬‬ ‫يتكون بحثنا من مقدمة ومبحث تمهيدي وثالثة فصول وخاتمة‪ .‬جاء المبحث التمهيدي لبيان اإلطار‬ ‫المفاهيمي للدراسة‪ ،‬ويتألف من مطلبين‪ .‬تناولنا في المطلب األول‪ ،‬معنى العدالة ومفهومها‪ .‬بينما تناولنا‬ ‫في المطلب الثاني‪ ،‬تطور مفهوم العدالة في النظريات السياسية‪.‬‬ ‫جاء الفصل األول لتوضيح مفهوم نظرية العدالة عند جون رولز‪ ،‬وتألف من مبحثين‪ ،‬األول منه‬ ‫تناولنا أسس ومصادر فلسفته وأفكاره الرئيسية في مطلبين‪ .‬تناولنا في المطلب االول موضوع مصادره‬ ‫الفلسفية لنظريته‪ ،‬وفي مطلبه الثاني تناولنا أفكاره األساسية‪ .‬اما المبحث الثاني فقد تناول مبدأي العدالة‬ ‫ومناقشة نظريته‪ .‬تضمن المطلب االول منه على موضوع مبادىء العدالة‪ ،‬أما في المطلب الثاني فجاء‬ ‫لمناقشة نظريته عن طريق طرح عدد من افكاره المهمة‪.‬‬ ‫بينما جاء الفصل الثاني لتبيان مفهوم العدالة عند اإلتجاهين المساواتي والليبرتاري‪ .‬وتم تقسيمه الى‬ ‫مبحثين ايضاً‪ ،‬تناول المبحث األول منه مفهوم العدالة عند األتجاه المساواتي ضمن مطلبين‪ ،‬االول‪،‬‬

‫نظرية رونالد دوركن في المساواة والثاني‪ ،‬أمارتيا صن والمساواة في القدرات‪ ،‬اما المبحث الثاني فتم‬ ‫تسلط الضوء على مفهوم العدالة عند اإلتجاه الليبرتاري في مطلبين‪ .‬في الطلب االول نستوضح النظرية‬

‫األهلية لروبرت نوزك في العدالة‪ ،‬وفي المطلب الثاني‪ ،‬تناولنا حدود العدالة عند ديفيد جوثير‪.‬‬ ‫وبالنسبة للفصل الثالث‪ ،‬فقد استوضحنا فيه مفهوم العدالة عند االتجاه الجماعاتي فقد تكون ايضاً‬

‫على مبحثين‪ ،‬في المبحث األول منه اوضحنا المفاهيم والنظريات التي يقوم عليها هذا اإلتجاه‪ ،‬وكان‬ ‫ذلك في مطلبين‪ ،‬في المطلب االول منه تناول المفاهيم والنظريات التي يقوم عليها االتجاه الجماعاتي‪،‬‬ ‫وفي المطلب الثاني‪ ،‬نستوضح حدود العدالة عند مايكل ساندل‪ ،‬بينما المبحث الثاني منه تناول مفهوم‬ ‫العدالة عند التعددية الثقافية كشكل من أشكال الجماعاتية‪ ،‬وتكون من مطلبين ايضاً‪ ،‬استوضحنا في‬

‫المطلب االول مفهوم التعددية الثقافية والعدالة عند ويل كميلكا وفي المطلب الثاني تناولنا موضوع‬

‫العدالة عند تشارلز تايلور‪ ،‬وبعدها جاءت الخاتمة(األستنتاجات)‪ ،‬وأخي اًر قائمة المصادر والمراجع‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫المبحث التمهيدي‪ /‬اإلطار المفاهيمي للدراسة‬ ‫في بداية هذا المبحث نحاول تسليط الضوء على التأصيل النظري للدراسة ونتاول في مطلبه االول‬

‫معنى العدالة لغوياً واصطالحياً‪ .‬فضالً عن بيان تطور مفهوم العدالة في النظريات السياسية في المطلب‬

‫الثاني‪.‬‬

‫التأصيل النظري للدراسة‪-:‬‬ ‫ينظر لدراسة السياسة على أنها تشمل من ناحية علم السياسة‪ ،‬ومن ناحية أخرى النظرية السياسة‬

‫والفلسفة السياسية‪ ،‬وهي تعبيرات تستخدم في كثير من األحيان بشكل تبادلي‪ .‬وتشمل النظرية السياسية‪،‬‬

‫الدراسة التحليلية لألفكار والعقائد‪ ،‬التي تمثل موضوعاً مركزياً للفكر السياسي(‪ .)1‬فالنظرية السياسية هي‬ ‫محاولة للمزج بين الفلسفة السياسية وعلم السياسة‪ ،‬فهي تشترك مع األولى في أن كليهما يقوم على‬

‫التأمل والقدرة على اصدار أحكام قيمية‪ .‬كما أنها تهتم كما علم السياسة بمجال الوصف والتفسير‪ .‬وبذلك‬

‫فإن النظرية السياسية تحمل وجهين األول معياري‪ ،‬والثاني تجريبي(‪ .)2‬وتعنى النظرية السياسية بنقل‬ ‫الظواهر المختلفة التي تقع فعالً في عالم السياسة الى نطاق العالم الواقعي المتفق مع العقل واإلطار‬ ‫العملي‪ .‬كما أنها تنشأ كاستجابة ألسئلة مستمرة عبر الزمن لمفاهيم معينة تستوقف أنتباه المنظرين‬

‫السياسين‪ ،‬ومن شأن النظرية السياسية أن تفسر كل هذه المفاهيم واألفكار المتعلقة بالعلوم السياسية(‪.)3‬‬

‫لقد أضحت النظرية السياسية في حالة الضيق المعرفي في النصف األول من القرن العشرين نتيجة‬

‫تحوالت مهمة في الفلسفة‪ ،‬سيما ظهور(الفلسفة الوضعية المنطقية) التي عكست أيماناً عميقاً بالفهم‬

‫العلمي‪ ،‬وعدت الفرضيات التي ال يمكن التحقق منها تجريبياً هي فرضيات ال معنى لها‪ .‬وبالتالي‪ ،‬نبذت‬

‫المفاهيم المعيارية مثل‪ :‬الحرية‪ ،‬والمساواة‪ ،‬والعدالة‪ ،‬والحقوق‪ ،‬على أساس أنها لغو‪ .‬ونزع الفالسفة نتيجة‬

‫لذلك‪ ،‬الى فقد االهتمام بالقضايا السياسية واألخالقية‪ ،‬وأداروا ظهورهم لتراث الفكر السياسي المعياري‬ ‫تحت تأثير(الثورة السلوكية) التي كانت واحدة من اإلرث الرئيسي للنظرية الوضعية‪ .‬غير أن بعد عقد‬

‫الستينات من القرن الماضي‪ ،‬عادت النظرية السياسية للظهور مجدداً بحيوية جديدة بسبب السخط‬

‫المتنامي تجاه المدرسة السلوكية لتقييدها مدى التحليل السياسي ومنعه من الذهاب الى ماوراء مايمكن‬ ‫مالحظته مباشرًة‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬لقد تقوض اإليمان بقدرة العلم على كشف الحقيقة بشكل موضوعي‪.‬‬ ‫كما أدى ظهور حركات إجتماعية جديدة في تلك الحقبة‪ ،‬الى إعادة القضايا األيديولوجية والمعيارية‬

‫‪ 1‬أندروهيوود‪ ،‬النظرية السياسية ‪ ،‬ت‪ .‬لبنى الريدي‪ ،‬المركز القومي للترجمة‪ ،‬القاهرة‪ ،2013 ،‬ص‪.27‬‬ ‫‪ 2‬نورالدين علوش‪ ،‬أعالم الفلسفة السياسية المعاصرة‪ ،‬دار أبن النديم‪ ،‬الجزائر‪ ،2013 ،‬ص‪.13‬‬ ‫‪ 3‬ستيفن ديلو وتيموثي ديل‪ ،‬التفكير السياسي والنظرية السياسية والمجتمع المدني‪ ،‬ت‪ .‬ربيع وهبة‪ ،‬المركز القومي للترجمة‪،‬‬ ‫القاهرة‪ ،‬ط‪ ،2010 ،2‬ص‪.34-33‬‬

‫‪6‬‬

‫مجدداً الى مقدمة التحليل السياسي‪ ،‬وأنعكس ذلك في عمل جيل جديد من المنظرين السياسين مثل جون‬ ‫(‪. )1‬‬

‫رولز وروبرت نوزك وغيرهم‬

‫لقد أصبحت النظرية السياسية المعاصرة منتشرة ومتشظية بشكل متزايد‪ .‬وأكتسب الفكر السياسي‬ ‫الغربي سمة "ليبرالية" واضحة لدرجة أن "الليبرالية والنظرية السياسية قد اصبحتا بالفعل تمتدان معاً زماناً‬ ‫ومكاناً"(‪ .)2‬فمحاولة رسم صورة لمنهج في الفكر السياسي ساد في النصف الثاني من القرن العشرين‪ ،‬قد‬ ‫ال يكفي وصف هذا الفكر بأنه"تحليلي" للكشف عنه‪ ،‬وهناك بالفعل ارتباط بين النظرية السياسية التحليلية‬

‫والليبرالية‪ ،‬والحقيقة ان المنظرين والفالفسة السياسيين غالباً ما يختلفون حول قضايا السياسية العملية‪،‬‬ ‫ومنهم من اعتنق مناهج تعادي الليبرالية[ أو ناقدة لها]‪ ،‬وهم يشكلون مدرسة أو أتجاهات فكرية‪ ،‬ال ألنهم‬ ‫يشتركون في موقف ايديولوجي عام واحد وانما ألنهم يشتركون في بعض االفتراضات بشأن أهداف الفكر‬ ‫السياسي وأساليبه‪ ،‬وهذه االفتراضات هي‪ :‬أن النظرية السياسية يمكن أن تنفصل عن األسئلة الميتافيزيقية‪،‬‬

‫وأنها ملتزمة بوضوح المفاهيم وقوة الجدل‪ ،‬وان هدفها معياري‪ ،‬كما عليها أن تتكيف مع تعددية المبادىء‬

‫السياسية مثل‪ :‬الديمقراطية والحرية والمساواة والعدالة‪...‬الخ‪ ،‬لذلك وبوجه عام توصف النظرية السياسية‬

‫بأنها نظرية ليبرالية من حيث أنها ترمي الى أن تكون الفلسفة العامة لمجتمع من المواطنين األحرار‬

‫والمتساوين القادرين على تنظيم مجتمعهم(‪.)3‬‬

‫وهكذا أضحت الليبرالية(االيديولوجيا األسمى) من حيث سعيها إلرساء مجموعة من القواعد‪ ،‬تضع‬

‫األسس التي يمكن أن يرتكز عليها النقاش السياسي واألخالقي‪ ،‬وان النقاشات الرئيسية في النظرية‬ ‫السياسية مثل الجدل بين رولز ونوزك حول العدالة غالباً ما تكون نقاشات وجدل داخل الليبرالية أكثر‬ ‫منها بين المواقف الليبرالية وغير الليبرالية‪ .‬غير ان منذ ستينيات القرن الماضي ظهرت مجموعة من‬ ‫التقاليد السياسية المنافسة‪ ،‬كناقدة للنظرية الليبرالية‪ ،‬أو كبديلة لها‪ ،‬مثلما أكد مذهب الجماعاتية على‬ ‫تداعيات الفردانية الليبرالية‪ ،‬التي تؤدي الى تذرية المجتمع‪ .‬وهكذا ذهبت التعددية الثقافية الى تصوير‬ ‫الليبرالية كشكل من االمبرالية الثقافية‪ ،‬وتفترض التعددية الثقافية أن القيم والتقاليد الليبرالية وغير الليبرالية‪،‬‬

‫يمكن أن تكتسب الشرعية على قدم المساواة(‪.)4‬‬

‫وهناك مواضيع مشتركة تتطرق اليها مختلف النظريات‪ ،‬مثل تلك التي تتعلق بمركزية الديمقراطية‬

‫الليبرالية‪ ،‬أدت الى تفرق الفالسفة والمنظرين المعاصرين الى من يعتنق القيم االساسية التي تقوم عليها‬ ‫الديمقراطية الليبرالية‪ ،‬والدفاع عنها‪ ،‬حيث توجد ثالث نظريات[اتجاهات] تمثلها‪ :‬المنفعية والليبرالية‬

‫‪ 1‬أندروهيوود‪ ،‬النظرية السياسية‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.30-29‬‬ ‫‪ 2‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.31‬‬

‫‪ 3‬ديفد ميللر وريتشارد داجر‪ ،‬النفعية وما بعدها‪ ،‬في(مجموعة باحثين‪ ،‬الفكر السياسي في القرن العشرين)‪ ،‬تحرير تيرنس‬ ‫بول وريتشارد بيلالمي‪ ،‬ت‪ .‬مي مقلد‪ ،‬المركز القومي للترجمة‪ ،‬القاهرة‪ ،2010 ،‬ص‪.179-175‬‬ ‫‪ 4‬أندروهيوود‪ ،‬النظرية السياسية‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.32‬‬

‫‪7‬‬

‫المساواتية والليبرتارية‪ .‬ومن جهة اخرى وجد من يرفض هذه الديمقراطية وقدم عدداً من المبادىء والمفاهيم‬

‫البديلة‪ ،‬إما لرفد مصطلحات الديمقراطية الليبرالية بمصطلحات اخرى‪ ،‬او إلستبدالها بغيرها‪ ،‬لتشكل‬ ‫مدارس[او اتجاهات] لتقديم(انتقادات وبدائل) ومنها‪( :‬الجماعاتية) و(التعددية الثقافية)(‪ .)1‬وان الجماعاتية‬

‫كمدرسة فكرية[او اتجاه فكري]‪ ،‬معبرة عن فلسفة سياسية خاصة بها‪ ،‬تطورت بشكل خاص كنقد لليبرالية‪،‬‬ ‫من حيث ان الليبرالية أكدت على الحقوق الفردية والحريات‪ ،‬على حساب احتياجات الجماعة‪ .‬وتنتج عن‬

‫ذلك ما سمي(بالجدل الليبرالي – الجماعاتي)(‪.)2‬هذا الجدل تضمن أمور عدة‪ ،‬واهمها ما يخص نظرية‬

‫العدالة التي قدمتها االتجاهات الليبرالية المعاصرة‪ ،‬حيث يرى الجماعتيون انها نظريات مطلقة وعامة‪،‬‬ ‫وان تلك النظريات بتأكيدها على عدالة التوزيع وحقوق الفرد‪ ،‬واهتمامها بالفردانية‪ ،‬قد أدت الى انقسام‬

‫مواطني الدولة الحديثة ضد بعضهم البعض‪ ،‬وأدى ذلك بدوره الى العزلة واإلغتراب والكراهية بدالً من‬

‫االنتماء الى مؤسسة مدنية واحدة(‪.)3‬‬

‫فإذا كانت رؤية الجماعاتية حول االهتمام الكبير لليبراليين بحقوق الفرد وحرياته قد تعرض المجتمعات‬

‫الليبرالية بكاملها للخطر‪ .‬يتسأل الليبراليون هل لهذا اإلتهام أساس حقيقي؟ هذا السؤال يطرحه الجانب‬

‫الليبرالي رداً على الجماعاتيين‪ .‬هنا يمكن تمييز ثالثة استجابات متشابكة لهذا الجدل‪ .‬األولى‪ ،‬تتعلق‬ ‫بفهم الجماعاتيين لتجريد النظريات الليبرلية التي ينتقدونها‪ .‬والثانية‪ ،‬تتعلق بنكران الليبراليين أن الهوية‬

‫الفردية هي في جوانب عدة نتاج الظروف االجتماعية‪ .‬والثالثة‪ ،‬اشارة الليبراليون الى اخطار المنادات‬

‫النقاد بتقاليد الجماعاتية وتناقض نظريتهم[اتجاهاتهم] النقدية‪ .‬يرى الليبراليون أنه كما للمجتمعات مزايا‬

‫فإن لها عيوباً من ضمنها التكبر وعدم التسامح وأشكال الظلم واالستغالل‪ .‬ويدافع الليبراليون بأن اعتمادهم‬ ‫على المطلق واالعتبارات العامة في نظرياتهم عن العدالة والحقوق فذلك ألنهم يريدون أن يتخطوا‬

‫‪-‬ويقيموا نقدياً‪ -‬التحيزات المحلية التي ينبغي على الجماعاتيين أن يقبلوها(‪.)4‬‬

‫‪ 1‬ويل كميلكا‪ ،‬مدخل الى الفلسفة السياسية المعاصرة‪ ،‬ت‪ .‬منير الكشو‪ ،‬المركز الوطني للترجمة‪ ،‬تونس‪ ،2010 ،‬مقدمة‬ ‫الطبعة الثانية‪ ،‬ص‪.12‬‬

‫‪ 2‬أندروهيوود‪ ،‬النظرية السياسية‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.70‬‬ ‫‪3‬‬

‫ديفد ميللر وريتشارد داجر‪ ،‬النفعية وما بعدها‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.198‬‬

‫‪4‬‬ ‫هناك من يؤكد أن نقاد الليبرالية من اصحاب المنهج الجماعي ال يشكلون مدرسة قائمة بذاتها وال يمثلون تحدياً واضحاً‬ ‫لليبرالية‪ ،‬فبعض من ذوي ميول الجماعية يصرون على تسمية انفسهم ليبراليين‪ .‬فقد يتبنى بعضهم(المذهب الجمهوري)‬

‫على أنه المسمى الصحيح لموقفهم‪ ،‬وأظهروا عدم رغبتهم في تقبل كافة اشكال الجماعة‪ ،‬كما انهم اختصروا المسافة بينهم‬

‫وبين من اعتنقوا(الجمهورانية المدنية في شكلها الليبرالي)‪ .‬وفضل البعض أن يحتفظ بمسمى المجتمعيين لكنهم أكدوا على‬

‫رغبتهم في إحداث توازن بين الحقوق الفردية والمسؤلية المدنية‪ ،‬وأن يقتربوا من نموذج حياة الجماعة‪ .‬وسواء كان المذهب‬ ‫الجماعاتي على حق ام ال كنقد لليبرالية فإنه بذلك قد لمس وت اًر سياسياً مهماً‪ .‬للمزيد ينظر‪ :‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪-199‬‬

‫‪.201‬‬

‫‪8‬‬

‫المطلب األول‪ /‬معنى العدالة‪-:‬‬ ‫رغم ما يتمتع ِ‬ ‫به مفهوم العدالة من مركز محوري في أغلب األفكار واألديان والثقافات والمذاهب‬

‫والنظريات السياسية‪ ،‬تبقى هناك إشكاليات فيما يتعلق بالوقوف على ماهيتها وأبعادها في الواقع ودالالتها‬

‫اللغوية واإلصطالحية‪ ،‬ويعد من المفاهيم األساسية والمهمة في فلسفة األخالق والسياسة والحقوق‪ ،‬بيد‬

‫إنها تستند في مفهومها على العديد من المجاالت والعديد من وجهات النظر المختلفة على أساس القانون‬ ‫واإلنصاف والعقالنية واألخالق‬

‫(‪)1‬‬

‫فضالً عن كونها قاعدة إجتماعية أساسية تنطلق منها بحوث إيجاد‬

‫مقاييس ومعايير أخالقية وقانونية(‪ .)2‬واليوم أصبح من أوسع المفاهيم المطروحة في الدراسات اإلجتماعية‬

‫والسياسية ومن أكثر الموضوعات قدسية وشيوعاً في السلوك اإلجتماعي‪ ،‬وهي الفضيلة األولى‬ ‫واألساسية‪ ،‬ومن خاللها يتم الدفاع عن المفاهيم األخرى كـ(الحرية‪ ،‬والمساواة‪ ،‬والسعادة‪ ،‬والحق‬

‫واألخالق‪..‬الخ) َّ‬ ‫بعدها مفاهيم مشتقة من مفهوم العدالة‪ .‬وفي الفلسفة السياسية فإن المعيار النهائي للدولة‬

‫ان كان هناك موارد للتوزيع فإن العامل الجوهري لعملية أتخاذ القرار سيكون أحد أوجه العدالة(‪.)3‬‬

‫ومع كل تلك األهمية التي يمتاز بها مفهوم العدالة‪ ،‬إال أنه لم ينتب مفهوم ما من الغموض والجدل‬ ‫مثلما أنتاب مفهوم العدالة‪ ،‬وذلك ليس لكثرة ما كتب عنه أو حوله من مناقشات‪ ،‬ولكن على العكس من‬ ‫ذلك فقد القى من األهتمام على مستوى تأريخ الفكر الفلسفي بوجه عام والفكر السياسي والنظرية السياسية‬ ‫بوجه خاص‪ ،‬ومع ذلك وبرجوعنا الى الماضي نجد في الكتابات الفلسفية واألخالقية والسياسية عبارات‬

‫تؤكد على أن موضوع العدالة قد شغل أذهان الفالسفة والمفكرين منذ القدم حتى اآلن‪ .‬إال أن ه ِ‬ ‫ذه العبارة‬

‫تقف عند كونها مجرد عبارة لم تترجم الى كتابات وأبحاث‪ ،‬ولم يكن هناك سوى محورين فكريين‪ ،‬إما‬ ‫على ال نقل بشكل كامل أو اإلضافة الى بعضها‪ ،‬أو مجرد رد معارض لما سبق من أداء أو نظريات‬ ‫دون طرح تطورات جديدة لمفهوم العدالة‪ ،‬الى ما بعد منتصف القرن الماضي وتحديداً في سبعينيات ذلك‬

‫القرن إذ ظهرت كتابات جون رولز في نظرية العدالة ما أدى الى فتح النقاش والجدل حول مفهوم العدالة‬

‫(‪)4‬‬ ‫بين اإلتجاهات السياسية الليبرالية المعاصرة ‪ .‬هذا هو موضوع رسالتنا وبحثنا‪ ،‬وسنستوضحه الحقاً‬

‫ولكن بعد تسليط الضوءعلى معنى العدالة لغوياً واصطالحياً وتطورها في النظريات السياسية‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪Morris Grin ,The Concept of Justice ,Philosophy ,The Journal of the Royal Institute of‬‬ ‫‪Philosophy ,vol.19,No.144,2009,p.28‬‬ ‫محمد حميدهللا حيدر أبادي‪ ،‬مجموعة الوثائق السياسية‪ ،‬مطبعة القاهرة‪ ،‬مصر‪(،‬د‪.‬ت)‪ ،‬ص‪.56‬‬ ‫أبوبكر محمد أمين‪ ،‬العدالة مفهومها ومنطلقاتها‪ ،‬دار الزمان للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬دمشق‪ ،2010،‬ص‪.22-21‬‬

‫آباد عادل زكريا‪ ،‬مفهوم العدالة بين أفالطون وأرسطو وأنعكاساته في الفكر السياسي المعاصر‪ ،‬متاح على الرابط‬ ‫‪www.damanhor.edu.eg /pages/Thesis Detalisx? :d:32.‬‬

‫‪9‬‬

‫ولكي نستوضح مفهوم العدالة البد لنا من التطرق الى المعنى اللغوي واالصطالحي وكما يلي‪:‬‬ ‫أوالً ‪ -:‬المعنى اللغوي للعدالة‪ :‬إن معنى الكلمات المعبرة عن فكرتي العدالة والظلم مقيد بفهم مظاهر‬

‫العدالة‪ ،‬كما إنه مهم للداللة على معانيها‪ ،‬ألن المعنى الحرفي للكلمات هو في نهاية المطاف ثمرة‬

‫معناها اإلجتماعي الذي يتأثر ِ‬ ‫به المفكرون عند تحديد حاجات اإلنسان وتطلعاته‪ ،‬وتبريرها كلما سعى‬ ‫لتحقيق العدالة وغيرها من المثل اإلنسانية العليا(‪ .)1‬يشير المعجم الفلسفي الى إن العدالة ليس لها حقيقة‬ ‫شرعية وانما أستعلمت لتعني األستقامة وعدم األعوجاج واالنحراف وهي ليست من اوصاف النفسانية‪،‬‬

‫وانما هي صفة عملية ألنها في اللغة(كما عرَّفت) تعني اإلستقامة وعدم الجور(‪ .)2‬من ناحية ثانية لم‬ ‫يفرق اللغويون بين العدل والعدالة‪ ،‬فجعلوا العدالة كإحدى مشتقات مادة العدل‪ ،‬وقد جاء في لسان العرب‪:‬‬

‫ما قام في النفوس أنه مستقيم(‪ .)3‬وعليه ثمة مالحظة منهجية تقوم على ضرورة التمييز بين(العدل)‬ ‫و(العدالة)‪ .‬العدل هو تطبيق الشرع والقانون‪ ،‬أما العدالة فهي تنطوي على اإلستقرار اإلجتماعي وتحقيق‬ ‫السعادة واحترام قاعدة المساواة بين األفراد‪ ،‬والحقاً بين المواطنين‪ .‬اي بمعنى أن العدل يقتصر في‬ ‫مفهومه على مضمون قانوني في المنطق والغاية‪ ،‬أما العدالة فإنها تتجاوز هذا المضمون القانوني‪،‬‬

‫لتأخذ مضامين سياسية واقتصادية واجتماعية وفلسفية(‪ .)4‬وهناك من يؤكد على أن هناك ألتباسات بين‬ ‫مصطلحي(العدل) و(العدالة) وبأنهما ال يدالن على المعنى نفسه فكلمة العدل إذا وصف به فعل فالمراد‬ ‫به كل فعل حسن يفعله الفاعل لينفع به غيره أو يضره‪ ،‬هذا المعنى يجعل من العدل وضعاً حقوقياً‪ ،‬وهو‬

‫على وجه التحقيق أبرز المعاني التي يوجه إليه لفظة العدالة حين ي ارد له ان يكون معب اًر عن معنى‬

‫المصطلح غير العربي وهو ‪.)5(Justice‬‬

‫ِ‬ ‫ماعليه(‪.)6‬ويعرفه المعجم الفلسفي‪:‬بأنه األعتدال‬ ‫ويقصد بالعدل لغة اإلنصاف‪،‬وهو إعطاء المرء ما له وأخذ‬ ‫واألستقامة والميل الى الحق(‪ )7‬وتأكيداً لذلك ورد في كتاب التعريفات للجرجاني‪ :‬أن العدالة هي األستقامة‬

‫أما العدل فهو عبارة عن األمر المتوسط بين طرفي اإلفراط والتفريط(‪ .)8‬يتبين مما تقدم أن المعاني‬ ‫اللغوية للعدالة والتي سبق إيرادها تكاد تتفق على إن العدالة هي األستقامة والمساواة واألمر الحسن‪.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬

‫عبدالهادي عباس‪ ،‬أزمة العدالة‪ ،‬دار الحارث‪ ،‬دمشق‪ ،2007،‬ص‪.13‬‬

‫ابراهيم مدكور‪ ،‬المعجم الفلسفي‪ ،‬الهيئة العامة لشؤون المطابع األميرية‪ ،‬مصر‪ ،1983،‬ص‪.117‬‬ ‫ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬المجلد الرابع‪ ،‬دون سنة النشر‪ ،‬ص‪.2842‬‬

‫‪4‬‬

‫عدنان السيد حسين‪ ،‬تطور الفكر السياسي‪،‬المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪،‬بيروت‪،‬ط‪،2012 ،3‬ص‪.93‬‬

‫‪5‬‬

‫القاضي عبدالجبار بن أحمد‪ ،‬شرح األصول الخمسة‪ ،‬مكتبة الوهبة‪ ،‬القاهرة‪ ،1995،‬ص‪.301‬‬

‫‪6‬‬

‫ابراهيم مدكور‪،‬المعجم الوجيز‪ ،‬مجمع اللغة العربية‪ ،‬الهيئة العامة لشؤون المطابع األميرية‪ ،‬القاهرة‪ ،1994،‬ص‪.409‬‬

‫‪7‬‬

‫م ارد وهبة‪،‬المعجم الفلسفي‪ ،‬دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،4‬القاهرة‪ ،1998،‬ص‪.113‬‬

‫‪8‬‬

‫علي بن الجرجاني‪ ،‬كتاب التعريفات‪ ،‬دار أحياء التراث العربي للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،2003،‬ص‪.121‬‬

‫‪10‬‬

‫ثانياً‪ /‬المعنى اإلصطالحي للعدالة‪ -:‬عرف قاموس(‪ )Oxford‬العدالة بانها كل فعل يقوم على التعامل‬ ‫بين األفراد بشكل متساو‪ ،‬وهو العمل بشكل أو على أساس تصرف عقالني وهو نظام قانوني يستخدم‬

‫لجزاء المتهمين أو الخارجين عن القانون(‪ ،)1‬وكذا يعرفها قاموس(‪ (Longman‬بأن العدالة هي خاصية‬ ‫من خواص كيفية التعامل بين األفراد على حد سواء وعلى أساس من المساواة‪ ،‬والمبني على الحق(‪.)2‬‬ ‫وأيضاً يعرفها قاموس(‪ )Cambridge‬بأنها هي التعامل مع األفراد على أساس المساواة بغض النظر‬ ‫عن جنسهم ولونهم ودياناتهم ولغتهم‪ ،‬وهو تصرف مبني على أسس أخالقية وصحيحة(‪ .)3‬ولتوضيح‬

‫أكثر للمعنى اإلصطالحي لمفهوم العدالة من المفيد أن نسلط الضوء على التعريف الفلسفي للعدالة‪ ،‬إذ‬ ‫لم يتفق الفالسفة على تعريف واحد موحد للعدالة بسبب إختالف وجهات النظر تجاهها وتعدد انواعها(‪،)4‬‬ ‫لذلك ليس من المستغرب أن نجد أكثر من تفسير ومعنى قد أعطي للعدالة من قبل الفالسفة(‪ .)5‬يذهب‬ ‫بعض الفالسفة في تعريف العدالة الى القول بأنها(أن يراد لإلنسان ما هو له)‪ .‬وقد عرفت كذلك بأنها‬ ‫هي نفع األصحاب ومضرة األعداء‪ ،‬أو هي نفع األقوى‪ .‬ومن المنظور األخالقي والفلسفي هناك من‬ ‫يرى أن العدالة هي التوافق بين الظاهر والباطن‪ ،‬واألحساس هو أن يكون باطن اإلنسان أفضل من‬

‫‪1‬‬

‫‪4‬‬

‫‪Publisher : OUP Oxford :Authon :As Horn by,18 Mar 2010,UK, ISBN-LO, Amazon‬‬ ‫‪.CO.UK,p.643.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪Stephen Bullion ,Longman Dictionary of Contemporary English ,Publisher: Person‬‬ ‫‪Education, 2015 ,p.733.‬‬ ‫‪3 John Insley ,Cambridge Dictionary of English , Publisher : Cambridge University press,‬‬ ‫‪2013, p.479.‬‬ ‫للعدالة أنواع ومنها‪-1:‬عدالة المناصفة‪ :‬يقوم هذا الصنف من العدالة على مبدأ الحق والمنفعة معاً‪ .‬فاألنصاف يوجب‬

‫الحكم على األشياء بحسب روح القانون‪ ،‬أما العدل فيوجب الحكم عليها بحسب نص قانوني‪-2 .‬عدالة التكافؤ‪ :‬إذ يفرض‬

‫واقع الجماعات واألفراد المنتمين الى جماعة معينة ذات خصوصيات ثقافية وسياسية ما‪ .‬معتقدين في أنفسهم وحدة واحدة‪،‬‬ ‫إذ يشترك الجميع في تقاسيم المخرجات‪-3.‬العدالة الطبيعية‪ :‬ينظر اليها من وجهة الحق الطبيعي المرتبط بمطلب وجودة‬ ‫الحياة‪ ،‬أو عدالة الخير المقترنة بمبدأ التفضل والتناصف في الخيرات‪-4 .‬عدالة التبادل‪ :‬تنفرد بميزة أحترام العالقات‬

‫التعاقدية التي تلزم كل فرد أن يعطي غيره حقه كامالً دون ألتفات لقيمته الشخصية ومكانته اإلجتماعية‪-5 .‬العدالة‬ ‫التوزيعية‪ :‬تقوم على مقولة أرسطو القديمة بأن الشر أنتجه سؤ التوزيع وبالتالي فالتوزيع يلعب دو اًر أساسياً في أستقرار‬

‫المجتمعات ويشمل ذلك التوزيع كل المجاالت التي تدخل في جودة الحياة وكرامة اإلنسان‪ ،‬وخاص ًة التوزيع في المجال‬ ‫السياسي واإلجتماعي‪-6 .‬العدالة اإلجتماعية‪ :‬يستخدم لوصف شعور معظم الناس بوجوب أن ينال الجميع أستحقاقهم‬ ‫على أساس حاجاتهم وجهودهم‪-7 .‬العدالة السياسية‪ :‬إن أنتشار الفكر الديمقراطي والجمهوري ولد لدى كثير من الساسة‬

‫ضرورة تحقيق عدالة سياسية تقوم على أساس حق المشاركة السياسية للمواطنين في تسيير الدولة وتدبير شؤونها‪ .‬وغيرها‬

‫من أنواع أخرى للعدالة‪ .‬للمزيد نظر‪ :‬بومدين بوزيد‪ ،‬فلسفة العدالة في عصر العولمة‪ ،‬الدار العربية للعلوم الناشرون‪،‬‬ ‫الجزائر‪ ،2009،‬ص‪.48-39‬‬ ‫‪5‬‬

‫إسماعيل نامق حسين‪ ،‬العدالة بين الفلسفة والقانون‪ ،‬الفراهيدي للنشر والتوزيع‪ ،‬بغداد‪ ،2014،‬ص‪.37‬‬

‫‪11‬‬

‫ظاهره (‪ .)1‬وقد عرفت كذلك بأنها أن يملك الشخص ويفعل ماهو ملكه[هذا التعريف ينسب الى أفالطون‪،‬‬ ‫ودافع عنها اإلتجاه الليبرتاري]‪ .‬ومن معانيها كذلك التوازن‪ ،‬والمقصود به الموازنة بين األجزاء المؤلفة‬ ‫لمجموعة‪ ،‬أو مساواة بين األفراد الذين ينتمون باألستحقاقات والقابليات نفسها وكذلك يعني رعاية حقوق‬ ‫األفراد واعطاء كل ذي حق حقه‪ ،‬وكذلك قد قيل أن العدالة هي الحصول على ما هو مستحق ومعقول‬ ‫مما نريده وبقدر حاجاتنا(‪.)2‬‬ ‫إن كل تلك التعاريف المتنوعة للعدالة ومعانيها‪ ،‬لم ينشأ من نسبيتها‪ ،‬بل إنه ناشىء عن النظر الى‬ ‫الجوانب المختلفة للعدالة وجميع تلك الجوانب تمثل العدالة في إطارها الفلسفي واألخالقي والقانوني(‪.)3‬‬ ‫ومن ناحية أخرى ووفق احدى الدالالت‪ ،‬فإن العدالة هي أخالق‪ ،‬من يتوجب أن يتلقى المنافع ويكلف‬ ‫باألعباء‪ ،‬أشياء حسنة وأخرى سيئة‪ ،‬طالما كان بمقدور األخرين تلقي تلك األشياء‪ ،‬متمثالً في العدالة‬

‫التوزيعية والمتعلقة بالمالئمة األخالقية(‪ .)4‬وهناك من يرى ان العدالة هي شعور كامن في النفس يكشف‬

‫عنه العقل السليم‪ ،‬وينطق به ضمير مستنير ويهدف الى أعطاء كل ذي حق حقه دون جور على حقوق‬ ‫األخرين‪ ،‬ولما كانت العدالة تنبع من أساس يتصل بالعقل والضمير‪ ،‬يبدو أن هذا اإلحساس أتخذ صو اًر‬ ‫مختلفة أيضاً عند الشعوب‪ ،‬وبذلك تعددت مصادر العدالة بتعدد هذه الصور(‪ .)5‬هذا ما نالحظه عند‬

‫طرح مفهوم العدالة وتطورِه التأريخي وفقاً للنظريات السياسية‪.‬‬

‫بشكل عام‪ ،‬تدل لفظة العدالة في تداولها العام على احترام حقوق الغير والدفاع عنها‪ ،‬كما تدل على‬ ‫الخضوع واالمتثال للقوانين واخالص لواجباتنا نحو اآلخرين‪ .‬اما في اللغة العامية فتدل العدالة على‬ ‫الميزان وهي إشارة الى النزاهة والتجرد واإلنصاف(‪ .)6‬ونالحظ من هذا المطلب إن أحد أسباب وجود‬ ‫تعاريف متباينة لمفهوم العدالة قد يرجع بعضها الى وجود خلط بين مصطلحي العدل والعدالة وعدم‬ ‫التمييز بينهما عند اللغوين وبعض من الفالسفة‪ .‬وكذلك ولكونهم نظروا الى العدالة من منظورين‪ ،‬األول‪،‬‬ ‫منظور أخالقي‪ :‬ينطبق على تعريف العدالة بأنها نسبة الفعل الى غرضه‪ ،‬أو هي ان تكون الباطن‬ ‫اإلنسان أحسن من ظاهره‪ .‬أما المنظور الثاني‪ :‬فهو منظور مصلحي أو نفعي‪ ،‬ومنه ينظر الى العدالة‬

‫‪1‬‬

‫أحمد إبراهيم حسن‪ ،‬غاية القانون‪ ،‬دار المطبوعات الجامعية‪ ،‬مصر‪ -‬أسكندرية‪ ،2001،‬ص‪.134‬‬

‫‪ 2‬إسماعيل نامق حسين‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.39‬‬

‫‪3‬صالح الدين عبدالفتاح الخالدي‪ ،‬سيرة أدم‪ ،‬مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ -‬األردن‪ ،2003،‬ص‪108‬‬ ‫‪4‬‬

‫دليل أوكسفورد للفلسفة‪ ،‬المكتبة الوطنية للبحث‪ ،‬تحرير تدهور تدرتش‪،‬ت‪ .‬نجيب الحصادي‪ ،‬ليبيا‪ ،2003،‬ص‪.568‬‬

‫‪5‬‬

‫صالح أحمد هاشمي‪ ،‬العدالة والمجتمع المدني(حالة مصر)‪ ،‬بال‪ ،‬القاهرة‪ ،2005،‬ص‪.8-7‬‬

‫‪ 6‬العدالة والمجتمع المدني والليب ارلية‪ ،‬الحق والعدل‪ ،‬متاح على الرابط‪http//www.taqafa3ama.com :‬‬

‫‪12‬‬

‫بأنها ما يملك الشخص ويفعل ما هو ملكه‪ ،‬أو يرد لإلنسان ما له‪ .‬هذا ما يتضمنه النقاش بين المساواتيين‬ ‫أمثال رولز والليبرتاريين أمثال نوزك‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪/‬تطور مفهوم العدالة في النظرية السياسية‪-:‬‬ ‫قبل الولوج الى موضوع تطور مفهوم العدالة في النظرية السياسية‪،‬البد أن نذكر أن النظرية السياسية‬ ‫هو جهد أو نوع من أنواع التفكير السياسي‪ ،‬وتعنى بنقل الظواهر المختلفة التي تقع فعال في عالم السياسة‬ ‫إلى نطاق العالم الواقعي المتفق مع العقل واإلطار الواقعي أو العملي(‪ .)1‬وتنشــأ كإجابة على سؤال شغل‬ ‫المنظر السياسي‪ ،‬مثالً سأل أفالطون الى أي حد يمكن أن تتحقق العدالة بأسهاماتها المهمة للحياة‬

‫البشرية في مواجهة مجتمع يتعامل مع فكرة العدالة بروح الشك؟ أو حيثما يسأل جون رولز مثالً‪ ،‬كيف‬

‫نبني مجتمعاً يمكن لألفراد فيه أن يحترموا الحقوق األساسية لبعضهم البعض رغم وجود وجهات نظر‬

‫أخالقية متعارضة ولكل منها معقوليتها؟ هنا يكون هدف النظرية السياسية أو الفلسفة السياسية أستعراض‬

‫العوامل التي تعوق التقدم نحو هذا الهدف والوقوف على كيفية التغلب على تلك المعوقات‪ .‬لذا يتناول‬ ‫كالً من التفكير السياسي والنظرية السياسية مسائل سياسية واجتماعية مهمة ويتناولون أسئلة يبدو أنها‬ ‫قد هيمنت على النقاش السياسي عبر التأريخ(‪ .)2‬من المعلوم أن أية فكرة قد وصلت إليها اإلنسانية فيها‬ ‫شىء من الكمال‪ ،‬لم تصل بهذه الصورة بادىء ذي بدء‪ ،‬وانما مرت بمجموعة من المنحدرات وشهدت‬ ‫مراحل من المد والجزر نحو تطورها وكمالها‪ .‬والعدالة من األفكار التي ال يمكن أستثناؤها من هذه‬ ‫القاعدة‪ ،‬إذ نرى لهذه الفكرة تأريخاً حافالً بالمساعي والمجهودات‪ ،‬بل وحتى الثورات الى أن وصلت إلى‬

‫ما هي عليه اليوم‪ ،‬وال يؤمل أن يستمر إستقرارها على هذا النحو‪ ،‬ال بل وانما تغير شكلها الحتمي‬

‫الحدوث‪ ،‬ولكن مع هذا يبقى لها جوهر واحد ال يتغير بالزمان وال باألحوال‪ ،‬ألن العدالة بمعناها‬ ‫الخاص(أي العدالة لذاتها)‪ ،‬قيمة مطلقة ومبدأ يدعى الصواب دائماً (‪.)3‬‬ ‫وعليه من المستحسن أن نخصص هذا المطلب لتناول الخلفية التأريخية لتطور فكرة العدالة ونظرياتها‪،‬‬ ‫ألن تأريخها بال شك يضم جزءاً من الحقائق التي ثبتت في أذهاننا بشأنها‪ ،‬وتحقيقاً لهذا سوف نسلط‬

‫اء بالنظريات‬ ‫الضوء على ابرز المحطات للتطور التأريخي لمفهوم العدالة بدءاً بفالسفة األغريق‪ ،‬وأنته ً‬ ‫السياسية المعاصرة التي تناولت هذه المفهوم وكاآلتي‪:‬‬

‫‪ 1‬جمال سالمة علي‪ ،‬النظريات السياسية وقضايا الفكر السياسي‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،2005 ،‬ص‪.23‬‬ ‫‪2‬‬

‫ستيفن ديلو ‪ ،‬التفكير السياسي والنظرية السياسية والمجتمع المدني‪ ،‬المشروع القومي للترجمة‪ ،‬ت‪ .‬ربيع وهبة‪ ،‬مكتبة‬

‫االسكندرية‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ ،2000،‬ص‪.38‬‬ ‫‪3‬‬

‫إسماعيل نامق حسين ‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.13‬‬

‫‪13‬‬

‫أوالً‪ /‬العدالة في الفكر القديم والوسيط ‪ -:‬إذا ما عدنا الى الجذور التأريخية لمفهوم العدالة‪ ،‬نجد إن‬ ‫(‪)1‬‬

‫السفسطائيين‬

‫من أوائل الذين عالجوا إشكالية العدالة‪ ،‬فكانوا يعتبرون الفرد مقياس كل شيء‪ ،‬وعلى‬

‫هذا األساس أعتقدوا إن العدالة غير موجودة‪ ،‬أو على األرجح إنها مفهوم غامض وقيمة ال يؤمن بها إال‬ ‫الضعفاء(‪ .)2‬ومن اجل فهم ذلك‪ ،‬سنركز على نموذجين وهما(ثراسيماخوس وكاليكلس)‪ .‬كيف يعرف كل‬ ‫منهم مفهوم العدالة؟ ينطلق ثراسيماخوس في تعريفه للعدالة بأعتبارها تحقيقاً لمصالح األقوى‪ ،‬ويتجلى‬

‫ذلك بوضوح في قوله"العدالة ليست إال صالح األقوى" ويقدم أنواعاً من الحكم لتدعيم موقفه‪ :‬فهناك‬ ‫الملكية والديمقراطية واألرستقراطية‪ ،‬والعنصر األقوى هو الحاكم دائماً‪ ،‬ويرى كذلك إنه في كل حالة‪،‬‬ ‫تضع الحكومة القوانين لصالحها‪ .‬وعند وضع الحكومات هذه القوانين تعلن إن من يحترمها فهو عادل‬

‫– علماً بأنها تخدم مصالحها – ومن يخالفها فهو خارج عن القانون والعدالة‪ ،‬ولها الحق في معاقبته‪.‬‬

‫ويقر ثراسيماخوس بأنه من العدل أن تطيع الرعية حاكمها وبينما يرى أن الظلم يجب أن يكون سمة‬ ‫أساسية عند الحكام‪ ،‬ذلك إلن العدالة هي في نفع الحاكم األقوى على حساب الرعية التي ينبغي أن‬ ‫تطيع‪ .‬ويقارن ايضاً بين العادل والظالم‪ ،‬ويرى بأن الظالم يكون دائماً هو الرابح‪ ،‬وان العادل حتماً يكون‬

‫خاس اًر‪ ،‬كما إن الظالم يحقق سعادته على حساب اآلخرين‪ ،‬عكس العادل‪ .‬ومن هنا فإن سمة العدالة‬

‫حسب ثراسيماخوس هي الظلم والجور‪ ،‬واستعباد الرعية‪ ،‬والحاكم رغم ظلمه يكون في كفة القوة‪ ،‬بحيث‬ ‫ال يجرؤ أحد على معاقبته‪ ،‬بل إن من يخالف القوانين‪ -‬التي هي اصالً لصالح القوي‪ -‬هو الذي يعاقب‪،‬‬ ‫وسبب خوف الناس من الظلم يرجع حسب رأيه الى كونهم يتواجدون في كفة الضعف(‪.)3‬‬

‫أما بالنسبة لـ(كاليكلس) فينطلق من نقده لألخالق‪ ،‬وذلك ألنه يرى بأنها بدعة من صنع الضعفاء‬ ‫لتقييد قوة األقوياء‪ ،‬كما يرى بأن من ينادي باألخالق ليس األقوياء‪ ،‬بل الضعفاء‪ ،‬وذلك بهدف الحصول‬ ‫على المساواة‪ .‬ويقر كذلك بأن الطموح في الحياة يستدعي السماح للرغبات بالتحرر من أوسع مدى‪،‬‬ ‫وعند وصول هذه الرغبات الى مداها ينبغي حينئذ أن تتوفر الشجاعة والذكاء في توجيهها‪ ،‬وهذا هو النبل‬ ‫والعدالة الطبيعية‪ ،‬ويرى أن سبب لوم كثير من الناس مثل هؤالء األشخاص األقوياء‪ ،‬هو كونهم ضعفاء‬ ‫وجبناء ويظهر هذا جلياً في قوله"إنهم يستبعدون الطبائع النبيلة‪ ،‬ويمدحون العدالة ألنهم جبناء"‪ .‬ولهذا‬

‫فالعدالة كما يراها تكمن في أن يكون لألفضل أكثر مما للمفضول عليه‪ ،‬ولألقوى أكثر مما للضعيف‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫تعني كلمة سفسطائي ‪ Sophist‬في مدلولها الحرفي رجل الحكمة‪ .‬وهو لفظة أطلقه اليونانيون القدماء‪ ،‬ليعبروا عن‬

‫نموذج معين للمعلم المتجول الذي غمر المجتمع اليوناني‪ .‬للمزيد اإلطالع ينظر‪ :‬غانم محمد صالح‪ ،‬الفكر السياسي‬ ‫القديم والوسيط ‪ ،‬جامعة بغداد‪ ،2001 ،‬ص‪.31‬‬ ‫‪2‬‬

‫عبد العالي كركوب‪ ،‬الفكر السفسطائي والعدالة ممارسة سياسية‪ ،‬نموذج (ثراسيماخوس وكاليكلس)‪ ،‬متاح على الرابط‬

‫‪ http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=392630‬يوم الزيارة‪. 2016/1/21 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫أفالطون‪ ،‬الجمهورية‪ ،‬دراسة وترجمة فؤاد زكريا‪ ،‬دار الوفاء للطباعة والنشر‪ ،2004،‬ص‪ ،191‬و ص‪.198‬‬

‫‪14‬‬

‫وأمارة العدل بالنسبة له هي أن يسود األقوى من هو أقل قوة منه‪ ،‬وبالتالي فالقوة هي أساس العدالة(‪.)1‬‬ ‫الريين‪ ،‬يالحظ إن ثراسيماخوس كان ينادي بمصلحة األقوى‪ ،‬مهمالً بذلك فئة تمثل‬ ‫وخالصة هذين أ‬ ‫األغلبية وهي الرعية‪ ،‬والعدالة بنسبة له تتمثل في أحترام الناس للقوانين التي تسنها الحكومات األكثر‬ ‫قوة والعادل هو من يخضع للقوانين دون مزايدة‪ ،‬والظالم هو من يخرج عن تلك القوانين‪ .‬بالنظر الى‬ ‫ً‬ ‫الجانب األخالقي والمعياري نجد إن التصور الذي قدمه ثراسيماخوس يخلوا من الجوانب المهمة في‬ ‫بناء نظرية العدالة‪ .‬أما بالنسبة لرأي كاليكلس فهو بدورِه تصور ال أخالقي‪ ،‬وذلك بعد ِه القوة هي أساس‬ ‫العدالة وتسمى هذه النظرية بـ(نظرية الحق لألقوى) وطبقاً لهذه النظرية فإن األخالقيات والقوانين هي‬

‫من صنع الضعفاء من البشر‪ ،‬بيد أن الطبيعة والتأريخ ال يتفقان مع هذا‪ .‬ومن هذه األفكار أتت أطروحة‬ ‫أفالطون لتصحيح الفكر السفسطائي(‪ .)2‬وأنتقد أفكارهم مجادالً بأن أفكارهم تفسد المجتمع وتقضي على‬

‫العدالة والمساواة في السياسة وفي نظم الحكم السائدة‪ ،‬وأنهم يظللون شباب أثينا‪ .‬فالسفسطائيين يتباهون‬ ‫بمعرفة كل شيء‪ ،‬وبدأ أفالطون بالهجوم العلمي على مدارسهم وفلسفاتهم من اجل أن يبني الحكم‬

‫السياسي في أثينا على القيم الثابتة في العدل والمساواة والحرية(‪.)3‬‬ ‫كانت العدالة عند أفالطون محور فكره األخالقي والسياسي‪ ،‬ونظ اًر لألهمية التي أوالها بها فإنه أنطلق‬

‫منها في بداية كتابه الجمهورية على أعتبار أنها تشكل مبدأ المبادىء في كل المسائل التي وصفها في‬ ‫الجمهورية والمتعلقة بحياة الفرد في الدولة أو في جماعة سياسية‪،‬المشكلة الرئيسة التي تناولها هي مشكلة‬ ‫العدالة الفردية والجماعية ويتيح اللجوء الى العدالة استبعاد المصلحة والمنفعة‪ ،‬وقاس السياسة بهذا‬ ‫المقياس(‪ .)4‬فكان تسأوله األول عن طبيعة العدالة وما هي؟ هل هي صدق في القول والوفاء بالدين؟ أم‬ ‫هي إتقان العمل؟ أم هي تحقيق مصالح األقوياء؟ أم هي نفع األصدقاء ومضرة األعداء؟ أم هي الوفاء‬ ‫بالعهد؟ وكانت نتيجتها في النهاية أن العدالة هي التي تجعل من الرجل العادل إنساناً سعيداً‪ ،‬ومادامت‬

‫الفضيلة ترتبط بحياة الفرد كان من الضروري عندئذ أن تربط العدالة بين الفضيلة والسعادة‪ ،‬ولذلك كان‬ ‫مبدأ العدالة من أهم المبادىء التي بنى عليه افكاره ونظرياته‪ ،‬بأعتباره يمثل الثابت غير القابل للتغير‬ ‫والتبدل(‪.)5‬‬ ‫‪ 1‬ويل ديورانت‪ ،‬قصة الفلسفة‪ ،‬ت‪ .‬عبدهللا مشعشع‪ ،‬مكتبة المعارف‪ ،‬بيروت‪ ،2005 ،‬ص‪.21‬‬ ‫‪2‬‬

‫للمزيد من التفاصيل ينظر‪:‬جان جاك شوفاليه‪ ،‬تأريخ الفكر السياسي‪ ،‬ت‪.‬محمد عرب صاصيال‪ ،‬المؤسسة الجامعية‬

‫للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،1979،‬ص‪.39‬‬

‫‪3‬عزم أفالطون على محاربة السفسطائيين وماديتهم المستترة ودافعيتهم غير المتبصرة‪ ،‬وقبولهم وأستغاللهم للغرائز‬

‫واألراء والشهوات‪ ،‬للمزيد ينظر‪ :‬ريمون غوش‪ ،‬السياسة في العهد السقراطي‪ ،‬دار الساقي‪ ،‬بيروت‪ ، 2008،‬ص‪.23‬‬

‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬

‫جان توشار‪ ،‬تاريخ الفكر السياسي‪ ،‬ت‪.‬علي مقلد‪ ،‬الدار العالمية للنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪،‬ط‪ ،1983 ،3‬ص‪.31‬‬

‫إسماعيل زروخي‪ ،‬دراسات في الفلسفة السياسية‪ ،‬دار الفجر‪ ،‬الجزائر‪ ،‬دون سنة النشر ‪ ،‬ص‪.38‬‬

‫‪15‬‬

‫يعد أفالطون من أول الشخصيات التي أوضحت إن ليس لإلجتماع المدني من قاعدة سوى العدالة‪،‬‬ ‫وان أية دولة ال تعترف بها هي دولة فاسدة‪ .‬وكذلك حدد فكرة العدالة في الكتاب الرابع من الجمهورية‬

‫لديه"أن يؤدي كل أنسان عمله الخاص ِ‬ ‫بالقول أنها تعني ِ‬ ‫به دون أن يتدخل في عمل سواه"‪ .‬فالمدينة‬ ‫ِ‬ ‫وعليه يكون معنى العدالة إعطاء كل فرد‬ ‫تكون عادلة إذا قام الصانع والجندي والحاكم فيها كل بعمله‪،‬‬

‫ماله وما عليه ‪ -‬العمل بحسب حالته القائمة بالفعل وفي ضوء مؤهالته وخبراته ‪-‬وتأدية األعمال التي‬ ‫يتطلبها المركز الذي يشغله(‪ .)1‬وعلى هذا األساس قسم المجتمع الى ثالث طبقات وهم(الحكام والجنود‬ ‫والعمال) وهو يقابلون األنفس الثالثة(العاقلة‪ ،‬والغضبية‪ ،‬والشهوانية) والتي تقابل كل منهم فضيلة معينة‬ ‫وهم(الحكمة والشجاعة والعفة)‪ ،‬ولكن هذه القوى المختلفة البد أن يجمعها وحدة تعلو عليها لكي تحقق‬ ‫األنسجام التام بين ما تؤديه من األعمال‪ ،‬فالبد إذن من فضيلة رابعة مهمتها تحقيق اإلنسجام بين جميع‬ ‫الفضائل وهي فضيلة العدالة(‪.)2‬‬ ‫وعليه يكون مضمون العدالة في البناء اإلجتماعي هو أن يلتزم كل فرد في الدولة بالدور الطبقي‬ ‫الذي ينتمي اليه وال يتجاوز نطاقه الطبقي‪ ،‬بحيث ان العدالة األفالطونية ال تعني المساواة(كما يعرف‬ ‫اليوم)‪ ،‬وانما تعني تحقيق التوازن بين الطبقات‪ .‬وهذا التوازن يتحقق عندما يلتزم كل فرد بالعمل الذي‬ ‫أختص ِ‬ ‫به راضين من أعمالهم وفقاً لطبقاتهم(‪ .)3‬إن العدالة عند أفالطون لم تكن تقتضي المساواة‪ ،‬ألنه‬ ‫من الممكن‪ ،‬في إعتقاده‪ ،‬أن يقع تفاوت في السلطة والحقوق دون أن يكون في ذلك ما ينافي العدالة‪،‬‬ ‫فالسلطة كلها من حق الحكام ألنهم أحكم أعضاء المجتمع‪ ،‬وأن الظلم ال يقع في هذا الصدد إال إذا وجد‬ ‫بين أفراد الطبقتين اآلخرين من هم أكثر حكمة من بعض الحكام(‪.)4‬‬ ‫ومن ناحية أخرى بحث أفالطون مفهوم العدالة في النفس البشرية قبل أن يبحثها في الدولة‪ ،‬ألن‬ ‫الفرد الفاضل اليوجد اال في مدينة فاضلة‪ ،‬ومن هنا كانت فكرة العدالة التي درسها في الجمهورية فكرة‬ ‫أخالقية وليست فكرة تشريعية‪ ،‬فإذا كانت العدالة في الفرد هي الفضيلة‪ ،‬عندها يمكن قول الشىء نفسه‬ ‫عن الدولة العادلة‪ ،‬وهي التي يقوم فيها كل مواطن بالوظيفة التي تؤهله لها قدراته (‪ .)5‬إذاً هناك اختالف‬

‫في القدرات العقلية للبشر‪ ،‬ومن هنا تأتي مشروعية نظرية أفالطون في العدالة والتي أقترنت بإداء كل‬

‫‪ 1‬جورج سباين‪ ،‬تطور الفكر السياسي(كتاب‪ .‬األول)‪،‬ت‪.‬حسن جالل العروسي‪،‬دار المعارف‪،‬القاهرة‪،‬ط‪ ،1971 ،4‬ص‪68‬‬ ‫‪2‬‬

‫توماس ماير وأودو فورهولت‪ ،‬المجتمع المدني والعدالة‪ ،‬مجموعة من المترجمين‪ ،‬القاهرة‪،2010،‬ص‪.132‬‬

‫‪3‬‬

‫إسماعيل زروخي‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.35-34‬‬

‫‪4‬‬

‫برتراند رسل‪ ،‬تأريخ الفلسفة الغربية‪ ،‬الكتاب األول‪ ،‬الفلسفة القديمة‪ ،‬ت‪.‬د‪.‬زكي نجيب محمود‪ ،‬الهيئة المصرية العامة‬

‫للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،1967،‬ص‪.191-190‬‬ ‫‪5‬‬

‫إمام عبدالفتاح إمام‪ ،‬األخالق والسياسة(دراسة في فلسفة الحكم)‪ ،‬المجلس األعلى للثقافة‪ ،‬القاهرة‪ ،2001،‬ص‪.161‬‬

‫‪16‬‬

‫ِ‬ ‫لوظيفته حسب ما هو مؤهل له (‪ .)1‬ومن الناحية األخالقية يجب أحترام هذا التقسيم الطبيعي لألنفس‬ ‫فرد‬ ‫لبناء مجتمع قوي ومتماسك وتحقيق دولة النظام‪ ،‬فالعدالة إذاً هي تقسيم األدوار ويقوم هذا على أحترام‬ ‫ذلك التصنيف مادام يصب في نهاية المطاف في صالح الدولة‪ .‬لذلك يعد التمييز الطبقي المبدأ األساسي‬

‫لقوة الدولة ونفوذها‪ ،‬وال يمكن فهم آلية تشكيل الدولة في فلسفة أفالطون دون أستيعاب لمفهوم العدالة‬ ‫في هذه الفلسفة‪،‬إذا ال يستقيم مفهومها إال داخل الدولة(‪ .)2‬وفي مسألة عدالة المساواة والالمساواة‪ ،‬توصف‬ ‫الدولة المثالية عندما تكون الدولة العادلة هي التي تفرض نظاماً طبقياً مراعياً اختالف القدرات الطبيعية‬ ‫للبشر‪ ،‬وأن تحقيق وحدة المجتمع وانشاء الحضارة والسعادة الحقيقية ال يتم إال عن طريق العدالة(‪.)3‬‬

‫على غرار افالطون يعتقد أرسطو(‪ 322- 384‬ق‪.‬م)‪ ،‬أن هناك اختالفات جوهرية تفصل بين الناس‪،‬‬ ‫وترجع تلك اإلختالفات الى تباين قدراتهم الطبيعية‪ ،‬ففي الوقت الذي يكون فيه بعض االشخاص مؤهلين‬ ‫لممارسة الحكم او المشاركة فيه‪ ،‬ال يصلح آخرون‪-‬وهم غالبية البشر‪ -‬سوى أن يكونو محكومين‪ .‬وحسب‬ ‫رأيهما‪ ،‬فأن العالقة الصحيحة التي ينبغي ان يسود بين هذين الصنفين من البشر هي عالقة األمر‬ ‫والطاعة‪ .‬ولكن كما يرى أرسطو‪ ،‬فالعالقات بين الناس غير متساوين جذرياً بعضهم مع بعض ليست‬

‫الموضوع الرئيسي للعدالة‪ .‬إذ يطبق مفهوم العدالة في نظرية أرسطو باألساس على مجموعة العالقات‬

‫التي تسود بين االشخاص األحرار والمتساوين نسبياً‪ .‬فيما تؤدي هذه العالقات دو اًر ضئيالً للغاية في‬

‫الجدل الذي يدور في الجمهورية(‪.)4‬‬

‫أعتبر أرسطو إن العدالة هي بمثابة جوهر الفكر السياسي‪ .‬أو هي القضية المحورية‪ ،‬إذ وجدها كالحد‬ ‫الوسط بين الظلم المتمثل في األعتداء على ما يخص اآلخرين‪ ،‬والظلم المتمثل في أعتداء اآلخرين على‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫مصطفى النشار‪ ،‬تأريخ الفلسفة اليونانية من منظور شرقي‪ ،‬ج‪ ،2‬دار القباء‪ ،‬قاهرة‪ ،2000،‬ص‪.269‬‬

‫أفالطون‪ ،‬الجمهورية‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.128‬‬

‫‪ 3‬هنا البد من القول ان رؤية افالطون للعدالة قد تأثرت برؤية استاذه سقراط(‪ 401-470‬ق‪.‬م) وفكرته عن العدالة والتي‬

‫كان يراها التزاماً بالتقاليد األغريق الداعية الى أحترام القوانين‪ ،‬سواء كانت هذه القوانين من صنع الحكماء او قوانين إلهية‪،‬‬

‫بحيث ان االلتزام بالقوانين تعبير عن مدى صالحية المجتمع ومقياس لفضائله‪ .‬مرت فكرة العدالة عند سقراط بمرحلتين‬ ‫مهمتين‪ ،‬تمثل المرحلة األولى الربط بين العدالة والفضيلة‪ ،‬إذ يذهب إلى أن العدالة توجد في الدولة بالمثل تماماً كما توجد‬ ‫في الفرد إذ تمثل قمة الفضائل فيقول‪":‬إن العدالة توجد في الفرد بوصفها فضيلة له فإنها توجد أيضاً في الدولة"‪ .‬وعليه‬ ‫يريد سقراط تأسيس الدولة على مبدأ العدالة المدعومة بالفضيلة‪ .‬أما الثانية‪ ،‬تتمثل في عالقة العدالة بالقانون‪ ،‬حيث ربط‬

‫بينهم وذهب إلى أن العدالة الحقيقية تتمثل في عدالة القانون وطاعة احكامه‪ ،‬باحثاً عن وحدة مجتمع متماسك تحت‬ ‫سلطة القانون لينفي بذلك روح الفردية التي عمل السفسطائيون على نشرها‪.‬للمزيد ينظر‪:‬ملحم قربان‪ ،‬قضايا الفكر السياسي‪،‬‬ ‫العدالة‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر ‪ ،‬بيروت‪ ،1992،‬ص‪ .126‬وكذا‪:‬غانم محمد صالح‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.42‬‬ ‫‪4‬‬

‫ديفيد جونستون‪ ،‬مختصر تاريخ العدالة‪ ،‬ت‪ .‬مصطفى ناصر‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬كويت‪ ،2012 ،‬ص‪.86‬‬

‫‪17‬‬

‫ما يخصنا‪ .‬وان التوازن بين هذين الحدين – من خالل منع الظلم –هو طريق تحقيق العدالة(‪ .)1‬تتضح‬ ‫ماهية العدالة عند أرسطو في ثالثة محاور‪ :‬األول‪ ،‬يتمثل في تحقيق المساواة وعدم الظلم‪ ،‬وذلك يتمثل‬ ‫في كون العدالة هي السلوك البشري‪ ،‬حيث إن معنى الظلم ال ينحصر في محاولة الفرد الحصول على‬ ‫نصيب أكثر مما ينبغي أن يناله بطريق اإلنصاف‪ ،‬فقد يتحقق الظلم أحياناً بأن يأخذ الفرد نصيباً أقل‬

‫مما ينبغي‪ .‬أما المحور الثاني فيتمثل في قناعته بأن العدالة هي الخير‪ ،‬وأنها هي المقصد الرئيسي في‬ ‫السياسة‪ .‬وفي هذا يقول أرسطو‪":‬فالخير في السياسة إنما هو العدل‪ ،‬وبعبارة أخرى المنفعة العامة"‪ ،‬وان‬ ‫العدالة على وجه العموم نوع من المساواة ‪.‬أما المحور الثالث‪ ،‬فيتمثل في ضرورة اإلجتماع البشري والتي‬ ‫ينشأ عنها ضرورة توافر العدالة ألجل تحقيق أستقرار ذلك المجتمع(‪ .)2‬ومن جانب أخر يؤكد أرسطو‬ ‫أن العدالة هي قمة الفضائل‪ ،‬إذ أن جميع الفضائل تتبع العدالة وليس العكس‪ ،‬وان الفضيلة اإلجتماعية‬ ‫هي العدالة وكل األخريات ال تأتي بالضرورة إال بوصفها نتائج لها(‪.)3‬‬ ‫يميز أرسطو بين معنيين للعدالة‪ :‬فهي من ناحية توازي كل الفضيلة الخلقية للرجل العادل‪ ،‬ومن ناحية‬ ‫اخرى هي فضيلة خاصة محددة‪ ،‬اي تلك الفضيلة التي يتحلى بها االنسان في معاملته مع اآلخرين‪.‬‬ ‫الرجل العادل بالمعنى االول‪ ،‬سيكون بالضرورة عادالً بالنسبة للمعنى الثاني‪ ،‬وان كان العكس غير‬

‫صحيح تماماً‪ ،‬فقد يكون رجل االعمال يمتاز باألمانة في معامالته‪ ،‬ولكنه في نواح اخرى من حياته ال‬ ‫يكون كذلك‪ .‬وحين ميز أرسطو بينهما‪ ،‬إنما أراد ان يشير الى اختالف في ركيزة المعنى واساسه‪ :‬فنحن‬

‫حينما نتكلم عن العدالة فأننا نحمل في عقولنا مفهوماً ال امتيا اًز‪ ،‬كذلك الحال بالنسبة للرجل الذي ِ‬ ‫نصفه‬

‫بالفضيلة‪ ،‬لكن عند تحدثنا عن العدالة في المعنى االول فإننا نرمي من وراء ذلك بيان االمتياز للكائن‬ ‫البشري في جانبه الوظيفي‪-‬تعامله مع اقرانه‪ -‬المعبرة عن قدرة ذلك الفرد على ان يكون في عالقاته مع‬ ‫اآلخرين خي اًر وفاضالً‪ .‬وهذا يدفع الى التأكيد بأن العدالة في معانيها االول والثاني تختلفان(على الرغم‬

‫من الترابط الجذري بينهما)‪ ،‬فمجال العدالة في المعنى االول واسع شامل لمعنى الفضيلة العام بيما في‬

‫معناها الثاني‪-‬كأي فضيلة اخرى محددة المفهوم والمغزى‪ -‬يكون لها ميدانها المحدد عند التطبيق‪ ،‬وان‬ ‫بعدهما يرجعان الى عالقات بشرية ويوضحان بعضاً من جوانبها(‪.)4‬‬ ‫كان المعنيان يرتبطان َّ‬

‫‪1‬‬

‫عدنان السيد حسين‪ ،‬تطور الفكر السياسي‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.94‬‬

‫‪2‬‬

‫نقالً عن‪ :‬محمد ممدوح عبدالمجيد‪ ،‬العدالة القضائية بين أفالطون وأرسطو‪ ،‬في(مجموعة من المؤلفين‪ ،‬فلسفة القانون‬

‫‪3‬‬

‫مصطفى صقر‪ ،‬فلسفة العدالة عند األغريق‪ ،‬مكتبة الجالء الجديدة‪ ،‬مصر‪ ،1989،‬ص‪.35‬‬

‫ورهانات العدالة)‪ ،‬إشراف وتحرير‪.‬عامر عبدالزيد الوائلي‪ ،‬ابن نديم للنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،2016،‬ص‪.117-116‬‬ ‫‪ 4‬غانم محمد صالح‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪،‬‬

‫ص‪.93-92‬‬

‫‪18‬‬

‫أما في القانون الروماني فنجد إن العدالة قد أخذت مكاناً بار اًز فيه‪ ،‬فنالحظ في مدونة(جستينان)‬

‫( ‪)1‬‬

‫أنها قد عرفت في مقدمة الباب األول تحت عنوان(العدل والقانون) من الكتاب األول للمدونة بأنها‪(:‬حمل‬ ‫النفس على ايتاء كل ذي حق حقه‪ ،‬وااللتزام بذلك على وجه الثبات واإلستمرار)(‪ .)2‬وفي القرن الرابع بعد‬ ‫الميالد أصبح لمبدأ العدالة شأن عظيم بحيث ينص ِ‬ ‫عليه في إحدى التشريعات األمبراطورية‪ ،‬وتجعله‬

‫من اهم واجبات القضاء حيث ي َّسر فيها األمبراطورية تحقيق العدالة في كل القضايا المعروفة أكثر من‬

‫التقيد بالنصوص الجامدة‪ ،‬ولذلك يرى بعض من الكتاب إن قواعد العدالة قد خلصت القانون المدني‬ ‫الروماني من كثير من شكلياته‪ ،‬واستحدثت فيه نظماً قانونية جديدة ليس لها أي سند في النصوص‬

‫الوضعية‪ ،‬وكذلك أشاعت فيه روحاً حرة مكنته من التطور الدائم(‪.)3‬‬

‫وفي العصور الوسطى قدم المفكرون المسيحيون تصو اًر آخر عن العدالة‪ .‬وبينما أقروا أن األستحقاق‬

‫كان مكوناً مهماً من العدالة‪،‬فقد أصروا على أن الحاجة كانت ال تقل أهمية‪ .‬مجادلين بأن الناس يتمتعون‬ ‫بكرامة وقيمة متساوية‪ ،‬ولهم حق متساو بموارد األرض لحاجاتهم األساسية لحقوق متساوية في اإلرضاء‪،‬‬

‫وعلى اآلخرين واجب العدالة في تلبيتها‪ .‬آمنت الكنيسة المسيحية بالقانون الطبيعي ومبدأ المساواة بين‬ ‫البشر وبضرورة التزام الدولة بالعدالة‪ .‬في هذا العصر كان أعظم مفكر سياسي هو القديس‬ ‫أوغستين(‪ ،)440-354‬إذ أنتقل عن طريقه معظم الفكر القديم الى العصور الوسطى‪ .‬ولعل أهم وأبرز‬ ‫ما أستحدثه من أفكار هو تصويره لفكرة مجموعة األمم المسيحية ودافع عنها‪ .‬من وجهة نظر أنه يتعين‬ ‫على مجموعة األمم(الكومنولث) أن تكون مسيحية معترضاً أراء كتاب ما قبل المسيحية أمثال(شيشرون)‬

‫الذين زعموا أن إقامة العدالة أنما هي وظيفة أية مجموعة لألمم بصرف النظر عن عقائدهم‪ .‬فرد موضحاً‬

‫أن سبب إص ارره على أن تكون مجموعة األمم مسيحية هو إيمانه بعجز الدولة عن إقامة العدالة ما لم‬

‫‪ 1‬جستينان ‪:‬حاكم األمبراطورية الرومانية الشرقية وعاصمتها قستنطنية تولى الحكم بها في(‪ )527‬حتى مماته سنة(‪)565‬‬

‫وفي سنة(‪ )530‬شكل جستينان لجنة لوضع موسوعة للقوانين صدرت سنة(‪ ،)533‬كما انه أصدر كتاب النظم أو المدونة‬ ‫( ‪ )Institutes‬وأصبحت نافدة في الموسوعة‪ ،‬وقرر وجوب أستعمال المدونة في التدريس وهذا ما جعله أن يكون لها قوة‬

‫تشريعية‪ .‬للمزيد ينظر‪ :‬مدونة جستينان‪ ،‬ت‪ .‬عبدالعزيز فهمي باشا‪،‬عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪ ،‬دون سنة النشر‪ ،‬ص‪.5‬‬ ‫‪2‬‬

‫قبل مدونته كان هناك قانون آخر وهو قانون األلواح اإلثني عشر الذي كان يحكم مواطني روما فقط دون األجانب‪،‬‬

‫وعلى الرغم من إن تلك القوانين لم تكن قد جعلت العدالة احدى مصادرها االساسية‪ ،‬إال إنها ليس باإلمكان وصفها بأنه‬ ‫كانت خالية من معنى العدالة‪ ،‬ألن وجود قانون بحد ذاته يعد بمثابة دليل قطعي على وجود العدالة‪ .‬كما ذكر إن قانون‬ ‫األلواح اإلثني عشر لم يكن خالياً من أحكام العدالة‪ ،‬وعلى الرغم من محاوالت الفقهاء الرومانيين لتكملته بقانون الشعوب‬ ‫التي خصصت لتنظيم عالقة روما مع أهالي المدن الخاضعة لروما‪ .‬للمزيد من االطالع ينظر‪ :‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.6‬‬

‫‪3‬‬

‫اسماعيل نامق حسين‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.17-15‬‬

‫‪19‬‬

‫تكن مسيحية‪ ،‬وأنه من المغالطة الزعم بأن الدولة قادرة على أن تعطي كل ذي حق حقه إذا كانت هذه‬ ‫الدولة غير مسيحية(‪.)1‬‬ ‫وكذلك يميز اوغستين بين القانون الدينوي‪ ،‬إذ يدفع األفراد الى التخلي عن مصالحهم الشخصية من‬ ‫أجل مصلحة عامة مشتركة‪ .‬والقانون األبدي الذي يقضي بتوافق القوانين المدنية الخاصة مع المعايير‬ ‫والقواعد الثابتة التي في المدينة المقدسة(‪ .)2‬إن لب نظرية أوغستين السياسية هو منظوره الخاص الى‬ ‫الفضيلة‪ ،‬فالفضيلة هي التي تصف المواطن من حيث إنه مواطن وتصرف كل المواطنين إلى غاية أو‬ ‫صالح المدينة العامة هي العدالة‪ .‬فالعدالة عنده هو حجر األساسي للمجتمع وتحافظ على السالم والخير‬ ‫العام للمجتمع‪ .‬وايضاً يفسر أوغستين الحق عن طريق العدالة وليس عن طريق القانون ويصر على أنه‬ ‫ال يمكن لدولة أن يجري فيها القانون بدون العدالة‪ ،‬ألنه حيثما ال تكون هناك عدالة فلن يكون هناك‬

‫حق‪ ،‬والعكس صحيح(‪ .)3‬فضالً عن وجود آراء اخرى عند المفكرين المسيحيين(‪.)4‬‬ ‫خالصة القول‪ :‬نرى في كل ما سبق ان هناك اختالفات في وجهات النظر حول مفهوم العدالة‪ ،‬إذ‬ ‫رفض السفسطائين أساساً وجود العدالة باعتبارها قيمة يؤمن بها الضعفاء فقط‪ ،‬آملين للحصول على‬

‫المساواة وتقيد قوة األقوياء‪ ،‬وان العدالة ليست إال صالح األقوى‪ ،‬ويتجلى ذلك بوضوح في نموذجي(تراسيما‬ ‫خوس وكاليكلس)‪ .‬هذا ما رفضه أفالطون‪ ،‬طارحاً مفهوماً مختلفا(مفهوماً اخالقياً) عن العدالة ب ِ‬ ‫قوله‪ :‬أن‬

‫العدالة تعني أن يؤدي كل إنسان عمله الخاص به وتأديتها حسب المركز الذي يشغله‪ ،‬واعطاء كل فرد‬ ‫ماله وماعليه حسب مؤهالته وخبراته محققاً بذلك التوازن بين الطبقات‪ .‬أما أرسطو فقد اعتبر العدالة‬

‫قضية محورية ووجدها‪ ،‬الحد الوسط بين ممارسات الظلم‪ ،‬وان منع تلك الممارسات هو طريق تحقيق‬

‫‪ 1‬جورج سباين‪ ،‬تطور الفكر السياسي‪،‬الكتاب الثاني‪ ،‬ت‪ .‬حسن جالل عروسي‪ ،‬مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‪-‬‬

‫نيورك‪ ،‬ط‪ ،1969 ،2‬ص‪.279-275‬‬ ‫‪2‬‬

‫علي عبود المحمداوي‪ ،‬الفلسفة السياسية‪ ،‬دار الروافد الثقافية‪-‬الناشرون‪ ،‬بيروت‪ ،2015 ،‬ص‪.80‬‬

‫‪3‬‬

‫أرنست فورتن‪ ،‬القديس أوغستين‪ ،‬في(تأريخ الفلسفة السياسية‪ ،‬ليو شتراوس وجوزيف كروبسي)‪ ،‬ت‪.‬محمود سيد احمد‪،‬‬

‫المشروع القومي للترجمة‪ ،‬القاهرة‬

‫ص‪.269‬‬

‫‪ 4‬فمثالً يرى(توما األكويني ‪ ،)1274-1224‬بأن من لديهم سلعاً زائدة يترتب عليهم واجب تفرضه العدالة بأن يشاركوا‬

‫بها من يحتاجونها‪ ،‬اي أنه من الظلم أن يتضور بعض الناس جوعاً وسط الرفاهية والوفرة‪ .‬من ناحية أخرى يؤكد األكويني‬ ‫أن المدينة بحد ذاتها‪ ،‬ضرورة لإلنسان‪ ،‬والحياة السياسية أمر طبيعي له متأث اًر بـ(أرسطو) الذي كان يرى أن اإلنسان‬

‫بطبعه حيوان سياسي يحتاج الى قانون ينظم حياته ويحدد فيها الحقوق والواجبات ‪ ،‬والمدينة السعيدة في رأي األكوينى‪،‬‬ ‫تسعى الى الخير المشترك عبر تحقيق العدالة‪ ،‬ويجب أن ينصهر فيها األفراد دون أن تختفي ذاتيهم المميزة لهم‪ .‬للمزيد‬ ‫ينظر‪ :‬طوني بنيت ولورانس غروسبيرغ‪ ،‬مفاتيح اصطالحية جديدة‪ ،‬معجم المصطلحات الثقافية‪ ،‬ت‪.‬سعيد الفاتحي‪ ،‬مركز‬

‫دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،2010 ،‬ص‪.470‬وينظر‪ :‬علي عبود المحمداوي‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.84-83‬‬

‫‪20‬‬

‫العدالة‪ ،‬مؤكداً ان العدالة هي قمة الفضائل وأن الفضائل األخرى تتبع العدالة وليس العكس‪ .‬وعند‬ ‫الرومان كان للعدالة شأن عظيم بشكل نصت عليه التشريعات االمبراطورية الرومانية جاعالً منه من‬

‫أهم واجبات القضاء وجاعالً منه مفهوماً قانونياً‪ .‬اما في العصور الوسطى قدم المفكرون المسيحيون‬

‫مفهوماً مختلفاً عن العدالة إذ ربط اوغسطين العدالة بالكنيسة المسيحية مجادالً ومؤمناً بأن الدولة تعجز‬ ‫عن إقامة العدالة مالم تكن مسيحية وال تستطيع الدولة أن تعطي كل ذي حقه إذا لم تكن تلك الدولة‬

‫مسيحية‪ .‬هنا نرى أن مفكري الكنيسة المسيحية جعلوا من مفهوم العدالة مفهوماً عقائدياً‪.‬‬ ‫ثانياً‪ /‬العدالة في النظريات الليبرالية الحديثة والمعاصرة‪:‬‬ ‫‪ .1‬النظرية المنفعية ‪-: Utilitarianism‬‬ ‫في القرن الثامن العشر‪ ،‬كان المفكرون في اوروبا‪ ،‬وال سيما في انكلترا‪ ،‬قد بدأوا يفقدون اقتناعهم بأن‬ ‫هناك اشياء ثابتة بذاتها‪ ،‬وبأن العقل وحده كفيل بالوصول الى الحقيقة‪ ،‬واصبح مفهوم القانون الطبيعي‬ ‫ونظريتا العقد االجتماعي والحقوق الطبيعية موضع الشك‪ ،‬وصار المذهب الليبرالي يتطلب اساساً نظرياً‬

‫جديداً يبرر قيامه متمثالً في كتابات بعض مفكري ذلك القرن عرفوا بأسم(الراديكالية الفالسفة)‪ ،‬وتبلورت‬ ‫افكارهم فيما يعرف بأسم(الفلسفة النفعية)‪ ،‬والتي تعتبر أن أفراد البشر انانيون بطبيعتهم‪ ،‬وهذه الطبيعة‬

‫تدفعهم باستمرار الى السعي وراء السعادة وتجنب األلم في كل ما يفعلونه‪ ،‬وأن قيمة أي تنظيم سياسي‬ ‫واجتماعي تتوقف على ما إذا كان نافعاً في تحقيق اكبر قدر من السعادة ألكبر عدد من الناس‪ .‬ولذلك‬ ‫نجد افكارهم تدور في فلك الفلسفة الفردية‪ ،‬وأن قيمتها تقوم على تبرير المذهب الليبرالي‪ ،‬وعلى اصرارها‬

‫أن كل فرد مساو لكل فرد آخر فيما يتصل بقيمة السعادة واأللم كمعيار للتنظيم السياسي(‪.)1‬‬ ‫( ‪)‬‬

‫ويعد( جيرمي بنتام ‪)1832-1748‬‬

‫من أبرز القائلين بمذهب المنفعة‪ ،‬إذ تقوم فلسفته على مبدأ‬

‫المنفعة الذي أنتشر في القرن الثامن عشر وأصبح مرتك اًز فكرياً مهماً في القرن التاسع عشر للفلسفة‬

‫السياسية وللفكر األقتصادي‪ ،‬وجاء في كتابه الموسوم(مقدمة لمبادىء األخالق والتشريع) الذي نشره عام‬ ‫(‪")1789‬لقد وضعت الطبيعة تحت حكم سيدين(األلم واللذة)‪ .‬فهما وحدهما يدالن على ما يجب أن‬ ‫نفعله ويقران ما سنفعله‪.‬وأن معيار العدل والظلم أنما يحكمان ويتحكمان بكل ما نفعل ونقول ونفكر"‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫موسى ابراهيم‪ ،‬الفكر السياسي الحديث والمعاصر‪ ،‬دار المنهل اللبناني‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،2011 ،2‬ص‪.172-171‬‬

‫‪‬‬

‫مصلح قانوني وفيلسوف بريطاني ومؤسس المذهب النفعي‪ .‬شكلت افكاره أساس الراديكالية الفلسفية‪ ،‬التي كانت مسؤولة‬

‫عن العديد من االصالحات في بريطانيا‪ .‬له عدة اعمال ومنها‪(:‬شذرات عن الحكم ‪ )1776‬و(مبادىء في األخالق‬ ‫والتشريع ‪ .)1789‬للمزيد ينظر‪ :‬اندرو هيود‪ ،‬مدخل الى األيدولوجيات السياسية‪ ،‬ت‪.‬محمد صفار‪ ،‬المركز القومي للترجمة‪،‬‬ ‫القاهرة‪ ،2012 ،‬ص‪.423‬‬

‫‪21‬‬

‫وبعد بنتام يعد(جون ستيوارت ميل ‪ )()1873-1806‬الممثل الثاني لمذهب المنفعة محاوالً تعديل الكثير‬ ‫من أراء أصحاب المذهب النفعي ليوسع تعريف مبدأ المنفعة ليشمل(اللذات الكيفية بجانب الكمية) التي‬ ‫لم يفرق بنتام بينهما(‪ .)1‬إن أبرز تعبير عن المذهب النفعي‬

‫(‪)2‬‬

‫يتمثل في كتابات ميل وباألخص‬

‫كتاب(مذهب المنفعة العامة ‪ ) Utilitarianism‬وكتاب(نسق المنطق ‪ ،)System of Logic‬حيث‬ ‫يسجل ميل أنه"البد أن يكون ثمة معيار نميز به بين الخير والشر‪ ،‬بين المطلق والنسبي‪ ،‬بين الغايات‬ ‫والوسائل‪ ،‬وأياً كان هذا المعيار فلن يكون إال معيا اًر واحداً‪ ،‬وأن المعيار العام الذي ينبغي أن تجري وفقاً‬

‫له سائر قواعد السلوك العملي هو مدى ما يتولد من السعادة للجنس البشري"‪ ،‬وينبغي على كل إنسان‬

‫في كل فعل من أفعاله(الذي يفضله بين فعل وفعل) أن يكون منتجاً ألكبر قدر من السعادة وخي اًر أكثر‬ ‫ِ‬ ‫وعليه تعني النظرية النفعية بأختزال شديد‪ ،‬أن السلوك العادل او السياسة العادلة‬ ‫لعدد أكثر من الناس(‪.)3‬‬ ‫أخالقياً هي التي تنتج أعظم قدر من السعادة ألعضاء المجتمع‪ .‬والسعادة وفقاً لهم ذات قيمة وتنجم‬ ‫جاذبيتها عن النتائج التي تترتب على ممارستها‪ ،‬بمعنى أن تكون هذه النتائج نافعة ومفيدة او جالبة‬

‫السعادة لصاحبها وغير ضارة باآلخرين(‪.)4‬‬ ‫ووفقاً للفلسفة النفعية إن المعيار األساسي لتقييم أي سلوك أنساني ونظام سياسي يتوقف على مدى‬

‫معيارن أساسيان لتقيم المؤسسات‬ ‫ا‬ ‫تأمين أكبر قدر من السعادة ألكبر عدد من األفراد‪ ،‬لذا اللذة واأللم‬

‫والمنظمات المختلفة في المجتمع ‪ .‬إن أقوى جوانب النقد وأكثرها تحديداً لهذا المذهب يتمثل في التعارض‬ ‫بين أعتبارات المنفعة وأعتبارات العدالة‪ ،‬حيث يؤدي األخذ بالمنفعة في الكثير من الحاالت الى تبرير‬

‫الظلم‪ ،‬ومع هذا نجد ميل يرفض هذا التعارض المزعوم بين المنفعة والعدالة‪ ،‬مجادالً بأن العدالة ال‬

‫‪‬‬

‫فيلسوف وعالم اقتصاد انكليزي‪ ،‬اطلع على اعمال عدد من الموؤلفين الكالسيكيين الالتينيين واليونانيين وهو في الثامنة‬

‫من عمره‪ ،‬ومن اعماله الفلسفية(مذهب المنطق ‪ ،)1843‬و(مباديء االقتصاد السياسي ‪ ،)1844‬و(النفعية ‪،)1863‬‬ ‫وغيرها‪ .‬للمزيد ينظر‪ :‬معجم الفالسفة‪ ،‬اعداد جورج طرابيشي‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،2006 ،3‬ص‪.638‬‬ ‫‪1‬‬

‫موسى إبراهيم‪ ،‬معالم الفكر السياسي الحديث والمعاصر‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.168-166‬‬

‫‪ 2‬وفق رأي جون ستيوارت ميل هو المذهب الذي يقبل المنفعة أساساً لألخالق هو مبدأ السعادة العظمى إذ يقول أن‬ ‫األفعال تكون عادلة بمقدار ما تزيد من السعادة‪ ،‬وتكون ظالمة عندما تنتج ما هو عكس السعادة‪ ،‬والمقصود بالسعادة‬ ‫(اللذة وغياب األلم)‪ .‬للمزيد من اإلطالع ينظر‪:‬جون ستيوارت ميل‪ ،‬النفعية‪ ،‬ت‪ .‬حيدر حاج إسماعيل‪ ،‬توزيع مركز‬ ‫دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،2012،‬ص‪ 21‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫نقالً عن‪ :‬أنطوني دي كرسبني وكينث مينوج‪ ،‬من فالسفة السياسة في قرن العشرين‪ ،‬ترجمة وتقديم د‪.‬نصار عبدهللا‪،‬‬

‫‪4‬‬

‫فهمي جدعان‪ ،‬العدل في حدود ديونطولوجيا العربية‪ ،‬في(مجموعة من المؤلفين‪ ،‬ما العدالة؟)‪ ،‬مركز العربي لألبحاث‬

‫الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،2012،‬ص‪.267‬‬ ‫ودراسة السياسات‪ ،‬بيروت‪ ،2014،‬ص‪.83‬‬

‫‪22‬‬

‫تفسير لها إال بالنظر إلى المبادىء النفعية‪ ،‬ويمضي مدافعاً عن فكرته في أن العدالة مشتقة من النفعية‬

‫وليست مبادىء قائمة بذاتها(‪.)1‬‬

‫‪ .2‬النظرية الليبرالية المساواتية ‪-: Egalitarian Liberalism‬‬ ‫عندما يمنح المجتمع حريات متساوية لألفراد‪ ،‬تظهر فروق في الثروة والنفوذ االجتماعي والسياسي‪،‬‬ ‫والتوفيق بين منح الحريات‪ ،‬وظهور تلك الفروق تصبح ذات اهمية كبيرة‪ .‬فالنزاع بين انصار الحرية‬ ‫ومؤيدي المساواة مشكلة متوارثة في المجتمعات الحديثة‪ ،‬وكان هذا النزاع قد اتخذ شكل صراع فكري‬ ‫محتدم بين الليبراليين المناصرين للحرية واإلشتراكيين المؤيدين للمساواة االقتصادية‪ .‬ومن هنا جاءت‬ ‫مساهمة رولز كمحاولة جادة للجمع بين اإليجابيات الموجودة لدى فريقين‪ ،‬وذلك في توجه فلسفي جديد‬ ‫عنون باتجاه(الليبرالية المساواتية)(‪.)2‬‬ ‫يدافع عن نظرية المساواة الليبرالية العديد من المفكرين من امثال(رونالد دوركين‪ ،‬وامارتيا صن‪،‬‬

‫ِ‬ ‫بوصفه مؤسس النظرية‪ .‬حيث يقر أن العدالة هي الفضيلة االولى التي‬ ‫وغيرهم) وال سيما جون رولز‬

‫يمكن ان توصف بها المؤسسات اإلجتماعية‪ ،‬ومن ثم يحاول التوصل إلى مبادىء للعدالة جديرة بالدفاع‬ ‫عنها والتمسك بها‪ ،‬وان المجاالت التي تنصرف اليها العدالة هي توزيع الخيرات ويشمل كل ما يمكن أن‬ ‫تصبو إليه نفس اإلنسان من المال والحرية والفرص واحترام الذات‪ ،‬وان توزيعها يعتمد على مبادىء‬ ‫العدالة المعمول بها ضمن نسق متكامل من الحقوق والقوانين واإلجراءات التي يتألف منها المجتمع‪ .‬إن‬ ‫ما يرمي اليه رولز هو بناء نظرية تتفق نتائجها مع معتقداتنا العامة بما هو عادل وما هو غير عادل‪،‬‬ ‫وأن يجعل من هذه النظرية نسقاً يقف في مقابل ما يقول به مذهب المنفعة العامة‪ .‬لذلك انتقد الفلسفة‬

‫النفعية من عدة نواح‪ ،‬فمثالً‪ ،‬عندما تؤكد الفلسفة النفعية على عدم وجود سبب مبدئي للتساؤل‪ :‬لماذا‬

‫يجب أن ال تعوض المكاسب الكبرى لبعضهم الخسائر األقل لآلخرين‪ ،‬او بمعنى اخر‪ ،‬لماذا اليمكن‬

‫جعل إنتهاك الحرية للقلة صحيحاً من خالل خير اكبر يشترك فيه الكثير؟ لم يتفق رولز مع هذه النظرة‬ ‫المنفعية‪،‬ألنه يرى(إن الهدف األول للنظام اإلجتماعي هو تحقيق العدالة)‪ ،‬وهو ماال تكفله تلك التشريعات‬ ‫القائمة على مذهب المنفعة بما تستهدفه من تحقيق أكبر قدر ممكن من السعادة للمجتمع ككل(‪.)3‬‬ ‫فالنفعية ال تنظر بعين االعتبار الى الخسائر الفردية بوصفها خسائر قليلية في مقابل الخير األكبر الذي‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪:‬أنطوني دي كرسبني وكينث ميونج‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.271-268‬‬

‫‪ 2‬نقالً عن‪ :‬أنور محمد فرج‪ ،‬البحث عن العدالة العالمية‪ ،‬دراسات قانونية والسياسية (مجلة فصلية) يصدرها مركز‬ ‫الدراسات القانونية والسياسية في كلية القانون والسياسة‪ /‬جامعة السليمانية‪ ،‬العدد(‪ ،2016 ،)7‬ص ‪.389‬‬ ‫‪ 3‬نقالً عن‪:‬عادل صابر الراضي‪ ،‬الفكر الليبرالي المعاصر(جون رولز نموذجاً)‪ ،‬مجلة الفلسفة‪،‬العدد(‪ ،)10‬تشرين األول‪،‬‬ ‫القاهرة‪ ،2013 ،‬ص‪.92‬‬

‫‪23‬‬

‫سيصيب اكثرية األفراد‪ .‬ولهذا ال يمكن الدفاع عن مذهب يسمح بحاالت معينة من الظلم‪ .‬فمن غير‬ ‫الممكن أن نتصور أن رفاهية األغلبية قائمة على تجاهل األقلية‪ ،‬فهي ال تبالي بسعادة الفرد وتضحي‬ ‫به بأسم الرفاه الجمعي‪ ،‬وكأن المجتمع ليس سوى فرد واحد‪ ،‬متجاهالً بذلك تعددية األشخاص وتنوعهم‪،‬‬ ‫وحق كل فرد في متابعة رغبته العقالنية وتحقيقها‪ ،‬وال تأخذ في االعتبار الطريقة التي يتم بها توزيع‬ ‫المجموع اإلجمالي لالشباعات بين األفراد(‪.)1‬‬ ‫هنا يمكن القول ان رولز حاول تبيان جوانب معيبة من النظرية النفعية بعدها نظرية ال تأخذ بعين‬ ‫األعتبار الفروق بين االشخاص‪ ،‬وان مايجلب الخير العام‪ ،‬سوف يبرر أي تصرف للناس‪ ،‬فضالً عن‬ ‫تبرير افعال الحكومة‪ ،‬بشكل يصبح كل ما تفعله الدولة مقبولة اخالقياً‪ .‬ومن جانب آخر أرادت النفعية‬

‫ان تطبق على مجموعة االجتماعية نفس المنطق التي تطبقه على الفرد‪ ،‬فالفرد عنده جاهز للتضحية‬

‫بالعديد من رغباته من أجل الحصول في النهاية على افضل شكل من الرضا الشخصي‪ .‬لكن في الواقع‬

‫ان المجتمع ليس ِ‬ ‫لديه الحق بالتضحية بعدد من األفراد وبحريتهم في سبيل سعادة الجميع‪ .‬هذا ما دفع‬

‫المفكرون السياسيون في السبعينيات من القرن الماضي يبحثون عن بدائل للنفعية تعالج تلك العيوب‬ ‫وتحافظ في الوقت نفسه على أسس صلبة للدولة الليبرالية وضرورة البحث عن نظرية غير نفعية عن‬ ‫العدالة‪ ،‬لتجد المبادىء التي يمكن قبولها لمجتمع حر‪ ،‬هذا ما أتى به رولز في النظرية المساواتية‪.‬‬ ‫‪ .3‬النظرية الليبرتارية(التحررية) ‪-: Libertarianism‬‬ ‫يبدأ التحليل االجتماعي الليبرتاري بالفرد‪ ،‬مؤكداً على ان كل انسان شخص قائم بحد ذاته وهو سيد‬

‫جسده وممتلكاته وتصرفاته وله الحق في حياته الخاصة وسالمته البدنية والعقلية(‪ .)2‬دافع الليبرتاريون‬ ‫بحزم عن الحقوق المتساوية لكل االفراد‪ ،‬ولكنهم أدركوا ان األفراد غير متساوين في مواهبهم وقدراتهم‬ ‫ومصالحهم(‪ .)3‬وعليه تمثل هذه المقاربة الليبرتارية احدى اهم االنتقادات التي وجهت الى نظرية العدالة‬ ‫الليبرالية الرولزية التي اعتبرت المواهب والقدرات الفردية منحة جماعية‪ .‬وفي القرن العشرين واصل‬ ‫الليبرتاريين الدفاع بقوة عن الفرد ضد السلطة المتزايدة للدولة وضد الفكر الجماعي‪ ،‬وكذلك واصلوا‬ ‫التأكيد ايضاً على ان الفردية والحقوق في العالم التعددي هي ليست فقط معيار اخالقي للسياسة العامة‪،‬‬

‫بل هي افضل سياسة للتقليل من النزاعات(‪ .)4‬ويدعون الى تعزيز الحقوق الشرعية للملكية من حيث إن‬

‫‪ 1‬مراد دياني‪ ،‬حرية – مساواة – إندماج إجتماعي‪ ،‬المركز العربي لألبحاث والدراسة السياسات‪ ،‬بيروت‪ ،2014،‬ص‪.89‬‬ ‫‪2‬‬

‫مجموعة مؤلفين‪ ،‬مفاهيم الليبرتارية وروادها‪ ،‬الفردية والمجتمع المدني‪ ،‬الكتاب الثاني‪ ،‬تحرير ديفد بوز‪ ،‬ت‪ .‬صالح‬

‫عبد الحق‪ ،2008 ،‬ص‪.9‬‬

‫‪ 3‬لودفيغ فون ميزس‪ ،‬عن المساواة وعدم المساواة‪ ،‬في(الفردية والمجتمع المدني‪ ،‬الكتاب الثاني)‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪.109 ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫مجموعة مؤلفين‪( ،‬مفاهيم الليبرتارية وروادها)‪ ،‬مصدرسبق ذكره‪ ،‬ص‪.14‬‬

‫‪24‬‬

‫لألفراد الحق في التصرف الحر في ممتلكاتهم بغض النظر عن ما يترتب على ذلك من زيادة أو نقصان‬ ‫في اإلنتاجية‪ .‬مجادلين بأن هناك قانوناً ضمنياً يحكم العملية االقتصادية‪ ،‬قانوناً طبيعياً قاد اًر على تيسير‬ ‫هذه العملية وضبط توازنها‪ ،‬ومن ثم ال حاجة ألي تدخل خارجي(اي الدولة)‪ ،‬ألن مثل هذا التدخل‬

‫سيؤدي الى ارباك الواقع واإلخالل به (‪ .)1‬وسنوضح ذلك بالتفصيل في الفصل الثاني من رسالتنا‪.‬‬ ‫‪ .4‬النظرية الماركسية ‪-:‬‬ ‫يعد مفهوم العدالة في النظرية الماركسية نتيجة من نتائج للعالقات االجتماعية‪ ،‬فهي ال تسمح‬

‫باستغالل اإلنسان لإلنسان‪ ،‬من حيث أنها تدعم المبادىء األخالقية العليا وتحقق ألفراد المجتمع مساواة‬

‫حقيقية ال شكلية في جميع الحقوق‪ ،‬وتزيد من إحترام العمل واإلقبال عليه‪ ،‬وتعمق بين افراد المجتمع‬ ‫أواصر المحبة واألحترام المتبادل(‪ .)2‬شهدت ِ‬ ‫هذه النظرية في العقود المتأخرة إجتهادات ومواقف متباينة‬

‫أبرزها اثنان‪ :‬الموقف األول يشكك في فكرة العدالة نفسها‪ ،‬ويرى أن الشيوعية تمثل تجاو اًز لمشكلة العدالة‪،‬‬

‫مؤكداً أن العدالة ليست إال فضيلة تصحيحية‪ ،‬وهي رد على قصور في الحياة اإلجتماعية؛ والموقف‬ ‫الثاني يجاري الحرص الليبرالي على العدالة‪ ،‬ولكنه يرفض اإلقتناع الليبرالي بأن العدالة تتوافق مع الملكية‬

‫الخاصة لوسائل اإلنتاج مؤكداً على أن الملكية الخاصة هي أداة لإلستغالل‪ .‬ويرى أنصارها إن ديمقراطية‬

‫المالكين التي يتكلم عنها رولز غير عملية واقعياً‪ ،‬والمساواة العادلة ينبغي أن تتخذ شكل التمتع المتساوي‬ ‫بالخيرات والموارد العامة‪،‬ال شكل التوزيع المتساوي للخيرات الخاصة(‪.)3‬‬

‫‪ .5‬النظرية الجماعاتية ‪-:Communitarianism :‬‬ ‫إن جذور مذهب الجماعاتية‪ ،‬تعود الى مفكري االشتراكية الطوباوية للقرن التاسع عشر‪ .‬ويمكن رصد‬

‫اإلهتمام بالجماعة كموضوع ثابت في الفكر السياسي الحديث(‪ .)4‬غير أن الجماعاتية كمدرسة فكرية‬

‫معبرة عن فلسفة سياسية خاصة بها‪ ،‬ظهرت في عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين‪ ،‬لقد‬ ‫تطورت بوجه الخاص كنقد لليبرالية‪ ،‬حيث اكدت على الضرر الحادث للثقافة العامة للمجتمعات الليبرالية‪،‬‬

‫بتأكيدها على الحقوق الفردية والحريات‪ ،‬على حساب احتياجات الجماعة(‪ .)5‬تنهض النظرية الجماعاتية‬ ‫‪ 1‬طيب ابو عزة‪ ،‬نقد الليبرالية‪ ،‬تنوير للنشر واالعالم‪ ،‬القاهرة‪ ،2013 ،‬ص‪.107‬‬ ‫‪2‬‬

‫موسوعة الهالل اإلشتراكي‪ ،‬مطبعة دار الهالل‪ ،‬القاهرة‪ ،1968 ،‬ص‪.349‬‬

‫‪3‬‬

‫فهمي جدعان‪ ،‬العدل في حدود ديونطولوجيا العربية‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.89-88‬‬

‫‪4‬‬

‫ان اإلرتباك والحيرة التي سببها مصطلح الجماعاتية لم تسببه سوى قلة من المصطلحات السياسية‪ ،‬من حيث تشير‬

‫الجماعية الى اعمال الدولة وتبلغ اعلى شكل لتطورها في اقتصاد التخطيط المركزي الخاص بالدول الشيوعية‬

‫التقليدية(جماعة الدولة)‪ .‬في حين يستخدم آخرون لفظ الجماعية لإلشارة الى مذهب جماعاتية‪ ،‬تفضيل عمل الجماعة‬ ‫عن النضال الذاتي‪ ،‬وهي فكرة لها تداعيات خاصة بمذهب حرية اإلرادة‪ .‬للمزيد ينظر‪ :‬اندرو هيوود‪ ،‬النظرية السياسية‪،‬‬ ‫مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.84-81‬‬ ‫‪5‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.70‬‬

‫‪25‬‬

‫بصورة خاصة بوجه النظرية المساواتية‪ ،‬يرى بعض الجماعاتيين‪ ،‬أن ال جماعة حقيقية بحاجة الى‬ ‫مبادىء العدالة‪ .‬حيث يرون ان ما يستدعي وجود ِ‬ ‫هذه الفضيلة هو األفتقار الى فضائل أكثر نبالً‬ ‫ويقصدون بذلك فضيلتي(العناية والتضامن) فوفق ساندل مثالً عندما يبدي الناس على نحو عفوي‬

‫أستجابة لحاجات اآلخرين بدافع المودة أو بأعتبار الغايات المشتركة بينهم‪ ،‬فلن يشعر الشخص عندها‬ ‫بالحاجة الى مطالبة بحقوقه‪ ،‬لذلك يعبر األنشغال المتزايد بالعدالة عن حالة وهن أخالقي أكثر مما يعبر‬

‫عن حالة جيدة(‪ .)1‬وأيضاً يتفق العديد من الجماعاتيين مع رولز على أهمية العدالة‪ ،‬ولكنهم يصرون‬

‫على أن الليبراليين أساءوا فهم العدالة عندما جعلوا منها معيا اًر ال تأريخاً يصلح لنقد أنماط تنظيم الحياة‬ ‫في كل المجتمعات‪ .‬وقد يختلف المنفعوين والمساواتيون والليبرتاريون في مضمون العدالة‪ ،‬إال أنهم‬ ‫يتفقون على أن النظرية األمثل لديهم‪ ،‬هي التي تقدم معيا اًر يصلح لكل المجتمعات(‪(.)2‬ومن ضمنها‬ ‫مجتمعات المتعددة الثقافات)‪.‬‬

‫‪ -5‬التعددية الثقافية ‪Multiculturalism‬‬

‫(‪)3‬‬

‫تعكس التعددية الثقافية‪ ،‬بشكل أساسي‪ ،‬الموافقة اإلجابية على التنوع داخل الجماعة الذي ينشأ عادةً‬ ‫من االختالفات العرقية واإلثنية واللغوية‪ .‬إن التعددية الثقافية‪ ،‬إذاً‪ ،‬هي موقف سياسي متميز اكثر منها‬ ‫عقيدة سياسية متماسكة وذات برنامج‪ .‬وتقدم مجموعتين واسعتين من الحجج لصالح التنوع داخل‬

‫الجماعة‪ ،‬ترتكز المجموعة األولى على مكاسب التنوع بالنسبة للفرد بينما ترتكز المجموعة الثانية على‬

‫مكاسبها للمجتمع‪ .‬وأن نظريات التعددية الثقافية مستمدة من الليبرالية وتحاول في الوقت نفسه تجاوزها‪.‬‬ ‫وتمتد جذورها الى االلتزام بالحرية والتسامح‪ :‬القدرة على اختيار المرء للمعتقدات األخالقية الخاصة ِ‬ ‫به‪،‬‬ ‫والممارسات الثقافية وطريقة الحياة‪ ،‬بغض النظر عن عدم موافقة اآلخرين عليها(التسامح السلبي)(‪.)4‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬فإن بعض منظري التعددية الثقافية يرفضون الليبرالية‪ ،‬ويدعون أن قدرتها محدودة على‬

‫إقرار التنوع الثقافي‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬قد يقبل الليبراليون على التنوع الثقافي فقط‪ ،‬بقدر ما تكون‬

‫الممارسات الثقافية والدينية مقتصرة على المجال(الخاص)‪ ،‬وفقط اذا كانت الممارسات المعنية تنسجم‬

‫مع معتقد ليبرالي أساس خاص بالتسامح واالستقالل‪ .‬وبالتالي فلن يتسامح الليبراليون مع ما يعتبرونه‬

‫ممارسات متعصبة أو تتسم بضيق أفق في التفكير‪ .‬وأن نظريات التعددية الثقافية غير الليبرالية تطورت‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ويل كميلكا‪ ،‬مدخل الى الفلسفة السياسية المعاصرة‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.269‬‬

‫‪2‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.270‬‬

‫‪3‬‬

‫هي منظومة فكرية ونظرية للتعامل مع المجتمعات غير المتجانسة‪ ،‬منظومة فكرية تبنتها دول وتيارات سياسية‪-‬فكرية‬

‫للتعامل مع واقع وجود أقليات لغوية‪ ،‬قومية‪ ،‬عرقية و دينية في المجتمع األغلبية‪ .‬ومنظومة اكاديمية يستعملها علماء‬ ‫االجتماع والسياسة والفلسفة السياسية في تحليل عالقات األغلبية المسيطرة والدول القومية مع األقليات والجماعات‬ ‫المهمشة‪ .‬نقالً عن‪ :‬ويل كميلكا‪ ،‬أوديسا التعددية الثقافية‪ ،‬ت‪ .‬إمام عبد الفتاح إمام‪ ،‬الكويت‪ ،2012 ،‬ص‪.141‬‬

‫‪ 4‬أندروهيوود‪ ،‬النظرية السياسية‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.366‬‬

‫‪26‬‬

‫بمعنى ما‪ ،‬من نقد الجماعاتية لليبرالية‪ ،‬الذي يشدد على الطبيعة الثقافية المكونة بشكل جوهري للشخصية‪.‬‬

‫إن نظريات اخرى أكثر راديكالية للتعددية الثقافية تؤيد التسامح اإليجابي الذي يعني االعتراف الكامل‬ ‫والعلني بالثقافات المتميزة وليس مجرد قبولها‪ ،‬كما تشدد على أن معايير التنوع يجب أن تشمل أيضاً‬

‫المعتقدات والممارسات غير الليبرالية وغير الغربية‪ .‬وغالباً ما يربط هذا الشكل من التعددية الثقافية عقيدة‬ ‫حقوق األقلية بتعزيز العدالة االجتماعية للمجموعات المهمشة والمحرومة داخل المجتمعات الغربية‬

‫التقليدية (‪ .)1‬ومن أبرز القضايا المتعلقة بالتعددية الثقافية هي حقوق األقليات‪ ،‬التي قدم كميلكا بأكثر‬ ‫محاولة منظمة لتحديد تلك الحقوق‪ ،‬أستعداداً لالعتراف بحقوق األقليات‪ .‬والثانية‪ ،‬الهوية والثقافية بأعتبار‬ ‫أن التعددية الثقافية احد أشكال سياسة الهوية‪ ،‬التي تسعى لخدمة مصالح جماعات معينة في المجتمع‪،‬‬

‫وعادة مايكون ذلك في مواجهة ظلم أجتماعي حقيقي أو متصور‪ ،‬عن طريق تقوية وعي اعضائها بهويتهم‬ ‫ً‬

‫الجمعية وخبراتهم المشتركة‪ .‬وبهذا المعنى ترتبط الهوية الشخصي باالجتماعي‪ ،‬وتعد الفرد متجذ اًر في‬ ‫سياق ثقافي أو اجتماعي او مؤسسي أو ايدولوجي معين‪ .‬ومن هنا قام تايلور‪ ،‬دفاعاً صريحاً عن(سياسة‬ ‫االعتراف) بالتعددية الثقافية على أساس األفترافات المجتمعية المتعلقة بالهوية الشخصية(‪.)2‬‬

‫‪ 1‬أندرو هيوود‪ ،‬النظرية السياسية‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.368-367‬‬ ‫‪ 2‬للمزيد من أطالع ينظر‪ :‬أندرو هيوود‪ ،‬مدخل الى األيدولوجيات السياسية‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.386-383‬‬

‫‪27‬‬

‫الفصل األول‪ /‬مفهوم العدالة عند الليبرالية المساواتية(جون رولز) نموذجاً‬ ‫نرى من المفيد وقبل الولوج في صلب نظرية العدالة عند(جون رولز ‪)2002-1921‬‬

‫( ‪)‬‬

‫أن نذكر‬

‫شيئاً موج اًز عن مسيرته الفكرية‪ ،‬فقد كان رولز في بداياته األكاديمية مياالً للمذهب النفعي ومدافعاً عن‬

‫أطروحاته الفلسفية والسياسية‪ ،‬ويتجلى هذا الميل خصوصاً في مقالته األولى التي صدرت سنة (‪)1955‬‬

‫في مجلة( ‪ ) Philosophical Review‬والتي حملت عنوان(مفهومان للقواعد ‪Two Concepts of‬‬

‫‪ ) rules‬غير أنه لم يلبث أن تبين عجز هذا المذهب عن تقديم تصور مقنع للحرية والمساواة الفردية‬ ‫على أعتبار أنه ال يولي أهمية لسعادة الفرد بقدر أهتمامه بالسعادة العامة ألكبر قدر من الناس(كما أشرنا‬ ‫اليه سابقاً)‪ .‬ويعكس المقال الذي نشره سنة(‪ )1957‬تحت عنوان"العدالة بوصفها إنصاف" المنعطف في‬

‫فكر رولز وتحوله نحو توجه فكري مخالف(‪.)1‬‬

‫لقد كان هاجسه منذ صدور مقال ِه(العدالة بوصفها إنصاف ) هو صياغة نظرية سياسية متسقة تحظى‬

‫بقبول جميع أفراد المجتمع بحيث ينظر ِ‬ ‫اليه أعضاؤه مشروعاً تعاونياً ينشد الفائدة المتبادلة والمشتركة كما‬

‫يعد االعضاء شركاء كاملي الحقوق‪ ،‬وقد أخذت هذه الفكرة صورة واضحة سنة(‪ )1971‬في كتابه(نظرية‬ ‫في العدالة)‪ ،‬من خالل صياغة مبدأين في العدالة جعلهما رولز عماد تصور عمومي للعدالة في مجتمع‬ ‫يكون أفراده مختلفين حول رؤيتهم للخير ومثلهم األعلى للسعادة والعيش الرغيد(‪ .)2‬فضالً عن هذا تتصدى‬

‫نظرية العدالة لـ(جون رولز) إلى مشكلة قديمة في الفلسفة السياسية منذ زمن األغريق الى يومنا هذا‪،‬‬

‫وهو كيف تستطيع المجتمعات ضمان إستقرارها السياسي خارجياً وداخلياً؟ واذا كانت المجتمعات التقليدية‬

‫قد ضمنت أستقرارها من خالل أشتراك أفرادها في الهوية الواحدة وفي رؤيا متجانسة لما يجمع أعضاؤها‬

‫‪ ‬هو واحد من أهم المفكرين في الواليات المتحدة األمريكية‪ .‬وقد كان أستاذاً كبي اًر في جامعات(برنستون وأكسفورد وكورنيل‬ ‫وهارفارد) قبل أن يتقاعد عام (‪ .)1995‬والواقع إن فكره هيمن على الفلسفة األخالقية والسياسية منذ أن كان قد نشر‬ ‫أبحاثه عن العدالة والحرية والديمقراطية منذ أواخر الخمسينيات المنصرمة ‪ .‬وقد أمتد تأثيره ليشمل األقتصاد والقانون وعلم‬

‫النفس األخالقي‪ .‬من أهم مؤلفاته(نظرية في العدالة ‪ )1971‬و(الليبرالية السياسية ‪ )1993‬و(قانون الشعوب ‪)1999‬‬ ‫و(العدالة كإنصاف ‪:‬إعادة الصياغة‪ .)2001‬ينظر‪ :‬اندرو هيوود‪ ،‬مدخل الى االيدولوجيات السياسية‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪،‬‬ ‫ص‪ .421‬وكذا ينظر‪:‬‬

‫‪Bryan Duignan,The 100 Most Influential Philosophers of all Time,New York,pp,305-307.‬‬

‫‪ 1‬عبدالعزيز ركح‪ ،‬جون رولز‪ ،‬في(مجموعة االكاديمين العرب‪ ،‬الفلسفة السياسية المعاصرة)‪ ،‬تحرير علي عبود المحمداوي‬ ‫‪ ،‬منشورات األختالف‪ ،‬الجزائر‪ ،2013 ،‬ص‪.1213‬‬ ‫‪2‬‬

‫نوفل حاج لطيف‪ ،‬جدل العدالة االجتماعية في الفكر الليبرالي‪ ،‬جداول للنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،2015 ،‬ص‪.29‬‬

‫‪28‬‬

‫على أنه خير مشترك ويتفقون ِ‬ ‫عليه‪ ،‬إالَّ ان المجتمعات الحديثة فقدت مثل هذه الرؤية الموحدة والمتجانسة‬ ‫عن الخير المشترك(‪.)1‬‬ ‫من ناحية أخرى قدم رولز في كتابه(نظرية في العدالة) مفهوماً للعدالة أسماه(العدالة كإنصاف)‪ ،‬وطبقاً‬

‫لها تكون مبادىء العدالة األكثر معقولية هي تلك المبادىء الناتجة عن أتفاق متبادل بين األشخاص في‬ ‫ظل شروط موضوعية تنصف باإلنصاف‪ .‬لذا فإن العدالة كإنصاف نظرية في العدالة ناشئة من فكرة‬ ‫العقد اإلجتماعي والتي تقع أطروحاته ضمن نطاق للفالسفة(توماس هوبس وجون لوك وجان جاك روسو‬ ‫وايمانويل كانط) وألنه يؤمن بأهمية احياء هذه التراث ويختلف عنهم ألنه يعمل في ظل الدولة على تبرير‬ ‫فكرة توزيع المنافع التي تتمثل في الموارد المادية والحرية الفردية والسلطة السياسية‪ ،‬أما األعباء‪ ،‬فال‬

‫تشمل تخفيف التفاوت أو إزال ِ‬ ‫ته أياً كان نوعه فحسب‪ ،‬بل تشمل أيضاً وجوب العمل بمبادىءالعدالة(‪،)2‬‬

‫وتدخل آ ارؤه ضمن(اإلتجاه األخالقي) في فكره السياسي والتي يركز فيها على العدالة التوزيعية‬ ‫واإلجتماعية في الفكر الليبرالي(‪ .)3‬إن الهدف األساس الذي يستهدفه كتاب(نظرية في العدالة) هو تقديم‬ ‫أساس نظري لمفهوم العدالة‪ ،‬أساس يمكن طرحه بديالً لما قدمه مذهب المنفعة العامة(‪ ،)4‬إذ لم يكن‬ ‫الفكر الغربي المعاصر يعرف طرحاً ليبرالياً سياسياً مؤسساً على الفلسفة األخالقية والتي تعرف بـ(أخالق‬

‫الواجب)(‪.)‬هكذا كرس رولز حياته الفكرية محاوالً تقديم نظرية مثالية متكاملة في العدالة‪ ،‬مادفعه الى‬ ‫نشر كتابه بعنوان(الليبرالية السياسية‪،‬عام ‪ )1993‬وهو ما قيد فيه نظريته بمفاهيم العدالة الليبرالية‬ ‫السياسية بصفتها عدالة دستورية‪ ،‬والمواطنة بأعتبارها حرية ومساواة‪ ،‬والعقل العام بصفته تعبي اًر عن‬

‫اإلرادة العامة‪ .‬ثم نشر في عام(‪ )1999‬كتاباً بعنوان(قانون الشعوب) وقد أشتغل في نظرية مثالية بشأن‬

‫العالقات العادلة بين مجتمعات والشعوب ذات الثقافة الليبرالية وغير الليبرالية والمتمثلة بمؤسساتها‬

‫‪1‬‬

‫نوفل حنفي‪ ،‬نظرية العقد األجتماعي لدى (جون رولز)‪ ،‬مقال متاح على الرابط يوم الزيارة‪2015/12/11 :‬‬

‫‪http://www.mominoun.com‬‬ ‫‪ 2‬رولز‪ ،‬العدالة كإنصاف‪:‬إعادة صياغة‪ ،‬ت‪.‬حيدر حاج إسماعيل‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،2009،‬ص‪.71‬‬ ‫‪3‬‬

‫يتأسس األتجاه األخالقي للعدل على نظرة للفرد انه إنسان يتساوي في إنسانيته مع األخرين‪ .‬وان البشر مهما أختلفوا‬

‫– في ثرواتهم وأديانهم ولغتهم – فإنهم جميعاً يشتركون في كونهم بش اًر ولهم الحقوق في الحرية والعيش الكريم واألمن‬

‫والتمتع بالعدل والسالم‪ .‬للمزيد ينظر‪:‬حسام الدين علي مجيد‪ ،‬أشكالية التعددية الثقافية في الفكر السياسي المعاصر‪،‬‬ ‫مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،2010 ،‬ص‪ .219-218‬وينظر‪ :‬سعيد المصري‪ ،‬أوراق للحوار‪ ،‬إشراف محمد‬

‫رمضان‪ ،‬إصدار الدوري(‪ ،)1‬أبريل‪ 2011،‬ص‪.7‬‬ ‫‪4‬‬

‫صاموئيل كورفيز‪ ،‬نظرية في العدل‪،‬في(الفالسفة السياسة في القرن العشرين)‪ ،‬ت‪.‬نصار عبدهللا‪ ،‬الهيئة المصرية‬

‫للكتاب‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ص ‪.266‬‬ ‫‪‬‬

‫الفلسفة األخالقية الواجبية التي أسسها الفيلسوف األلماني(كانط) والتي تقوم على تأكيد أولوية الحق على الخير بخالف‬

‫النفعية التي كانت يرى عكس ذلك‪ ،‬وكانت نظرية سائدة في المجتمعات الغربية الليبرالية التعاقدية‪[.‬الباحث]‪.‬‬

‫‪29‬‬

‫الشرعية وذلك من أجل تحقيق اإلستقرار والسالم العالميين‪.‬أما خاتمة أعماله هو الكتاب الذي أتمه قبل‬ ‫وفاته بعام تقريباً وعنوانه(العدالة كإنصاف‪:‬إعادة صياغة‪ ،‬عام‪ )2001‬حيث عمل فيه على ضبط مفاهيم‬

‫نظريته وتوضيح مكامن اللبس فيها‪ ،‬وربطها في صيغة اكثر إحكاماً وتأكيداً لحدود الحقل السياسي(‪.)1‬‬

‫المبحث األول‪ /‬مصادر رولز الفلسفية وأفكاره األساسية‬ ‫لكي نفهم العدالة عند رولز‪ ،‬ألبد لنا أن نفهم أوالً األسس والمصادر الفلسفية واألفكار االساسية التي‬ ‫تقوم عليها نظريته في العدالة‪ ،‬هو ما نسلط الضوء عليهم في هذا المبحث‪ ،‬ومن خالل مطلبين كاآلتي‪:‬‬

‫المطلب األول‪ /‬أسس ومصادر فلسفته‪-:‬‬ ‫أن المصدر العام لفلسفته هو التراث الديمقراطي الغربي حص اًر‪ .‬ويقصد بذلك التقاليد والثقافة السياسية‬

‫واألخالقية الموجودة في دول أوروبا الغربية والواليات المتحدة األمريكية حيث توجد أنظمة ديمقراطية‪ ،‬إذ‬

‫إن نظريته في العدالة ذات أنحياز ثقافي من حيث إن مصدرها الثقافي لم يكن عالمياً(‪ .)2‬أما المصادر‬

‫الفلسفية الخاصة فيمكن القول‪ :‬أن الذي يصنع أصالة الطرح الرولزي هو قدرته على الجمع بين التيارات‬ ‫الفلسفية والتوفيق بينها‪ ،‬من مشارب مختلفة ومتناقضة في بعض األحيان‪ ،‬هذه المشارب المتعددة يمكن‬ ‫تبيانها على نحو اآلتي‪-:‬‬

‫أوالً‪ /‬نظرية العقد اإلجتماعي(‪ :)3‬أستلهم رولز نظريته التعاقدية من أرث نظريات العقد اإلجتماعي عند‬ ‫كالً من(توماس هوبس وجون لوك وجان جاك روسو وايمانويل كانط) وقدم في كتابه نظرية في العدالة‬

‫إطا اًر ثرياً للتوفيق بين الحرية والمساواة األجتماعية‪ .‬فيقول"هدفي هو تقديم تصور للعدالة يمكن من تعميم‬

‫ورفع مستوى التجريد بالنظرية المعتادة للتعاقد األجتماعي‪ .‬ومن أجل القيام بذلك علينا أال نفكر بالعقد‬

‫األصلي بصفته تعاقداً يدخلنا في مجتمع معين أو إعداد شكل معين للحكومة‪ ،‬بل إن الفكرة المحورية‬ ‫‪1‬‬

‫محمد عثمان محمود‪ ،‬العدالة األجتماعية الدستورية في الفكر الليبرالي السياسي المعاصر‪ ،‬المركز العربي لألبحاث‬

‫‪2‬‬

‫ينظر‪ :‬مقدمة المترجم حيدر حاج إسماعيل‪ ،‬لكتاب جون رولز‪ ،‬العدالة كإنصاف ‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.16‬‬

‫ودراسة السياسات‪ ،‬بيروت‪ ،2014 ،‬ص‪.48‬‬ ‫‪3‬‬

‫كينونة فلسفية طورها المنظرون لتبيان كيف يؤسس األلتزام السياسي على الموافقة الفردية‪ ،‬أي على قبول األفراد‬

‫العقالنيون‪ .‬إذ قدر لهم أن يختبروا الحياة دون إلزام او حكم سلطوي‪.‬إذن العقد االجتماعي يسوغ بأن االنظمة االجتماعية‬

‫والسياسية هي انسانية مصطنعة‪ ،‬وهي من صنع االنسان‪ ،‬وانها تركز على المساواة بين األفراد األحرار الذين أوجدوا‬ ‫العقد‪ ،‬ومن حق األفراد تغير النظام االجتماعي والسياسي حينما ال يستجيب لمصالحهم الواقعية‪ .‬للمزيد ينظر‪ :‬دليل‬ ‫أكسفورد للفلسفة‪ ،‬تحرير تدهوتدرتش‪ ،‬ت‪ .‬منصور محمد البابو ومحمد حسن أبوبكر‪ ،‬ج‪ ،2‬المكتب الوطني للبحث‬ ‫والتطوير‪ ،2003 ،‬ص‪ .581‬وكذا ينظر‪ :‬سربست نبي‪ ،‬المجتع المدني(السيرة الفلسفية للمفهوم)‪ ،‬مؤسسة حمدي للطباعة‬ ‫والنشر‪ ،‬السليمانية‪ ،2006 ،‬ص‪.13-12‬‬

‫‪30‬‬

‫فيه هي أن مبادىء العدالة لبنية المجتمع األساسية هي موضوع اإلتفاق األصلي‪ .‬إنها مبادىء التي‬ ‫سوف يقبلها اشخاص احرار وعقالنيون يهتمون بتحقيق مصالحهم الذاتية في وضع مبدئي من المساواة‬ ‫على إنها تحدد الشروط االساسية لرابطتهم‪ .‬وتعين انماط الشراكة االجتماعية وأشكال الحكومات التي‬ ‫يمكن تأسيسها"(‪ .)1‬ويكون فيه التعاون األجتماعي في الدرجة األولى وتقضي على النتائج السلبية للفلسفة‬ ‫النفعية(‪ .)2‬ونظ اًر لشدة تأثير العقود األجتماعية عند فالسفة العقد االجتماعي على كتابات رولز سوف‬ ‫نسلط الضوء على عقودهم بشكل موجز كاآلتي‪:‬‬

‫‪ -1‬العقد عند(هوبز ولوك وروسو)‬ ‫يرى هوبز أن احد اسباب نشوء المجتمع السياسي وخالص األفراد من حالة البؤس التي كانوا‬ ‫يعيشونها في الحالة الطبيعية مما يضمن لهم المحافظة على ذواتهم وتحقيق المزيد من الرضا وذلك‬ ‫بأتباع جملة من القوانين األخالقية‪ ،‬اهمها أن يقتنع الفرد بقدر من الحرية ازاء اآلخرين بنفس الدرجة‬

‫ِ‬ ‫لنفسه وأن يجرد نفسه من حقه في كل األشياء عندما يكون لدى اآلخرين الرغبة نفسها‪.‬‬ ‫التي يسمح به‬ ‫ويتحقق هذا اإلرساء المتبادل للحقوق عن طريق العقد االجتماعي كمحاولة مهنم لتحول من الحالة‬ ‫الطبيعية الى تأسيس مجتمع سياسي(‪.)3‬‬ ‫اما بخصوص نظرية لوك في العقد االجتماعي ومدى تأثر رولز بها‪ ،‬من حيث إن نظرية لوك تؤكد‬ ‫على القيود األخالقية‪ ،‬ومسؤولية الحكام أمام الجماعات التي يحكمونها‪ ،‬واخضاع الحكم للقانون[ ذلك‬ ‫مايسميه رولز البنية األساسية العادلة ]‪ .‬فقد فسر لوك القانون الطبيعي على انه مطالبة بحقوق فطرية‬ ‫وكامنة في كل فرد مثل الحق في الملكية‪ ،‬فالحكومة والمجتمع موجودان للمحافظة على حقوق الفرد‬ ‫(وأهمها الحق في الملكية )(‪ .)4‬أستلهم رولز هذه الفكرة عند صياغته لفكرة البنية األساسية‪ ،‬إذ تشتمل‬ ‫تلك البنية على صو اًر من الملكية المعترف بها قانونياً‪ ،‬بمعنى اخرى إن األفراد ملزمين باطاعة الحكم‬

‫شريطة محافظة الحكم على حق الملكية الذاتية لألفراد‪.‬‬

‫من ناحية أخرى يرى لوك أن األفراد في الحالة الطبيعية‪ ،‬هم أحرار ومتساوون‪ ،‬لكن ومن أجل الهروب‬ ‫من حالة عدم الطمأنينة‪ .‬ولكي يكونوا أح ار اًر ومالكين‪ ،‬فأنهم تجمعوا وكونوا مجتمعات سياسية بهدف‬

‫التخلي عن فكرة تطبيق القانون من قبل كل منهم لحماية نفسه واعطاء هذا الدور الى المجتمع ككل‪ ،‬أي‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫جون رولز‪ ،‬نظرية في العدالة‪ ،‬ت‪ .‬ليلى طويل‪ ،‬دمشق‪ ،‬الهيئة العامة السورية للكتاب‪ ،2011،‬ص‪.39-38‬‬

‫جمال مفرج‪ ،‬نظرية العدالة عند جون رولز‪ ،‬في(فلسفة العدالة في عصر العولمة)‪ ،‬منشورات األختالف‪ ،‬الجزائر‪،‬‬

‫‪ ،2009‬ص‪.142‬‬

‫‪ 3‬توماس هوبس‪ ،‬اللفياثان‪ ،‬ت‪ .‬دنيا حرب وبشرى صعب‪ ،‬دار الفارابي‪ ،‬بيروت‪ ،2011 ،‬ص‪. 176-175‬‬ ‫‪ 4‬جورج سباين‪ ،‬تطور الفكر السياسي‪ ،‬الكتاب الثالث‪ ،‬ت‪ .‬راشد البراوي‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬مصر‪ ،1971 ،‬ص‪.701‬‬

‫‪31‬‬

‫أن األفراد يكونون راضين باإلنضواء تحت أحكام القوانين التي تسود المجتمع والتي هدفها تأمين مصلحة‬ ‫الجميع‪ ،‬دون المساس بالحرية وحق التملك(‪[.)1‬اي الطاعة المشروطة]‬ ‫وفيما يتعلق بروسو‪ ،‬فباإلضافة الى وصف حالة الطبيعية كما عند هوبز ولوك‪ ،‬مع الفوارق بينهما‪،‬‬

‫فقد تضمنت نظر ِ‬ ‫يته مسألة مهمة إال وهي‪ ،‬إذا كان الغالب في الفقه القانون الكالسيكي هو قياس الحق‬ ‫بمقياس الوقائع‪ ،‬فانه عكس القاعدة وجعل الوقائع هي تقاس بميزان الحق والقانون‪ .‬فالحق قابل ألن‬ ‫ينطبق على كل تجربة ممكنة‪ ،‬او يجب على كل تجربة ممكنة ان تعمل بمقتضى الحق(النزعة‬ ‫المعيارية)(‪[.)2‬هذه مسألة مهمة تأثر بها كانط ومن ثم رولز بعده] فضالً عن هذا‪ ،‬تضمن العقد عند‬ ‫روسو بأنه جسم سياسي يجمع افراده(الكل والجزء‪،‬الحاكم والمحكوم‪،‬الدولة والمواطن‪ ،)..‬انه صاحب‬ ‫السيادة(اإلرادة العامة)‪ ،‬وتكون مصالح صاحب السيادة هي ذاتها مصالح االشخاص الذين يؤلفونه‪ .‬كما‬ ‫اشترط المساواة في الملكية‪ ،‬أي مساواة مدنية(أخالقية) بمقتضى العقد‪ .‬فضالً عن أن ممارسة اإلرادة‬ ‫العامة هدفها الخير المشترك‪ ،‬وتأكيده على الحرية والمساواة‪ ،‬من حيث أن نقصان حرية المواطنين‬ ‫نقصاناً في قوة الدولة‪ ،‬وفي انعدام المساواة بينهم تالش للحرية(‪.)3‬‬ ‫ويعني العقد االجتماعي عند روسو بأنه عقد حر وطوعي يناقش فيه اشكالية الحرية الليبرالية من خالل‬

‫المساواة‪ .‬ويتنازل ِ‬ ‫فيه اعضاءه على قدم المساواة(أي أن كل فرد هو عضو في كيان السيادة مع بقية‬

‫االعضاء)‪ ،‬ويكون فيه المتعاقدون جسماً واحداً عند وضع القوانين وأن يطيعونها كأفراد‪ .‬ومن هنا يتبين‬ ‫اختالف نظرية العقد االجتماعي عند روسو عن النظريات األخرى من حيث أن نظريته ديمقراطية(‪.)4‬‬

‫هنا يمكن القول أن تأثير آراء وافكار منظري العقد االجتماعي(هوبز ولوك وروسو)‪ ،‬كانت واضحة‬ ‫في صياغة رولز لنظر ِ‬ ‫ته العقدية في العدالة ومن ابرزها‪:‬‬ ‫أ‪ -‬مثلما بدأت نظريات العقد االجتماعي عند الفالسفة المذكورين اعاله بموضوعة(حالة الطبيعية)‪ ،‬بدء‬ ‫رولز نظر ِ‬ ‫يته(بالوضع األصلي) الذي يناظر حالة الطبيعية‪.‬‬ ‫‪ 1‬أي أن الفرد يحتفظ بحر ِ‬ ‫يته الطبيعية‪ ،‬ويتنازل عن االمور التي تساعد السلطة على تأمين الحماية وتطبيق القانون‬ ‫الوضعي‪ ،‬هذا ما يشتمل ِ‬ ‫عليه المبدأ الليبرالي‪ .‬للمزيد ينظر‪ :‬مارسيل بريلو وجورج ليسكييه‪ ،‬تأريخ األفكار السياسية‪،‬‬ ‫األهلية للتوزيع والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،1993 ،‬ص‪.232‬‬ ‫‪2‬‬

‫للمزيد من التفاصيل ينظر‪ :‬جان جاك روسو‪ ،‬في العقد االجتماعي أو مبادىء القانون السياسي‪ ،‬ت‪.‬عبد العزيز لبيب‪،‬‬

‫المنظمة العربية للترجمة‪ ،‬بيروت‪ ،2011 ،‬ص‪.123-119‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬

‫نقالً عن المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.112-92‬‬

‫للمزيد من االطالع حول موضوع العقد ينظر‪ :‬جون رولز‪ ،‬نظرية في العدالة‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪ 161‬وما‬

‫بعدها‪.‬وكذا‪ :‬مقدمة المترجم كتاب العدالة كإنصاف لجون رولز‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.30-17‬‬

‫‪32‬‬

‫ب‪-‬اذا كان فردانية هوبز تتطلب طاعة األفراد للحاكم بعد تأسيس العقد مرهونة بخالصهم من حالة‬ ‫البؤس(حالة الحرب) في الحالة الطبيعية‪ ،‬وعند لوك الطاعة المشروطة بعدم المساس بالملكية الفردية‪،‬‬ ‫وعند روسو تكون الطاعة هي طاعة األفراد ألنفسهم(طاعة اإلرادة العامة)‪ .‬تكون الطاعة في العقد‬ ‫االجتماعي عند رولز هي طاعة مبادىء العدالة وتطبيقها لمصلحة الجميع‪.‬‬ ‫ج‪-‬تاثر رولز بأفكار روسو المتعلقة بالمساواة في الملكية وكونها مساواة مدنية بمقتضى العقد وتأكيده‬

‫على الحرية والمساواة‪ ،‬وجعل الوقائع تقاس بميزان الحق والقانون‪ .‬فضالً عن استفادة من نظر ِ‬ ‫يته‬

‫الديمقراطية لتطبيق مبادىء العدالة في مجتمع ديمقراطي كحاضنة اشمل التي تعمل نظرية رولز ضمنها‪.‬‬ ‫‪-2‬كانط (العقد بوصفه مصد اًر للحق والواجب ) ‪-:‬‬ ‫تعد النقطة الجوهرية ضمن سياق العقد لدى كانط هي فكرة الحق من حيث عالقته بالقانون‪ ،‬فالحق‬ ‫عنده كما عند رولز مقدم على الخير بوصفه موضع أختالف دائم‪ ،‬فالحق حسب كانط‪ ،‬قبلي أصلي‬ ‫مرتبط بجوهر الذات اإلنسانية وسابق على الغايات‪ ،‬وهذه الذات من حيث طبيعتها ال تخضع للضرورة‬ ‫المطلقة وال الحرية المطلقة‪ .‬وبالتالي فإن اإلنسان ليس ما تصنعه الطبيعة‪ ،‬وانما ما يمكنه أو يجب أن‬ ‫يفعله هو نفسه‪ ،‬ألنه كائن حر(‪ .)1‬فالحرية تمثل محدداً أساسياً للحق بأعتبارها جزء أصيل من الذات‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬وهي الحق الطبيعي األول الذي ينبغي ضمانه بواسطة العقد اإلجتماعي السياسي ونموذج‬

‫الحكم المتفق عليه‪ ،‬فال شرعية للدولة إال بتحقق الحرية القصوى ألفرادها بما يتفق مع حرية مماثلة‬ ‫للجميع‪ ،‬وليس بتحقق الرفاهية والسعادة فحسب‪ ،‬ألنه وبال شك ال يحق للدولة فرض مفهوم معين للخير‬ ‫على المواطنين اعتماداً على أفتراض أنهم عاجزون عن تحديد مكامن خيرهم(‪.)2‬‬ ‫هذا النقطة الجوهرية شكلت أحد أسباب رولز في نقده لفلسفة الحكم القائمة على المقاربة النفعية‪ ،‬إذ‬ ‫جعل كانط الحرية شرطاً ألخالقية الفعل البشري وفقاً للواجب الذي ال مشروعية له إال في ذاته(‪ .)3‬فالذات‬ ‫األخالقية التي تتوافر لها اإلرادة الخيرة ال ترمي الى تحقيق غاية أو منفعة(‪ .)4‬إذ أن فكرة الواجب التي‬

‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬إيمانويل كانط‪ ،‬نقد العقل العملي‪ ،‬ت‪ .‬غانم حنا‪ ،‬المنظمة العربية للترجمة‪ ،‬بيروت‪ ،2008 ، ،‬ص‪.20‬‬

‫‪2‬‬

‫نقالً عن ‪:‬محمد عثمان محمود‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.103-102‬‬

‫‪ 3‬أراد كانط تأسيس المجتمع على احساس باطني بالواجب الخالقي يوحد البشر معاً‪ ،‬وأستخالص اخالق كلية تناسب‬ ‫الناس الذين يحكمون أنفسهم بأنفسهم حكماً تاماً في المسائل الخلقية‪ ،‬وأعلن أن البشر اح ار اًر خلقياً ألنهم يستطيعون ان‬

‫يستخلصوا القواعد الخلقية الصحيحة بأعتبارها متطلبات يفرضونها على انفسهم‪ ،‬وان العقل يوفر للفرد العقالني البصيرة‬ ‫لتقرير مايجب فعله‪ ،‬وهذا يؤلف(الواجب) الذي يجب ان يحكم تفكيرنا األخالقي‪ .‬للمزيد ينظر‪ :‬جون إهنبيرغ‪ ،‬المجتمع‬

‫المدني(التأريخ النقدي للفكر)‪ ،‬ت‪.‬علي حاكم وحسن ناظم‪ ،‬المنظمة العربية للترجمة‪ ،‬بيروت‪ ،2008 ،‬ص‪.219-216‬‬ ‫‪4‬‬

‫كانط‪ ،‬تأسيس ميتافيزيقيا األخالق‪ ،‬ت‪ .‬عبدالفغار المكاوي‪ ،‬الدار القومية للنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،1965 ،‬ص‪.19‬‬

‫‪33‬‬

‫تقوم عليها شرعية كل فعل أخالقي تقتضي وجود فكرة الحق وان مقياس األقتراب من الحق يتمثل في‬ ‫اإللتزام بالواجب‪ ،‬األمر الذي يعني إن الحق بالنسبة الى كانط ال يقوم على أفتراضات تأريخية وانما‬ ‫يتأسس على فهم أخالقي للذات‪ ،‬بوصفها إرادة فردية حرة‪ ،‬تؤول في المستوى السياسي إلى ما تعبر عنه‬ ‫اإلاردة العامة بالمعنى الذي قاربه روسو ومنه يستمد الدستور(‪.)1‬‬ ‫وهنا من المهم اإلشارة إلى أن بحث كانط في الدستور جاء في سياق رؤيته للسالم الكوني ضمن‬ ‫رسالته( مشروع للسالم الدائم)‪ ،‬الذي أستعار رولز لفظه وجزءاً كبي اًر من معناه في بحثه عن عدالة كونية‬ ‫ضمنها في كتاب ِه الموسوم(قانون الشعوب ‪ ،) Law of People‬وقدمه بوصفه عقداً بين ممثلي شعوب‬

‫األرض حول عالقات البنية العادلة‪ .‬وقد حرص كانط في هذا السياق على تأكيد ضرورة أن تكون‬

‫الشعوب والحكومات حرة في تكوين(نظام أتحادي أو جامعة لألمم ) وفق قانون الشعوب الذي لن يتحقق‬ ‫المعبر عنه بالقانون الضامن لقيمتي الحرية والمساواة(‪.)2‬‬ ‫إال في ظل أنموذج الحكم الممثل للحق و َّ‬ ‫بشكل عام تأثر رولز بأفكار كانط الرئيسية ومن اهمها‪ :‬التفكير الذاتي(الفردي‪-‬النقدي) من أجل‬ ‫اشكال التنظيم الخاصة بالتطبيق بشكل العام‪ ،‬والمؤسسات الحكومية بشكل خاص‪ ،‬وذلك بأسم الحقيقة‬ ‫(‪)3‬‬

‫والحرية‬

‫وفكرته األخالقية(معاملة االنسانية باعتبارها غاية في حد ذاتها‪،‬وال تعاملها ابداً كمالو كانت‬

‫مجرد وسيلة)‪ ،‬ولكي يصبح هذا األمر األخالقي ممكناً‪،‬هو جعل الحرية تخضع بشكل إرادي للقوانين أو‬ ‫التحديد الذاتي(‪ .)4‬وبذلك يربط كانط ِ‬ ‫هذه الحرية بالحق الذي عرفه على(أنه مجموعة الشروط التي بها‬ ‫تستطيع حرية االختيار عند الفرد أن تتوافق مع حرية االختيار عند اآلخر‪ ،‬وفقاً لقانون حرية العام(‪.)5‬‬

‫‪1‬‬

‫يقصد بالدستور وفق عبارة كانط ذلك الدستور القائم على مبدأ الحرية الذي يعنتقه جماعة ما‪ ،‬وكذالك على مبدأ إتباع‬

‫الجميع لتشريع واحد مشترك فضالً عن قيامه على المساواة بين هؤالء المخاطبين بأعتبارهم مواطنين‪ .‬وبالتالي فإنه ال‬ ‫مكان لتحكم اإلرادة الخاصة للحكام في المجال السياسي ألن ذلك يناقض إرادة الشعب أو اإلرادة العامة‪ .‬للمزيد من‬

‫اإلطالع ينظر‪ :‬كانط‪ ،‬مشروع السالم‪ ،‬ت‪ .‬عثمان إمين‪ ،‬دار المدى للثقافة والنشر‪ ،‬العراق‪ ،2007 ،‬ص‪.43-41‬‬

‫‪ 2‬يرى كانط في مشروعه للسالم أن قانون الشعوب ال يعني سعياً بأتجاه دولة عالمية‪ ،‬إذ علينا أن ال نغفل حق الشعوب‬ ‫في تكوين دولها وروابطها السياسية و اإلجتماعية الخاصة‪ ،‬وال يجوز بالتالي أن تفرض دولة ما إرادتها على دول األخرى‬ ‫كما هو الحال بين األفراد االحرار والمتساوين‪ .‬ينظر‪ :‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.43‬‬ ‫‪3‬‬

‫مجموعة المؤلفين‪ ،‬سؤال الحداثة والتنوير بين الفكر الغربي والعربي‪ ،‬منشورات الضفاف‪ ،‬بيروت‪ ،2013 ،‬ص‪.67‬‬

‫‪ 4‬كانط‪ ،‬تأسيس ميتافيزيقيا األخالق‪ ،‬ت‪ .‬عبدالفغار المكاوي‪ ،‬الدار القومية للنشر‪ ،‬ط‪ ،2‬منشورات الجمل‪ ،‬المانيا‪،2002 ،‬‬ ‫ص‪.11-10‬‬ ‫‪5‬‬

‫أي ان حقوق االنسان هي‪ :‬الحرية كإنسان‪ ،‬والمساواة كفرد امام قانون أخالقي واحد‪ ،‬والحق في المواطنة‪ .‬نقالً عن‪:‬‬

‫جان توشار‪ ،‬تاريخ الفكر السياسي‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.381‬‬

‫‪34‬‬

‫وكذلك تأثر رولز بفكرة كانط القائلة إن المبادىء األخالقية هي هدف االختيار العقالني‪ ،‬انها تحدد‬ ‫القانون األخالقي الذي يجب ان يوافق عليه تحت شروط تصف الناس على انهم كائنات حرة ومتساوية‪.‬‬ ‫ويعد توصيف الوضع االصلي محاولة لتفسير هذا التصور‪ .‬فقد دعا كانط الى المساواة بين افراد المجتمع‪،‬‬ ‫واتاحة الفرص امامهم لتطوير مواهبهم وامكاناتهم‪ ،‬رافضاً جميع االمتيازات‪ .‬فقد ذهب رولز الى ابعد من‬

‫ذلك في رفضه للظروف الطبيعية واالجتماعية التي تجعل من هم اكثر حظاً متنعمون على حساب من‬

‫هم أقل حظاً(‪.)1‬‬

‫ثانياً‪ /‬المذهب النفعي‪-:‬‬ ‫ان النفعية في صيغتها األكثر بساطة‪ ،‬تؤكد أن الفعل المستقيم وأن السياسة العادلة اخالقياً هما اللذان‬

‫يجلبان اكبر خير ممكن ألفراد المجتمع‪ .‬ووفق هذه الرؤية‪ ،‬تنطبق المبادىء المنفعية على ما أسماه‬ ‫رولز"البنية االساسية"‪ .‬من خواص المذهب النفعي هو البحث عن الرفاهة والمنفعة‪ ،‬كما انها ذات‬ ‫نزعة"نتائجية"‪ ،‬اي استحسان السلوك او السياسة المعتمدة اللتان يحققان فعالً خي اًر‪ ،‬اي تضع لنا مقياساً‬

‫نختبر به مدى خدمة القوانين القائمة‪ .‬وبذلك تقدم حالً للمعضالت األخالقية‪ ،‬من خالل مقياس درجة‬

‫الرخاء التي يتمتع بها االفراد‪" ،‬اي اعتبار االنسان مقياس كل شيء"‪ .‬باالضافة الى انها تالئم فكرتيي‬ ‫حدسيتين اساسيتي‪ ،‬تتعلق االولى باهمية الرفاه االنساني‪ ،‬والثانية‪ ،‬بضرورة أن تحكم على القواعد‬ ‫األخالقية من خالل تبعاتها على رفاهة االنسان(‪.)2‬‬ ‫تستند المنفعية في مسألة تعظيم المنفعة على حجة(االعتبار المتساوي لكل المصالح) كمبدأ عام في‬ ‫المساواة‪ .‬لكن هذا الشكل من المساواة في المعاملة يستدعي التدقيق إذا أردنا أن نستخرج منه مقياس‬ ‫صالحية أخالقية‪ ،‬فهي تعتبر كل التفضيالت ذات وزن واحد‪ .‬واذا كان ذلك مقياس لإلستقامة األخالقية‪،‬‬ ‫نستنتج ان الفعل األخالقي السليم هو ذاك الذي يعضم المنفعة‪.‬هذه النظرية وفقاً لرولز هي(نظرية غائية)‬

‫ألنها تحدد الفعل األخالقي المستقيم كفعل هدفه تعظيم الخير‪ ،‬وليس كفعل يحرص على تحقيق المساواة‬ ‫في االعتبار بين االشخاص(‪.)3‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫كان لمبدأ بنتام‬

‫تأثي اًر كبي اًر على رولز وان حاول نقد طروحاته السياسية واألخالقية خاص ًة بعد‬

‫سنة(‪ )1971‬أي في كتابه نظرية في العدالة‪ ،‬إذ لم يخفف رولز معارضته للتفكير النفعي‪ .‬وعوضاً عن‬ ‫‪ 1‬للمزيد من االطالع حول التأويل الكانطي لدى رولز‪ ،‬ينظر‪ :‬جون رولز‪ ،‬نظرية في العدالة‪ ،‬ص‪.324-316‬‬ ‫‪ 2‬ويل كميلكا‪ ،‬مصدر سبق ذركره‪ ،‬ص‪.31-29‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬

‫للمزيد من التفاصيل ينظر المصدر نفسه ص‪.60-42‬‬ ‫ِ‬ ‫بمؤلفه(مقدمة لمبادىء التشريع واألخالق)الذي نشر عام(‪ )1789‬وشرح فيه اساس مبدأ‬ ‫اشتهر جيرمي بنتام كفيلسوف‬

‫ينطلق من االهتمام التجريبي لكل فرد على حدة من أجل رفاه المجتمع‪ ،‬على اساس أن الطبيعة وضعت االنسان تحت=‬

‫‪35‬‬

‫هذا أسس نظريته على فكرة أخرى شائعة‪ :‬معظمنا يعتقد أن بعض األشياء صائبة وخيرة أو عادلة بالرغم‬ ‫من أنها قد ال تؤدي‪-‬على سبيل المثال‪ -‬الى السعادة القصوى ألكبر عدد من الناس‪ ،‬وبالتالي إذا كان‬ ‫للناس حقوق طبيعية ال يمكن التغاضي عنها وال يمكن التعدي عليها‪ ،‬فإن مثل هذه الحقوق ال يجوز‬ ‫تخطيها من أجل مجرد تجميع للمنفعة أو المتعة أو السعادة الصافية لآلخرين(‪ .)1‬وأخذ عليهم رولز إن‬ ‫النفعية ال تاخذ الفروق بين األشخاص بعين األعتبار ولذا كان من الضروري البحث في نظرية غير‬ ‫نفعية في العدالة ونظرية عن الحقوق والحرية لنجد المبادىء التي يمكن قبولها لمجتمع حر(‪.)2‬‬ ‫ثالثاً‪ /‬المذهب الحدسي ونظرية األختيار العقالني ‪ -:‬يفترض هذا المذهب أن وراء كل فعل أو سلوك‬ ‫خلفية أخالقية معينة وكامنة في الفعل وفي معتقد الشخص‪ ،‬هي التي تبرر القيام بهذا السلوك‪ .‬وفق هذا‬

‫المعنى يبدو تأثر رولز بهذا المذهب جلياً‪ ،‬إذ يفترض بالنسبة إليه أن ترتكز مبادىء العدالة التي يتم‬

‫اختيارها في إطار الوضع األصلي إلى المسلمة القائلة بأن األفراد ب َّعدهم ذوات أخالقية يرجعون في‬ ‫وضعهم لمبادىء العدالة إلى حسهم األخالقي من أجل تنظيم الحياة العملية في الجماعة‪ .‬كما يستعين‬ ‫رولز أيضاً بنظرية اإلختيار العقالني وهي نظرية تعتقد في عقالنية الفرد والفاعل اإلجتماعي في‬

‫األختيارات والتفضيالت التي يقوم بها إزاء اآلراء والفرص التي تطرح عليه‪ ،‬ومنه تكون العقالنية عند‬ ‫رولز غائية باألساس قبل أن تأخذ شكل عقالنية تلح على الفعل المنظم وفق معايير(‪ .)3‬وفي هذا الصدد‬ ‫يقول رولز‪ ":‬نظرية العدالة هي جزء‪ ،‬وربما الجزء األهم من النظرية اإلختيار العقالني"(‪ ،)4‬بل ان رولز‬ ‫يتحدث عن(هندسة عقالنية) كحل مثالي بالنسبة لنظرية العدالة‪ ،‬بمعنى أنه يمكن معالجة العدالة بشكل‬ ‫بناء عقالنياً(‪.)5‬‬ ‫عقالني وأنه من الضروري أن نعيد بناء مؤسساتنا ومفاهيمنا وأخالقنا ً‬ ‫رابعاً‪ /‬أدوار الفلسفة االربعة‪ -:‬يتنزل اهتمام رولز بوظيفة العدالة بوصفها إنصافاً في سياق االهتمام‬

‫باألدوار التي يمكن أن تضطلع بها الفلسفة السياسية بصفة عامة‪ .‬وعليه يبدو من الضروري ضبط تلك‬

‫األدوار حتى يتسنى لنا الوقوف عند أهمية الوظيفة التي يمكن للعدالة بوصفها إنصافاً أن تؤديها في‬

‫= سيطرة مبدأين واقعيين وهما(اللذة واأللم) للمزيد ينظر‪ :‬هاني يحي نصري‪ ،‬دعوة للدخول في تأريخ الفلسفة المعاصرة‪،‬‬ ‫المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،2002 ،‬ص‪.188‬‬ ‫‪1‬‬

‫نقالً عن‪ :‬روبرت دال‪ ،‬التحليل السياسي الحديث‪ ،‬ت‪ .‬عال أبوزيد‪ ،‬مركز األهرام للترجمة والنشر‪ ،‬القاهرة‪،1993 ،‬‬

‫‪2‬‬

‫ديفيد ميللر وريتشارد داجر‪ ،‬النفعية وما بعدها‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.181‬‬

‫ص‪.167‬‬

‫‪ 3‬عبدالعزيز ركح‪ ،‬مصدرسبق ذكره‪ ،‬ص‪.1215‬‬ ‫‪4‬‬

‫جون رولز‪ ،‬نظرية في العدالة‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.45‬‬

‫‪5‬‬

‫نقالً عن‪ :‬نوفل الحاج لطيف‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.51‬‬

‫‪36‬‬

‫إتجاه تحقيق مجتمع جيد التنظيم وعادل قوامه التعاون المنصف والفائدة المتبادلة والمصلحة المشتركة(‪.)1‬‬ ‫حاول رولز تطبيق األدوار األربعة للفلسة السياسية في نظريته‪ ،‬ويحددها بوصفها مكوناً رئيساً في ثقافة‬ ‫المجتع الديمقراطي‪ ،‬فالعدالة عنده تمثل العدالة السياسية مؤسسة على الفلسفة األخالقية الواجبية(أخالق‬

‫الواجب)‪ ،‬وهي ليست مذهباً او عقيدة فلسفية او أخالقية شاملة‪ .‬وهذه األدوار هي‪ :‬الدور العملي أوالً‪،‬‬

‫وهو من أهم األدوار األساسية التي على الفلسفة السياسة القيام به‪ ،‬وهو كما يقول رولز‪":‬التركيز على‬ ‫المسائل التي يدور حولها نزاع عميق‪ ،‬والنظر في ما إذا كان هناك‪ ،‬بالرغم من هذه المظاهر‪ ،‬قاعدة‬ ‫اساسية يمكن اكتشافها إلتفاق فلسفي وأخالقي‪ ،‬أو أنه لم يكن من الممكن وجود مثل ذلك األساس‬ ‫لالتفاق‪ ،‬فربما أمكن على األقل‪ ،‬تضيق شقة الخالف في الرأي الفلسفي واألخالقي على مستوى جذر‬

‫االختالفات السياسية االنقسامية‪ ،‬الى حد يمكن عنده االحتفاظ بالتعاون االجتماعي على قاعدة االحترام‬ ‫المتبادل بين المواطنين"(‪ .)2‬إذاً هذا الدور الناشيء من النزاع السياسي األنقسامي والحاجة لحل مشكلة‬

‫النظام السياسي(‪ ،)3‬مرتك اًز في أكتشاف قاعدة ألتفاق فلسفي أخالقي في قضايا النزاع العميق وخاص ًة‬ ‫مشكلتي(الحرية والمساواة) في تقاليد الفكر الديمقراطي وما يرتبط بهما من أسئلة عن كيفية ترتيب‬

‫المؤسسات األساسية بحيث تكون أكثر مالءمة للحرية والمساواة(‪.)4‬‬ ‫اما الدور الثاني فهو الدور التوجيهي يعني اإلسهام في كيفية تفكير الناس في مؤسساتهم السياسية‬ ‫واإلجتماعية وأهدافهم األساسية ومقاصدهم كمجتمع‪ ،‬مقابل أهدافهم بوصفهم أفراداً‪ .‬وتقوم الفلسفة‬

‫السياسية بهذا الدور بأعتبارها عمالً عقالنياً تعين مبادىء لتحديد غايات معقولة وعقالنية من انواع‬

‫مختلفة‪ ،‬وبيان كيفية ترابطها المنطقي داخل مفهوم محكم الصياغة لمجتمع عقالني‪ .‬ثم يأتي دور‬

‫التسوية‪ ،‬الذي يقوم بتهدئة إحباطاتنا وغضبنا على مجتمعنا‪ ،‬وذلك عبر تبيان أن مؤسساته عقالنية‬ ‫عندما تفهم بطريقة مناسبة من المنظور الفلسفي‪ ،‬وانها تطورت لتصل الى صورتها الحالية‪ ،‬وفق ما‬ ‫أطلق عليه هيغل التسوية أو المصالحة‪ ،‬أنسجاماً مع فلسفته العقلية المثالية التي عبر عنها بالقول‪":‬عندما‬ ‫ننظر الى العالم نظرة عقلية‪ ،‬فإنه يرد بنظرة عقلية" وهذا ما دفع رولز ان يصب جهده في سياقه ألن‬ ‫من شأنه تحقيق مصالحنا مع واقع األختالفات العميقة التي ال يمكن تسويتها في مفاهيم المواطنين‬

‫‪1‬‬

‫نقالً عن‪ :‬نوفل الحاج لطيف‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.79‬‬ ‫جون رولز‪ ،‬العدالة كإنصاف‪:‬اعادة الصياغة‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.86‬‬

‫‪3‬‬

‫علي عبود المحمداوي‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.177‬‬

‫‪2‬‬

‫‪ 4‬جون رولز‪ ،‬العدالة كإنصاف ‪:‬إعادة صياغة‪ ،‬مصدر نفسه‪ ،‬ص‪.86-85‬‬

‫‪37‬‬

‫المعقولة للعالم والشاملة الدينية والفلسفية‪ ،‬أي في واقع التعددية المعقولة التي يتسم بها المجتمع السياسي‬ ‫ذي مؤسسات حرة والتي يجعل هذا األمر محاالً (‪.)1‬‬ ‫واخي اًر ما يسميه دور(اليوتوبيا الواقعية ‪ )2()Utopia Realism‬والتي تلعب دو اًر مركزياً في نظريته إذ‬

‫يعدها "سب اًر لحدود اإلمكان السياسي العملي‪ ،‬ومحاكاة أملنا في مستقبل مجتمعنا‪ ،‬وفي تحقيق نظام‬

‫سياسي الئق على األقل"‪ ،‬ألنها تمثل بحثاً في صورة المجتمع الديمقراطي العادل في ظل ظروف مالئمة‬

‫على نحو معقول‪ ،‬كما تمثل تأمالً في الممكن الذي ال توجد حدوده في الواقع دائماً‪ ،‬األمر الذي أ ارد‬

‫رولز لنظريته العمل عليها من أجل توجيه المؤسسات اإلجتماعية والسياسية واألقتصادية وتنظيمها وفق‬ ‫معايير العدالة الدستورية‪ .‬والعمل بالتالي على تحديد المفاهيم الضرورية في سياق الفلسفة السياسية‬ ‫لمجتمع ليبرالي(‪ .)3‬تلك هي إذن أهم المصادر الفلسفية واألسس التي أستطاع رولز أن يشد طرحه‬ ‫الفلسفي أنطالقاً من التوفيق والتنسيق بينها إذ كان لها األثر الكبير في بلورة فكره وفلسفته وجعله نقطة‬

‫أنطالق نظريته في العدالة‪ .‬وسيحاول رولز أن يطبق هذه األدوار في نظريته في العدالة ومضموناتها‬

‫في الوضع االصلي والمبادىء واالكراهات وفكرة العقل العام‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ /‬أفكاره األساسية ‪:‬‬ ‫بعد توضيح المصادر والتيارات الفلسفية المؤثرة في بلورة فكر رولز وفلسفته‪ ،‬وطرح األدوار الفلسفية‪،‬‬ ‫سنحاول هنا طرح األفكار األصطالحية على نحو تراتبي مترابط تبعاً لكتابه(العدالة كإنصاف )‪ ،‬وهذه‬

‫االفكار هي‪-:‬‬

‫ِ‬ ‫‪ .1‬مجتمع متعاون تعاوناً منصفاً ‪ -:‬ينطلق رولز في نظريته للعدالة من تعريف المجتمع‬ ‫بصفته(نسقاً‬ ‫من التعاون اإلجتماعي القائم على اإلنصاف)‪ .‬ولفكرة التعاون خصائص أساسية من حيث أنها نمط من‬

‫الترابط تحكمه قواعد واجراءات دقيقة يقبلها الجميع وتضمن اإلنصاف بين المشاركين‪ ،‬وتتضمن أيضاً‬

‫فائدة عقالنية التي تختلف عن المنافع الفردية الضيقة‪ .‬ومن هنا يصبح هدف نظرية العدالة هو تحديد‬

‫صيغ التعاون اإلجتماعي الضامنة لإلنصاف من خالل تعيين الحقوق والواجبات األساسية التي تضعها‬

‫‪1‬‬

‫جون رولز‪ ،‬العدالة كإنصاف ‪:‬إعادة صياغة‪ ،‬مصدر سبق ذكره ‪ ،‬ص‪.87-86‬‬

‫‪2‬‬

‫عبارة يستخدمها رولز في كتابه ‪John Rawls, The Law of peoples ( Cambridge, MA: Harvard‬‬ ‫‪University press 1999) p.p 4-6 ,and 11-12 .‬‬

‫‪3‬‬

‫جون رولز‪،‬العدالة كإنصاف‪ ،‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص‪.91-89‬‬

‫‪38‬‬

‫المؤسسات السياسية واإلجتماعية‪ ،‬مع تحديد تقسيم المنافع المترتبة على التعاون اإلجتماعي وضوابتها(‪.)1‬‬ ‫ويرى رولز إن هذه الفكرة هادفة الى بناء مفهوم سياسي لعدالة نظام ديمقراطي‪ ،‬وتتضمن فكرة المجتمع‬ ‫ِ‬ ‫بوصفه نظاماً منصفاً من التعاون(فكرة المنفعة العقالنية) لكل مشارك‪ ،‬وتعين هذه الفكرة ما يريد‬

‫المشتركون في التعاون أن يحققوه من منظورهم لصالح خيرهم الخاص‪ .‬كما ناقش رولز مفهومي(المعقولية‬ ‫(‪)2‬‬ ‫والعقالنية) بعدهما فكرتين أساسيتين ومتكاملتين تدخالن في دائرة التعامل مع المجتمع باعتباره نظاماً‬

‫من التعاون اإلجتماعي‪ ،‬حيث يكون فيها األشخاص المعقولون مستعدين ألقتراح المبادىء التي هم‬

‫بحاجة اليها لتعين شروطاً منصفة للتعاون وراضين بالمبادىء الذي يقترحها اآلخرون‪،‬ويفهمون أن عليهم‬ ‫أن يحترموا هذه المبادىء حتى ولو كانت على حساب منافعهم شريطة أن يحترمها اآلخرون أيضاً(‪.)3‬‬

‫تتعلق هذه الفكرة بمحاولة رولز توضيح االهداف العملية للعدلة كونها انصافاً من خالل توفير اساس‬

‫فلسفي وأخالقي مقبول للمؤسسات الديمقراطية لفهم دعاوي الحرية والمساواة‪ .‬أي كيفية الحصول على‬ ‫نظام ديمقراطي عادل بصورة معقولة يكون ام اًر ممكناً‪ .‬او كيف تكون صورة المجتع الديمقراطي العادل‬

‫في ظروف مالئمة على نحو معقول تكون ممكنة؟ وما هي المثل العليا والمبادىء التي يحاول هذا‬ ‫المجتمع تحقيقها نسبة الى ظروف العدالة في الثقافة الديمقراطية؟ وتاسيساً على ذلك يرى رولز بأنه‬

‫ينبغي النظر في الثقافة السياسية العامة لمجتمع ديمقراطي وفي تقاليده الدستورية وقوانينه االساسية‪،‬‬

‫طلباً ألفكار يمكن صياغتها في مفهوم للعدالة السياسية‪ ،‬ويكون اف ارد هذا المجتمع الديمقراطي لديهم فهم‬

‫ضمني لهذه األفكار من خالل مناقشاتهم حول معنى وأساس الحقوق والحريات الدستورية[هذه الفكرة لها‬ ‫ارتباط بفكرة المواطنين احرار ومتساوين وفكرة مجتمع جيد التنظيم]‪ .‬ويرى رولز انه هناك مالمح جوهرية‬

‫لفكرة التعاون االجتماعي‪ ،‬من حيث أن هذا التعاون يسترشد بقواعد معترف بها من العموم وبواسطة‬ ‫إجراءات قبلها المتعاونون لتنظيم سلوكهم‪ .‬كما تشمل على شروط منصفة مثل المبادلة او التبادل بالمثل‪،‬‬ ‫وكذلك تتضمن فكرة المنفعة العقالنية لكل المشارك‪ .‬وعلى هذا األساس يكون دور مبادىء العدالة هو‬

‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬عبدهللا السيد ولد أباه‪ ،‬نظرية العدالة عند جون رولز‪ ،‬مجلة التسامح‪ ،‬العدد ‪ ،24‬خريف ‪ ،2008‬متاح على‬

‫الرابط ‪ htt://www.aitasamoh.net‬يوم الزيارة ‪.2015/12/11‬‬

‫‪ 2‬يتمتع ا لناس بطاقتين أو قوتين أساسيتين تضفيان عليهم العقالنية والمعقولية‪ .‬حيث تتجلى عقالنيتهم بقدرتم على تأمل‪،‬‬ ‫وأختيار ومراجعة غاياتهم أو أهدافهم في الحياة‪ ،‬وعلى أعتماد وسائل مالئمة لبلوغها‪.‬وهم معقولون أو عقالء بمعنى تحليهم‬ ‫بنوع من اإلحساس بالعدالة‪ .‬للمزيد من اإلطالع ينظر‪ :‬نورمان دانيالز‪ ،‬المساواة الديمقراطية‪ ،‬في(إتجاهات معاصرة في‬ ‫فلسفة العدالة)‪،‬تحرير صموئيل فريمان‪ ،‬ت‪ .‬فاضل جكتر‪ ،‬المركز العربي لألبحاث‪ ،‬بيروت ‪ ،2005‬ص‪.300‬‬ ‫‪3‬‬

‫جون رولز‪ ،‬العدالة كإنصاف ‪ ،‬مصدر سبق ذكره ‪ ،‬ص‪.95-94‬‬

‫‪39‬‬

‫تعين هذه الشروط المنصفة لتحديد الحقوق والواجبات االساسية التي تعينها المؤسسات السياسية‬ ‫واالجتماعية الرئيسية لتنظيم تقسيم الفوائد الناجمة عن تلك التعاون(‪.)1‬‬ ‫‪ .2‬مجتمع منظم تنظيماً جيداً ‪ : Well Ordered Society‬جاء في تعريف المجتمع جيد التنظيم‬

‫على لسان رولز في نظرية في العدالة مايلي‪ ":‬نقول مجتمع جيد التنظيم ليس فقط عندما يكون هذا‬

‫المجتمع قاد اًر على تأمين الخير لكل أعضائه‪ ،‬إنما أيضاً عندما يكون محكوماً بتصور عمومي للعدالة"(‪،)2‬‬ ‫أي مجتمع تحكم عمل مؤسساته األساسية رؤية عمومية للعدالة تكون موضوع إجماع بين أفراده ومعلومة‬

‫لديهم ويكونون ملتزمين بها في أفعالهم وممارساتهم‪ ،‬بحيث يقبل كل واحد منهم المبادىء نفسها في‬ ‫العدالة ويعلم أن بقية األعضاء يقبلون بها‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬يالحظ َّ‬ ‫أن لفكرة المجتمع جيد التنظيم‬ ‫معنيان أولها المعنى العام‪ ،‬ويقصد به المجتمع المنظم بكفائة بواسطة مفهوم عام للعدالة(سياسي)‬ ‫وتستخدم هذه الفكرة لتعين فكرة مركزية للمجتمع بأعتبارها نظاماً من التعاون المنصف‪ .‬وثانيهما هو‬

‫المعنى الخاص‪ ،‬وذلك عندما يشار الى المجتمع جيد التنظيم بمفهوم خاص للعدالة‪ ،‬يعني إن كل أعضاء‬ ‫المجتمع يقبلون مفهوماً سياسياً للعدالة‪ ،‬ويعرفون إن كل اآلخرين يقبلون بالمفهوم ذاته‪ ،‬وان الفائدة التي‬ ‫يضعها رولز من وراء هذه الطرح هي من ناحية إن هذا المجتمع يقبل فيه كل شخص بشروط موضوعة‬

‫من قبل مفهوم سياسي للعدالة‪ ،‬ويعد هذا القبول هو أتفاق عام‪ .‬هذه الفكرة تتعلق بفكرة المجتمع باعتباره‬ ‫نظام تعاوني منصف‪ ،‬ولذلك يرى رولز ان مجتمعاً سياسياً جيد التنظيم وبكفائة‪ ،‬يتضمن مجتمع يقبل‬

‫كل واحد فيه اآلخر‪،‬وكل واحد يقبل المفهوم السياسي للعدالة[وبذلك يقبل مبادىء العدالة السياسية ذاتها]‪،‬‬

‫ومن ناحية اخرى يكون لدى المواطنين حساً فعاالً بالعدالة‪ ،‬يمكنهم أن يفهموها ويطبقوا مبادىء العدالة‬ ‫وبهذا يمكنهم أن يقايضوا مؤسساتهم السياسية بكل ماله عالقة بحقوقهم السياسية(‪.)3‬‬

‫‪ .3‬موضوع العدالة‪ :‬فكرة البنية األساسية للمجتمع ‪-: The Basic Structure of Society‬‬ ‫تسجل فكرة البنية األساسية للمجتمع بأعتبارها الموضوع األول للعدالة حضورها في كتابات رولز بقوة‪،‬‬ ‫وهي تعكس حرصه على إقامة الحجة على فشل المقاربة النفعية للعدالة‪ .‬فالنفعية ال تأخذ بعين األعتبار‬ ‫كثرة األشخاص فحسب‪ ،‬بل أنها ال تتعامل مع البنية األساسية للمجتمع إال في إطار ما يتطابق مع‬ ‫مبدئها العام األوحد وهو مبدأ المنفعة‪ ،‬فبينما يجادل رولز بأن هناك ميزة أساسية للتصور التعاقدي‬ ‫للعدالة‪ ،‬وهي أن البنية األساسية للمجتمع هي الموضوع األولي والرئيسي للعدالة(‪ ،)4‬التي يبحث عنها‬ ‫‪1‬‬

‫للمزيد من التفاصيل ينظر‪ :‬جون رولز‪ ،‬العدالة كإنصاف ‪ ،‬مصدر سبق ذكره ‪ ،‬ص‪.95-90‬‬

‫‪3‬‬

‫جون رولز‪ ،‬العدالة كإنصاف‪ ،‬مصدر نفسه‪ ،‬ص‪.98-96‬‬

‫‪4‬‬

‫نوفل الحاج لطيف‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.83‬‬

‫‪ 2‬جون رولز‪ ،‬نظرية في العدالة‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.31‬‬

‫‪40‬‬

‫في مجتمع ديمقراطي‪ ،‬ألن آثارها على أهداف المواطنين وطموحاتهم وفرصهم وقدرتهم على األستفادة‬ ‫منها‪ ،‬هي آثار منتشرة وحاضرة منذ بداية الحياة(‪ .)1‬وتؤلف هذه البنية الطريقة التي تتالئم بحسبها‬ ‫المؤسسات السياسية واإلجتماعية الرئيسة فتدخل في نظام تعاوني إجتماعي‪ ،‬كذلك طريقة تعيينها للحقوق‬ ‫والواجبات األساسية‪ ،‬ثم تنظيمها لتقسيم الفوائد التي تنتج من التعاون اإلجتماعي عبر الزمن‪ ،‬وتشمل‬ ‫أيضاً كون القانون األساسي ذا القضاء المستقل وصو اًر من الملكية معترف بها قانونياً‪ .‬ويعتقد رولز أن‬

‫البنية األساسية بما تشمله وبما تؤديه من دور تعد في منزلة اإلطار اإلجتماعي الذي تجري في داخله‬ ‫نشاطات الجمعيات واألفراد(‪ ،)2‬وبذلك هي تعتبر موضوع العدالة االجتماعية‪ ،‬ألنها لها آثار على أهداف‬

‫المواطنين وطموحاتهم وأخالقهم‪ ،‬وعلى فرصهم وقدرتهم لألستفادة منها‪ .‬لذا فإن ضبط بنيتها وآليات‬ ‫عملها في ضوء مبادىء العدالة يؤدي الى تحقيق(العدالة الخلفية اإلطارية ‪Framework‬‬ ‫‪ ) background justice‬إذ يقصد بها الداللة على قواعد معينة يجب أن تشتمل عليها البنية األساسية‬ ‫بشكل شامل بأعتبارها نظاماً تعاونياً إجتماعياً لكي يظل منصفاً على امتداد الزمن من جيل الى جيل‬

‫الذي يليه‪ .‬بمعنى إن األمور تجري بحيث تترك لألفراد والجمعيات الحرية لتحقيق غاياتهم(المسموح بها)‬

‫في إطار البنية األساسية‪ ،‬بحيث أن مبادىء العدالة كإنصاف هي التي تنظم هذه البنية‪ ،‬لكنها ال تنظم‬ ‫مؤسسات المجتمع وجمعياته من الداخل‪ ،‬وانما تكون هذه المؤسسات والجمعيات مقيدة بالعدالة الخلفية‬ ‫التي توجد في داخلها الجمعيات والجماعات لضبط سلوك اعضائها(‪.)3‬‬ ‫‪ -4‬فكرة الوضع األصلي وحجاب الجهل ‪-: Original Position and Veil of Ignorance‬‬ ‫حيز مهماً‬ ‫يمثل مفهوم الوضع األصلي أحد الدعامات األساسية لنظرية العدالة‪ ،‬إذ خصص له رولز اً‬

‫في كتبه الرئيسة التي تتناول نظرية العدالة طوال مسيرته الفلسفية‪ .‬فالسؤال الذي تبادر إلى ذهنه كامن‬ ‫في كيفية تعيين الشروط المنصفة للتعاون‪ ،‬هل تحددها سلطة مختلفة عن األشخاص المتعاونين؟ أم أن‬ ‫هذه الشروط ي ِ‬ ‫دركها كل فرد بوصفها شروطاً منصفة إستناداً إلى نظام من القيم األخالقية؟ أم أن هذه‬

‫المسألة تحسم بإبرام أتفاق بين مواطنين أحرار متساوين ومتعاونين‪ ،‬وذلك مما يرون أنه منفعة متبادلة‬ ‫في ما بينهم‪ .‬غير إن تحقيق هذا اإلتفاق بين مواطنين أحرار ومتساوين يتطلب تحديد وجهة نظر‪،‬ال‬

‫‪ 1‬محمد عثمان محمود‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.134‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬

‫جون رولز‪ ،‬العدالة كإنصاف‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.99‬‬

‫يرى رولز أن هناك ثالثة مستويات للعدالة تمتد من الداخل الى الخارج‪ ،‬وهي‪ ،‬اوالً‪ :‬العدالة المحلية أي المبادىء‬

‫المطبقة مباشرة على المؤسسات والجمعيات‪ .‬ثانياً‪ :‬العدالة االهلية‪ ،‬اي المبادىء التي تنطبق على البنية االساسية للمجتمع‬

‫والتي تبدأ منها العدالة كإنصاف‪ .‬واخي اًر‪ ،‬العدالة العالمية أي المبادىء المطبقة على القانون الدولي‪ .‬ينظر‪ :‬المصدر‬

‫نفسه‪ ،‬ص‪.101-98‬‬

‫‪41‬‬

‫يمكن تحديدها إال في إطار ما سماه الوضعية األصلية المرتبطة أرتباطاً وثيقاً بمفهوم حجاب الجهل(‪.)1‬‬

‫فالوضعية األصلية‪ ،‬هي وضعية إفتراضية ال تأريخية‪ ،‬ينطلق منها رولز لصياغة عقد إجتماعي جديد‬ ‫يقوم على اإلجماع التوافقي بين المتعاقدين الذين‪ -‬في ظل حجاب الجهل‪ -‬ال يدركون هوياتهم وميزاتهم‬ ‫الجسدية والنفسية او وضعهم اإلجتماعي(‪ .)2‬حيث سيكون لدى الجميع في هذا الوضع معرفة عامة حول‬ ‫الطريقة التي يقوم عليها نسق المجتمع‪ ،‬وكيف يعمل على تنفيذ وظائفه األساسية يقول رولز‪ ":‬إن الناس‬ ‫في الوضع األصلي يفهمون الشؤون السياسية‪ ،‬ومبادىء النظرية األقتصادية وأسس التنظيم االجتماعي‬ ‫وقوانين خاصة بسيكولوجية اإلنسان ويعرفون إن المجتمع له عتبة عليا وعتبة سفلى بينهما درجات‬ ‫أرتقاء‪ ،‬حيث يشغل البعض‪ -‬بما لديهم من القدرات تفوق غيرهم‪ -‬مواقع اهم مما يشغله اآلخرون‪ .‬كما‬ ‫يدرك كل فرد في المجتمع ان الجميع راغب في اكبر قدر ممكن من المنافع (‪ .)3‬في ظل هذا الوضع‬ ‫البد لهم أن يحاولوا بلوغ مستوى من العدالة تنتفي فيه المفاضلة بين األشخاص بحيث يمكن أن يفيد‬ ‫وبناء على هذا يتم االتفاق بين كافة المتعاقدين على ضرورة األلتزام بالحياد إزاء‬ ‫منها أي إنسان كان‪،‬‬ ‫ً‬ ‫المبادىء المطروحة‪ ،‬وعدم تحيزها‪ ،‬بل يتم أتفاقهم حتى على ضرورة وضع ذوي الميزات األدنى في‬ ‫الحسبان في هذه المبادىء‪ ،‬ذلك أن أهمية نظرية العدالة ال تتحقق إال حينما تأخذ مصلحة الفئة األقل‬ ‫حرماناً واألكثر ضعفاً(‪.)4‬‬ ‫إن المغزى من هذه الفكرة يعيننا لالجابة على السؤال الذي يتعلق بكيفية تعيين الشروط المنصفة‬ ‫للتعاون؟ فالعدالة كإنصاف تتبنى ان هذه الشروط هي حاصل اتفاق بين اولئك المنخرطين في التعاون‬ ‫االجتماعي‪ ،‬على اساس وجود تعددية معقولة‪ .‬والبد من ادخال هذا االتفاق في شروط معينة ليكون اتفاقاً‬

‫صحيحاً من وجهة نظر العدالة السياسية‪ ،‬وهذه الشروط تضع األشخاص األحرار والمتساوين في وضع‬ ‫منصف فال تسمح لبعضهم ان يتمتع بأمتيازات مساومة افضل من اآلخرين‪ .‬كما ان فكرة الوضع االصلي‬

‫عند رولز تجيب على سؤال حول كيفية توسيع فكرة االتفاق المنصف لتطبق على مبادىء العدالة‬ ‫السياسية للبنية االساسية‪ ،‬من حيث ان الوضع االصلي يعمم فكرة العقد االجتماعي ويجعله هدف اتفاق‬ ‫المبادىء االولى للعدالة الخاصة بالبنية االساسية(‪.)5‬‬ ‫‪1‬‬

‫محمد األشهب‪ ،‬الحق في العدالة في الخطاب الفلسفي المعاصر‪ ،‬في(مجموعة مؤلفين‪ ،‬ماالعدالة؟)‪ ،‬المركز العربي‬

‫لألبحاث ودراسة السياسات ‪ ،‬بيروت‪ ،2014 ،‬ص‪.115-114‬‬

‫‪ 2‬ينظر‪ :‬جون رولز‪ ،‬العدالة كإنصاف‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪ .107‬وكذا ينظر‪ :‬ياسر قنصوة‪ ،‬قراءة جديدة في الفلسفة‬ ‫السياسية‪ ،‬رؤية للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،2009 ،‬ص‪.85‬‬

‫‪ :3‬ينظر‪ :‬جون رولز‪ ،‬نظرية في العدالة‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪ .164‬وينظر‪:‬ستيفن ديلو‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.313‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬

‫نقال عن‪ :‬نورالدين علوش‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.81‬‬

‫للمزيد من التفاصيل ينظر‪ :‬جون رولز‪ ،‬العدالة كإنصاف‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.111-105‬‬

‫‪42‬‬

‫‪ .5‬فكرة األشخاص األحرار والمتساوين ‪-: Persons Liberals and Equals‬‬ ‫يرى رولز‪ ،‬إن أعضاء المجتمع السياسي المنخرطين في التعاون المستدام يعدون مواطنين بالمعنى‬ ‫األمثل للمواطنة‪ ،‬فهم أحرار ومتساوين‪ ،‬وأن من شأن العمل بمقتضى مبادىء العدالة السياسية التي‬ ‫يعمل على تأكيد جعل هذا المعنى متحققاً في الواقع‪ .‬كما إن توافر الحرية والمساواة يمثل شرطاً أساسياً‬

‫لتحقيق هذا التعاون بصورة مثالية‪ .‬فالمواطنون ينخرطون فيه بإرادة حرة وبقناعة كاملة‪ ،‬وهم متساوون‬ ‫في تحمل األعباء والمسؤليات كما في جني المنافع والخيرات عن طريق التبادل الذي يعبر عنه مبدأ‬ ‫الفارق في العدالة كإنصاف(‪ ،)1‬االمر الذي يعني إن هؤالء المواطنين يتمتعون بقوتين أخالقيتين‬

‫(‪)2‬‬

‫اولهما‪ :‬الحس بالعدالة‪ ،‬أي القدرة على الفهم والعمل إنطالقاً من مبادىء العدالة السياسية والتي تعين‬

‫الشروط المنصفة للتعاون اإلجتماعي‪ .‬وثانيهما القدرة على تحصيل مفهوم للخير وحيازته ومراجعته‬

‫ومتابعته بصورة العقالنية‪ .‬وعندما االشخاص يحوزون على هاتين القوتين‪ ،‬فهذا ال يعني انهم حائزون‬ ‫على القدرات المطلوبة لالنخراط في تعاون اجتماعي مفيد ومتبادل فحسب‪ ،‬بل يعني ايضاً انهم يسعون‬

‫ألحترام شروط المنصفة‪ ،‬وذلك لمصلحتهم ذاتها‪ .‬ويعد االشخاص متساوين‪ ،‬بمعنى انهم يتميعون‪-‬الى‬ ‫الحد االدنى الجوهري‪ -‬بالقوى االخالقية الضرورية لالنخراط في تعاون اجتماعي لمدى حياة كاملة‬

‫وللمشاركة في المجتمع كمواطنين متساوين‪ .‬وأن حيازتهم على هذه القوى هو أساس لتساوي المواطنين‬ ‫كأشخاص بالمفهوم السياسي للعدالة كإنصاف‪ .‬اي نظرتنا الى المجتمع على أنه نظام من التعاون‬ ‫المنصف تجعل أساس المساواة في التمتع بالقدرات األخالقية وغيرها في حدها االدنى المطلوب(‪.)3‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫نقالً عن‪ :‬محمد عثمان محمود‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.142-141‬‬

‫من يتمتع بهاتين القوتين األخالقيتين فإنه سوف يعمل على أحترام الشروط المنصفة للتعاون‪،‬ألنها تدور في مصلحة‬

‫المجتمع ويوضح رولز إن مفهوم الشخص تم إنشاءه في الطريقة التي يعبَّر فيها المواطنون في الثقافة السياسية العامة‬

‫للمجتمع الديمقراطي وفي نصوص الدساتير واعالنات حقوق اإلنسان وفي تفسير تلك النصوص‪ .‬هذا كان رداً لسؤال‬ ‫مطروح ماذا يعني القول بأن األشخاص أحرار متساوين؟أما السؤال الثاني هو‪:‬بأي معنى يعتبر األشخاص متساوون؟ يعد‬ ‫األشخاص متساوون بمعنى أنهم يتمتعون‪ -‬الى الحد األدنى الجوهري‪ -‬بالقوى األخالقية الضرورية لالنخراط في تعاون‬

‫إجتماعي لمدى الحياة كامال وللمشاركة في المجتمع كمواطن متساو لآلخرين‪ ،‬وحيازتهم على هاتين القوتين تعد أساساً‬ ‫لتساوي المواطنين كأشخاص‪ :‬للمزيد من األطالع ينظر‪ :‬جون رولز‪ ،‬العدالة كإنصاف‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.113‬‬

‫‪3‬‬

‫وهكذا فإن مساواة المواطنين في الوضع االصلي تصاغ بمساواة ممثليهم‪ ،‬أي بالواقع الذي هو ان هؤالء الممثلين‬

‫متموضعون بصورة تناظرية في ذلك الوضع‪ ،‬ويتمتعون بحقوق متساوية قي اجراءاته الهادفة الى الوصول الى االتفاق‪.‬‬ ‫للمزيد من التفاصيل ينظر‪ :‬المصدر نفسه‪.114 ،‬‬

‫‪43‬‬

‫‪-6‬فكرة العقل العام ‪-:Public Reason‬‬ ‫تستهدف هذه الفكرة ‪ ،‬تعيين فكرة التسويغ بطريقة تنسجم مع المفهوم السياسي للعدالة لمجتمع يتصف‬ ‫بالتعددية المعقولة مثل الديمقراطية‪ .‬وأيضاً تتوافق هذه الفكرة مع فكرة المجتمع جيد التنظيم ومنظم بمفهوم‬

‫سياسي للعدالة‪ ،‬من حيث ان الصفة الجوهرية لهذا المجتمع تتمثل في أن مفهومه العام للعدالة السياسية‬ ‫ينشىء اساساً مشتركاً يعتمده المواطنون لكي يكون كل واحد يتعاون سياسياً واجتماعياً مع الباقين وفق‬

‫شروط يمكن أن يصادق عليها الجميع‪ .‬وهذا هو معنى التسويغ العام(‪.)1‬‬

‫وبحسب هذا الفهم‪ ،‬يكون التسويغ موجهاً الى اآلخرين الذين ال يتفقون معنا‪ .‬واذا لم يوجد نزاع في‬

‫الحكم حول مسائل العدالة السياسية مثل األحكام المتعلقة بعدالة مبادىء ومعايير معينة‪ ،‬فلن يكون هناك‬ ‫ما يقتضي التسويغ(‪ .)2‬وتسويغنا ألحكامنا السياسية معناه إقناعهم باإلعتراف بها بواسطة العقل العام‪،‬‬ ‫أي بطرق التفكير المالئمة للمسائل السياسية الجوهرية‪ ،‬وباللجوء الى المعتقدات واألسس والقيم السياسية‪.‬‬ ‫وينطلق التسويغ العام من اجماع ما‪ :‬أي من مقدمات يتوقع أن يشارك بها ويصادق عليها كل االطراف‬ ‫المختلفة‪ ،‬على افتراض انها حرة ومتساوية وقادرة على التفكير(‪.)3‬‬ ‫‪ -7‬التوازن الفكري ‪-: Intellectual balance‬‬ ‫يبني رولز هذه الفكرة انطالقاً من مفهوم المواطنة‪ ،‬أي من فكرة األشخاص األحرار والمتساوين‬

‫القادرين على التفكير والحكم بمعقولية وعقالنية‪ ،‬فهم قادرون على نقاش جميع مايرتبط بالعدالة‪ ،‬أي‬

‫ن‬ ‫هاء بأفعال‬ ‫يملكو حساً أخالقياً بالعدالة متناولين كل المواضيع بدءاً من البنية األساسية للمجتمع انت ً‬ ‫الناس وأختالفاتهم في الحياة اليومية(‪ .)4‬ولمقاربة هذا المعنى البد من النظر في المسائل ذات الصلة‬ ‫بالعدالة السياسية األكثر حضو اًر وأهمية(ماسنوضحه في المطلب الثاني من المبحث الثاني من هذا‬

‫الفصل بشىء من التفصيل)‪ ،‬مراعياً جميع الظروف التأريخية واإلجتماعية للمجتمعات الديمقراطية القائمة‬

‫‪1‬‬ ‫حسب نظرية رولز البد ان يكون لمفهوم العدالة مالمح ثالثة لكي يكون مفهوماً سياسياً للعدالة وهي‪:‬أ‪ -‬كونه مفهوماً‬ ‫اخالقياً‪ ،‬ألنه يصاغ للبنية األساسية لمجتمع ديمقراطي‪.‬ب‪ -‬إن قبول هذا المفهوم اليفترض قبول اي عقيدة شاملة خاصة‪.‬‬

‫فالمفهوم السياسي يقدم نفسه كمفهوم معقول للبنية األساسية وحدها‪ ،‬كما تعبر مبادئه عن مجموعة من القيم السياسية‬ ‫التي تنطبق على تلك البنية‪ .‬ج‪ -‬ان يصاغ بقدر المستطاع بلغة االفكار األساسية المألوفة والمستمدة من الثقافة السياسية‬ ‫لمجتمع ديمقراطي‪ .‬للمزيد من االطالع ينظر‪ :‬جون رولز‪ ،‬العدالة كإنصاف‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.125-124‬‬

‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬

‫للمزيد من التفاصيل ينظر‪ :‬جون رولز‪ ،‬نظرية في العدالة‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.92-85‬‬

‫مثل هذا التسويغ يعتمد على االتفاق حول الحكم على مبادىء القانون األساسي الجوهرية‪ ،‬على االقل‪ ،‬وعندما يتعرض‬

‫ذلك االتفاق للخطر‪ ،‬فأن احدى مهمات الفلسفة السياسية تكون على االقل صياغة مفهوم للعدالة يضيق االختالف على‬

‫اكثر المسائل مدعاة للنزاع‪ .‬ولمزيد من االطالع ينظر‪:‬جون رولز‪ ،‬العدالة كإنصاف‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫المصدر نفسه ‪ ،‬ص‪.128‬‬

‫ص‪.127-125‬‬

‫‪44‬‬

‫على التعددية المعقولة‪ .‬فاإلجماع الذي يحصل في مثل هذه المجتمعات التي يختلف فيها الناس من‬ ‫حيث األنتماءات والرؤى العقائدية‪ ،‬والقيمة هو إجماع ناتج عن النقاش والتحاور الذي يفضي إلى نقاط‬ ‫إجماعية تتجاوز تضارب المواقف المعيارية(‪ .)1‬حيث يختار المواطنون فيها أحكاماً في العدالة السياسية‬ ‫من دون أنفعال بتأثيرات تحريفية وهي أحكام اليتوقع التخلي عنها إطالقاً(‪ .)2‬فضالً على النظر في‬

‫مايشجع على ممارسة الفضائل القانونية مثل(عدم االنحياز‪ ،‬وحسن التمييز بين األمور)‪ ،‬وذلك كي تكون‬

‫ق ارراتهم قريبة من األحكام ذات األعتبار‪ ،‬بقدر ماتسمح الحالة‪ .‬واليقتصر األمر على إن أحكامنا‬ ‫المدروسة هي غالباً ماتكون مختلفة عن أحكام األشخاص اآلخرين فقد تكون أحياناً متعارضة‪ ،‬أو قد‬ ‫تكون متضمنة مع األحكام التي نطلقها على مسألة غير متسقة أو غير متناسقة مع تلك التي نطلقها‬

‫على مسائل أخرى‪ ،‬وهذه النقطة جديرة بالتأكيد‪ ،‬فالعديد من نزاعاتنا كثيرة الخطورة هي نزاعات في داخلنا‪،‬‬ ‫ومن يفترض أن أحكامهم هي دائماً متسقة‪ ،‬هم غير عقالنيين ‪ ،‬وكثي اًر ما يكونون أيدولوجيين وحماسيين‬

‫متعصبين(‪.)3‬‬

‫بعد طرح تلك األفكار نرى إن رولز يركز بشكل أساسي على مسألة البنية األساسية للمجتمع بأعتبارها‬ ‫الموضوع األول للعدالة وكميزة أساسية لتصور تعاقدي في مجتمع ديمقراطي ب َّعده مجتمعاً منظماً تنظيماً‬ ‫جيداً‪ ،‬إذ يوافق جميع أعضا ِ‬ ‫ئه على تلك المبادىء التي تحكم نشاطهم مستقبالً ضمن إطار تفاوضي في‬ ‫الوضع األصلي وتحت حجاب الجهل‪ ،‬يحجب عنهم كل الخصائص الشخصية أو االجتماعية‪ ،‬بحيث‬ ‫ال يكون احد قاد اًر على تصميم مبادىء تخدم وضعيته الخاصة‪ ،‬وان أعضاءه يتميزون بأنهم أشخاص‬

‫أحرار ومتساوون ويتمتعون بقوتين أخالقيتين تساعدهم للوصول الى تلك المبادىء‪ .‬ومن خالل تلك‬

‫األفكار األساسية التي عرضناها نصل الى مبدأين رئيسيين للعدالة التي صاغها رولز‪ ،‬واللذين هما زبدة‬ ‫نظريته كلها‪ ،‬وهذا ما سنستعرضه في المبحث الثاني من هذا الفصل‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬

‫عبدهللا السيد والد أباه‪ ،‬نظرية العدالة عند جون رولز‪ ،‬مصدر سبق ذركره‪.‬‬

‫جون رولز‪ ،‬نظرية في العدالة‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.84-77‬‬

‫جون رولز‪ ،‬العدالة كإنصاف‪ ،‬مصدر سبق ذكره ‪ ،‬ص‪.129‬‬

‫‪45‬‬

‫المبحث الثاني‪ /‬مبادىء العدالة ومناقشة نظرية العدالة الرولزية‬ ‫في هذا المبحث سوف نوضح كيفية أتفاق األطراف المشاركين على أختيار مبادىء العدالة في‬ ‫الوضع األصلي بحيث تكون أكثر إنصافاً بأعتبارها القضية الجوهرية التي ينبغي للمجتمع جيد التنظيم‬ ‫مواجهتها‪ .‬وذلك أنه من أهم المعضالت التي يمكن أن تواجهها النظريات األخالقية تتمثل في تحديد‬ ‫كيفية أختيار مبادىء عامة قادرة على حسن تدبير المجتمع وتكون معقولة ومقبولة من قبل جميع أفراده‪،‬‬ ‫ألن المبادىء المؤسسة على المصلحة الذاتية فحسب قد ال تكون مقنعة ألي شخص آخر تتعارض‬ ‫مصالحه مع مصالح اآلخرين‪ .‬ويهدف منهج رولز الى التغلب على هذه الصعوبة من خالل تأكيده على‬ ‫مبدأي العدالة‪ .‬فضالً عن تسليط الضوء على عدد من األفكار عند مناقشة نظريته في المطلب الثاني‪.‬‬

‫المطلب األول‪ /‬مبادىء العدالة ‪:‬‬ ‫بعد عرض المفاهيم واألسس التي تقوم عليها نظرية العدالة عند رولز‪ ،‬بات من الممكن الولوج الى‬ ‫صلبها عبر البحث في مبدأي العدالة موضحاً بشكل أكثر تفصيالً طبيعة األطراف في الوضع األصلي‬ ‫تحت حجاب الجهل‪ ،‬والبحث في وجاهة ما يقدمه من أسباب تجعل األطراف –ال محالة‪ -‬متعاقدين على‬

‫مبدأي العدالة‪.‬‬ ‫يفترض رولز أن المجتمع يعيش في حالة الوضع األصلي‪ ،‬والتي يقوم فيها األفراد العقالنيون األحرار‬ ‫باإلتفاق على توزيع عادل للحقوق والموارد والفرص المشتركة بينهم بشكل معقول و بإنصاف(‪ )1‬ثم يدعونا‬ ‫الى أن نتصور اولئك األشخاص وقد أجتمعوا لكي يتفاوضوا فيما بينهم بغية الوصول الى مبادىء العدالة‬ ‫في ظل شروط وضوابط معينة(‪ .)2‬هنا يطرح رولز بعداً جديداً ويتمثل في(حجاب الجهل)‬

‫(‪)3‬‬

‫وهدفه من‬

‫إضافته لهذا البعد الجديد هو ضمان الحيادية التامة لعملية التفاوض والحيلولة دون أن يحاول أحد‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫تحسين حمه غريب‪ ،‬جون رولز فيلسوف العدالة‪ ،‬مشروع ‪ 100‬كتب سلسلة(‪ ،)82‬السليمانية‪ ،2009 ،‬ص‪.26‬‬

‫من تلك الشروط‪ :‬تجري المفاوضات دون ممارسة ضغط او إكراه على أي طرف من األطراف‪ ،‬كما إنهم يدركون إن‬

‫المبادىء التي سوف يتوصلون اليها تكون ملزمة لهم‪.‬للمزيد ينظر‪ :‬أنطوني دي كرسيني وكينث مينوج‪ ،‬مصدر سبق‬ ‫ذكره‪ ،‬ص‪.271‬‬ ‫‪3‬‬

‫هو المصطلح األكثر أصالة في فكر رولز والتي تضع المتفاوضين خلفها‪ .‬مع هذا الحجاب ال أحد يعرف وضيعته‬

‫الخاصة به في المجتمع وال مؤهالته الطبيعية‪ ،‬وليس ألحد إمكانية بلورة مبادىء لفائدته الشخصية‪ ،‬وفي هذه الوضعية‬

‫األفتراضية سيكون الناس مكلفين بتحديد قواعد المجتمع الذي ينبغي إنشاؤه دون معرفة مسبقة للوضع اإلجتماعي الذي‬ ‫سيكونون ِ‬ ‫عليه وال قدراتهم الشخصية مثل(الذكاء والقوة)‪ ،‬حيث يجهل كل واحد الخطوط المميزة للشخصية وتصوره الخاص‬ ‫للخير أو مشروعه الشخصي في الحياة أيضاً‪ .‬للمزيد من اإلطالع ينظر‪ :‬مجموعة من المؤلفين‪ ،‬فلسفات عصرنا‪ ،‬إشراف‬

‫جان فرانسو دوريتي‪ ،‬ت‪ .‬إبراهيم صحراوي‪ ،‬منشورات األختالف‪ ،‬الجزائر‪ ،2009 ،‬ص‪ .208-207‬وينظر‪ :‬صاموئيل‬ ‫فريمان‪ ،‬اتجاهات معاصرة في فلسفة العدالة‪ ،‬ت‪.‬فاضل جكتر‪ ،‬المركز العربي للبحوث‪ ،‬بيروت‪ ،1015،‬ص‪.33-26‬‬

‫‪46‬‬

‫المتفاوضين أن يتحيز الى أوضاعه الشخصية‪ ،‬بحيث يفصل على مقاسه المبادىء ويطرحها على‬ ‫األخرين‪ .‬ومن ثم سيتوصل االطراف الى مبادىء معينة تفرضها بالضرورة ظروف تفاوضهم التي تتسم‬ ‫بحرية التفاوض وحيادهم التام وتلغي تماماً أية فرصة لفرض مبادىء تعسفية من قبل أحد المتفاوضين‬

‫على اآلخرين(‪ .)1‬ويضمن ذلك أن ال يحظى أحدا بأمتياز أو يلحقه ضرر عند أختيار مبادىء العدالة‪،‬‬ ‫جراء حظ طبيعي فاز به أو جراء صدف المنشأ اإلجتماعي‪ .‬فما دام الجميع في نفس الحالة وال أحد‬ ‫منهم يستطيع وضع المبادىء التي تجعله يمتاز من غيره على نحو ما‪ ،‬تكون عندها مبادىء العدالة‬ ‫نتيجة مساومة واتفاق منصفين(‪.)2‬‬ ‫وبعد التوصل الى اإلتفاق حول مبادىء العدالة وتبني العقد اإلجتماعي في الوضع األصلي‪ ،‬يعمل‬ ‫رولز بعد ذلك على كيفية إقامة تنظيم سياسي في ضوء تلك المبادىء المتفق عليها بأعتبارها الركيزة‬ ‫األساسية ألي مؤسسة عادلة‪ ،‬فما أن يفرغ المتعاقدون من صياغة المبادىء حتى يبدأون التفاوض حول‬ ‫النظام اإلجتماعي األمثل‪ ،‬وهنا يرتفع حجاب الجهل جزئياً بشكل يسمح لهم باختيار الدستور الذي يجب‬

‫أن يكون متماشياً مع ظروفهم من جميع النواحي(‪ .)3‬ويكون لدى أعضاء المجتمع التزام بالعدالة وبالقيام‬ ‫بدورهم في الحفاظ على مؤسستهم‪ ،‬فضالً على إلتزامهم بتحمل نصيب عادل من األعباء والمنافع ويكون‬

‫الفرد مديناً لآلخرين المشاركين معه في العمل بهذا االلتزام‪ ،‬ألن التعاون هو ما يجعل العمل يحقق فائدة‪،‬‬ ‫وكل من يستفيد من المنافع دون المشاركة في اإلنتاج يغدو في موضع العقاب ألنه يستغل اآلخرين‬

‫أستغالالً غير عادل(‪.)4‬‬ ‫وبناء على ذلك يمكن توصيف ظروف العدالة على أنها شروط عادية تكون عندها الشراكة البشرية‬ ‫ً‬ ‫(‪)5‬‬ ‫ممكنة وضرورية ‪ ،‬وهذه الشروط والقيود تمثل إكراهات أي إلزامات ومتطلبات قيام العدالة وهي‪-:‬‬ ‫‪ .1‬البد أن يكون لكل شريك المعرفة الكافية بالنفسية العامة للبشر فيما يخص األهواء والدوافع األساسية‪.‬‬ ‫‪ .2‬البد أن يكون الشركاء على د ارية بأنه من المفترض أن يرغب كل كائن متعقل في أمتالك المقومات‬ ‫اإلجتماعية األولية التي يصبح دونها مقتضى ممارسة الحرية مطلباً خاوياً " كأحترام الذات" مثالً‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫أنطوني دي كرسبني وكينث ميونج‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.274-273‬‬

‫‪2‬‬

‫ويل كميلكا‪ ،‬مدخل الى الفلسفة السياسية المعاصرة‪ ،‬مصدر سبق ذكره ‪،2010 ،‬ص‪.93‬‬

‫‪3‬‬

‫عبدالعزيز ركح‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.1219‬‬

‫‪ 4‬تيرنس بول وريتشارد بيالمي‪ ،‬الفكر السياسي في القرن العشرين‪ ،‬المجلد الثاني‪ ،‬ترجمة مي مقلد‪ ،‬المركز القومي‬ ‫للترجمة‪ ،‬القاهرة‪ ،2010 ،‬ص‪.185‬‬ ‫‪5‬‬

‫أحمد ابراهيم عبد منصور‪ ،‬كفاءة وعدالة توزيع الدخل‪ ،‬الشرط الضروري والشرط الكافي‪،‬القاهرة‪ ،2013 ،‬ص‪.17‬‬

‫‪47‬‬

‫‪ .3‬بما أن األختيار هو بين تصورات متعددة للعدالة فالبد أن تتوافر في األطراف المشاركة في العدالة‪،‬‬ ‫المعلومات الكافية حول مختلف مبادىء العدالة المطروحة لإلختيار‪.‬‬ ‫‪ .4‬البد أن يكون الشركاء متساوين من حيث المعلومات التي يمتلكونها ‪.‬‬ ‫‪ .5‬اإلكراه الخامس واألخير والذي يسميه رولز(أستقرار العقد)‪ ،‬ويقتضي أن تكون األطراف المشاركة‬ ‫مدركة‪ ،‬على نحو مسبق‪ ،‬أن العقد سيكون إجبارياً في الحياة الفعلية مهما كانت الظروف القائمة(‪.)1‬‬

‫وتأسيساً عليه يمكن فهم مبادىء العدالة بأنها مايعين الشروط المنصفة للتعاون اإلجتماعي وذلك عبر‬

‫تحديد كل من الحقوق والواجبات التي تعينها المؤسسات السياسية واإلجتماعية‪ ،‬وتنظم تبعاً لها الفوائد‬

‫المترتبة على التعاون اإلجتماعي‪ ،‬وفي توزيع األعباء والمسؤليات للمحافظة على مبادىء العدالة‪ .‬بمعنى‬ ‫أنهم يدركون الحاجة الى هذه المبادىء وأنهم مستعدون للدفاع عنها(‪ .)2‬ولهذا يمكن القول أن مبادىء‬ ‫العدالة كإنصاف من شأنها أن تقدم تصو اًر شامالً لكل التصورات المختلفة للعدالة‪ ،‬بشكل يجعلها تتخذ‬

‫أبعاداً قابلة للتطبيق عملياً داخل البنى األساسية‪ .‬وأنطالقاً من ذلك‪ ،‬تبرز أهمية إيجاد قاعدة أساسية‬

‫لبناء تصور معقول لمفهوم العدالة‪ ،‬من أجل إيجاد صيغ مشتركة تضمن الحريات األساسية لألفراد‬ ‫والمساواة في توزيع الثروات‪ ،‬ومن هنا يتضح إن هدف نظرية العدالة الرولزية هو محاولة لإلجابة عن‬

‫األسئلة المتعلقة بإمكان تحقيق مجتمع عادل يضمن ألفر ِ‬ ‫اده الحرية والمساواة‪ ،‬بحيث تكون الحدود‬ ‫المنصفة للتعاون موضع توافق بين المواطنين أنفسهم(‪ .)3‬إذاً فما هي مبادىء العدالة التي على أساسها‬

‫سيكون التوزيع منصفاً بين أفراد المجتمع؟ ومن هنا يتمثل المشروع الذي أختاره رولز تفكيك التصور‬ ‫(‪)4‬‬

‫العام‬

‫(‪)5‬‬

‫الى أقسام ثالثة منظمة وفق مبدأ األولوية‬

‫كاآلتي ‪-:‬‬

‫‪1‬‬

‫نقالً عن‪ :‬علي عبود المحمداوي‪ ،‬الفلسفة السياسية‪ -‬كشف لما هو كائن وخوض فيما ينبغي للعيش معاً‪ ،‬مصدر سبق‬

‫‪2‬‬

‫نقالً عن‪:‬عبدالرحمن بووشمة‪ ،‬نظرية العدالة عند جون رولز‪ ،‬ديوان العرب‪ ،2009 ،‬متاح على الرابط ‪،‬‬

‫‪3‬‬

‫نقالً عن‪ :‬نوفل حنفي‪ ،‬العقد اإلجتماعي عند رولز‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪.‬‬

‫ذكره‪ ،‬ص‪.180-179‬‬

‫‪htt://www.diwanalarab.com‬‬ ‫‪4‬‬

‫يتمثل التصور العام للعدالة في فكرة أساسية مفادها(أنه يجب أن توزع كل الخيرات اإلجتماعية األصلية مثل الحرية‬

‫والحظوظ‪ ،‬والدخل والثروة‪ ،‬وأسس تقدير اإلنسان لذاته بالتساوي‪ ،‬إال إذا كان التوزيع غير المتساوي يخدم مصالح الشخص‬

‫األقل حظاً من غيره) وهذا هو مفهوم عام للعدالة‪ .‬ينظر‪ :‬جون رولز‪ ،‬نظرية في العدالة‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.95‬‬ ‫‪ 5‬يؤكد رولز على أهمية ترتيب مبدأي العدالة وفق نظام تراتبيي‪ ،‬بحيث يكون المبدأ األول متقدماً على الثاني‪ ،‬ويمنح‬

‫النظام المعجمي لكل المكونات وزناً محدداً دون أن يجعلها قابلة ألن تستبدل بغيرها‪ .‬واذا ما طبقنا ذلك على نظرية العدالة‬

‫ينتج مايلي‪ :‬ال يمكن أن تعوض أية خسارة للحرية مهما كان حجمها في تأويج النجاعة األقتصادية‪ .‬فال نشتري الرفاه‬ ‫مقابل الحرية‪ .‬للمزيد ينظر‪ :‬نوفل الحاج لطيف‪ ،‬جدل العدالة اإلجتماعية في الفكر الليبرالي‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.115‬‬

‫‪48‬‬

‫المبدأ األول‪ :‬لكل شخص الحق ذاته والذي ال يمكن الغاؤه‪ ،‬في ترسيمة من الحريات األساسية‬ ‫المتساوية الكافية‪ ،‬بشكل تكون متسقة مع نظام الحريات للجميع ذاته‪.‬‬ ‫المبدأ الثاني‪ :‬يجب ان تحقق ظواهر الالمساواة االجتماعية واالقتصادية شرطين‪ :‬أولها‪ ،‬يفيد أن‬ ‫الالمساواة يجب أن تتعلق بالوظائف والمراكز التي تكون مفتوحة للجميع في شروط مساواة منصفة‬ ‫بالفرص‪ ،‬وثاني‪ ،‬يقتضي أن تكون ظهور الالمساواة محققة أكبر مصلحة ألعضاء المجتمع الذي هم‬ ‫األقل مرك اًز(وهذا هو مبدأ الفرق)(‪.)1‬‬ ‫المبدأ األول(مبدأ الحرية المتساوية) لها األسبقية على المبادىء األخرى‪ ،‬يرمي الى ضمان حريات‬ ‫وحقوق متساوية للجميع‪ .‬أنه يفترض" ان يكون لكل شخص حق مساو للنظام الكلي األكثر أنتشا اًر‬ ‫للحريات األساسية المساوية للجميع ومتوافقاً مع النظام نفسه للجميع دون مساس بحرية األخرين"(‪.)2‬‬

‫يشتق رولز من هذا المبدأ العام(أو من هذا المفهوم العام) مفهومه الخاص للعدالة والمتمثلة في المبدأ‬ ‫الثاني‪ ،‬والذي يهدف الى تأسيس العدالة اإلجتماعية‪ .‬ويسميه(المبدأ الليبرالي للمساواة المنصفة‬ ‫للفرص)(‪ ،)3‬ويتجسد في إقامة الفرص المتساوية أمام كافة األفراد للوصول الى المناصب والخدمات‬ ‫العامة بالشكل الذي يؤدي الى تسوية التفاوتات اإلجتماعية واإلقتصادية‪ ،‬إنه قاعدة أولية للعدالة قائمة‬ ‫على الكفاءة والرفاه‪ ،‬ويقوم على شرطين‪ :‬األول‪ ،‬ان تكون المراكز والمناصب متاحة أمام جميع الراغبين‬ ‫في شغلها‪ ،‬وذلك أستناداً الى معيار المساواة المنصفة في الفرص‪ .‬والثاني هو أن تكون تسوية التفاوتات‬

‫أعظم نفعاً لألفراد األقل أنتفاعاً في المجتمع(‪ .)4‬ومع أن المبدأ الثاني يهدف الى تأسيس العدالة‬

‫اإلجتماعية‪ ،‬لكنه يراعي حقيقة أنه في مجتمع ذي مساواة مطلقة تتعرض األنتاجية لخطر األنخفاض‬

‫كثي اًر إلى حد يتضرر معه الجميع حتى األكثر حرماناً‪ .‬وهنا إذن يؤكد رولز أن التفاوتات اإلجتماعية‬

‫واألقتصادية عادلة فقط إذا كانت منتجة لمزايا تعويضية لألفراد األكثر حرماناً‪ ،‬وهذا المبدأ يطلق عليه‬

‫المبدأ الفارق أو مبدأ الفرق(‪.)5‬‬ ‫‪1‬‬

‫ِ‬ ‫كتابه نظرية في العدالة‪ ،‬ص ‪.93-92‬‬ ‫جون رولز‪ ،‬العدالة كإنصاف‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪ .148‬وكذا‬

‫‪ 2‬الحريات األساسية األكثر أهمية هي الحريات السياسية(الحق بالتصويت وشغل منصب مسؤولية عمومية‪ ،‬وحرية التعبير‬ ‫واألجتماع‪ ،‬وحرية التفكير‪ ،‬وأحترام السالمة الجسدية والسيكولوجية للشخص‪ ،‬والحق في الملكية الشخصية‪ ،‬وحماية من‬

‫التوقيف والسجن والتعسف غير القانوني‪ ،‬والحقوق والحريات التي يعطيها القانون‪ .‬للمزيد ينظر ‪ :‬جاك لوكومت‪ ،‬الحرية‬

‫والمساواة عن كتاب جون رولز‪ :‬نظرية العدالة‪ ،‬في(مجموعة مؤلفين‪ ،‬فلسفات عصرنا)‪ ، ،‬ت‪ .‬إبراهيم صحراوي‪ ،‬منشورات‬ ‫األختالف‪ ،‬الجزائر‪ ،2009 ،‬ص‪ .209-208‬وكذا ينظر‪ :‬محمد عثمان محمود‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.203‬‬ ‫‪ 3‬نقالً عن‪ :‬جاك لوكومت‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.208‬‬ ‫‪ 4‬نقالً عن‪ :‬أمارتيا صن‪ ،‬فكرة العدالة‪ ،‬ت‪ .‬مازن جندلي‪ ،‬الدار العربية للعلوم الناشرون‪ ،‬بيروت ‪ ،2010 ،‬ص‪.109‬‬ ‫‪ 5‬للمزيد ينظر‪ :‬جون رولز‪ ،‬العدالة كإنصاف‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪177‬وجمال مفرج‪ ،‬مصدرسبق ذكره‪ ،‬ص‪.223‬‬

‫‪49‬‬

‫أنطالقاً مما تقدم‪ ،‬ال يمكن التضحية بالمبدأ األول لفائدة الثاني‪ ،‬فالمساواة في الحرية تتمتع باألسبقية‬

‫على المساواة في الفرص‪ ،‬ولهذه األخيرة أولوية على التوزيع المتساوي للثروات‪ ،‬وداخل كل واحدة منها‬ ‫ال يقبل التفاوت وال تقبل الالمساواة إال إذا كان سيفيد منها أولئك األكثر تعرضاً للحرمان والضعف والفقر‬

‫من غيرهم‪ ،‬بناء ِ‬ ‫عليه سيتم التوزيع العادل للمنافع األساسية حسب رولز كأهم نقطة عملية نحو أستعادة‬ ‫ً‬ ‫العدالة داخل كل المجتمعات الحديثة‪ .‬لذلك يرى إن هذه المبادىء تتطبق وبشكل رئيسي على البنية‬ ‫األساسية للمجتمع وتحكم الحقوق والواجبات وتنظم التوزيع للمنافع اإلجتماعية واإلقتصادية‪ .‬ويطبق‬ ‫المبدأ األول(مبدأ المساواة في الحرية) على الحريات السياسية األساسية كـحق التصويت وشغل مناصب‬ ‫عامة وغيرها من الحقوق والتي يجب أن تكون هذه الحريات متساوية من خالل المبدأ األول(‪ .)1‬ويطبق‬ ‫المبدأ الثاني(مبدأ الفرق) على توزيع الدخل والثروة‪ ،‬بحيث يجب أن يكونا لمنفعة كل شخص‪ ،‬ومراكز‬ ‫السلطة والمسؤولية تكون متاحة للجميع من خالل جعلها مفتوحة‪ ،‬ومن ثم بالخضوع لهذا القيد تترتب‬ ‫(‪)2‬‬

‫الالمساواة اإلجتماعية واإلقتصادية بحيث ينتفع منها كل شخص‬ ‫في أن يندمج بصورة أشمل داخل النظام العام(‪.)4‬‬

‫(‪)3‬‬

‫وتعني هذا مساعدة(األقل حظاً)‬

‫بعد توضيح مبدأي العدالة‪ ،‬من المهم هنا مالحظة أن للحرية الشخصية مكانة سامية في مبدأي رولز‬ ‫للعدالة‪ ،‬وحسب المبدأ األول‪ ،‬تعطى أولوية ألقصى درجات الحرية الشخصية للفرد بشرط منح حرية‬ ‫مماثلة للجميع مقارن ًة باألعتبارات األخرى‪ ،‬بما فيها اعتبارات المساواة االقتصادية أو االجتماعية‪ .‬فقد‬ ‫أعطيت الحرية الشخصية أولوية على المبدأ الثاني الذي يربط المساواة ببعض الفرص العامة والمساواة‬

‫في توزيع الموارد األساسية‪ ،‬أي أن الحريات الشخصية التي يمكن أن يتمتع بها الجميع ال يمكن أنتهاكها‬ ‫ألسباب تتعلق بتعزيز الثروة أو الدخل أو توزيع أفضل للموارد األقتصادية على الناس(‪ .)5‬وبالرغم من‬ ‫أن رولز ينزل الحرية الشخصية منزل ًة مطلقة جاعالً إياها فوق كل األعتبارات األخرى‪ ،‬فإن الزعم األعم‬

‫الذي يقف خلف كل هذا هو أن الحرية الشخصية ال يمكن الحد منها لتصبح مجرد وسيلة متممة لوسائل‬ ‫أخرى(كالوفرة األقتصادية)‪ .‬أما المسائل األخرى للخيار المؤسسي فتؤخذ من مبدئي رولز للعدالة من‬ ‫خالل مجموعة توفيقية من المتطلبات التي يضمها المبدأ الثاني‪ .‬يعنى القسم األول من المبدأ الثاني‬ ‫‪1‬‬

‫جون رولز‪ ،‬نظرية في العدالة‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.93‬‬

‫‪2‬‬

‫المصدر نفسه ‪ ،‬ص‪.94‬‬

‫‪3‬‬

‫للمزيد من التفاصيل حول من هم األقل انتفاعاً وكيف يمكن تحديدهم‪ ،‬ينظر‪ :‬جون رولز‪،‬العدالة كإنصاف‪ ،‬مصدر‬

‫سبق ذكره‪ ،‬ص‪.175-171‬‬

‫‪ 4‬كريستيان دوال كامباني‪ ،‬الفلسفة السياسية اليوم‪ ،‬ت‪ .‬نبيل سعد‪ ،‬عين للدراسات والبحوث اإلنسانية واإلجتماعية‪،2003 ،‬‬ ‫ص‪.197‬‬ ‫‪5‬‬

‫نقالً عن‪ :‬امارتيا ِ‬ ‫صن‪ ،‬فكرة العدالة‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.109‬‬

‫‪50‬‬

‫بالمطلب المؤسسي وفحواه ضمان أن تكون الفرص العامة متاح ًة للجميع‪ ،‬دون إستبعاد أو إعاقة أي فرد‬

‫على أي أساس عنصري أو إثني أو طائفي أو ديني‪ ،‬أما الجزء الثاني من المبدأ الثاني(المسمى مبدأ‬

‫الفارق ‪ )Difference Principle‬فيعنى بالمساواة التوزيعية والكفاية الكلية‪ ،‬ويأخذ شكل(تعظيم األصغر)‬ ‫أي جعل أفقر أفراد المجتمع أحسن ما يمكن حاالً(‪ .)1‬ويستنتج من ذلك إن هناك التزامان على درجة‬ ‫كبيرة من األهمية متجسدان في مبادىء العدالة‪ :‬االول‪ ،‬هو أن البناء األساسي للمؤسسات السياسية في‬ ‫المجتمع يجب أن يقوم على حماية الحقوق األساسية نفسها لجميع األفراد‪ .‬وفي سبيل هذا تكون األولوية‬ ‫لمبدأ الحرية المتساوية‪ ،‬وهذا يعني انه يفرض تأمين مزيد من الفرص األقتصادية واإلجتماعية لألفراد‬ ‫ليس من المقبول أن تنكر على اآلخرين حرياتهم األساسية‪ .‬فأياً كانت الخطط المستخدمة في توزيع‬

‫الثروات بشكل أكثر إنصافاً البد أن ال ينقص أي حق من حقوق المرء(‪ .)2‬اما األلتزام الثاني‪ ،‬فيتمثل‬ ‫فيما يَّقره رولز بأنه‪ ،‬يحكم الفروق في المكانة والثروة‪ ،‬من الجائز أن يظهر في المجتمع شعور عميق‬

‫بعدم اإلنصاف فالمفتقدون لنفس المكانة أو من ال تتيح لهم مكانتهم سوى القليل من الفرص‪،‬بل أحياناً‬ ‫ال تتيح لهم أية فرصة على اإلطالق‪ ،‬سيحرمون مما أسماه رولز بـ(المنفعة األساسية األكثر أهمية على‬ ‫األطالق) والمتمثلة في احترام الذات‪ ،‬والتي بدونها ال يصبح هناك ما يستحق أن تفعله‪ .‬ومنعاً لفقدان‬

‫األحترام وعدم االستقرار اإلجتماعي‪ ،‬من الضروري ووفقاً لمبدأ الفارق أن تحول الطبقات األفضل حاالً‬ ‫بعضاً من مكاسبها إلى طبقات األقل حظاً‪ ،‬وكل هذا على أمل ان تضمن لهذه الطبقات ليس مجرد الحد‬

‫األدنى األساسي‪ ،‬أو ماتدعوه اليوم بـ(شبكة األمان)(‪ ،)3‬فحسب‪ ،‬بل لتضمن لهم فرصة متكافئة في تحقيق‬ ‫النجاح في مجاالت مختلفة‪ .‬هكذا تعمل هذه المبادىء ضوابطاً لعمل المؤسسات والبنية األساسية للمجتمع‬ ‫وليست أهدافاً تسعى هذه المؤسسات لتحقيقها‪ ،‬بحيث إن هذه المؤسسات تقوم بدور إجرائي يسعى لتوفير‬ ‫بنية منصفة عادلة لألفراد وللمجتمع‪ .‬وتأسيساً عليه يكون الموضوع األساسي للعدالة هو البنية األساسية‬

‫للمجتمع‪ ،‬أو بتعبير أدق الطريقة التي توزع بها المؤسسات اإلجتماعية الكبرى الحقوق والواجبات األساسية‬ ‫وتحدد تقسيم األمتيازات من التعاون اإلجتماعي(‪.)4‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬

‫امارتيا صن‪ ،‬فكرة العدالة‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.110‬‬ ‫ستيفن ديلو‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.315‬‬

‫شبكة األمان بالمعنى الحرفي هي في األصل تلك الشبكة التي توضع أسفل العبي السيرك أو من يقوم بأداء العاب‬

‫خطيرة على أرتفاعات شاهقة حتى توفر لهم نوع من الحماية إذا ما وقع أي خطأ أثناء األداء‪ .‬وهي من الناحية األقتصادية‬ ‫واإلجتماعية تشير إلى ماتوفره الحكومات في بعض الدول من إعانات لمن هم في أوضاع سيئة أو أحياناً للعاطلين عن‬ ‫العمل‪ .‬ينظر‪ :‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.316‬‬

‫‪ 4‬مراد دياني‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.91-90‬‬

‫‪51‬‬

‫من خالل ما سبق يمكن القول إن أحدى المشكالت التي تواجه أي نظرية أخالقية تتمثل في كيفية‬ ‫أختيار مبادىء عامة قادرة على حسن تدبير المجتمع بحيث تكون معقولة ومقبولة من قبل جميع أفراده‪،‬‬ ‫بدل أختيار مبادىء مؤسسة على المصلحة الذاتية‪ .‬وقد أراد رولز التغلب على هذه الصعوبات من خالل‬ ‫تركيزه على مبدأي العدالة الذين يتوصل اليهما األطراف في الوضع األصلي لتحكم نشاطهم‪ .‬ويرتبها‬ ‫وفق ترتيب معجمي بحيث يعطي األولوية للمبدأ األول(مبدأ الحريات األساسية) وتكون له االولوية على‬ ‫المبدأ الثاني الذي يربط المساواة ببعض الفرص العامة والمساواة في توزيع الموارد األساسية‪ .‬ويؤكد على‬ ‫َّ‬ ‫أن الحريات الشخصية التي يتمتع بها الجميع اليمكن انتهاكها ألسباب تتعلق بتعزيز الثروة أو الدخل أو‬ ‫توزيع أفضل للموارد االقتصادية على الناس‪ ،‬فضالً على اعترافه بوجود الالمساواة اإلجتماعية‬

‫واالقتصادية ولكن رولز يؤكد على ان تكون تلك التفاوتات في خدمة األقل نفعاً في المجتمع‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ /‬مناقشة نظرية العدالة‬ ‫قبل الولوج في مناقشة نظرية العدالة عند رولز‪ ،‬ينبغي أن ن َّ‬ ‫سلط الضوء على التحول في فكره والذي‬ ‫يمكن ان نسميه(التحول من التصور الفلسفي الى التصور السياسي)‪ ،‬فقد حاول رولز تجاوز األخطاء‬ ‫والصعوبات التي صدرت عنه‪ ،‬بإضافة المزيد من الشرح والتحليل لمفاهيمه في مؤلفه(الليبرالية السياسية)‪.‬‬ ‫مشدداً بأن نظريته في العدالة في كتابه األول تعاني من عدم الواقعية‪ ،‬فالميزة الجوهرية للمجتمع الجيد‬

‫التنظيم تشتمل في أن أفراده يتخذون من مبادىء العدالة(عقيدة فلسفية شاملة)(‪ ،)1‬بينما يظهر في الواقع‬

‫أن المجتمع الديمقراطي ال يتميز فقط بتنوع عقائده الدينية والفلسفية واألخالقية‪ ،‬بل يتسم أيضاً بتعارض‬

‫هذه العقائد الشاملة مع بعضها البعض‪ ،‬وال تحظى أي منها بتأييد المواطنين على نحو عام‪ ،‬كما ال‬

‫يتوقع أن تحظى أحداها أو بعضها في المستقبل بتأييد كافة المواطنين أو غالبيتهم‪ .‬ومعنى ذلك إن العمل‬ ‫بمبادىء العدالة في كافة مجاالت حياة المجتمع الجيد التنظيم سيفضي الى جعلها عقيدة فلسفية شاملة‬ ‫للدولة ومن ثم إكراه األفراد على آعتمادها نهجاً للحياة‪ .‬هذه المحصلة تعد غير واقعية وفقاً لمنظور رولز‬

‫ألن المجتمع –في األصل‪ -‬يحتوي في ثناياه على تنوع ديني وفلسفي وأخالقي‪ ،‬وبالتالي فإن إكراه األفراد‬ ‫‪1‬‬

‫يكون المذهب أو العقيدة شامالً‪ ،‬حين يضم مفاهيم ما يحوز قيمة في الحياة البشرية وفي الشخصية اإلنسانية‪ ،‬فضالً‬

‫على مثل الصداقة والعالقات األسرية والعالقات الترابطية وأشياء كثيرة أخرى ترشد مسلكياتنا في النهاية مجمل حياتنا‪،‬‬

‫ويكون المفهوم شامالً بطريقة تامة إذا كان يغطي كل القيم والفضائل المعترف بها ضمن نظام متصل الى حد مناسب‪،‬‬

‫ووفقاً لرولز تتمثل تلك العقائد الشاملة في معتقدات األفراد والمؤسسات العامة في المجال الخاص مثل(الكنائس والجمعيات‬

‫والنقابات)‪ ،‬وأيضاً تشتمل على معتقدات ذات صلة بما هو قيم في الحياة اإلنسان‪ ،‬فضالً على المثل المتعلقة بالفضيلة‬ ‫وانطباع الشخصية التي تكشف بدورها عن الكثير مما ينطوي عليه سلوكنا غير السياسي‪ .‬للمزيد ينظر‪ :‬حسام الدين علي‬ ‫مجيد‪ ،‬اشكالية التعددية الثقافية في فكر السياسي المعاصر‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪ .226-225‬وينظر كذا‪:‬‬ ‫‪John Rawls Political Liberalism,(New York: Columbia University press, 1993),p.14‬‬

‫‪52‬‬

‫مر غير عادل‪ ،‬ويؤدي األخذ به الى عدم أستقرار المجتمع(‪،)1‬‬ ‫على تبني مبادىء العدالة سيغدو بحد ذاته أ ًا‬

‫وتشمل هذه النتيجة على تقويض غايته الرئيسة(وهي بناء مجتمع عادل ومستقر)(‪ .)2‬لذا فإن المسألة‬ ‫األساسية التي دفعته الى تعديل نظريته هي مسألة االستقرار‪ ،‬إذ يتوجب على المجتمع الديمقراطي العادل‬

‫أن يكون مستق اًر‪ ،‬بمعنى إن يكون قاد اًر على البقاء عبر الزمن‪ ،‬وأن يضمن دعم مواطنيه الذين يظلون‬ ‫منقسمين بسبب مذاهبهم الدينية والفلسفية واألخالقية ويستوجب هذا مصادقة المواطنين على التدابير‬

‫السياسية ألسباب مناسبة‪ ،‬لذلك يزعم رولز إن نظريته التي عرضها(نظرية في العدالة) ال تستوفي هذا‬ ‫الشرط(‪ .)3‬وهنا يضيف رولز تأكيده عن وجوب تشكيل مؤسسات البنية األساسية من أجل أحتواء‬ ‫الخالفات ومعالجتها ‪ ،‬بحيث تكون تلك المؤسسات مبنية على أساس مبادىء العدالة ذاتها(‪ ،)4‬وذلك‬ ‫لتمكين االجابة على أسئلة مطروحة ومنها على لسان رولز‪ :‬كيف يوجد المجتمع العادل والمستقر المؤلف‬ ‫من مواطنين أحرار ومتساوين‪ ،‬مع أنهم مختلفين بعمق فيما بينهم بسبب تلك المذاهب المختلفة التي‬ ‫ينتمون اليها؟ وبمعنى أخر هل بإمكان المذاهب المتعارضة ان تتعايش مع بعضها البعض بحيث يقر‬ ‫كل منها بالتصور السياسي الذي يشكل مبدأ النظام الدستوري؟(‪ ،)5‬لذا يغدو المفهوم السياسي عن العدالة‬ ‫أداة لتوجيه تلك النقاشات وللتفكير بالشكل الذي يساعدنا على الوصول الى اإلتفاق السياسي على األسس‬ ‫الدستورية والمسائل الرئيسة ذات الصلة بالعدالة‪ ،‬وبذلك ال يتعارض المفهوم السياسي عن العدالة مع‬ ‫تلك القيم والمذاهب التي تقوم عليها العقائد الشاملة‪ ،‬بل يمكن للمواطنين كافة من ممارسة حقوقهم‬ ‫وحرياتهم األساسية مع أحتفاظهم بتلك القيم في الوقت عينه‪ ،‬وعليه فإن الليبرالية السياسية وفقاً لمنظور‬

‫رولز تنتهج الحيادية في التعامل مع مختلف العقائد الشاملة‪ ،‬فهي التؤيد أي قيم دينية أو فلسفية أو‬ ‫أخالقية وال تنتقدها‪ ،‬تعتمد تلك العقائد في بنائها الفكري(‪.)6‬‬ ‫هذا فضالً على عمل رولز للمفهوم السياسي للعدالة من منظورات شمولية في تصورها للخير‪ ،‬ففصل‬ ‫الحق عن الخير في مسعى منه لتأسيس فكرة الوضع األصلي الرئيسية في نظرية العدالة التي يحددها‬ ‫وفق مبادىء العدالة‪ ،‬فضالً على إن إستقالل المفهوم السياسي للعدالة مسألة ضرورية لقيام(اإلجماع‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫حسام الدين علي مجيد‪ ،‬مصدرسبق ذكره‪ ،‬ص‪.225‬‬

‫نجود بليمان‪ ،‬الليبرالية الحديثة‪ :‬تجديد نظرية العدل عند جون رولز‪ ،‬إتحاد جمعيات الفلسفة العربية‪ ،‬دون مكان‬

‫النشر‪ ،2008 ،‬ص‪.104‬‬

‫‪ 3‬كولن فارلي‪ ،‬مقدمة في النظرية السياسية المعاصرة‪،‬ت‪ .‬محمد زاهي بشير‪،‬جامعة قاريونس‪،‬بنغازي‪ ،2008،‬ص‪.77‬‬ ‫‪4‬‬

‫حسام الدين علي مجيد‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.227‬‬

‫‪5‬‬

‫نجود بليمان‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.106-105‬‬

‫‪ 6‬حسام الدين علي مجيد‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.227‬‬

‫‪53‬‬

‫المتداخل) وتعد تسهيالً إيضاً لطموح رولز لتحقيق نظري ِ‬ ‫ته العدالة في النظام الدولي(‪ ،)1‬وعلى نحو‬ ‫اآلتي‪-:‬‬

‫أوالً‪ /‬اإلجماع المتداخل (المتشابك)‪Overlapping Consensus :‬‬ ‫تقدم هذه الفكرة واقعية أكبر على فكرة المجتمع جيد التنظيم وجعلها تتالئم مع الحاالت التأريخية‬ ‫واإلجتماعية للمجتمعات الديمقراطية التي تشتمل على واقع التعددية المعقولة(‪ .)2‬انها إجماع تتداخل فيه‬ ‫أفكار لمذاهب شاملة لها معقوليتها تدعم الديمقراطية الدستورية(‪ ،)3‬بحيث يمكن القول بأن المواطنين في‬ ‫حالة األتفاق على مفهوم ما للعدالة السياسية‪ ،‬ال يتفقون عليها لألسباب ذاتها‪ ،‬كما أنهم ال يسوغونها‬ ‫أنطالقاً من عقيدة شاملة بعينها سواء أكان شمولها كامالً أم جزئياً‪ ،‬ألن مايراد تحقيقه في المجتمع جيد‬

‫التنظيم‪ ،‬يتمثل في اإلجماع المتشابك المعقول‪ ،‬وهذا يعني أن المفهوم السياسي مؤيد من العقائد المعقولة‬

‫الدينية والفلسفية واألخالقية رغم تعارضها‪ ،‬لذلك يعتقد رولز أن هذا هو األساس األكثر معقولية للوحدة‬ ‫السياسية واإلجتماعية المتوفرة للمواطنين في المجتمع الديمقراطي(‪ .)4‬هكذا يتضح إن للعدالة الرولزية‪،‬‬ ‫(‪)5‬‬

‫خصائص ثالثة‬

‫المتعلقة بالمفهوم السياسي الذي البد من أن يكون عوناً له للحصول على دعم‬

‫اإلجماع المتشابك المعقول‪ ،‬ومتطلباته محصورة في البنية األساسية للمجتمع وقبولها ال يفترض نظرة‬ ‫شاملة خاصة‪ ،‬وأفكارها األساسية مألوفة ومتحدة من الثقافة السياسية العامة‪ .‬وتسمح تلك الخصائص‬

‫‪1‬‬

‫علي الربيعي‪ ،‬الفيلسوف األمريكي جون رولز ونظرية الوفاق المعقدة‪ ،‬مقال متاح على الرابط‬ ‫‪ http://www.alittihad.com‬يوم الزيارة‪.2016/2/22 ،‬‬

‫‪ 2‬يعتبر واقعة التعددية المعقولة حالة دائمة للمجتمع الديمقراطي وهي سمة أساسية تسمح بها المؤسسات الحرة وفقاً للحقوق‬

‫والحريات‪ ،‬كما تبقى العقائد المختلفة معبرة عنها متنوعة ومتنازعة‪ ،‬لكنها شاملة ومعقولة واليمكن مصالحتها‪ .‬أي تنوع‬

‫العقائد الدينية والفلسفية واألخالقية الموجودة في المجتمعات الحديثة ليس مجرد حالة تأريخية سرعان ما تزول‪ ،‬إنه ملمح‬

‫دائم للثقافة الديمقراطية العامة‪ .‬للمزيد ينظر‪ :‬جون رولز‪ ،‬العدالة كإنصاف‪ ،‬ص‪ ،135‬أيضاً ينظر‪ :‬محمد عثمان محمود‪،‬‬

‫مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.163‬‬ ‫‪3‬‬

‫رشا ماهر البدري‪ ،‬الليبرالية الجديدة‪ .‬جون رولز‪ :‬نحو العدالة التطبيقية‪ ،‬مقال متاح على الرابط‬ ‫‪ ، http://www.almothaqaf.com‬يوم الزيارة‪.2016/2/29 ،‬‬

‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬

‫جون رولز‪ ،‬العدالة كإنصاف‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.133‬‬ ‫تتمثل تلك الخصائص في‪:‬‬

‫(‪)1‬‬

‫إنه مفهوم أخالقي ينشأ من أجل المؤسسات السياسية واإلجتماعية واألقتصادية‪ ،‬أي يتم‬

‫تطبيقها في البنية األساسية للمجتمع‪ ،‬بحيث يعنى بالمبادىء والمعايير التي تعمل بمقتضاها هذه البنية‪.‬‬

‫(‪)2‬‬

‫يقدم هذا‬

‫المفهوم على إنه تصور مستقل بذاته‪ ،‬بمعنى إنه وحدة مكونة رئيسية تنسجم مع شتى العقائد الشاملة في المجتمع‪.‬‬ ‫(‪ )3‬وأخي اًر إنه مفهوم يعبر عن األفكار األساسية الموجودة ضمني ًا داخل الثقافة السياسية العامة للمجتمع الديمقراطي ومعب اًر‬ ‫عن األفكار السياسية السائدة في المجتمع‪ ،‬مثل فكرة كون األفراد أحرار ومتساوون وفكرة مجتمع جيد التنظيم‪ .‬للمزيد من‬ ‫التفاصيل ينظر‪:‬حسام الدين علي مجيد‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.227‬‬

‫‪54‬‬

‫لوجهات نظر شاملة مختلفة بالمصادقة عليها وهذه تشمل‪(:‬العقائد الدينية التي تؤكد حرية الضمير‪،‬‬ ‫وتدعم الحريات الدستورية األساسية) و(العقائد الفلسفية الليبرالية المختلفة‪ ،‬األمر الذي من شأنه توفير‬ ‫األساس األكثر معقولية للوحدة السياسية واإلجتماعية الممكنة في المجتمع الديمقراطي)(‪ ،)1‬بمعنى توفير‬ ‫االستقرار اإلجتماعي والسياسي الذي ال سبيل إلى بلوغه إال عندما يكون المفهوم السياسي للعدالة موضع‬ ‫قبول هذه العقائد التي يمكن لها بهذه الطريقة أن تدعم النظام الدستوري‪ .‬لكن العقائد والمذاهب الشاملة‬ ‫تظل مفتقرة الى النسقية واالكتمال‪ ،‬األمر الذي يرى رولز أن من شأنه السماح بنسبوية مؤقتة تتحول مع‬ ‫الزمن الى اإلجماع المتشابك ممكن التحقق بصورة واقعة مستدامة ومستقرة(‪ .)2‬وهذا اإلجماع المتشابك‬ ‫سيدعم المواطنين المتميزين بالفاعلية السياسية كما سيدعم قيماً ديمقراطية دستورية‪ ،‬مثلما يفعل ذلك‬

‫مواطنوا المجتمع عام ًة الذين يقبلون هذه القيم‪ ،‬ألنهم يرونها غير متصارعة صراعاً شديداً مع مصالحهم‬ ‫األساسية‪ ،‬ومن ثم ستصل الى اتفاق عام مبني على األحترام المتبادل والمساواة نزوعاً نحو العدالة‬

‫الكونية الذي أفرد له رولز بحثاً مستقالً بعنوان قانون الشعوب(‪.)3‬‬ ‫ثانياً‪ /‬العدالة في النظام الدولي‪:‬‬

‫أحدى أهم مميزات ليبرالية رولز السياسية هو أنها تعنى في نفس الوقت بالتنظير لإلطار السياسي‬ ‫المحلي(أي الدولة ) وأيضاً باإلطار السياسي الدولي‪ ،‬لذلك نجده يؤكد أن العالقات الدولية غير مستثناة‬

‫في التفكير المعياري‪ ،‬وعليه فمن الواجب إخضاعها هي أيضاً لمبادىء تنظيم عادلة(‪ .)4‬ففي كتابه(قانون‬

‫الشعوب) نجده يحاول تعميم نظريته في العدالة على النظام السياسي الدولي‪ ،‬مؤكداً إن الهدف من وراء‬

‫هذه المحاولة هو العمل على "إرساء المبادىء السياسية التي تسمح بتنظيم العالقات السياسية المتبادلة‬

‫بين الشعوب"(‪ .)5‬ومن ناحية أخرى يرى رولز إن أحدى الحقائق ذات العالقة بالعدالة هي حقيقة السلم‬ ‫الديمقراطي الليبرالي‪ .‬وهي الحقيقة التي تقر أن المجتمعات الديمقراطية الليبرالية والدستورية المنظمة‬ ‫جيداً‪ ،‬وحرصاً منهم على مصالحهم األساسية لن يكون لديها سبب يدعوها للدخول في حرب ضد بعضها‬

‫‪1‬‬

‫جون رولز‪ ،‬العدالة كإنصاف‪ ،‬مصدرسبق ذكره ‪ ،‬ص‪.134‬‬

‫‪2‬‬

‫محمد عثمان محمود‪ ،‬مصدرسبق ذكره‪ ،‬ص‪.163‬‬

‫‪3‬‬

‫يستفيد رولز هنا من فكرة كانط عن العدالة العالمية والسالم العالمي في كتابه (مشروع السالم الدائم) وقد أستعار رولز‬

‫منه مفاهيم عدة مثل (العقد االصلي‪ ،‬وقانون الشعوب)‪ ،‬للمزيد من اإلطالع ينظر‪ :‬أيمانويل كانط‪ ،‬مشروع السالم الدائم‪،‬‬ ‫مصدر سبق ذكره‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫مجموعة أكاديمين العرب‪ ،‬الفلسفة الغربية المعاصرة‪ :‬صناعة العقل الغربي‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.1220‬‬ ‫‪John Rawls, The Law of people, Harvard University Press, 1999, p.163.‬‬

‫‪5‬‬

‫‪55‬‬

‫البعض(‪ ،)1‬وهنا ينبثق قانون الشعوب(‪ ،)2‬وعليه يحدد رولز تلك الشعوب ويقرر بأنها ليبرالية‪ ،‬وتلك‬ ‫الشعوب هي الفاعلة في هذا القانون مثلما يكون المواطنون فاعلون ومتعاونون في المجتمعات المحلية‪.‬‬ ‫وعليه يؤسس رولز شروطاً على فكرة التعاون‪ ،‬فيرى إن الشعوب الليبرالية تعرض شروطاً منصفة على‬

‫الشعوب األخرى مثلما يعرض المواطنون في المجتمع الديمقراطي شروطاً للتعاون مع المواطنين اآلخرين‬

‫داخل دولة واحدة‪ .‬وذلك يعني أن يحترم كل شعب منها الشروط التي تطمئن الشعوب األخرى‪ ،‬كل‬ ‫واحدة بإتجاه غيرها‪ ،‬وفي ان تكون العالقات عادلة وضامنة ألستحقاقاتهم‪ .‬وعلى غرار الطريقة المتبعة‬

‫في كتاب(نظرية في العدالة) يستعمل رولز اإلجراء التمثيلي للوضعية األصلية على مستوى الشعوب‪،‬‬ ‫وهو ما يسمى بالوضع األصلي من المستوى الثاني‪ .‬أي أنه يختلف عن األول في الوضع داخل المجتمع‬ ‫الواحد‪ ،‬فيفترض وجود ممثلين للشعوب يمتازون بالعقالنية‪ ،‬ويتواجدون بصورة مماثلة ومنصفة‪ ،‬ويحاولون‬ ‫أن يختاروا من المبادىء المتيسرة لهم بما يضمن مصالحهم األساسية‪ ،‬وذلك بخضوعهم لحجاب الجهل‪،‬‬ ‫في عدم معرفتهم حجم األقليم أو السكان أو السلطة أو المصادر الطبيعية وغيرها من األمور(‪.)3‬‬ ‫هنا يقدم رولز مجموعة مبادىء للقانون الدولي‪ ،‬ويجادل بانه يمكن االتفاق عليها سياسياً‪ ،‬من قبل‬

‫المجتمعات التي تعيش في ظل المؤسسات السياسية‪ ،‬وتمتلك مجموعة من المعتقدات الثقافية المستمرة‪،‬‬ ‫ويرى بأن حقيقة التعددية المعقولة بين الشعوب التي تعيش في ظل الدولة الديمقراطية الليبرالية والدول‬ ‫غير الديمقراطية وهي ان االولى تحترم حقوق اإلنسان‪ ،‬وتستخدم فكرة العقل العام‬

‫(‪)4‬‬

‫لتطوير إجماع‬

‫متداخل بشان الوصول الى مبادىء في العالقات الدولية فضالً عن تعميم االتفاق حول المبادىء التي‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫نقالً عن‪ :‬أنور محمد فرج‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.404-403‬‬

‫هو تصور سياسي محدد عن الحق والعدالة يتفق مع المبادىء ومعايير القانون الدولي والممارسات الدولية‪ ،‬بحيث‬

‫يشتمل على مبادىء سياسية محددة لتنظيم العالقات السياسية المتبادلة بين الشعوب‪ .‬أي إن قانون الشعوب ينظر الى‬

‫المجتمع الدولي على أنه يتكون من شعوب ليبرالية ديمقراطية وتتميز بثالث سمات رئيسة وهي‪ )1( :‬وجود حكومة‬ ‫ديمقراطية دستورية عادلة وعقالنية تقوم بخدمة مصالح الشعوب‪ )2(،‬وجود مواطنين توحدهم العواطف المشتركة‪ ،‬أي قائمة‬ ‫على الرغبة بحكم ذاتهم وتحقيق مصلحتهم عبر الحكومة الديمقراطية‪ )3(.‬وأخي اًر وجود طبيعة أخالقية تحكم هذه الشعوب‪،‬‬

‫وهذا يتطلب أرتباطاً قوياً وثابتاً بتصور سياسي‪ /‬أخالقي عن الحق والعدل‪ .‬للمزيد ينظر‪ :‬جون رولز‪ ،‬قانون الشعوب‬ ‫وعودة الى فكرة العقل العام‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪. 25-17‬‬

‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬

‫نقالً عن‪ :‬علي عبود المحمداوي‪ ،‬الفلسفة السياسية‪ ،‬مصدر سبق ذكره ‪ ،‬ص‪.183-182‬‬

‫يقوم مفهوم العقل العام على وجهة نظر مفادها أن األفراد في مناقشة خالفات التي بينهم فيما يخص األمور العامة ‪،‬‬

‫وحلها‪ ،‬عليهم أن يفسروا أساس وجهات نظرهم ويوضحوها على اعتبار أن الجميع قد يتوقعون وبشكل ما‪ ،‬أن اآلخرين قد‬

‫يؤيدون هذه الرؤية بوصفها منسقة مع حريتهم وتكافئهم‪ .‬وفي سبيل هذا يتبنى رولز مقارنة كانط في األستخدام العام‬ ‫للعقل آمالً في إيجاد وجهة نظر مشتركة يمكن من خاللها مناقشة األسباب التي يستخدمها الناس في تأيد مواقفهم‪ ،‬ومن‬ ‫ثم تحديد األسباب التي من شأن الجميع أن يدعمونها‪ .‬للمزيد من اإلطالع ينظر‪ :‬جون رولز‪ ،‬قانون الشعوب‪ ،‬مصدر‬ ‫سبق ذركره‪ ،‬ص ‪ .174-171‬وكذا ينظر‪ :‬ستيفن ديلو ‪ ،‬مصدر سبق ذركره‪ ،‬ص‪.327-324‬‬

‫‪56‬‬

‫صيغت داخل المجتمعات وتوسيعها على العالقات التي تربط هذه المجتمعات فيما بينها(‪ ،)1‬إضاف ًة الى‬

‫ذلك يجب على هذه الشعوب أن تدعو للعقل العام بمستوى ثاني‪ ،‬أي أن تخاطب الشعوب عبر مبادىء‬ ‫تمثل المشترك العام بينها‪ ،‬وليس عبر لغة الصدق أو الحق الشامل‪ .‬إنما يتم ذلك عبر االلتزام بمبادىء‬ ‫قانون الشعوب‪ ،‬والتوضيح للشعوب األخرى أسباب اتباع سياسة الشعب الخارجية أو شؤونه الدولية أو‬ ‫مراجعتها‪ ،‬والتي تتعلق بالمجتمعات األخرى‪ .‬وذلك يعني أن ينظر المواطنون ألنفسهم بوصفهم مشرعين‬ ‫ومنفذين‪ ،‬وأن يسألوا أنفسهم‪ :‬أي سياسة خارجية يمكنها أن تكون أكثر معقولية للتقدم؟ وبذلك فهم ينحون‬ ‫المتمثلين الحكوميين أو كل شخص يحاول أنتهاك العقل العام للشعوب الحرة والمتساوية‪ ،‬وكل ذلك يكون‬ ‫جزءاً من القواعد السياسية واإلجتماعية األساسية لخلق السالم والتفاهم بين الشعوب(‪.)2‬‬ ‫بعد تسليط الضوء على المفهوم السياسي للعدالة‪ ،‬يمكن إثارة بعض األسئلة ضمن نطاق مناقشة‬ ‫نظرية العدالة لرولز لفهم أهدافه ومقاصده من مثل‪ :‬ما هي منطلقات رولز وأهدافه التي بنى عليهما‬ ‫نظريته في العدالة؟ لقد كان أحد أهدافه هو محاولته بعث معنى تجذير اإلنسان في الدولة العقالنية وهذا‬ ‫عن طريق تصور لمفهوم العدالة الذي سيكون األساس األخالقي لمجتمع ديمقراطي‪ ،‬بأعتبار اإلنسان‬ ‫كائناً واعياً ومسؤوالً ومصد اًر ألفعاله وتصوراته(‪ ،)3‬لذا كتب رولز أن نظريته في العدالة تعبر عن إعتقاده‬

‫"بأن كل شخص يملك حرمة التخرق والقائمة على العدالة‪ ،‬والتي ال يمكن المس بها أو خرقها حتى ولو‬

‫كانت لمصلحة رفاهية المجتمع ككل"‪ .‬لهذا السبب تنكر العدالة أن فقدان حرية بعضهم اليمكن أن يكون‬ ‫(‪)4‬‬

‫صحيحاً من أجل تحقيق خير أكبر لآلخرين‬

‫وعليه أصبح هذا المنطلق األساسي لـه في صراعه مع‬

‫الفلسفة النفعية المهيمنة‪ .‬يتمحور السؤال الثاني‪ :‬ما هي أرضية العدالة؟ أو ماهي المادة األولية للعدالة؟‬ ‫تتمثل أرضية العدالة حسب رؤية رولز في البنية األساسية للمجتمع‪ ،‬أو بدقة أكبر الطريقة التي توزع‬ ‫من خاللها المؤسسات اإلجتماعية الرئيسة الحقوق والواجبات األساسية التي تحدد تقسيم المنافع الناتجة‬

‫‪1‬يمكن تلخيص هذه المبادىء كاالتي‪.1‬يتمتع كل شعب بحرية األستقالل ويجب على كل الشعوب ان تحترم هذه الحرية‬ ‫األستقاللية‪.2،‬على الشعوب أن تحترم وتلتزم بالمعاهدات واأللتزامات الدولية‪.3 ،‬كل الشعوب متساوية وهي مصدر‬ ‫األتفاقيات التي تربط فيما بينها‪.4،‬تحترم الشعوب واجب عدم التدخل‪.5،‬تحتفظ كل الشعوب بحقها في الدفاع عن نفسها‬ ‫وكل ممارسة حربية خارج هذا اإلطار مرفوضة‪ .6 ،‬على الشعوب احترام حقوق اإلنسان‪.7 ،‬على الشعوب أن تلتزم بقيود‬ ‫معينة في إدارتها لحروبها‪.8،‬من الواجب على الشعوب تقديم يد العون للشعوب التي تعاني ظروفاً صعبة تحول دون‬

‫تطبيق نظام إجتماعي سياسي عادل وكريم‪ .‬ينظر‪ :‬أنور محمد فرج‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.400‬‬ ‫‪ 2‬علي عبود المحمداوي‪ ،‬الفلسفة السياسية‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.183‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬

‫نجود بليمان‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.59‬‬

‫جون رولز‪ ،‬نظرية في العدالة‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.30‬‬

‫‪57‬‬

‫عن الشراكة اإلجتماعية عبر الزمن‬

‫(‪)1‬‬

‫وان مبادىء العدالة كونها منصفة هي التي تنظم هذه البنية(كما‬

‫أشرنا سابقاً)‪ .‬هكذا يصبح البناء األساسي هو موضوع العدالة الذي يقوم بتوزيع الخيرات المشتقة من‬ ‫التعاون اإلجتماعي‪ ،‬إذ يطالب كل فرد عقالني بقسمة عادلة والتي تعني التوزيع الصحيح‬

‫للحصص(العدالة التوزيعية)(‪ .)2‬أما السؤال الثالث فهو‪ :‬ما هي الحاضنة األشمل التي يتم التنظير للدولة‬ ‫ضمنها؟(بأعتبارها هي من أهم األسئلة التي عمل رولز على البحث فيها)‪ .‬تتمثل الحاضنة األشمل في‬ ‫مجتمع ديمقراطي مثالي يكون فيه األفراد أحرار ومتساوين في التزام متطلبات العدالة ومتعاونين فيها‪ ،‬إذ‬ ‫يتوقع التعاقد على مبادئها الناظمة لمؤسسات المجتمع األساسية‪ .‬وبما إن العدالة التي ينظر إليها عدالة‬ ‫سياسية في مجتمع ديمقراطي توسل بناؤها بمفاهيم ليبرالية سياسية تعاقدية أهمها(العقل العام واإلجماع‬ ‫المتشابك والوضع األصلي)(‪ ،)3‬لذا يؤكد رولز إن المجتمع يمثل اإلطار الذي ينظر فيه للعدالة بوصفها‬ ‫طرحاً فلسفياً سياسياً مثالياً‪ ،‬يتعاون فيها اعضاؤه ويشتركون في العمل على توفير العدالة للجميع(‪.)4‬‬ ‫يمثل المجتمع عند رولز الى جانب الثقافة بعداً رئيسياً ومهماً ويوصف هذا الطرح الرولزي بديالً‬

‫للطرح النفعي التي تميزت به دولة الرفاه‪ ،‬ونقيضاً له(‪ .)5‬أما السؤال الرابع فهو‪ :‬ما هي ظروف العدالة؟‬

‫هنا نرى أن رولز يقسم الظروف التي يفرض وجودها الى ظروف ذاتية وموضوعية؛ يقصد بالظروف‬

‫الذاتية تلك المرتبطة بواقع التعددية المعقولة الذي يتسم بها المجتمع الديمقراطي‪ ،‬حيث اليتفق الناس‬ ‫على مفهوم واحد للخير‪ ،‬يوجب البحث عن مفهوم للعدالة يكون موضع قبول واجماع بصورة ليبرالية وفي‬ ‫العقل السياسي الديمقراطي العام‪ .‬بمعنى إن ما يتفق عليه الناس بوصفهم مواطنين يجب أن يكون مسوغاً‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫جون رولز‪ ،‬نظرية في العدالة‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.34‬‬

‫العدالة التوزيعية هي جوهر نظرية العدالة بوصفها إنصافاً وهي تمثل نقطة فارقة في تطور مسألة العدالة في خطاب‬

‫الفلسفي األخالقي والسياسي المعاصر‪ ،‬وتعني أنه إذا كان البشر غير متماثلين في أوضاعهم اإلجتماعية وأستعداداتهم‬

‫ومواهبهم‪ ،‬فإنه من غير المنصف توزيع المنافع واألعباء او التكاليف بصورة متساوية على اشخاص غير المتساوين‬ ‫أصالً‪ .‬وبالتالي‪ ،‬يعنى هذا النوع من العدالة بالقاعدة التي يتم في ضوئها أتخاذ القرار بتوزيع المنافع واألعباء والتكاليف‪،‬‬

‫وقد تتمثل تلك القاعدة في الجدارة أو الحاجة أو المساواة‪ .‬أي إن هذا الضرب من العدالة يركز أهتمامها على المعايير‬

‫التي ينال بموجبها كل فرد نصيبه من النتائج النهائية‪ .‬نقالً عن‪ :‬نوفل الحاج لطيف‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.103‬‬ ‫وينظر‪:‬حسام الدين علي مجيد‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.216‬‬

‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬

‫ينظر‪ :‬محمد عثمان محمود‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.125‬‬

‫جون رولز‪ ،‬العدالة كإنصاف‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.90-89‬‬

‫هذا الطرح الرولزي في العدالة(كما يؤكده بول ريكور) اليدخل إال ضمن(خط كانطي واجبي)‪ ،‬المتعارض مع الخط‬

‫النفعي‪ .‬للمزيد حول هذا الموضوع ينظر كالً من‪ :‬جون رولز‪ ،‬نظرية في العدالة‪ ،‬ص‪ .15-12‬وأيضاً ‪ :‬بول ريكور‪،‬‬

‫الذات عينه كاآلخر‪ ،‬ت‪ .‬جورج زيناتي‪ ،‬المنظمة العربية للترجمة‪ ،‬بيروت‪ ،2005 ،‬ص‪ .388-387‬وكذا ينظر‪ :‬انطوني‬

‫دي كرسبني وكنيث مينوج‪ ،‬أعالم الفلسفة السياسية‪ ،‬مصدر سبق ذركره‪ ،‬ص ‪.137-133‬‬

‫‪58‬‬

‫في عقلهم العام‪ .‬أما الظروف الموضوعية فهي مرتبطة بما يسميه(الندرة المعتدلة) التي توجد في ظلها‬ ‫المجتمعات الديمقراطية‪ ،‬إذ يسعى الجميع‪ ،‬ضمن إطار التعاون الى خيرهم الخاص من أجل أن يحيوا‬ ‫بمعاير الئقة‪ .‬لهذه الظروف أهمية تأسيسية وسمة مالزمة للوجود اإلجتماعي المدني‪ ،‬بحيث إن هذه‬ ‫الظروف تتحقق حينما يقوم األشخاص بترشيح مطالب متنازعة حول التوزيع الخاص للمنافع اإلجتماعية‬ ‫تحت شروط(الندرة المعتدلة)‪،‬وعند غيابها ال تبقى للعدالة مناسبة لتجليها بوصفها قيمة ذات أولوية‪ .‬عليه‬ ‫يمكن توصيف ظروف العدالة على إنها شروط عادية تكون عندها الشراكة البشرية ممكنة وضرورية(‪.)1‬‬ ‫عليه فإن سؤال الذي يستحق أهتمامنا عند مناقشة نظرية العدالة‪ ،‬هو لماذا العدالة؟ أي ماهي األسباب‬ ‫التي تجعل العدالة لها قيمة األولوية على غيرها من القيم‪ .‬نقول‪ :‬ال شك إن الواقع الذي يشهد مظالم‬ ‫كثيرة يستوجب التفكير في سبيل رفعها أو على األقل التقليل منها‪ ،‬بهدف تحقيق العدالة‪ .‬ولكن العمل‬

‫ِ‬ ‫وآلياته‪ .‬وهذا يمكن أن‬ ‫األهم منه هو البحث عن مبادىء منع وقوع الظلم في أصله بصورة مستدامة‬ ‫ِ‬ ‫أولويته كامنة في طبيعة الوجود اإلجتماعي‬ ‫يطلق عليه نظرية في العدالة بوصفه مطلباً دائماً‪ ،‬ألن أسباب‬

‫وما يرتبط بهِ فيه عن العدالة من أبعاد وتعقيدات تتفاوت تبعاً للظروف وتبعاً لخروقات الحريات األساسية‬

‫داخل اإلطار الليبرالي الذي يبحث فيه رولز عن العدالة ‪ ،‬وال شك إن هذه األحكام والخروقات كونت‬ ‫لديه دوافع ومحركات للبدأ بالتفكير في رفعها وايجاد حلول لها‪ ،‬لذا مضى في تفكيره إلى البحث في‬ ‫نظرية للعدالة من شأن العمل بمقتضاها منع ظواهر الظلم والتفاوت من جيل الى جيل‪ .‬بمعنى إن تكون‬ ‫للعدالة أولوية دائمة تعمل بموجبها المؤسسات اإلجتماعية والسياسية واإلقتصادية وفق مبادئها‪.‬‬ ‫وعليه تظل العدالة عند رولز أولوية وأسبقية على غيرها من القيم ألسباب عديدة منها مايرتبط بظروف‬ ‫واقعية‪ ،‬ومنها ما يعود الى أسباب أخالقية مرتبطة بقضايا األستحقاق والتوقعات المشروعة من جهة‪،‬‬ ‫وفلسفة واجبية خاصة‪ ،‬تقول بأولوية الحق على الخير من جهة أخرى‪ ،‬األمر الذي عمل رولز على‬ ‫توظيفه في المجال السياسي أي في المؤسسات األساسية‪ .‬وعلى هذا األساس فإن العدالة ليست فضيلة‬ ‫فردية وانما هي فضيلة إجتماعية تقتضي قيام قواعد لضمان التعاون اإلجتماعي‪ .‬هذه األولوية المعطاة‬ ‫للعدالة آتية في جزء منها من النقد الذي وجهه رولز الى النزعة النفعية(كما أشرنا سابقاً)‪ .‬أنطالقاً من‬ ‫أنه يقيم نزعته على أخالقيات الواجب المستفادة من كانط (‪ .)‬فضالً على ذلك يعد الحق عنده مثلما هو‬

‫ِ‬ ‫مؤلفه‪ ،‬نظرية في العدالة‪ ،‬ص‪.172-170‬‬ ‫‪ 1‬للمزيد من اإلطالع راجع‪ :‬رولز‪ ،‬العدالة كإنصاف‪،‬ص‪ ،215-212‬وكذا‬ ‫‪‬‬

‫إن أخالقيات الواجب التي فصل كانط القول فيها هي ضد ميول(ألخالق اللذة والسعادة) فأخالق الواجب غير أمبريقية‬

‫ومفاهيمها تقوم على قوانين اإلرادة ومبادىء العقل العملي‪ ،‬غير أن رولز لم يكن هدفه إنقاذ مبادىء العقل الخالص؛ وانما‬ ‫كان وهو تحت تأثير أخالقيات الواجب إبعاد الميول والمنافع الشخصية عند تأسيس مبادىء العدالة‪ ،‬وهذا هو ما حصل=‬

‫‪59‬‬

‫عند كانط سابقاً على الخير معتمداً على زعمين‪ :‬الزعم األول‪ ،‬أن بعض الحقوق الفردية هي من األهمية‬ ‫بمكان ما يحول دون غلبة الخير العام ذاته عليها‪ .‬أما الزعم الثاني‪ ،‬فيشير الى أن مبادىء العدالة التي‬

‫تحدد حقوقنا‪ ،‬غير مرهونة في تسويغها بأي تصور معين للحياة الخيرة‪ ،‬أو كما قال رولز بأي تصور‬ ‫أخالقي أو ديني شامل‪ ،‬هذا الزعم تحديداً هو توكيد أولوية الحق على الخير(‪ .)1‬وبما إن العدالة تمثل‬

‫القاعدة األساسية لكل مجتمع منظم عقالنياً يروم إرضاء النفع العام وينال رضى كل المتعاقدين مؤش اًر‬ ‫يستنتج منه أسبقية العدالة على الخير‪ ،‬فال يختلف البشر حول شىء مثل أختالفهم حول تطورات الخير‬

‫واليجمعهم شيء أكثر من العدالة واليوحدهم عليها اكثر منها‪ .‬فضالً على ذلك‪ ،‬ال يستقيم مفهوم الخير‬ ‫في المجتمعات التي يسودها التعدد الثقافي والعقائدي‪ ،‬وال سبيل الى توحيد هذا التعدد سوى بفضل العدالة‬ ‫بما هي إنصاف ألنها تحضى بإجماع الكل(‪ .)2‬من جانب أخر‪ ،‬يعتقد رولز أنه يمكن حل مشكلة عالقة‬ ‫الحق بالخير من خالل النظر الى الخير على انه أداة يمكن اإلستفادة منها وظيفياً في تحديد الحق دون‬ ‫أن تطغى على أولويته وقوته‪ ،‬مع تأكيد تكاملهما(‪ .)3‬أما في طرحه األخير(العدالة كإنصاف‪ :‬إعادة‬

‫الصياغة)‪ ،‬فإنه ي َّشدد على أن إهتمامه ينحصر في المستوى السياسي للعدالة‪ ،‬عبر تقديم رؤية من شأنها‬ ‫تبرير القول بتكاملهما‪ ،‬األمر الذي عبر عنه في ضوء المفاهيم الليبرالية السياسية التأسيسية مرك اًز على‬

‫بعض المسائل ومنها‪-:‬‬

‫‪ -1‬أفكار الخير في العدالة الرولزية‪ -:‬هنا يركز رولز على نظام ديمقراطية ملكية الملكية(‪ ،)‬ذاك اًر‬ ‫كيف تحاول البنية األساسية تطبيق مبدأي العدالة‪ ،‬ولكن قبل أن يقوم بتناول تلك المسائل المؤسساتية‪،‬‬ ‫يؤكد على القيام بمراجعة أفكار الخير المختلفة في مفهوم العدالة إنصافاً‪ ،‬كمفهوم سياسي‪ ،‬مبر اًر إن هذا‬

‫العمل سيساعد على توصيف النواحي المهمة لديمقراطية ملكية الملكية‪ .‬شارحاً تلك العملية بأنها تكامل‬ ‫بين الحق والخير فيقول"إن المؤسسات العادلة والفضائل السياسية ال تخدم هدفاً‪-‬أي اليكون لها معنى‪-‬‬

‫إال إذا كانت تلك المؤسسات والفضائل مسموحاً بها‪ ،‬وأيضاً أن تشمل مفاهيم ذات عالقة بعقائد شمولية‪،‬‬

‫بناء على‬ ‫= عنده في فرضية الوضع األصلي وفكرته المتعلقة بحجاب الجهل‪ .‬فال يمكن ألحد أن يحصل على ما يريده ً‬ ‫ميوله‪ ،‬ألن وجود اآلخرين يحول دون ذلك‪[.‬الباحث]‬ ‫‪ 1‬ينظر مقدمة المترجم لكتاب مايكل ساندل‪ ،‬الليبرالية وحدود العدالة‪ ،‬ت‪ .‬محمد هناد‪ ،‬مركز د ارسات الوحدة العربية‪،‬‬ ‫بيروت‪ ،2009 ،‬ص‪.21‬‬

‫‪ 2‬محمد هاشمي‪ ،‬في مفهوم العدالة‪ :‬جون رولز‪ ،‬مقال متاح على الرابط ‪. http://www.alflasafa.com‬‬ ‫‪3‬‬

‫ينظر‪ :‬محمد عثمان محمود‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.186‬‬

‫‪‬‬

‫إنه نظام سياسي الذي يحقق جميع القيم السياسية األساسية التي يعبر عنها مبدأ العدالة‪ ،‬ويعدها رولز بديالً للرأسمالية‪،‬‬

‫وهذا النظام يمنع قسماً صغي اًر من المجتمع في إدارة األقتصاد والسيطرة عليه محاوالً منه لتطبيق مبادىء العدالة في البنية‬ ‫األساسية للمجتمع‪[ .‬الباحث]‬

‫‪60‬‬

‫يمكن للمواطنين أن يؤكدوها‪ ،‬ألنها تستحق والءهم الكامل غير المنقوص"‪ .‬فأولوية الحق في نظرية‬ ‫العدالة كإنصاف تتمثل في وجوب أن تدخل أفكار الخير المسموح بها في إطارها كمفهوم سياسي‪ .‬وفي‬ ‫ضوء واقع التعددية المعقولة يمكننا أن نفترض‪ :‬إن األفكار المستعملة هي‪ - ،‬أو يمكن أن تكون‪-‬‬ ‫مشتركة بين مواطنين عام ًة بأعتبارهم أح ار اًر ومتساوين‪ ،‬ومن ناحية ثانية إنها ال تفترض وجود أي عقيدة‬ ‫شمولية بصورة كاملة(أو بصورة جزئية)(‪ .)1‬وعليه يمكن القول انه يريد التأكيد على األحتفاظ برؤية‬

‫سياسية لمفهوم العدالة والمتمثلة في اسبقية الحق وتكامله مع الخير لكي يحظى بقبول المواطنين‪ .‬هذه‬ ‫األسبقية للحق مرتبطة بجوهر الدستور والعدالة السياسية ألنها تمثل الخط الذي يمكن تبرير التدخل‬ ‫القسري للدولة بأسم المواطنين وعقلهم الحر‪.‬‬ ‫‪ -2‬الديمقراطية الدستورية مقابل الديمقراطية اإلجرائية‪ -:‬بعدما وصف رولز ديمقراطية ملكية الملكية‬ ‫بأنها نظام دستوري‪ ،‬أي ذلك النظام الذي يجب أن تكون قوانينه ومراسيمه متسقة وغير متناقضة مع‬ ‫الحقوق والحريات األساسية‪ ،‬ويشملها المبدأ األول للعدالة‪ .‬فهناك دستور يحتوي على الئحة حقوق تعين‬ ‫الحريات وتفسرها المحاكم القضائية على أنها حدود دستورية مفروضة على التشريع‪ ،‬على عكس‬ ‫الديمقراطية اإلج ارئية‪ ،‬فهي ال تحتوي على حدود دستورية تضبط التشريع‪ ،‬ويكون كل ما يصدر عن‬ ‫األكثرية هو قانون‪ ،‬بشرط أن تتبع مجموعة القواعد التي تحدد ماهية القانون‪ .‬ومع أن هذه القواعد تعين‬ ‫اإلجراءات الديمقراطية المطلوبة‪ ،‬إال إنها ال تفرض حدوداً على التشريع‪ .‬هنا يتسائل رولز‪ :‬هل يمكن‬

‫قول شيء يجعل النظام الدستوري ذا أفضلية على الديمقراطية اإلجرائية؟ لقد فكر البعض بأنه إذا كان‬ ‫الشعب ديمقراطياً حقاً في روحه‪ ،‬فإنه ليس هناك من ضرورة لوجود دستور يحتوي على الئحة حقوق‪،‬‬ ‫وبعكسه فإن مثل هذا الدستور لن يحوله الى شعب ديمقراطي‪ .‬وعليه يقول رولز‪":‬علينا أن نفكر في‬

‫كيف يمكن أن تتأثر السوسيولوجيا بالدور التربوي للمفهوم السياسي للعدالة كإنصاف وأفكارها األساسية‬ ‫عن الشخص والمجتمع"(‪.)2‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫هنا يؤكد رولز على تحقيق المستويات الثالثة التي يسميها(حالة عمومية)‬

‫كلها في مجتمع جيد‬

‫التنظيم‪ ،‬فسيكون للمفهوم السياسي دور تربوي‪ .‬فهؤالء الذين يترعرعون في مثل هذا المجتمع يشكلون‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫جون رولز‪ ،‬العدالة كإنصاف‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.303-302‬‬

‫على سبيل المثال‪ :‬التمنع المجلس التشريعي من أن يلغي الحقوق السياسية المتساوية لجماعات معينة‪ ،‬أو أن يقيد‬

‫حرية التفكير والكالم‪ .‬أو إذا حصل أصرار على أن هذه الحريات السياسية هي جزء من المعنى الديمقراطي‪ ،‬فليس هناك‬ ‫ما يمنع تشريعاً من أن يلغي التفكير والكالم الالسياسيين‪ ،‬للمزيد ينظر‪ :‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.310-309‬‬

‫‪3‬‬

‫يميز رولز بين المستويات الثالثة والذي يسميها(حالة عمومية) يمكن أن يحققها في مجتمع حسن التنظيم‬

‫وهي‪)1(:‬‬

‫إقرار المواطنين المشترك بمبادىء العدالة‪ ،‬مع المعرفة العمومية بان مؤسسات البنية األساسية تحقق هذه المبادىء‬ ‫فعلياً‪ )2(.‬إقرار المواطنين المشترك بالحقائق العامة على أساس الذي اعتمدت عليه األطراف في انتقاد المبادىء في=‬

‫‪61‬‬

‫اء مهماً من مفهومهم ألنفسهم كمواطنين من الثقافة السياسية العامة‪ ،‬ومن مفاهيم الشخص ذاته ومن‬ ‫جز ً‬ ‫المجتمع الضامن له‪ ،‬وبذا سوف يرون أنفسهم حائزين على الحقوق األساسية‪ ،‬كما إن الحريات ال‬ ‫يدعونها ألنفسهم فقط بل يجب أن يحترموها عند اآلخرين أيضاً‪ .‬ويعود هذا الى مفهومهم ألنفسهم‬

‫كمشاركين في وضعية المواطنة المتساوية‪ .‬وتأسيساً عليه يبدو أن اإلجماع السياسي الخاص بالنظام‬

‫الدستوري سيختلف عن الديمقراطية اإلجرائية‪ ،‬فمفاهيم الشخص والمجتمع مصاغة بطريقة مكتملة في‬ ‫الدستور ومرتبطة بطريقة اوضح بالحقوق والحريات األساسية‪ .‬فالمواطنون يكتسبون فهماً للثقافة السياسية‬

‫وتفسي اًر للقيم الدستورية األساسية وذلك بإصغائهم إلى كيفية تفسير القضاة لتلك القيم في قضايا دستورية‬

‫مهمة‪ ،‬وقد تفضي الق اررات القضائية في مسائل متنازع عليها الى مناقشة سياسية عميقة‪ ،‬حيث تناقش‬ ‫فيها مزاياها بلغة المبادىء الدستورية‪ ،‬وبالتالي حتى هذا يمكن ان يؤدي دو اًر تربوياً حيوياً‪ ،‬وذلك عن‬

‫طريق إدخال المواطنين في النزاع الجدلي العمومي وهو صفة مميزة للنظام الدستوري وقد يكون له‬ ‫مخاطره‪ .‬وقد تخفق المحاكم في عملها وتصدر ق اررات غير معقولة وال حصر لها‪ .‬وقد يترك المشرعون‬ ‫للحاكم مسائل عديدة أكثر مما يجب‪ ،‬وعلى السلطة التشريعية ان تبت بها(‪.)1‬‬ ‫‪ -3‬مسألة االستقرار اإلجتماعي السياسي‪ -:‬يتناول هنا رولز استقرار العدالة كإنصاف وكيف يربط‬ ‫استقرارها بخير مجتمع سياسي وهدفه هو إكمال المناقشة البرهانية على أساس مبدأي العدالة‪ ،‬فقد قسم‬ ‫المناقشة الى قسمين‪ :‬في القسم األول الذي أختبرت فيه مبادىء العدالة وقتياً‪ ،‬أفترض رولز أن األشخاص‬

‫ال تحركهم حاالت سيكولوجية‪ ،‬أي بمعنى إن األطراف تتجاهل ميول األشخاص نحو الحسد أو أن يكون‬ ‫لديهم إرادة للسيطرة أو ميل لإلخضاع‪ .‬أما القسم الثاني من المناقشة فيختص بمسألة إستقرار العدالة‬ ‫كإنصاف‪ ،‬حيث يمكننا معالجة سؤالين‪ :‬األول‪ ،‬الى أي مدى يمكن جعل المواطنين يلتزمون بمقتضيات‬

‫العدالة؟ والى أي مدى يمكن ترتيبهم بصورة تجعلهم يفكرون بمعايير معقولة ويلتزمون بها؟ أما الثاني‪،‬‬ ‫فما هو مدى إدراك المواطنين لخيرهم األساسي والمتمثل في(الحقوق والحريات) وادراكهم الرتباط ذلك‬ ‫بالخير السياسي المتمثل في االستقرار؟ أي الى أي مدى يمكن جعل المواطنين يفكرون وفق معايير‬ ‫العقالنية غير المتناقضة مع معايير معقولة؟(‪ .)2‬ترتبط اإلجابة هنا بالتربية السياسية األخالقية التي‬ ‫تؤدي دو اًر تكميلياً للدور القانوني الممتد من الدستور العادل‪ .‬وتأسيساً عليه‪ ،‬فإن لإللتزام بمقتضيات‬ ‫=الوضع األصلي‪ )3(.‬إقرار المشترك بالتسويغ الكامل للعدالة كإنصاف بشروطها هي‪ ،‬اي ان المواطنيين يعرفون تسويغها‬ ‫بالكامل مثلما تعرف أنت وأنا العاملين خارج تلك النظرة‪ .‬للمزيد من اإلطالع ينظر‪ :‬رولز‪ ،‬العدالة كإنصاف‪ ،‬مصدر‬

‫سبق ذكره‪ ،‬ص‪ .270-269‬وأيضاً ينظر‪ :‬نجود بليمان‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.118-115‬‬

‫‪1‬‬

‫رولز‪ ،‬العدالة كإنصاف‪ ،‬مصدرسبق ذكره‪ ،‬ص‪.312-311‬‬

‫‪2‬‬

‫للمزيد على اإلطالع حول هذا الموضوع مراجعة‪ :‬القسم الخامس من كتابه(العدالة كإنصاف) تحت عنوان(مسألة‬

‫االستقرار) في فقرة (الميدان السياسي)‪ ،‬ص‪.371-365‬‬

‫‪62‬‬

‫العدالة مصدرين‪ :‬األول خارجي مؤيد بوسائل قد تكون إكراهية لكنها مشروعة ومسوغة في العقل‬ ‫العام(السطة السياسية)‪ .‬أما الثاني فهو(داخلي) ذاتي يأتي بدافع من الحس بالمسؤولية وقيمة العدالة(الفرد‬ ‫والتربية السياسية)‪ ،‬وهو ما يجب‪ ،‬وفق رولز تطويره إلى أن يبلغ درجة من القوة بحيث يقاوم الميول‬ ‫العادية نحو الظلم(‪ ،)1‬وطالما وجدت وسائل االقناع والفرض‪ ،‬فإن النظرة الى المفهوم تفيد بأنه مستقر‪،‬‬ ‫فهو ليس يوتوبيا‪ ،‬غير أن العدالة كإنصاف‪ ،‬من حيث كونها مفهوم ليبرالي‪ ،‬معنية باالستقرار بطريقة‬ ‫مختلفة‪ .‬فإيجاد مفهوم مستقر ليس مجرد عملية تجنب ألمر ال جدوى منه‪ ،‬بل إن ما يهم هو نوع‬ ‫تؤمنه‪ .‬والفكرة هي أنه في ضوء أفتراضات معينة تحدد سيكولوجية إنسانية معقولة‬ ‫االستقرار والقوى التي َّ‬

‫ن‬ ‫الء معقوالً‬ ‫والظروف العادية للحياة اإلنسانية‪ ،‬فإن من يترعرع في ظل مؤسسات أساسية عادلة يكتسبو و ً‬

‫لتلك المؤسسات‪ ،‬ومن ثم يعملون على استقرارها(‪.)2‬‬

‫وتأسيساً عليه يمكن القول‪ :‬إن حس المواطنين بالعدالة وبالنظر الى خلقهم ومصالحهم التي تشكلت‬

‫في ظل بنية أساسية عادلة يصبح قوة لمقاومة الميول نحو الظلم‪ .‬وان المواطنين يعملون إرادياً على‬

‫توفير العدالة احدهم لآلخر عبر الزمن‪ ،‬هذا ما يجعل االستقرار شيئاً مؤمناً‪ .‬فضالً عن وجود حس‬

‫المواطنين بالعدالة التي تشكلت في ظل بنى أساسية عادلة للمجتمع‪ ،‬والداعمة الستقرار المؤسسات في‬ ‫البنية األساسية‪ ،‬قد تكون هناك طرق أخرى تدعم ذلك االستقرار ومنها‪-:‬‬

‫أ‪.‬التربية على الوالء والمواطنة‪ -:‬يظل هذا الدور األساس الذي يمكن األعتماد عليه في الوصول الى‬ ‫ما يجب أن يكون بخصوص السلوك المتوافق مع مبادىء العدالة والضامن الستقرارها‪ .‬يقدم رولز في‬ ‫هذا السياق مقاربة تربوية مرتبطة بمفهومي(العقالنية والمعقولية) التي يسميها رولز(القوتين األخالقيتين)‬ ‫والقائمة على(سيكولوجية أخالقية معقولة)(‪ .)3‬لكن الطبيعة اإلنسانية‪ ،‬بميولها الفطرية ليست كافية بمفردها‬ ‫إلندماج اإلتجاهات السياسية واألخالقية‪ ،‬وهو ما من شأن التربية وفق سيكولوجيا المعقول ضمانه من‬ ‫وبناء عليه فإن المقاربة التي تعبر عنها هذه‬ ‫أجل بلوغ مثال المواطنة في إطارها اإلجتماعي السياسي‪.‬‬ ‫ً‬

‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬محمد عثمان محمود ‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.248‬‬

‫‪ 2‬رولز‪ ،‬العدالة كإنصاف‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.373‬‬ ‫‪3‬‬

‫تمثل سيكولوجية معقولة بحثاً في تطوير قوى المواطنين األخالقية‪ ،‬بحيث يقبلون إلزامات السلطة العادلة بقناعة منهم‪،‬‬

‫أي البحث في المبادىء والقوانين المعززة لروح المواطنة وقيمها القائمة على الفلسفة األخالقية والسياسية‪ ،‬مما يجعلها‬ ‫قادرة على تحقيق استقرار مبادىء العدالة بصورة مستدامة‪ .‬للمزيد من اإلطالع ينظر‪ :‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.389‬‬

‫‪63‬‬

‫السيوكولوجيا ترمي‪ ،‬في سياق خدمة أهداف العدالة واستقرار مبادئها وضمان سلوك المواطنين وفقاً لها‪،‬‬

‫الى تربية الحس بها وتعريزها إذ تمر وفق رولز بأطوار عدة(‪.)1‬‬

‫ب‪.‬االستقرار عن طريق اإلجماع‪ -:‬في هذا السياق يقر رولز‪ ،‬بأن فكرة المجتمع الليبرالي السياسي جيد‬ ‫التنظيم بدت غير واقعية في كتابه(النظرية في العدالة)‪ ،‬إذا كان فيها جميع المواطنين يؤيدون مبادىء‬ ‫العدالة على أساس(عقيدة شاملة) تعبر عن غاياتهم األخالقية والدينية والفلسفية‪ ،‬ومن ناحية أخرى‬ ‫يشتركون في غاية عامة‪ ،‬والمتمثلة في العدالة السياسية معبرين بها عن نوع الشخص الذي يريدون أن‬ ‫يكونوه‪ ،‬أي يعبرون بها عن هويتهم بوصفهم مواطنين(‪ ،)2‬ولحلها يدخل رولز تغيرات مهمة في كتابيه‬ ‫الليبرالية السياسية والعدالة كإنصاف وذلك بأنتقاله من تصور شامل للعدالة الى رؤية ليبرالية سياسية‬ ‫مقترحاً فكرة اإلجماع المتشابك لكي تكون نظريته قابلة للنفاذ والتطبيق في الحياة الواقعية بصورة مستدامة‬

‫محققاً لالستقرار اإلجتماعي السياسي تحقيقاً ليبرالياً مسوغاً في عقل المواطنين العام‪ ،‬وعليه يمثل‬

‫االستقرار الخير المشترك لجميع المواطنين‪ ،‬ألنه ناتج من أستقرار العدالة والتي يحصل افراد المجتمع‬

‫في ظلها على حقوقهم وحرياتهم األساسية والمساواة المنصفة في الفرص‪ ،‬فضالً عن حصولهم على قدر‬ ‫‪ 1‬ومنها‪(:‬الطور السلطوي األبوي) يدعوه رولز بأخالقيات السلطة‪ ،‬والمتمثلة في عدم وجود ميل فطري إلى الرضوخ لسلطة‬ ‫أنتهاء بالسلطة السياسية‪ ،‬ولكن كيف يمكن جعل المواطن يقبل السلطة السياسية؟ يقارب رولز هذا‬ ‫أحد‬ ‫أبتداء بالوالدين‪ ،‬و ً‬ ‫ً‬ ‫عبر األنطالق من المشاعر األخالقية ومنها(الشعور بالذنب)‪ ،‬وغيابه يعد دليالً على خلل في التربية األسرية في المحبة‬

‫والثقة إذ يكون بديالً منه متمثالً في الخوف من العقاب الذي ال يخدم أهداف العدالة في التربية على المواطنة‪ .‬أما الطور‬ ‫الثاني هو(الطور المتحد اإلجتماعي التشاركي) إذ تنشأ خالله القيم ذات الصلة بدور الفرد المرتبطة بمركزه في المتحدات‬ ‫اإلجتماعية‪ ،‬وخروجه من حالة التمركز حول الذات واالنفتاح على انماط تفكير اآلخرين وسلوكهم في إطار التعاون‪،‬‬

‫ويمتد الشعور بالذنب الى هذا الطور ويظل تعبي اًر عن نجاح المنهج في جعل الدوافع الذاتية نابعة من الحس بالواجب‬ ‫والمسؤلية‪ ،‬ال خوفاً من العقاب أو طمعاً في الثواب‪ ،‬فشعور الثقة المتبادلة والشعور بالذنب في المتحدات اإلجتماعية‬ ‫يتبديان في اإلقرار بخطأ خرق القيم التعاونية التشاركية في الحرص على رفع الظلم المتمثل في الضرر الذي يلحق‬ ‫باآلخرين‪ .‬أما الطور األخير فيسميه رولز أخالقيات المبادىء(طور القيم السياسية) وفيها يفترض أن يصل الفرد الى‬

‫درجة األعتقاد الراسخ بمبادىء العدالة ويكون حريصاً عليه بوصفه مواطناً أخالقياً قاد اًر على التفكير والسلوك بصورة‬ ‫عقالنية ومعقولة‪ ،‬ومما ال شك فيه إن الشعور بالثقة المتبادلة وتعزيزها في إطار تعاوني داخل المؤسسات ال يتحقق إال‬ ‫إذا شعر الجميع باإلنصاف والعدالة عند توزيع المنافع واألعباء وبالتالي يمتد الى حس عام بهما‪ ،‬حتى يغدو عامالً‬ ‫حاسماً في الحفاظ على أستقرار المجتمع وعالقات التضامن فيه‪ .‬للمزيد من اطالع ينظر‪ :‬جون رولز‪ ،‬نظرية في العدالة‪،‬‬ ‫وباألخص الفصل السابع والمعنونة(حس العدالة)‪ ،‬والمتضمة مواضيع(أخالقيات السلطة ص‪ )558-553‬و(أخالقيات‬

‫رابطة ص‪ )564-558‬وكذا(أخالقيات المبادىء ص‪.)572-564‬‬ ‫‪2‬‬

‫أستعمل رولز مصطلح الهوية المستفاد من ‪Amy Gutmann, "Communitarian Critics of Liberalism",‬‬ ‫‪Philosophy and Puliclic Affairs, Vol,14 (summer 1985), pp. 308-322.‬‬

‫والمشار اليها في كتابه العدالة كإنصاف‪ ،‬في هامش(‪ )20‬من ص‪ .395‬قائالً‪ " :‬إنه يمكننا القول بأن الغاية األخيرة‬ ‫المشتركة التي هي توفير المواطنين العدالة أحداهم لآلخر‪ ،‬يمكن أن تكون جزءاً من هوية المواطنين"‪.‬‬

‫‪64‬‬

‫جيد من المساواة األقتصادية واإلجتماعية وفق مبدأ الفرق‪ ،‬وهذا غير ممكن تحقيقه إال بالعمل على‬ ‫المستوى السياسي والمتمثل في إضافة مؤسسات بنية أساسية ديمقراطية عادلة والحافظ عليها واصالحها‬ ‫عبر الزمن‪ ،‬ألن في ذلك خير إجتماعي عظيم(‪.)1‬‬ ‫في كل ما سبق‪ ،‬نرى ان رولز يعمل وفق الخط الكانطي و(ضد النظرية النفعية)‪ ،‬مؤكداً على االولوية‬

‫للحق على الخير[ رغم انه يمكن ان ينظر الى الخير على أنه اداة يمكن االستفادة منها وظيفياً في تحديد‬ ‫الحق‪ .‬لكنه ال يمكنه أن تطغى على أولوية الحق وقوته]‪ ،‬اذ مهما كانت قيمة الخير المنشودة ومهما‬

‫كانت السعادة المطلوبة وراء فعل ما سواء كان فردياً او جماعياً‪ ،‬فإن هناك حقوق لالفراد وحرمة للذوات‬ ‫قائمة على العدالة ال يمكن انتهاكها‪ ،‬هذا من ناحية‪ .‬ومن ناحية اخرى‪ ،‬اراد رولز التغلب على احدى‬

‫المشكالت التي تواجه أي نظرية اخالقية والمتمثلة في كيفية اختيار مباديء عامة قادرة على حسن تدبير‬ ‫المجتمع بحيث تكون معقولة ومقبولة من قبل جميع افرادها‪ ،‬بدل اختيار مبادىء مؤسسة على المصلحة‬ ‫الذاتية‪ ،‬من خالل تركيزه على مبادىء العدالة التي يتوصل اليها االفراد في الوضع االصلي‪ ،‬ويرتبها‬ ‫بشكل يعطي األولوية للمبدأ األول على المبدأ الثاني الذي يربط المساواة ببعض الفرص العامة‪ ،‬والمساواة‬ ‫في توزيع الموارد االساسية‪ .‬فضالً على اعترافه بوجود الالمساواة االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬ولكن يؤكد‬ ‫على ان تكون تلك التفاوتات في خدمة األقل نفعاً في المجتمع‪.‬‬

‫ويمكن القول ان نظرية رولز قائمة على مقاصد وأهداف‪ :‬اولها هو محاولته بعث معنى تجذير االنسان‬ ‫في الدولة العقالنية وذلك عن طريق تصور جديد لمفهوم العدالة التي ستكون اساساً اخالقياً لمجتمع‬

‫ديمقراطي‪ ،‬والهدف الثاني هو محاولته لتحديد ارضية العدالة بتركيزه على البنية األساسية للمجتمع(اي‬

‫الطريقة التي يتم من خاللها توزيع الحقوق والواجبات)‪ ،‬معتمداً بشكل اساسي على المؤسسات االجتماعية‬

‫الرئيسية‪ ،‬فضالً عن تحديده للحاضنة التي تعمل نظريته ضمنها إال وهي مجتمع ديمقراطي مثالي‪ ،‬حيث‬ ‫ار ومتساوين ومتعاونيين بالتزام متطلبات العدالة التي يتوقع التعاقد على مبادئها‬ ‫يكون فيها األفراد احر اً‬ ‫الناظمة لمؤسسات المجتمع األساسية‪ ،‬وذلك للوصول الى نوع من االستقرار االجتماعي والسياسي‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬محمد عثمان محمود ‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.253‬‬

‫‪65‬‬

‫الفصل الثاني‪ /‬العدالة عند مفكري اإل تجاه الليبرالي(اليسار واليمين)‬ ‫باديء ذي بدأ وقبل طرح األفكار والنظريات التي قدمها مفكرو هذا األتجاه حول مفهوم العدالة‬ ‫والمقارنة بينها‪،‬البد لنا من الرجوع الى جذور أستخدام مفاهيم(اليسار واليمين) في التحليل السياسي‬ ‫واإلجتماعي للمجتمعات الحديثة‪ ،‬إذ يرجع جذور أستخدامها الى عهد الجمهورية الفرنسية األولى(‪-1792‬‬ ‫‪ .)1799‬فقد وصف اليسار بالدعوى الى اإلصالح اإلجتماعي والمساواة‪ ،‬أما اليمين فقد جسد التوجه‬ ‫األرستقراطي والمحافظ‪ .‬غير إن هذا التصنيف تطور مع والدة االشتراكية العالمية وخاص ًة في‬

‫القرن(‪ ،)19‬إذ أمضى اليسار متمثالً في اإلشتراكيين عموماً‪ ،‬على اختالف توجهاتهم الفكرية‪ ،‬بينما‬ ‫اليمين غدا شامالً القوى السياسية الرافضة للتغيير‪ ،‬إذ أكد عليها(أنطوني غدنز) بقوله"جاء ميالد‬ ‫األشتراكية نتيجة تحلل النظام القديم تماماً‪ ،‬كما نشأت النزعة المحافظة من محاولة حمايته‪ .)1("..‬وبعد‬

‫الحرب العالمية الثانية ظهرت داخل تلكم الجناحين إتجاهات عديدة مؤدية الى أحداث تجديد في البناء‬

‫الفكري األساسي لكل منهما مما أفضى الى شيوع مفهومين وهما(اليمين الجديد ‪ ) New Right‬و(اليسار‬ ‫الجديد ‪ .)New Left‬فاليمين الجديد هو أمتداد للنزعة المحافظة‪ ،‬إال إنه يختلف عنها في مسألة تدخل‬ ‫الدولة في األنشطة األقتصادية ويرفضونها‪ ،‬ولكن في الوقت نفسه ينظر بعين األستحسان الى تشديد‬ ‫قبضة الدولة فيما يخص الحفاظ على القانون والنظام وغرس المثل العليا للقومية‪ ،‬لذا تعد(الليبرالية‬ ‫الجديدة ‪ )New Liberalism‬خير تسمية ألفكار معتنقيها(‪ .)2‬أما اليسار الجديد‪ ،‬فهو في األصل حركة‬ ‫ماركسية محدثة وأنتقائية ظهر في الواليات المتحدة األمريكية في أواخر الخمسينيات من القرن العشرين‬ ‫في أوساط األكاديمين والجامعيين‪ ،‬مؤكدين على الحقوق المدنية والعمل النقابي وتوسيع نطاق‬ ‫الديمقراطية‪ ،‬إال إنهم يعارضون النظام اإلجتماعي التقليدي في الدول الرأسمالية الغربية إذ يتسم بالتفاوتات‬ ‫اإلجتماعية الشديدة والتميز العنصري فضالً عن معارضتهم لرأسمالية الدولة(‪ .)3‬بشكل عام فإن الليبراليين‬ ‫‪ 1‬ينظر‪ :‬حسام الدين علي مجيد‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪ .182‬وكذا ينظر‪ :‬أنطونى غيدنز‪ ،‬بعيداً عن اليسار واليمين‪،‬‬ ‫مستقبل السياسات الراديكالية‪ ،‬ت‪ .‬شوقي جالل‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬الكويت‪ ،2001 ،‬ص‪.81‬‬ ‫‪2‬‬

‫يعد مفهوم(الليبرالية الجديدة) خير تسمية ألفكار اليمين الجديد في ‪ ،USA‬ويعد(هايك) الذي ينتمي الى المدرسة‬

‫النمساوية في االقتصاد النمساوي‪ ،‬ومن ابرز المنظرين المعاصرين للحرية وواحداً من أهم الملهمين للتيار الليبرتاري الذي‬ ‫يطلق ِ‬ ‫عليه غالباً (النيو ليبرالية)‪ ،‬ويذهب الليبراليون الجدد أن المشروع الرأسمالي ليس مصدر المشكالت للحضارة الغربية‪،‬‬ ‫وانما العكس تماماً‪ ،‬أنه جوهر كل ماهو جيد وصالح فيها‪ .‬مجادالً إن السوق هو الضامن الرئيسي للحرية الفردية والتضامن‬ ‫اإلجتماعي‪ ،‬ومن جهة أخرى فهم يرون إن النزعة الفردية هي مفتاح نجاح الديمقراطية في ظل دولة الحد األدنى من‬ ‫التدخل‪.‬للمزيد من اإلطالع ينظر‪:‬حسام الدين علي مجيد‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪ ،183‬وكذا ينظر‪ :‬مراد دياني‪ ،‬حرية‬ ‫– مساواة – أندماج إجتماعي‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.129-124‬‬ ‫‪3‬‬

‫حسام الدين علي مجيد‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.183‬‬

‫‪66‬‬

‫وحسب تصنيف مايكل ساندل ينقسمون الى إتجاهين رئيسين‪ :‬األتجاه األول هو الليبرالية الفردية‬ ‫والمتجسدة في اليمين الليبرالي والمعرف بأسم(الليبرالية التحررية أو الليبرتارية)‪ ،‬ومن أهم دعاته(روبرت‬ ‫نوزك وديفيد جوثير) ويشدد هذا األتجاه على قدسية حقوق الملكية الخاصة ومجادلين لصالح دولة الحد‬ ‫األدنى وأستبعدوا مسألة إعادة توزيع للثروات إجبارياً بين األغنياء والفقراء بأسم العدالة اإلجتماعية‪،‬‬ ‫ومجادلين بأن على الدولة التزاماً أخالقياً بحماية الحقوق اإليجابية لكل مواطن عن طريق ضمان توفير‬

‫الحد الدنى من الرفاهية له(‪ .)1‬أما األتجاه الثاني‪ ،‬فيتجسد في اليسار الليبرالي والمعروف(المساواتية‬

‫الليبرالية) ومن أهم دعاته(رولز ودوركين وأمارتيا ِ‬ ‫صن‪ ...‬وغيرهم)‪ .‬يؤكد هذا االتجاه على ضرورة معالجة‬ ‫التفاوتات التي ال يد لإلنسان في إنشائها‪ ،‬ويؤمنون بأن األولوية األخالقية للعدالة هو العمل لصالح‬ ‫األقل أنتفاعاً ألفراد المجتمع‪ ،‬كما ذهب اليه رولز (‪.)2‬‬ ‫نستطيع القول ان هذه الطروحات قد أصبحت من أهم النقاشات التي شهدتها الساحة الفكرية الغربية‪،‬‬ ‫والسيما األنكلوسكسونية منها في العقود األخيرة بين الليبرالية اإلجتماعية(اي المساواتية الليبرالية) التي‬ ‫يندرج رولز(وغيرهم) ضمن المنظرين لها‪ ،‬والليبرتارية ‪(Libertarianism‬النزعة التحررية المطلقة) والتي‬ ‫باتت تمثل الطرح األيدولوجي األكثر مغاالة في السياق الليب ارلي العام والذي يمثله روبرت نوزك عبر‬ ‫الدعوة الى منح الحد األقصى من الحريات الفردية واإلجتماعية واألقتصادية‪ ،‬والعودة الى نموذج دولة‬ ‫الحارس الليلي إزاء موقف رولز الداعي الى الليبرالية اإلجتماعية المساواتية‪،Egalitarian Liberalism‬‬ ‫بوصفها إعادة صياغة وتطوير لنموذج الرعاية القائل بتدخل الدولة وتوسيع دورها في سبيل بلوغ الحد‬ ‫اإلجتماعي األدنى عبر األشتغال على تحقيق العدالة اإلجتماعية المتمثلة في التوفيق بين الحريات‬ ‫والحقوق األساسية من جهة‪ ،‬والمساواة من جهة أخرى( بمعنى تقليص الفروقات بالتوزيع العادل للمنافع‬ ‫والثروات والفرص واألعباء والمسؤليات‪ ،‬مع إعطاء الحريات والحقوق األساسية األولوية على الثانية)‬ ‫وعليه تشكل التناقض بين األتجاهين‪ :‬اليمين(أنصار الليبرالية األقتصادية) والمندرجة ضمن سياق النزعة‬ ‫الليبرتارية التحررية‪ .‬وبين اليسار من(أنصار الليبرالية اإلجتماعية) من السمات المعاصرة المهمة التي‬ ‫يستطيع المرء من خاللها فهم الليبرالية وتمييز التوجهات والتيارات داخلها‪ ،‬هذا مايمثله الهدف الذي‬ ‫يسعى اليه هذا الفصل‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫نقالً عن‪ :‬ديفد ميللر وريتشارد داجر‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.195-194‬‬ ‫نقالً عن‪ :‬حسام الدين علي مجيد‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.184‬‬

‫‪67‬‬

‫المبحث األول‪ /‬العدالة عند مفكري اإلتجاه المساواتي(اليسار الليبرالي)‬ ‫بعد تسليط الضوء على نظرية العدالة عند رولز‪ ،‬كأحد أهم المنظرين اإلتجاه المساواتي‪ ،‬إذ دافع‬ ‫بقوة عن نظريته في العدالة اإلجتماعية‪ ،‬من خالل إق ارره بان العدالة ال تتطلب الحد األدنى من الحقوق‬ ‫الفردية فحسب‪ ،‬وانما تتطلب أن تكون عدم المساواة في صالح الفقراء وكان هذا إق ار اًر منه بعدم تعارض‬ ‫لوجود الالمساواة األقتصادية‪ ،‬لكن النظريات التالية عن العدالة اإلجتماعية حاولت أن تجد شكالً آخر‬ ‫من المساواة(خاص ًة عند كالً من دوركين و ِ‬ ‫صن) على أعتبار إن العدالة تتطلب كل أشكال عدم المساواة‬

‫التي ال دخل لإلنسان فيها‪ .‬اذ تجعل النظريات المساواتية‪( ،‬المساواة)‪ ،‬أساساً للعدالة اإلجتماعية والتي‬

‫يظل هدفها المشترك رغم تنوعها وأختالفاتها تقديم إجابة عن سؤال محوري وهو‪ :‬ما عنصر المساواة؟‬

‫بمعنى ما الذي على المجتمع العادل أن يسعى الى تسويته بين أعضائها؟ مادام هذا العنصر الجوهري‬ ‫يختلف الى أبعد حد من مقاربة الى أخرى‪ ،‬رافضين بشكل عام وبقوة‪ ،‬أية ميزات أو امتيازات إجتماعية‬ ‫يتمتع بها البعض ويحرم منها البعض اآلخر على أساس بعض العوامل كـ(النوع أو العرق أو اللون أو‬ ‫الدين أو خلفية إجتماعية)‪ ،‬مؤمنين بتكافؤ الفرص بحيث يكون لكل األفراد جميعاً نفس الصعود أو‬

‫السقوط في المجتمع(‪ .)1‬في هذا المبحث سوف نسلط الضوء على النظريات الليبرالية المساواتية المعاصرة‬ ‫وذلك من خالل طرح أفكار ونظريات لكل من دوركين وأمارتيا صن ممثلين عن هذا اإلتجاه‪.‬‬

‫المطلب األول‪ /‬نظرية رونالد دوركين في المساواة‪-:‬‬ ‫مع تنويعات النظرية الليبرالية المعاصرة‪ ،‬تشكل الحرية إحدى القيم الجوهرية التي يتبناها الليبراليون‪،‬‬ ‫لكن يبقى السؤال‪ :‬ماذا عن قيمة المساواة؟ اليست هذه أيضاً قيمة أساسية عند الليبراليين؟‪ ،‬هنا يجدربنا‬

‫القول إن مساواتية رولز حضت الليبراليين المعاصرين على إيالء أهتمام أكبر لمشروع المواءمة بين‬ ‫قيمتي الحرية والمساواة‪ .‬لذا في هذا المطلب سوف نسلط الضوء عل أهم األفكار ألحد االمنظرين‬ ‫األساسيين الذين جعلوا للمساواة مفهوماً اكثر مركزية في الليبرالية وهو رونالد دوركين‪ ،‬إذ أن الحرية‬

‫عنده جانب من جوانب المساواة عوضاً من أن تكون مثاالً سياسياً مستقالً يمكن أن يتعارض معها‪ ،‬وان‬

‫متجاوز برؤيته‬ ‫حجته عن المساوة في الموارد أثارت الكثير من الجدل بين أشياع الليبرالية المساواتية‬ ‫اً‬ ‫نظرية رولز‪ .‬هذا ما نحاول توضيحه ومقارنته في هذا المطلب‪.‬‬

‫ولتهيئة المقام لنظرية دوركين‪ ،‬من المفيد أن نتذكر أنشغالين بخصوص طريقة رولز في تعريف بما‬ ‫يسميه(األسوء حاال)‪ :‬األول‪ ،‬يقر رولز أنه معني أساساً بطرح نظريته في العدالة تعتد بحالة بسيطة‬

‫‪1‬‬

‫أندرو هيوود‪ ،‬مدخل الى األيدولوجيات السياسية‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.50‬‬

‫‪68‬‬

‫وخاصة بمجتمع طبيعي أعضاؤه متعاونون تعاوناً تاماً(‪ )1‬هذا ما يجعل البعض يعتقد في وجوب أن تشكل‬

‫إجحافات اليانصيب الطبيعي(الحظ) في الحياة موضع أنشغال مركزي في نظرية العدالة بأستبعاد‬ ‫المعاقين من طائفة األسوء حاالً‪ ،‬وعليه ال تحمل نظرية رولز الحدس المساواتي الذي يوجب التعويض‬ ‫عن إجحاف المواهب الطبيعة محمل الجد(‪ .)2‬والثاني‪ ،‬إن رولز يضمن الكثير من الفقراء في تلك الطائفة‬ ‫ممن ال يستحقون التضمين فيها‪ ،‬كما أن فكرة مضاعفة الحظوظ لمن يختار ان ال يكون منتجاً ال تتسق‬

‫مع حسنا األخالقي‪ .‬ألن هناك ثمة فروق بين من يكون حاله سيئاً بسبب ظروف خارجة عن إرادته‪،‬‬

‫وبين من يكون حاله كذلك بآختياره العيش على عائدات الرعاية اإلجتماعية بدل العمل‪ .‬لقد أدى األهتمام‬ ‫بهاتين المسألتين الى موقف يسمية البعض بـ(مساواتية الحظ)(‪ ،)3‬فمصائر الناس إنما تحددها خياراتهم‬

‫وظروفهم‪ ،‬كما يقول دوركين (‪.)4‬‬ ‫وبتركيزنا على مقارنة‪ ،‬نظرية دوركين مع نظرية رولز‪ ،‬بأعتبار األول أحد أبرز أنصار مساواتية الحظ‪،‬‬ ‫إذ يبدأ دوركين في كتابه(سيادة الفضيلة ‪ )Sovereign Virtue‬بتبيان أن "الحكومة ال تكون شرعية‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫كولن فارلي‪ ،‬مقدمة في النظرية السياسية المعاصرة‪ ،‬ت‪.‬محمد زاهي ومحجوب حصادي‪ ،‬بنغازي‪ ، 2008،‬ص‪.149‬‬

‫يؤكد رولز‪ ،‬أن الحق في الموارد اإلجتماعية يجب أن ال يتأثر بما زودت به الطبيعة البشرية من القدرات‪ ،‬فال يستحق‬

‫الموهوبون دخالً أكثر أهمية وال يحق لهم الحصول على مرتبات أفضل من غيرهم إال إذا كان ذلك سيحسن حال من هم‬ ‫أكثر تضر اًر في المجتمع‪ ،‬لذا يكون مبدأ الفرق كفيالً بضمان عدم تضمن المواهب الطبيعية ألثر غير عادل‪ .‬للمزيد‬

‫ينظر‪ :‬ويل كميلكا‪ ،‬مدخل الى الفلسفة السياسية المعاصرة‪ ،‬وتحديداً فقرة (التعويض عن الالمساواة الطبيعية)‪ ،‬ص‪.102‬‬ ‫‪ 3‬من بين الذين يتبنون هذا الموقف هم‪( :‬دوركين وريتشارد أريتسون وكوهين وفليب فان باريز)‪ .‬ويتوجب وفق مايقر‬ ‫أنصار مساواتية الحظ‪ ،‬أن يأخذ هذا األمر في الحسبان حين تعتبر مايشكل توزيعاً عادالً‪ .‬ولئن كان أشياع هذا الضرب‬ ‫من المساواتية يختلفون بخصوص مايتوجب المساواة فيه(الموارد‪ ،‬فرص الرفاهية‪ ...،‬الخ)‪ ،‬فإنهم يعتقدون أن اإلجحاف‬ ‫في االمتيازات التي يتمتع بها الناس تكون عادلة إذا نجمت عن خيارات تبنوها طوعاً‪ ،‬فيما يكون اإلجحاف الناجم عن‬

‫ظروف خارج إراداتهم مسلكاً جائ اًر‪ ،‬للمزيد ينظر كالً‪ :‬ويل كميلكا‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬وبالتحديد فقرة(الحجة الحدسية على‬ ‫المساوة في الحظوظ‪ ،‬ص‪ .89-86‬وكولن فارلي‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬فقرة(ضد مساواة المصادفة)‪ ،‬ص‪.180-176‬‬

‫‪4‬‬

‫تؤكد نظرية دوركين أن هناك فرقاً أساسياً بين ظروف الشخص وخياراته‪ ،‬وبين مايختار وما ال يستطيع أن يختار‪.‬‬

‫معتقداً انه من الخطأ أن نحاول توفير مستويات متساوية من الرضا للجميع ألن سعادة كل شخص تتوقف على ذوقه وما‬ ‫يفضله وهي األمور التي يتحمل مسؤلية اختيارها‪ ،‬ويكون الفرد مسؤالً عن اختياره لكيفية استخدام المصادر المتاحة له‪،‬‬

‫ِ‬ ‫متساو من هذه‬ ‫ولما كانت الموارد المتاحة للشخص تشكل جزءاً من ظروفه‪ ،‬فإن كل فرد يجب أن يحصل على نصيب‬

‫الموارد‪ .‬بالنسبة لدوركين هذه الموارد ال تنحصر في الثروة والسلع والموارد الخارجية‪ ،‬وانما أيضاً في المواهب والقدرات‬ ‫الشخصية و بالتالي فإن العدالة تتطلب أن يكون للمواطن مجموعة من مصادر – داخلية وخارجية – بالتساوي مع غيره‪،‬‬ ‫وتسمح بعدم المساواة الناتجة عن اختيارات الفرد أو تفضيله ألمر على آخر‪ .‬للمزيد ينظر‪ :‬ديفد ميللر وريتشارد داجر‪،‬‬ ‫مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.196-195‬‬

‫‪69‬‬

‫إذا لم تبدي أهتماماً متساوياً بمصير المواطنين الذين تطالب بحكمهم وتطلب منهم الوالء‪ ،)1("...‬هنا‬ ‫يعتقد دوركين مثل رولز أنه يتوجب على البنية األساسية أن تبرر تبري اًر علنياً لكل المواطنين‪ ،‬غير أنه‬

‫خالفاً لرولز ومقارن ًة به‪،‬ال يعتقد أنه بالمقدور إنجاز ذلك عبر توكيد صيغة من(الليبرالية السياسية) الذي‬

‫ركز عليها رولز‪،‬ألنه ال تركن الى أية أفتراضات أخالقية والتثير أي جدل بخصوص الحياة الخيرة‪ ،‬على‬ ‫العكس تماماً‪ ،‬فإن دوركين يركز على مستويات عامة متنوعة من القيم األخالقية وأن صيغته(الليبرالية‬

‫الشاملة)‬

‫( ‪)‬‬

‫مؤسسة على مبدئين من ضمن مبادىء الفردانية األخالقية‪ ،‬ويقر هذان المبدأن بمايلي‪-:‬‬

‫‪ .1‬أولوية المساواة على الحرية‪:‬‬ ‫يقر هذا المبدأ ومن وجهة نظر موضوعية ان من المهم ان تكون الحياة البشرية ناجحة عوضاً أن‬

‫تكون هد اًر‪ ،‬هذا مهم أهمية متساوية نسب ًة الى كل حياة البشرية‪ ،‬شارطاً على الحكومة وطالباً منها أن‬

‫تسن قوانين وتتبنى سياسات تضمن عدم توقف مصائر مواطنيها‪ ،‬ولو بقدر اإلمكان‪ ،‬على ما كان يمكن‬ ‫لهم أن تكون خلفياتهم األقتصادية‪ ،‬الجندر‪ ،‬العرق‪ ،‬أومجموعة من المهارات أو اإلعاقات(‪ .)2‬هنا يبين‬

‫مدى تأثر دوركين برولز عندما يعلن جهارًة أن القيمة األساسية التي تقوم عليها الليبرالية ليست الحرية‪،‬‬ ‫وانما هي المساواة‪ ،‬او بصورة أدق مساواة في االحترام واالهتمام اللذين يحق لكل مواطن اإلفادة منهما‬ ‫من جانب الدولة(‪.)3‬‬ ‫‪ .2‬مبدأ المسؤولية الخاصة‪-:‬‬ ‫رغم إنه يتوجب علينا مراعاة األهمية الموضوعية المتساوية لنجاح الحياة البشرية‪ ،‬يكون لدى كل‬ ‫شخص مسؤولية خاصة ونهائية فيما يتعلق بهذا النجاح‪ ،‬ووفقاً لهذا المبدأ يشترط أن تعمل الحكومة‪،‬‬ ‫على جعل مصائر مواطنيها متوافقة مع الخيارات التي تبنوها‪ .‬يرى دوركين إذا كانت المساواة في الرفاه‬

‫هدفاً‪ ،‬فإنها لن تسمح سماحاً كافياً بفكرة وجود مسؤولية عن نجاح حياتنا‪ ،‬قد يقلل هذا من رفاهية الفرد‬

‫ال بسبب عوامل تتجاوز قدراته كـ(اإلعاقة) بل بسبب عوامل يمكن أن تجعل الفرد مسؤوالً عنها(الذوق‬ ‫‪Ronald Dworkin, Sovereign Virtue: The theory and practice of Equality (Cambridge, MA:‬‬

‫‪1‬‬

‫‪Harvard University press 2000) p.81.‬‬

‫‪‬‬

‫تجدر بنا اإلشارة الى الفرق بين الليبرالية السياسية التي تبناها رولز‪ ،‬والليبرالية الشاملة التي تبناها دوركين‪ .‬وهو إن‬

‫الليبرالية الشاملة التقليدية تبدأ بمفهوم ثابت عن الشخصية األخالقية‪ ،‬ثم تبحث عن األشكال السياسية التي توفر متطلبات‬ ‫تحقيق هذه الشخصية‪ ،‬أما الليبرالية السياسية في تسيسها للعدالة فهي تقوم بفعل العكس‪ ،‬حيث تبدأ بفكرة عامة عن‬ ‫المجتمع‪ ،‬مثالً (أتفاق ديمقراطي) في ظروف التعددية‪ ،‬ثم تسأل في إمكانية وجود هذا المجتمع‪[ .‬الباحث]‬

‫‪2‬‬

‫كولن فارلي‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.152-151‬‬

‫‪ 3‬كريستيان دوالكامباني‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.224‬‬

‫‪70‬‬

‫المكلف مثالً) الذي يحتاج الى موارد إضافية كي يحقق مستوى الرفاه الذي حققه آخرون(بسبب ذوقهم‬ ‫األقل تكلفة)‪ ،‬وعليه وفق نظرية المساواة في الرفاه يعد عند ذاك طلب الفرد الى موارد إضافية‪ ،‬شبيه‬ ‫بتلك التي يحتاجها المعاق‪ ،‬طلباً مشروعاً‪ .‬وتأسيساً عليه إن المساواة في الرفاه تفشل بوصفها مثاالً‬

‫توزيعياً ألنها ال تسمح بما يكفي إلعتبارات المسؤولية الشخصية‪ ،‬وانها تخفق شأنها شان مبدأ االختالف‬

‫الذي يقول به رولز‪ ،‬ففي حين يقر فيه رولز باالختالف بين االختيارات والمالبسات ال يعير مبدأه في‬ ‫التباين أعتبا اًر لذلك األختالف‪ ،‬إذ يفترض من هذا المبدأ أن يحد من أثر الموقع االعتباطي في توزيع‬

‫التخصيصات الطبيعية‪ .‬لكن‪ ،‬بأعتبار إقصاء رولز للمميزات األولية الطبيعية من الئحة الموارد التي‬

‫ستحدد وفقها من هم األكثر تضر اًر‪ ،‬عليه لن يحصل ضحايا المعوقات الطبيعية على أي تعويض‪ ،‬رغم‬

‫إنهم اليستحقون مثل ذلك المصير‪ .‬بالمقابل‪ ،‬في حين يفترض أن يتحمل األفراد مسؤولية أختياراتهم‪،‬‬ ‫بجعل مبدأ االختالف الذي نادى به رولز أن يدفع البعض ثمن اختيارات البعض اآلخر‪ .‬وتأسيساً عليه‬ ‫(‪)1‬‬

‫تصبح هذه الطريقة غير مثالية‬

‫هنا يمكن التساؤل هل هناك من طريقة أمثل إذ يتوفر فيها"االهتمام‬

‫بالتطلعات الفردية" وتكون"مستقلة عن التشخيصات البدئية"؟‪ .‬ذلك هو ما تنشده نظرية دوركين كاآلتي‪-:‬‬ ‫أوالً‪ /‬المساواة في الموارد‪ :‬اعتمد دوركين في كتاباته بداية الثمانينيات فكرة ضمان المساواة في المعاملة‬

‫بين جميع األفراد عبر(المساواة في الموارد) يميزها عن(المساواة في الفرص) التي نادى بها رولز ضمن‬ ‫الشق الثاني من مبدأي العدالة‪ .‬إذ يؤكد دوركين إن العدالة تتطلب موارد أولية متساوية ضمن إطار‬

‫سياسة عدم التدخل بيد أن هذاين المبدأين ال يمكنهما التعايش معاً بشكل مريح(‪ ،)2‬يتسأل دوركين عن‬

‫السمات التي يجب األعتماد عليها لقياس هذه المعاملة المتماثلة بين األفراد ليضع في جوهر أبحاثه‬ ‫سؤاالً‪(:‬مساواة ماذا؟)‪ .‬ومن ناحية أخرى يقبل دوركين بفكرتي(االهتمام بالتطلعات الفردية واالستقالل‬ ‫عن التشخيصات البدئية)‪ ،‬باعتبارهما غاية ومثالً أعلى‪ ،‬وهو نفس مايريد تحقيقه مبدأ التباين لـرولز‪.‬‬ ‫غير إن دوركين يقدر أن هذا المثال يمكن أن ينجز على نحو أنجح من خالل آلية توزيع مغايرة يمكن‬ ‫تسميتها بـ(المساواة التوزيعية) التي تتعلق بقائمة الخيرات التي يعتقد أشياع المساواتية وجوب توزيعها‬ ‫توزيعاً متساوياً(‪.)3‬‬ ‫‪1‬‬

‫ويل كميلكا‪ ،‬مدخل الى الفلسفة السياسية المعاصرة‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.108‬‬ ‫‪Ronald Dworkin, Sovereign Virtue: The theory and practice of Equality. Op.Cit. p.87.‬‬

‫‪3‬‬

‫‪2‬‬

‫كنقطة بداية يعتبر دوركين حالة نتخيل فيها وضعية أب يلزمه أن يقسم ثروته بين أبنائه الخمسة والمختلفين في أذواقهم‬

‫ووضعيتهم وتكاليف حياتهم‪ ،‬باسم تسوية الرفاه بين جميع األبناء‪ ،‬يجب على األب أن يقسم ثروته بشكل غير متكافىء‬ ‫تماماً ألن حاجاتهم مختلفة جداً‪ ،‬يتسأل دوركين كيف يمكن لهذا الوالد أن يكتب وصيته؟ فالسعي الى تحقيق المساواة في‬ ‫الرفاه يقتضي من األب أن يأخذ في األعتبار هذه اإلختالفات‪ ،‬وبالتالي تخصيص حصة غير متساوية لكل واحد‪ ،‬هكذا‬ ‫يمكن للفرد ذي األذواق المكلفة أن يتحصل في نهاية المطاف على أكبر حصة من الموارد‪ .‬وبخالف ذلك‪،‬إذا كنا نرغب=‬

‫‪71‬‬

‫نرى ان هذا هو موضع إنشغال دوركين األساسي معتب اًر إن نظريتين عامتين(المساواة في الرفاه‬

‫والمساواة في الموارد) حين تصاغان في شكل نظريات(تعامل الناس على أنهم سواسية) فإنهما يقران‬ ‫كالتالي‪ -:‬بالنسبة لألول(المساواة في الرفاه) يعامل البرنامج التوزيعي الناس على إنهم سواسية حين‬ ‫يوزع أو ينقل الموارد فيما بينهم الى أن يتحقق من أن ال مزيد من النقل سوف يجعلهم أكثر مساواة من‬ ‫حيث الرفاهية‪ .‬أما الثانية(المساواة في الموارد) يجعل أنصبتهم من مجمل الموارد أكثر مساواة‪ .‬وعليه‬ ‫يتسق األول مع المبدأ األول من مبدأي(الفردانية األخالقية) أي مع(مبدأ المساواة في األهمية) معتب اًر‬

‫مثالً كيف يعامل المعاقون في المجتمع رفاهتهم بأهمية رفاه الذين ال يعانون من أية إعاقة؟‪ .‬وفق ذلك‬

‫سوف يحصل الذين أعيقت رفاهيتهم بسبب مثل هذه األعباء على موارد إضافية بحيث يتمتعون بمستوى‬

‫الرفاهة نفسه الذي يتمتع بها اآلخرون‪ ،‬وفق هذا المبدأ يشترط حصولهم على قدر أكبر من الموارد‪ .‬غير‬ ‫أن هذا المبدأ يفشل في استيعاب المبدأ الثاني(مبدأ المسؤلية الخاصة) ألنه ال يسمح سماحاً كافياً بفكرة‬ ‫وجود مسؤولية خاصة ونهائية من نجاح حياة األفراد‪ .‬وبما إن حجة دوركين في المساواة في الموارد ثرية‬

‫ومعقدة وقد ال يكون باإلمكان تطبيقها إال إننا نعرضها بإيجاز‪ ،‬كالتالي‪-:‬‬ ‫‪.1‬المزاد العمومي‪ -:‬يلجأ دوركين الى تحديد الوسائل الالزمة لتنفيذ مساواة الموارد‪ ،‬مقترحاً آلية خيالية‬

‫من شأنها أن تعادل المجموع اإلجمالي للموارد الداخلية والخارجية لألفراد وهو البيع في المزاد العلني(‪،)1‬‬ ‫طالباً تخيل حالة تكون فيها كل موارد المجتمع موضع مزاد‪ ،‬يشارك فيه كل أفراده‪ ،‬إذ ينطلق الجميع‬ ‫بنفس القدرة الشرائية(‪ 100‬صدفة في مثال دوركين)‬

‫(‪)2‬‬

‫ويستخدمونها ألقتناء الموارد التي تبدو لهم أكثر‬

‫موافقة لخططهم في الحياة‪ .‬واذا أنجز هذا المزاد‪ ،‬كما ينبغي‪ ،‬سيرضى كل فرد بالنتيجة التي حصل‬ ‫عليها‪ ،‬وفي حال عدم الرضى‪ ،‬يمكن للشخص أن يتقدم بعرض للحصول على األشياء التي يتطلع إليها‬ ‫= في تحقيق المساواة في الموارد على إفتراض ان جميع األبناء لهم الثروة نفسها في البداية‪ ،‬فإن التوزيع المتساوي للثروة‬

‫سيكون ضرورياً‪ .‬هذا المثال البسيط يسلط الضوء على القضايا التي اليمكن لنظرية المساواة في الرفاه ان توفر لها الحلول‬

‫على المستوى األخالقي‪ .‬للمزيد من اإلطالع ينظر‪-:‬‬

‫‪Ronald Dworkin: (What is Equality?), part 1 Equality of Wel fare ," Philosophy and Public‬‬ ‫‪Affairs , Vol.10 ,no (Summer 1981),pp.180-187.‬‬

‫‪1‬‬

‫مراد دياني‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.108‬‬

‫‪ 2‬يحدثنا دوركين في قصته األفتراضية عن ناجين من تحطم سفينة لجأوا الى جزيرة غنية بالموارد‪ ،‬داعياً إيانا أن نفترض‬ ‫أن لدى الجميع المواهب الطبيعية نفسها‪ ،‬يتفق الناجون على تقسيم موارد الجزيرة بينهم بالتساوي‪ ،‬بيد إن تفضيالتهم سوف‬ ‫تكون مختلفة وهذا ينعكس على الخيارات التي يبتاعونها بصدفاتهم‪ .‬هذا مايجعل الفرد رهناً بالطموح‪ ،‬بتعبير آخر‪ ،‬إن‬

‫مجموع ا لخيرات التي يحصل عليها المرء في النهاية إنما يعكس الخيارات التي تبناها‪ ،‬وعليه لن يشكو أي منهم من أن‬ ‫شخصاً آخر حصل على معاملة خاصة‪ ،‬فالجميع كانوا أح ار اًر في ابتياع الموارد التي رغبوا فيها‪ .‬للمزيد من اإلطالع عن‬ ‫هذه القصة ينظر‪ :‬كولن فارلي‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.157‬‬

‫‪72‬‬

‫بدالً عن تلك التي حصل عليها‪ .‬واذا ماسار المزاد في اإلتجاه الصحيح سيجد كل الناس أنفسهم في‬ ‫الوضع نفس‪ ،‬أي أن كالً منهم سيفضل سلة خيراته عن تلك التي لغيره‪ ،‬هذا مايسمية دوركين(أختبار‬ ‫الحسد)‪ .‬واذا نالت نتائج المزاد الرضا‪ ،‬يمكن ان تعتبر أن المعاملة بين األفراد كانت متساوية بأعتبار‬ ‫أن اإلختالفات بينهم ال تعبر إال عن إختالف في التطلعات وتنوع في التطورات لما يفضي معنى للحياة‪،‬‬ ‫وتنجح عملية بيع بالمزاد العلني في أختبار الحسد إذا جعلت كل شخص يدفع ثمن مايختاره(‪.)1‬‬ ‫‪.2‬التعويض من خالل نظام التأمين‪ -:‬إن النتيجة التي يسفر عنها المزاد العمومي‪ ،‬ال يمكن لسؤ الحظ‬ ‫أن تنجح في إختبار الحسد إال إذا أفترضنا إن ال أحد يشكو إعاقة أو نقصاً في القوة الطبيعية‪ .‬فسيفشل‬

‫المزاد العلني‪ ،‬في العالم الواقعي ألن بعض درجات التفاوت بين الناس ليست ناتجة عن أختياراتهم‪،‬‬

‫فالشخص الذي يعاني من عوق أو وضع صحي هش يستطيع أن يحصل على نفس السلة من الموارد‬ ‫اإلجتماعية التي يقتنيها غيره‪ ،‬لكن ستكون له أحتياجات خاصة‪ ،‬ولن تمكنه المائة صدفة من الحصول‬ ‫على مستوى الرفاهية نفسه الذي يحصل عليه غيره‪ ،‬ولكن كيف يمكن إزالة أثر تلك اإلعاقات الطبيعية؟‬ ‫جواب دوركين على ذلك هو‪ :‬ربما إن األشخاص المعوقين يتحملون نفقات إضافية فلماذا ال نقطع قبل‬ ‫إنطالق المزاد العمومي نسبة من الحجم اإلجمالي للموارد اإلجتماعية لتمويل تلك النفقات اإلضافية‪،‬‬ ‫ومن ثم نوزع فيما بعد بإنصاف الموارد المتبقية‪ ،‬تعويضاً عن الالمساواة التي يعانون منها(‪ .)‬غير إن‬

‫حالً كهذا مفرط في التبسيط وال يمكنه أن يكون صالحاً‪ ،‬قد يستطيع التمويل اإلضافي أن يعوض البعض‬ ‫عن اإلعاقات الطبيعية‪ ،‬لكن هدفاً كهذا صعب المنال في الحاالت االخرى‪ ،‬إذ ال تستطيع أي نسبة من‬

‫المرافق اإلجتماعية سد الفراغ الذي تخلفها بعض اإلعاقات الطبيعية‪ .‬وتأسيساً عليه يكون تحقيق المساواة‬

‫‪1‬‬

‫يمكن أن تعد فكرة(أختبار الحسد) هذه أفضل طريقة للتعبير عن التصور الليبرالي للعدالة‪ ،‬وان طبقت على ِ‬ ‫نحو سليم‬

‫ستحقق الغايات الرئيسية الثالثة لنظرية رولز وهي‪ :‬إحترام مقتضى المساواة األخالقية بين األفراد‪ ،‬والتعويض عن الالعدالة‬

‫األعتباطية أخالقياً‪ ،‬وأخي اًر تحمل األفراد مسؤولية أختياراتهم‪ .‬وستكون ألية اعادة التوزيع كهذا منصفاً حتى وان سمحت‬ ‫ببعض التفاوت في الدخل للمزيد من اإلطالع ينظر‪ :‬مثال(العب التنس والبستاني) من كتاب‪ ،‬مدخل الى الفلسفة السياسية‬ ‫المعاصرة‪ ،‬لـ(ويل كميلكا) تحت عنوان(التمويل العمومي لألختيارات الفردية)‪ ،‬ص‪.109-105‬‬ ‫‪‬‬

‫قبل أنطالق المزاد العمومي يوزع على األشخاص المتضررين نسبة من الخيرات اإلجتماعية تكون كافية للتعويض عن‬

‫الالمساواة التي يعانون منها جراء توزيع غير عادل للمواهب الطبيعية‪ ،‬وبعدها يغدو لكل فرد قسطاً متساوياً لغيره من‬ ‫الموارد المتبقية يستطيع أن يقتني به ما يشاء أثناء المزاد‪ .‬عندها ستعبر النتيجة التي يفضي اليها المزاد اختبار الحسد‬

‫بسالم ويضمن هذا التوزيع السابق عن المزاد أن يكون كل فرد قاد اًر على أختيار مشروع في الحياة ذي قيمة لديه‪ ،‬وانجازه‪.‬‬

‫كما إنه يضمن أن يتحمل كل شخص مسؤولية اختياراته على نحو منصف‪ ،‬ويكون بذلك التوزيع قد اخذ في األعتبار‬ ‫األختالف بين التطلعات وفي نفس الوقت مستقالً عن التخصيصات البدئية‪[ .‬الباحث]‬

‫‪73‬‬

‫التامة غير ممكنة(‪ ،)1‬فبأعتبار أن كل مبلغ مالي إضافي قد يمكن من تحسين وضع األشخاص األشد‬ ‫إعاقة ومع ذلك ال يوصلنا الى تحقيق مساواة تامة في الظروف‪ .‬هذا الوضع يمكن أن ينتهي بنا إلى‬ ‫توزيع كل الموارد التي في حوزتنا على هؤالء األشخاص وال يبقى عندها شيئاً لألخرين‪ ،‬فما العمل عندئذ؟‬ ‫هنا يصبح رفض رولز التعويض عن اإلعاقات الطبيعية مفهوماً بشكل جيد‪ ،‬ألنه إذا أدرجت هذه‬ ‫اإلعاقات ضمن قائمة المعايير التي نعرف وفقها األشخاص األكثر تضر اًر سنجد أنفسنا أمام مصاعب‬

‫يتعذر حلها في حين ال نود تجاهل تلك اإلعاقات وال نستطيع أيضاً التعويض عنها تعويضاً كامالً‪ .‬بقي‬ ‫أن نظيف إن أقتراح دوركين يشبه المفهوم الرولزي للوضع األصلي‪ ،‬مصو اًر إن األفراد قد وضعوا وراء‬ ‫حجاب الجهل وقد حرموا من المعلومات المتعلقة بنصيبهم من قسمة المواهب الطبيعية ومنحوا فرصة‬ ‫اإلشتراك في تأمين انفسهم ضد اإلعاقة والمهارات غير المتساوية او ضد ضرر طبيعي يمكن أن يلحق‬ ‫بهم الحقاً‪ ،‬وفي ظروف كهذه سوف يرغب الناس في استخدام بعض الصدف لحمايتهم ضد العجز‪،‬‬

‫واألسواء حاالً في هذا الخصوص سوف يحصلون على تعويض في شكل موارد إضافية عبر برنامج‬

‫تأميني‪ ،‬وسوف يتم تمويل مثل هذا البرنامج من قبل المحظوظين الذين لم يكونوا بحاجة إليه وان توجب‬ ‫عليهم دفع أقساط تأمينية عن طريق دفع ضريبة من دخلهم بشكل يضمن ألصحاب اإلعاقات التمتع‬ ‫بالحقوق التي يمنحها لهم ذلك العقد التأميني(‪.)2‬‬ ‫‪.3‬التطبيق في الواقع من خالل الضرائب واعادة التوزيع‪ -:‬هذا هو جوهر نظرية دوركين‪ ،‬إذ يشخص‬ ‫التوزيع العادل للموارد عبر تخيل قسمة أولية تكون نتيجتها حصصاً متساوية يتم تحويرها فيما بعد من‬

‫خالل أختيارات يجريها األفراد أنفسهم في سياق مزاد عمومي أفتراضي ومن خالل تأمين أفتراضي‪ ،‬هذا‬ ‫التمشي في نظر دوركين أفضل من النظريات التقليدية في المساواة التي ال تترك مكاناً لالختيار المرتبط‬

‫بالتطلع والتضع أي مقايس لمعالجة مشكلة التفاوت في المخصصات الطبيعية‪ ،‬كما ي ارى انها أصوب‬

‫من النظريات الليبرتارية(سوف نناقشها في المبحث القادم) التي تركز األهتمام فقط على االختيار الحر‬ ‫وتتجاهل مقتضى المساواة في الظروف والمالبسات‪ .‬لكن كيف يمكن تطبيق هذه النظرية في الحياة‬ ‫الواقعية؟‪ .‬هنا ال يمكن التفكير في إبرام عقود تأمين حقيقية‪ ،‬ألن األمر يتعلق بسوق أفتراضي(المزاد‬ ‫العمومي)‪ ،‬يقترح دوركين األلتجاء الى نظام ضريبي ألقتطاع نسب من مداخيل األشخاص الذين ميزتهم‬ ‫الطبيعة بقدرات ما‪ ،‬ثم استعمال نظام الحماية اإلجتماعية لضمان إفادة األشخاص المتضررين من‬ ‫‪1‬‬

‫لتوضيح ذلك نتخيل(كما يقول كيملكا) شخصاً يعاني من إعاقات متعددة أو يشكو مرضاً عضاالً‪ ،‬يمكن للتعويض‬

‫المالي أن يجعله قاد اًر على الحصول على تجهيزات طبية جديدة‪ ،‬قد يمكنه من تمديد في أمد الحياة‪ ،‬لكن الشيء من كل‬

‫هذا يجعله متساوياً مع غيره‪ ،‬وال يستطيع أي تعويض مالي أنه يمكن شخصاً يعاني من إعاقة شديدة من قضاء عيشة‬ ‫راضية‪ ،‬حال سائر الكائنات البشرية‪ .‬للمزيد ينظر‪ :‬ويل كميلكا‪،‬مدخل الى الفلسفة السياسية‪ ،‬مصدر سبق ذكره ‪ ،‬ص‪.110‬‬

‫‪ 2‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.112-111‬‬

‫‪74‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫التغطية اإلجتماعية التي يوفرها ذلك النظام‬

‫أي فرض ضرائب على األثرياء إلعانة المعوزين‪ .‬هنا‬

‫يحاول دوركين الربط بين النظرية والعالم الواقعي عبر مناقشة بعض المواضيع في الجزء الثاني من‬ ‫كتابه ‪ Sovereign Virtue‬تشتمل على(الرعاية الصحية‪ ،‬وبرنامج الرعاية اإلجتماعية‪ ،‬واإلصالح‬ ‫األئتماني‪ ،‬والمعاملة الخاصة في العالم الواقعي)(‪.)2‬‬ ‫ثانيا‪ /‬إصالح الرعاية اإلجتماعية ومقترح الدخل األساسي‪-:‬‬ ‫يعتقد دوركين أنه بإمكان استخدام برنامج التأمين األفتراضي في تبرير تغطية رعاية صحية محدودة‬ ‫تشمل الجميع‪ .‬إذ يقر مبدأ(االهتمام الشامل) أنه من المهم أن تكون الحياة الشخصية ناجحة عوضاً أن‬ ‫تكون هد اًر‪ ،‬ويكون المجتمع ملتزماً بتغطية رعاية صحية محدودة وشاملة ملتزماً بهذا المبدأ عبر اتخاذ‬

‫خطوط مناسبة للمساعدة في تعويض األفراد على ما أصابهم يانصيب الحياة الطبيعية من باليا ومنها‬ ‫اإلعاقة‪ ،‬فضالً عن وجود اإلجحاف الطبيعي(مثل مواهب األمة التي تنتمي اليها) واإلجحاف اإلجتماعي‬ ‫(ثروة األسرة التي ولدت فيها)‪ .‬هنا يمكن التساؤول كيف يقترح دوركين معالجة مثل هذه القضايا؟ يركز‬ ‫دوركين على برنامج التأمين األفتراضي كما فعل في حالة اإلعاقة‪ ،‬كي يحل اشكالية االختالف في‬ ‫وبناء عليه يعد أن نموذج التأمين يناسب الحالتين‪،‬‬ ‫المواهب‪ ،‬معب اًر إن الفرق بينهم هو فرق في الدرجة‬ ‫ً‬ ‫ومع هذا أن برنامج التأمين ضد البطالة ال يؤمن إجابة حاسمة عن السؤال المتعلق ببرنامج الرعاية التي‬ ‫يتوجب على المجتمعات تبنيها‪ ،‬لكنه يحدد نطاقاً من برامج الرعاية التي يعتقد الشخص أو المشروع‬

‫المنطقي أنها مشترطة من قبل المبدأين اللذين يقران‪ :‬أن حياة الناس متساوية من حيث األهمية وأن لدى‬ ‫كل شخص مسؤولية الحكم في حياته الخاصة به‪ .‬ويعتقد دوركين"أن برنامج الرعاية الذي ال يستثني من‬ ‫منافع الرعاية أحداً والذي يتوجب عليه أن يوفر عوناً على الحصول على وظائف‪ ،‬ويشترط تعويض من‬ ‫يبحث عن عمل‪ ،‬أفضل من أي برنامج أكثر تقشفاً أو كرماً"(‪.)3‬‬

‫قد يبدو هناك تناقض حينما يقر دوركين أن المساواة في الموارد تحمل مبدأ المسؤولية الخاصة محمل‬ ‫الجد‪ ،‬مستبعداً بذلك إيقاف منافع الرعاية‪ ،‬وفي المقابل أقترح كلينتون الرئيس األسبق للواليات المتحدة‬

‫األمريكية وهو من الحزب الديموقراطي عام ‪ ،1996‬قانون إصالح الرعاية اإلجتماعية واضعاً قيوداً على‬

‫تلك المنافع التي يمكن أن يفيد منها من العمل لديهم‪ .‬أيد هذا اإلقتراح الكثير من األمريكين وهم من‬ ‫المحافظين‪ ،‬وعده إجراءات ضرورية لتقليل من أعتماد العاطلين على منافع الرعاية معتقدين إن البطالة‬

‫‪1‬‬

‫ويل كميلكا‪ ،‬مدخل الى الفلسفة السياسية المعاصرة‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.116‬‬

‫‪ 2‬كولن فارلي‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.159-158‬‬ ‫‪ 3‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.161‬‬

‫‪75‬‬

‫طويلة األجل ناجمة غالباً عن خيارات فردية وليست نتيجة ظروف خارج نطاق السيطرة‪ ،‬لذلك كانوا‬ ‫يرون إن السبيل الوحيد لجعل الناس مسؤولين عن حياتهم‪ ،‬فيما كانوا يجادلون دوركين‪ ،‬هو إيقاف ذلك‬

‫اإلنتفاع‪ .‬في المقابل يطرح دوركين حجة يسميها(األشكالية األستراتيجية)‪ ،‬تتعلق هذه اإلشكالية بالكيفية‬ ‫التي يتوجب وفقها رسم خط فاصل بين العوامل التي تؤثر على مستقبل حياة الفرد ويتوجب عليها أن‬ ‫يضطلع بمسؤولياته إ ازءها‪ ،‬والعوامل التي يتوجب أن يضطلع المجتمع بمسؤولية إضعاف أثرها‪ ،‬أما‬ ‫المحافظين فيرغبون إحالة مسؤولية التوظيف الى األفراد(‪.)1‬‬ ‫ثالثاً‪ /‬المساواة السياسية والديمقراطية‪-:‬‬ ‫هنا يتجاوز دوركين مسائل المساواة التوزيعية بشكل يعين تأثير نتائج مبدأ االهتمام المتساوي على‬ ‫توزيع النفوذ السياسي في المجتمع‪ ،‬متسائالً ماهو شكل اإلجراءات السياسية التي يتوجب على مؤسسات‬ ‫مجتمع المساواة تبنيها؟ إن مبدأ األهتمام المتساوي يعتبر الديمقراطية أفضل النظم السياسية كما كان‬ ‫الحال عند رولز‪ ،‬بأعتبارها تتجاوب مع مبدأي الفردانية األخالقية وتحملها محمل الجد‪ ،‬وان التزام‬ ‫الديمقراطية بحق التصويت وحريات أساسية أخرى تجعلها أفضل تدبير سياسي يضمن المساواة في‬ ‫األهتمام‪ .‬وبما إن الديمقراطيات تختلف من حيث المؤسسات واإلجراءات التي يتم تبنيها‪ ،‬هنا يتسأل‬ ‫دوركين عن أي من النماذج الديمقراطية يتوجب على مجتمع المساواة تبنيه؟‪ .‬هنا يعطينا دوركين مثاالً‬ ‫عن االنتخابات األمريكية مجادالً بأن القضايا التي يعتقد إنها تحوز أهمية أساسية في السياسة األمريكية‬ ‫هي القيود التي يجب أن تفرض على إنفاقات الحمالت االنتخابية(‪ ،)2‬معتب اًر أن تضخم اإلنفاق السياسي‬

‫قد يضاعف من حمالت تشويه السمعة‪ ،‬وحمالت الصخب والشعارات بدل التركيز على مشاكل المجتمع‪.‬‬

‫ويزعم دوركين بانه يمكن للمال أن يعرقل مفهوم المشاركة في الديمقراطية وخاص ًة حين يكون األغنياء‬

‫الفاعلين الحقيقيين الوحيدين في التنافس السياسي‪ ،‬حينها ال تكون المساواة السياسية سوى وهم‪ ،‬فضالً‬ ‫‪ 1‬يرد دوركين على حجة المحافظين فيما يقر إنها مؤسسة على ثالث إعتبارات‪ :‬إنها تركن أوالً الى زعم واقعي مفادهه أن‬ ‫معظم المستفدين من الرعاية هم مختلسون وليسوا بحاجة فعلية لها‪ ،‬وتركن الثانية الى أن تكرس الرعاية نوع من ثقافة‬ ‫التواكل‪ ،‬يسلتزم هذا أن الناس سوف يحصلون على وظائف إذا أضطروا الى ذلك‪ .‬وأخي اًر تركن حجة المحافظين على‬

‫األخالقية الخالفية التي تقر بجواز حرمان المحتاجين فعالً من الرعاية كي ترغم العاطلين على البحث عن عمل‪ .‬للمزيد‬ ‫من إطالع ينظر‪ :‬كولن فارلي‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.163-162‬‬

‫‪2‬‬

‫حسب مفوضية األنتخاب الرئاسية في أمريكا عام(‪ ،)2000‬يتطلب مبالغ طائلة إلدارة حملة انتخابية معتمداً على‬

‫مسا همين أغنياء‪ ،‬هذا هو أصل المشكلة السياسية األمريكية‪ ،‬كما يزعم دوركين‪ .‬فكلما أرتفعت تكاليف أنتخاب الساسة‪،‬‬ ‫أشتدت الحاجة الى مساهمة األغنياء‪ ،‬وبالتالي تضاعف تأثيرهم على الق اررات السياسية المتخذة من قبل أولئك الساسة‪،‬‬

‫في حين يحدد القانون األمريكي قدر المبالغ التي يتسنى لألفراد والجماعات المساهمة بها في الحمالت السياسية‪ ،‬غير‬ ‫أن هناك ثغرات تسمح بالتبرع بمبالغ غير محددة لتمويل حمالت اعالمية‪ .‬للمزيد ينظر‪ :‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.170-169‬‬

‫‪76‬‬

‫على قيام الثروة بدور حاسم في تحديد بنود األجندة السياسية‪ ،‬فضالً على تأثير المال على نتائج‬

‫االنتخابات‪ ،‬يهتم دوركين أيضاً بتأثير الدين ومكانته المالئمة في ديمقراطية ليبرالية(‪.)1‬‬

‫نستخلص مما سبق‪ ،‬أن دوركين تبنى صياغة لليبرالية الشاملة مقارنة باللليبرالية السياسية التي تبناها‬ ‫رولز‪ ،‬فليبراليته تقوم على مبدأين أساسيين(مبدأ المساواة في األهمية ومبدأ المسؤلية الخاصة)‪ ،‬كما أنه‬ ‫يفضل المساواة في الموارد على المساواة في الرفاه‪ ،‬ألنها عجزت هذه األخيرة مع إشكالية األذواق المكلفة‪.‬‬ ‫وأهم من ذلك تريد نظرية دوركين أن تكون بمثابة حل للصعوبات التي يتخبط فيها التصور الرولزي‬ ‫للمساواة تماماً‪ ،‬مثلما كانت نظرية رولز جواباً عن تلك األحراجات التي دافع فيها التصور المنفعي‬ ‫للمساواة‪ ،‬لذا يمكن أن نقول الشيء نفسه بخصوص عالقة نظرية دوركين بنظرية رولز‪ .‬فكل واحدة‬ ‫تدافع عن مبادئها باإلستناد الى الحدس الذي يمنح النظرية االخرى القدرة على التأثير واالقناع‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ /‬أمارتيا صن والمساواة في القدرات األساسية‬ ‫أقترح أمارتيا صن‪Amartya Sen‬‬

‫( ‪)‬‬

‫مسألة المساواة في القدرات األساسية‪ ،‬أي أن يكون كل‬

‫الناس متساوين في قدراتهم على القيام ببعض األمور مثل(التربية‪ ،‬والغذاء السليم‪ ،‬والمقدرة على الحركة‬ ‫بحرية‪ ،‬وتجنب الموت المبكر)(‪ .)2‬وعليه يمكن التساؤل‪ :‬هل للعدالة معنى واحد أم عدة معان؟ وهل‬ ‫العدالة تعني نفس الشيء لكل شخص؟ وهل نحن بحاجة إلى نوع جديد من العدالة؟ يرد أمارتيا صن‬ ‫على تلك التساؤالت من خالل كتابه(فكرة العدالة ‪ ،)The Idea of Jastice‬إذ يطرح صن رؤيته لمعاني‬ ‫العدالة‪ ،‬التي تختلف في نظره من رؤية ألخرى مؤكداً على أهمية العدالة في المجتمعات األنسانية‪ ،‬مما‬ ‫يجعلها من المهم أيضاً معرفة البدائل المختلفة التي يمكن أن تنتج عنها(‪ .)3‬ومن خالل وجهة نظره‪،‬‬

‫‪ 1‬تم بذل جهد اعالمي حول فروق بين الناخبين الحمر(وهم محافظون ثقافياً يدلون بأصواتهم للجمهورين)‪ ،‬والناخبين‬ ‫الزرق(وهم علمانيون يصوتون للديمقراطيين) منكرين أن يكون للدين مكانة الئقة في المجتمع‪ ،‬مع أعترافهم أن للدين مكانة‬

‫مهمة في الثقافة األمريكية‪ ،‬هذا قد يخلق توت اًر بينهم‪ ،‬والسؤال المهم هل هناك طريقة لتقليل ذلك التوتر مادامت الفوارق‬ ‫تظل جزءاً محورياً من السياسية األنتخابية؟ هنا يوضح دوركين إن بلوغ هذا الهدف يعتمد على تحديد أرضية مشتركة بين‬ ‫األطراف وتكون أساساً لحوار بناء من ِ‬ ‫شأنه ان يساعد في أستعادة الثقة بين الطرفين‪ .‬للمزيد حول هذا الموضوع ينظر‪:‬‬ ‫ستيفن ديلو‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.758-747‬‬

‫‪‬‬

‫فيلسوف وأقتصادي هندي ولد سنة(‪ ،)1933‬وأستاذ في جامعة هارفرد‪ ،‬وحاصل على جائزة نوبل لألقتصاد لمساهمته‬

‫القيمة حول دولة الرفاه ونظرية األختيار اإلجتماعي وأهتمامه الكبير بقضايا الفقر‪ ،‬وله العديد من الكتب في الفلسفة‬ ‫واالقتصاد‪ ،‬أهمها كتاب(فكرة العدالة)‪ ،‬للمزيد ينظر‪ :‬نورالدين علوش‪ ،‬أعالم الفلسفة السياسية‪ ،‬مصدر سابق‪،‬ص‪.89‬‬ ‫‪ 2‬ديفيد ميللر وريتشارد داجر‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.197-196‬‬ ‫‪ 3‬هنا يوجه ِ‬ ‫صن أنتقاداً للطرح الرولزي‪ ،‬بأعتبار إن رولز أعتبر فرضية(الوضع األصلي) هي الفرضية أو(البديل) الوحيد‬ ‫الذي يمكن أن تستدل عليها بناء مؤسسات عادلة(دون غيرها)‪ ،‬وانها النمط الوحيد الذي يسمح باالستدالل المحايد=‬

‫‪77‬‬

‫وعبر أربعة أجزاء وهي‪(:‬مطالب العدالة‪ ،‬واألشكال المختلفة للتفكير فيها‪ ،‬وآليات العدالة والتفكير‬ ‫االجتماعي‪ ،‬والديمقراطية) نتعرف على فكرة(النظام االجتماعي للتفكير الكامل المتكامل) الذي طرحه‬ ‫صن‪ ،‬وهو في األساس نظام أنساني يقوم على التعقل والتفكير ويساعد على أستبعاد كل مظاهر عدم‬ ‫المساواة‪ ،‬ويرى أيضاً أن العدالة يجب أن تتخلص أوالً من هيمنة رغبة األغلبية وأن تتحسس الحياة‬

‫الحقيقية التي يحياها المواطنون‪،‬وفي الوقت نفسه على العدالة أن تأخذ بعين األعتبار كل مخاوف‬

‫المواطنين‪ ،‬وأسباب قلقهم (‪.)1‬‬ ‫وبرجوعنا الى رؤية صن لمعاني العدالة(مؤكداً على أختالفها من نظرية ألخرى)‪ ،‬ولبرهنة أختالف‬

‫نظريته عن معظم من كتب عنها أو من حاول تطبيق العدالة في المجتمعات اإلنسانية‪ ،‬قام بسرد قصة‬ ‫األطفال الثالثة وآلة الناي مختصمين حول ملكيتهم لها(‪ .)2‬تلك القصة التي تصيب المستمع بالحيرة‪،‬‬

‫حول عمن يستحق اآللة أكثر من اآلخر‪ .‬لذا يقول صن أن كل مفكر ينتمي الى مدرسة فلسفية معينة‬ ‫من مدارس العدالة سوف يختلف عن اآلخر في أحقية أي من األطفال الثالثة للناي‪ ،‬وسيكون له رأي‬ ‫مغاير‪ ،‬ألنه ليس هناك أي نظام مؤسسي يمكن أن يساعد على حل هذا الخالف بشكل عادل يقبله‬ ‫الجميع‪ ،‬في نفس الوقت‪ ،‬كل حل سيكون عادالً من وجهة نظر تلك المدرسة‪ ،‬فإن القائلين بالمساواة في‬ ‫الحقوق األقتصادية والعاملين على خفض الفجوات االجتماعية بين الناس‪ ،‬قد يرون‪ ،‬أن الطفل الفقير‬

‫هو أحق الثالثة بالحصول على آلة الناي‪ ،‬بينما يرى أنصار الحرية الفردية أن الطفل الثالث الذي صنع‬ ‫الناي هو أحقهم به‪ ،‬بينما يرى المفكر العملي(النفعي) أن الطفل الذي يعزف على الناي هو الذي يحق‬ ‫له أمتالكه ألنها الوحيدة التي تعرف كيفية العزف عليه‪ ،‬وبالتالي تستطيع تحقيق المنفعة المرجوة‬ ‫منه(المتعة)‪ ،‬لها ولغيرها(‪ .)3‬هكذا يبرهن صن أن لكل مدرسة رؤيتها المختلفة عن العدالة‪ ،‬ويشير الى‬ ‫= والقادرعلى تحقيق مبدأ اإلنصاف‪ ،‬وهذا مايجعل من نظريته ترانسدنتالية(أي قبلية سابقة على التفكير المنطقي ) في‬ ‫صن‪ ،‬لسماحه لكثرة مسارات العدالة بأن تختزل في مبدأ واحد وهو أختيار العدالة‪ ،‬يجادل ِ‬ ‫نظر ِ‬ ‫صن بأنه ليس هناك نقطة‬ ‫انطالق واحدة تعد نفسها محايدة‪ ،‬ويمكن على ضوئها بناء حجج لقيام العدالة اإلجتماعية‪.‬ينظر‪:‬أحمد صافي‪ ،‬الديمقراطية‬ ‫والحرية‪ ،‬مركز العلمي العربي لألبحاث‪ ،‬متاح على الرابط‪www.arab-csn.ong :‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫نورالدين علوش‪ ،‬أعالم الفلسفة السياسية‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.90‬‬ ‫يوضح ِ‬ ‫صن مسألة خاصة بالحل المحايد الفريد للمجتمع العادل تماماً أمكانية قيام أسباب متعددة ومتنافسة للعدالة‪،‬‬

‫كلها تدعي الحياد‪ ،‬ومع ذلك تختلف عن – وتنافس مع بعضها البعض – من خالل مثال يتعين علينا فيه أن نقر من‬

‫في األطفال الثالثة(آن وبوب وكالرا) أحق بالحصول على آلة الناي التي يتنازع عليها الثالثة‪ .‬تطالب(آن) بآلة الناي‬ ‫على أساس أنها الوحيدة بين األطفال التي تعرف العزف عليها‪ ،‬و(بوب)‪ ،‬يريد الحصول عليها ألنه الفقير الوحيد الذي‬ ‫ليس لديه ألعاب تخصه‪ ،‬والثالث(كالرا)‪ ،‬تطالب باآللة مشيرة الى أنها أخذت شهو اًر على صنعه بكدها وجدها‪ .‬للمزيد من‬ ‫اإلطالع على هذه القصة ينظر‪ :‬أمارتيا ِ‬ ‫صن‪ ،‬فكرة العدالة‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.51-49‬‬ ‫‪ 3‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.50‬‬

‫‪78‬‬

‫أن األختالف بين األسباب التي طرحها األطفال الثالثة والتي تبرر حق كل منهم في الناي‪ ،‬ال تمثل‬ ‫أختالفاً في مميزات كل فرد‪ ،‬بل األختالف يكون في المبادىء التي يجب أن تحدد ملكية الثروات بشكل‬ ‫عام‪ ،‬ولكنها ال يمكن أن تكون أساساً إلعطاء الوسيلة المثلى لحل تلك المعضلة‪ .‬لذلك يرى ان ما يساعد‬

‫المرء على حل الخالف بينهم واقامة مجتمع عادل حقيقي هو القيمة التي نضعها في سعينا الى تحقيق‬ ‫كفاءة اإلنسانية والقضاء على الفقر وحق كل شخص في التمتع بنتائج عمله‪ ،‬وهي تلك األفكار التي‬ ‫يضعها صن في مواجهة نظرية جون رولز حول العدالة والتي تستبعد الفقراء ودول العالم الثالث وتحصرها‬ ‫في األدبيات الغربية‪ ،‬مما جعل منها نظرية‪ ،‬ال يمكن تطبيقها إال في المجتمعات الغربية الديمقراطية‪،‬‬ ‫ففي نظرِه أن تلك النظريات في حقيقة األمر ال تعمل على سيادة العدالة‪ ،‬بل على(أستمرار الظلم)(‪.)1‬‬ ‫خص أمارتيا صن في أكثر كتاباته ثالث نظريات للعدالة باألهمية واألنتقاد‪ ،‬رغم أعترافه بوجود نقاط‬ ‫َّ‬ ‫إيجابية فيه َّن‪ ،‬ولعل أهم تلك النظريات هي نظرية العدالة كإنصاف لـجون رولز(‪ .)2‬بداي ًة يقر أمارتيا‬

‫أقر‬ ‫صن بأن المفاهيم التأسيسية التي قدمها رولز ظلت تقدم له الكثير لدى بحثه في مشكلة العدالة كما َّ‬ ‫بأن أعمال رولز تعد تحوالً مهماً في الفلسفة السياسية واألخالقية المعاصرة‪ ،‬بيد أنه يأخذ عليها إكتفاءه‬

‫بالتركيز على المؤسسات المثالية‪ ،‬في حين يجب على أية نظرية أن تتسم بالرحابة‪ ،‬وأن تعَّد أساساً‬

‫للتفكير العملي(من حيث معاينة مسائل إعالء العدل وانزال الظلم) بدل تقديم حلول لمسائل تمس العدالة‬

‫الكاملة عبر التركيز على إقامة مؤسسات عادلة‪ ،‬مع أعطاء دور ثانوي لطرق الحياة الفعلية للناس‪ ،‬على‬ ‫الرغم من تأثير تلك المؤسسات على طبيعة فكرة العدالة ذاتها وسعتها(‪ .)3‬هنا ال ينكر صن دور‬ ‫المؤسسات‪ ،‬لكنه يعد دورها مساعداً على العكس تماماً من دور المؤسسات في ظل العدالة الرولزية‪،‬‬ ‫وأن االختيار السليم للمؤسسات أهمية حاسمة في مشروع تعزيز العدالة الى جانب محددات السلوك‬

‫الفردي والمجتمعي(‪.)4‬‬ ‫يرى صن إن اشتغال المفكرين على عدالة المؤسسات‪ ،‬في تنظير العدالة(امثال كانط ورولز) والقائلين‬ ‫بمذهب المؤسسية ألمافوقية ‪ ،Transcendental Institutionalism‬والمرتبطة بنمط ‪ -‬تفكير العقد‬ ‫‪1‬‬

‫نقالً عن نورالدين علوش‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.92‬‬

‫‪ 2‬نقالً عن‪ :‬تحسين حمه غريب‪ ،‬العدالة ونظرياتها‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.182‬‬ ‫‪ 3‬يقول أمارتيا ِ‬ ‫صن‪ ،‬ولكي تصلح نظرية ما في العدالة كأساس لتفكير عملي‪ ،‬البد لها أن تتضمن طرقاً لتقدير كيف‬ ‫ِ‬ ‫توجهه فحسب الى وصف المجتمعات التي تتسم بالعدالة الكاملة‪ ،‬هنا يتفق(بول‬ ‫يمكن إنزال الظلم واعالء العدل؟ بدل‬ ‫ريكور) مع ِ‬ ‫صن في أولوية األهتمام بالحس بالظلم والعمل على إزالته إزاء الحس بالعدالة والتنظير المثالي لها‪ ،‬ألن األول‬ ‫أعمق وأكثر سيادة على الثاني‪ .‬للمزيد من اإلطالع ينظر‪ :‬أمارتيا ِ‬ ‫صن‪ ،‬فكرة العدالة ‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.14-13‬‬ ‫ً‬ ‫وأيضاً ينظر‪ :‬بول ريكور‪ ،‬الذات عينها كاآلخر‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.389‬‬ ‫‪ 4‬أمارتيا ِ‬ ‫صن‪ ،‬فكرة العدالة‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.15‬‬

‫‪79‬‬

‫اإلجتماعي‪ -‬قد تكون غير مجدية‪ ،‬ألن المؤسسات ال تولي السلوك الفعلي للناس اهمية‪ .‬إذ يعمل ِ‬ ‫عليه‬ ‫فيما يسميه المقاربة الماتحتية‪ ،‬مفترضاً إنها تتوافق مع قواعد السلوك المثالي(‪ .)1‬وعلى الرغم من انه ينوه‬

‫بالجهد الذي قدمه رولز ومن قبله كانط‪ ،‬بشأن البحث في دور الواجبات األخالقية والسياسية التي ينطوي‬ ‫عليها السلوك المناسب إجتماعياً‪ ،‬فإنه يعيب عليه عدم النظر الى ذلك بوصفه أولوية في تحقيق العدالة‬

‫إزاء المستوى المؤسسي‪ ،‬إذ تؤثر التربية على المواطنة والحس بالعدالة‪ ،‬أي تمكن أمتالك القوتين‬ ‫األخالقيتين المتمثلتين بالعقالنية والمعقولية‪ ،‬من شأنها الوصول بالمواطنين الى القدرة على مراجعة القيم‬ ‫واالوليات بصورة نقدية عبر مناقشة البدائل المتاحة في الثقافة والتقاليد السياسية الليبرالية وفق منهج‬ ‫التوازن التأملي للتسويغ في العقل العام – يظل موضع تشكيك – في مايخص قدرته على مقاربة سعة‬ ‫التفكير التي تدعيها العدالة بوصفها إنصافاً‪ ،‬ومطلباً ضرورياً للبحث في نظرية مثالية متكاملة‪ .‬ألن‬

‫حصر االهتمام باألدبيات الغربية أي(تقاليد الليبرالية) يجعل الفلسفة السياسية عموماً ومتطلبات العدالة‬ ‫خصوصاً محدودة وضيقة األفق نوعاً ما‪ ،‬ألن هناك ثمة فوارق كثيرة في التفكير‪ ،‬بين الشرق والغرب(‪.)2‬‬

‫هكذا يجعل أمارتيا صن الباب مفتوحاً لمناقشة يمكن مقارنة نظريته مع نظرية رولز في العدالة في‬

‫مجاالت عدة يمكن أستخالصها من خالل عدة مسائل ومنها‪-:‬‬ ‫أوالً‪ /‬القدرات األساسية أمام الخيرات أو السلع األساسية‪:‬‬

‫بالنظر الى أهمية المسافة بين القدرات والموارد‪ ،‬يصعب على المرءعدم الشك في مبدأ التفاوت لرولز‬ ‫الذي يركز كلياً على السلع االولية للحكم على المسائل التوزيعية في مبدأي العدالة‪ ،‬حيث َّأنه يولي‬

‫أهمية‪ -‬في موضع آخر‪ -‬للحاجة الى تصحيحات نوعية(لالحتياجات الخاصة) كالعجز واإلعاقة‪ ،‬على‬ ‫الرغم من إن هذا ليس جزءاً من مبادئه للعدالة(‪ ،)3‬إذ يتعامل رولز مع حاالت اإلعاقة الجسدية والعقلية‬

‫الشديدة كقضية خاصة(معتمداً على تصور كانط) فهو يصرف االنتباه عن مثل هذه اإلعاقات كمحاججة‬ ‫أولية دفاعاً عن مبادىء العدالة(‪ .)4‬يقر صن أن رولز يركز بشكل مبالغ فيه على األصول اإلجتماعية‬ ‫األولية(المنافع األولية ‪ ،)Primary good‬اذ يقدم لنا صورة أعم عن الموارد التي يحتاج اليها الناس‬

‫‪1‬‬

‫تتسم المؤسسية المافوقية بسمتين مختلفتين‪ :‬األولى تركز على ماتراه عدالة كاملة‪ ،‬ال على المقارنات النسبية للعدل‬

‫والظلم والتحاول سوى تحديد الخصائص اإلجتماعية التي اليمكن تجاوزها عدالً‪ ،‬وبالتالي فهي التهتم بالمقارنة بين‬ ‫المجتمعات الفعلية‪ .‬أما السمة الثانية‪ ،‬فهي أنها في بحثها عن الكمال‪ ،‬تركز في المقام األول على الوصول الى المؤسسات‬

‫العادلة والتعنى مباشرًة بالمجتمعات الفعلية التي ستنبثق في النهاية من تلك المؤسسات‪ .‬للمزيد من اإلطالع ينظر‪ :‬أمارتيا‬ ‫ِ‬ ‫صن‪ ،‬فكرة العدالة‪ ،‬ص‪.44-40‬‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.44‬‬

‫‪3‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.377‬‬

‫‪4‬‬

‫صموئيل فريمان‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.24‬‬

‫‪80‬‬

‫بغض النظر عن غايات كل منهم‪ .‬وتشتمل هذه الموارد على الدخل إضاف ًة الى وسائل أخرى ذات‬

‫غرض عام‪ .‬وان المنافع األولية هي وسائل غرض عام تساعد أي فرد على النهوض بأهدافه وتشتمل‬ ‫على الحقوق والحريات والفرص والدخل والثروة واألسس االجتماعية ألحترام الذات‪ .‬وأن تركيز رولز على‬ ‫هذه األصول يرتبط بنظرته على الميزة الفردية في ضوء الفرص التي يحضى بها األفراد لمتابعة وتحقيق‬ ‫أغراض كل منهم(‪ .)1‬ولكنه في نفس الوقت يهمل القدرة غير المتكافئة بين األفراد على تحويل هذه‬ ‫األصول إلى إنجازات أساسية كـ(التغذية السليمة والصحة والتنقل‪...‬الخ)(‪.)2‬‬ ‫هنا يقلل رولز من شأن حقيقة أختالف الناس‪ ،‬ألسباب تتعلق بسماتهم الشخصية أو تتعلق بتأثير‬ ‫البيئتين الفيزيائية واإلجتماعية‪ ،‬أو من خالل الحرمان النسبي(‪ ،)3‬قد يؤدي ذلك الى أختالف واسع في‬ ‫فرصهم لتحويل الموارد العامة كـ(الدخل والثروة) إلى قدرات(‪.)4‬فضالً عن هذا‪ ،‬يرى صن أن رولز لم‬ ‫يلتفت الى العالقة بين فكرتين(الخيرات األساسية والقدرات األساسية) كون هذه الفكرة ذات أهمية حاسمة‬ ‫في جعل األولى ذات معنى حقيقي يستطيع المرء بمقتضاها األنتفاع بها‪ ،‬ما يؤدي بنا الى التساؤل‬

‫التالي‪ :‬ما معنى أن يحصل الفرد على هذه الخيرات دون أن يكون قاد اًر على توظيفها بصورة تحقق له‬

‫أهدافه(في مجال السعادة واللذة)؟‪ ،‬وال سيما أن الناس يتفاوتون في القدرات التي علينا أخذ المقارنة بينها‬

‫بعين األعتبار دائماً (‪ )5‬ففي مبدأ الفرق يحكم رولز على الفرص التي يملكها الناس من خالل ما يملكون‬

‫من وسائل دون االلتفات الى ما بينهم من تفاوت كبير في القدرة على تحويل السلع األولية الى العيش‬ ‫الكريم (‪ .)6‬لكن كيف يرد رولز على مطلب صن؟‬

‫‪1‬‬

‫امارتيا ِ‬ ‫صن‪ ،‬التنمية حرية‪ ،‬ت‪.‬شوقي جالل‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬المجلس الوطني للثقافة‪ ،‬الكويت‪،2004 ،‬ص ‪.95-94‬‬

‫‪2‬‬

‫مراد دياني‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.102‬‬ ‫يؤكد ِ‬ ‫صن في تحليله للعدالة االجتماعية بأنه هناك مبر اًر قوياً للحكم على الميزة الفردية في ضوء ما لدى المرء من‬

‫‪3‬‬

‫القدرات‪ ،‬أي الحريات الموضوعية التي يحضى بها لبناء نوع الحياة التي لديه أسباب إلضفاء قيمة عليها‪ .‬وحسب هذا‬

‫المنظور يمكن اعتبار الفقر حرماناً من القدرات األساسية وليس مجرد تدن في الدخل هو المعيار السائد لتحديد الفقر‪.‬‬ ‫للمزيد من التفاصيل حول مسألة الحرمان ينظر‪ِ :‬‬ ‫صن‪ ،‬التنمية حرية‪ ،‬مصدر نفسه‪ ،‬فقرات(الدخول والموارد والحريات)‪،‬‬ ‫ص‪ .97-94‬وكذا فقرة(الفقر كحرمان من القدرة)‪ ،‬ص‪.122-113‬‬ ‫‪ 4‬أمارتيا ِ‬ ‫صن‪ ،‬فكرة العدالة‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.377‬‬

‫‪ 5‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص‪.118‬‬ ‫‪ 6‬هنا يعطينا ِ‬ ‫صن مثاالً ومفاده إن ما يستطيع شخص معاق عمله أقل كثي اًر مما يستطيع المعافى بمستوى الدخل والسلع‬ ‫األولية األخرى نفسها‪ ،‬والحامل تحتاج الى دعم غذائي إضافي بالمقارنة مع غير الحامل‪ .‬فقد تختلف قدرة الشخص على‬ ‫تحويل السلع األولية الى قدرة على القيام باألشياء التي يمكن أن يقوم بها بأختالف الخصائص التي ولد عليها‪ ،‬هكذا‬ ‫الصفات المكتسبة والمتفاوتة أو تأثيرات البيئات المحيطة به‪ .‬للمزيد ينظر‪ :‬أمارتيا ِ‬ ‫صن‪ ،‬فكرة العدالة‪ ،‬ص‪.119‬‬

‫‪81‬‬

‫يعتقد رولز أن صن على حق في مطلبه هذا‪ ،‬لكنه ليس على حق في قوله إن العدالة بوصفها‬ ‫إنصافاً لم تولي أهمية للعالقة بين الخيرات والقدرات‪ ،‬ألن وصف الخيرات األولية يحسب حساب القدرات‬ ‫األساسية وال يتجرد منها‪ ،‬وذلك عبر االهتمام بتنمية قدرات المواطنين المتمثلة في قوتيهم األخالقيتين‬ ‫وتعزيزها‪ .‬وان قائمة الخيرات األولية في العدالة بوصفها إنصافاً وضعت بما يراعي العالقة بين الخيرات‬ ‫ار ومتساوين‬ ‫والقدرات األساسية‪ ،‬عبر تصور ما يمكن أن يطالب المواطنون به للحفاظ على كونهم أحر اً‬

‫وأعضاء في مجتمع تعاوني حسن التنظيم‪(،‬أي وفق المفهوم السياسي المعياري للمواطنة)‪ .‬األمر الذي‬

‫ال يتناقض مع مابين المواطنين من فروق في القدرات‪ ،‬فهم في ظل حصولهم على حقوقهم وحرياتهم‬ ‫وفرصهم المتساوية األساسية‪ ،‬والضمانات التي يوفرها مبدأ الفرق‪ ،‬يكونون قادرين على التطوير الذاتي‬ ‫وبالتالي هم قادرون على شغل المراكز المختلفة والمواقع المتباينة (‪.)1‬‬ ‫يرى صن إنه يمكن تصور العيش على أنه مجموعة من الوظائفيات(‪)Functionings‬المترابطة‪،‬‬ ‫والمؤلفة من وضعيات وأفعال كـ(حصول الفرد على تغذية كافية‪ ،‬أو كونه في صحة جيدة‪ ،‬او المشاركة‬ ‫في الحياة المجتمعية‪ ،‬أو أن يكون له أحترام الذات)‪ .‬إذاً تمثل القدرة الوظيفية للشخص أن يختار واحدة‬ ‫من بين التركيبات المختلفة للوظائفيات‪ ،‬أي القدرة على اختيار نمط بين أنماط الحياة الممكنة‪ ،‬وتشير‬

‫قدرة الشخص الى المجموعات البديلة المؤلفة من عمليات األداء الوظيفي التي يراها الشخص مجدية له‪.‬‬ ‫وهكذا تغدوا القدرة نوعاً من الحرية(الحرية الموضوعية) ‪ -‬أي الحريات في إنجاز أساليب حياة متباينة‪-‬‬ ‫وتتألف هذه القدرة من القوى المواجهة لألداء الوظيفي البديلة التي يمكن المرء أن يختار من بينها حسب‬

‫اختالف قدراتهم(‪ )2‬فكل فرد يمتلك قدرات مختلفة‪ ،‬مادام كل واحد منا يختلف عن اآلخر ويمتلك خصائص‬ ‫ذاتية مميزة‪ ،‬فضالً على أختالف ببئاتنا الخارجية(السياسية واألقتصادية) واختالف مواردنا االولية(‪.)3‬‬ ‫تحاول هذه المقاربة أن تتجاوز المعارضة بين النهج الرولزي والنهج المنفعي من جهة‪ ،‬وبين تعويض‬

‫عن األختيارات الدوركينية( نسبة الى دوركين) وعدم وجود للتعويض عند رولز من جهة أخرى‪ .‬ومبدأ‬ ‫العدالة الذي يدافع عنه صن ليس معادلة صارمة بين الوظائفيات المأخوذة بشكل فردي‪ ،‬وانما تحقق‬ ‫تكافؤ القدرات‪ .‬إذ يسمح هذا الفارق بترك المجال كامالً للحرية الفردية في تحديد أختيار نمط الحياة‪،‬‬

‫ألن الفرد اكثر داري ًة بأي من الوظائفيات يمكن ان تكون أكثر أهمية بالنسبة اليه وقادر على تحقيقها‪،‬‬ ‫معيار للتقدم‪ ،‬بمعنى إن الهدف ليس‬ ‫هذا هو سبب تخليه عن االصول اإلجتماعية األولية بأعتبارها‬ ‫اً‬

‫الموارد المتاحة لشخص كي يحقق أهدافه‪ ،‬وانما الحرية التي يمتلكها من أجل األختيار بين أنماط عيش‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫رولز‪ ،‬العدالة كإنصاف‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.350-346‬‬ ‫ينظر‪ :‬امارتيا ِ‬ ‫صن‪ ،‬التنمية حرية‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬وخاص ًة فقرة(الرفاه والحرية والقدرة)‪ ،‬ص‪.100-97‬‬ ‫‪Amartya Sen, Inequality Reexamined (Oxford: Oxford University, press, 1992), p.117.‬‬

‫‪3‬‬

‫‪82‬‬

‫مختلفة‪ .‬بذلك يضع صن الحرية والمساواة معاً ‪-‬بأقت ارنهما في مفهوم معادلة القدرات‪ -‬في قلب العملية‬

‫اإلقتصادية من حيث إن توسيع الحريات وتوزيعها بصورة متساوية بين الجميع هي في حقيقة األمر‬

‫نتيجة للقدرات على تحقيق الذات على مستوى األفراد(‪.)1‬‬ ‫ثانياً‪ /‬القدرات األساسية والحريات الشخصية‪:‬‬ ‫مما ال شك فيه هناك نية خفية لتفنيد آراء رولز في مسائل اخرى‪ ،‬ومنها الحرية الشخصية‪ ،‬التي‬ ‫تشكل موضوع المبدأ األول لنظريته في العدالة‪ ،‬فال ينكر صن هذا بقوله(ثمة أسس قوية إلعطاء الحرية‬ ‫الشخصية نوعاً من األولوية الحقيقية) التي يمكن ان يشترك فيها الجميع بالتساوي(‪ .)2‬بيد ان صن ينتقد‬

‫تركيز رولز على الحريات المدنية والسياسية مضيفاً إنه عند الترجيح بين هذا المبدأ(مبدأ الحريات) والمبدأ‬

‫الثاني(مبدأ المساواة) فستكون األولوية دائماً لمبدأ الحريات‪ ،‬هنا يتساءل صن(كما تساءل غيره) لماذا هذه‬

‫األولوية دائماً؟ أن صياغة رولز نفسه لهذه األولوية معتدلة جداً‪ ،‬غير أن تلك األولوية تأخذ صورة حادة‬ ‫صارمة في النظرية الليبرتارية وخاص ًة عند نوزك‪ .‬وثمة صياغات أقل تدقيقاً واحكاماً عن أولوية الحرية‬

‫تعرضها نظريات الليبرالية(خاص ًة في كتابات رولز) إذ نجد فيها أن الحقوق ذات األسبقية أقل شموالً‬

‫بكثير وتتألف بوحه خاص في حريات شخصية مختلفة‪ .‬وتتضمن بعض الحقوق المدنية والسياسية‬ ‫األساسية‪ .‬بيد أن األسبقية التي تحضى بها هذه الحقوق األكثر محدودية تعني أنها كاملة تماماً‪ .‬وبينما‬ ‫تكون هذه الحقوق أكثر تقيداً من حيث المدى قياساً بالحقوق في النظرية الليبرتارية‪ ،‬فإنه ليس باإلمكان‬

‫أيضاً تسويتها بأي وسيلة عن طريق قوة الضغط االقتصادي(‪.)3‬‬

‫يجادل صن بأن هناك احوال يكون وجود االنسان وحياته في خطر واذا كان كذلك فما نفع البحث‬ ‫عن حريته؟ واذا شئنا أن تكون أولوية الحرية مستساغة حتى في سياق البلدان التي يعضها الفقر الشديد‪،‬‬ ‫فال بد أن يكون محتوى هذه األولوية واضحاً وتفصيالً من حيث طبيعة خصائصه(‪.)4‬‬ ‫عاب صن على رولز قصر العدالة على توسيع السلع األساسية علما ان ما يميز سلع رولز أنها ال‬ ‫تقتصر على السلع المادية‪ ،‬يدخل فيها ايضاً السلع الرمزية كاحترام الذات‪ .‬إال إن صن يقول ان عيب‬ ‫‪ 1‬مراد دياني‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.103‬‬ ‫‪ 2‬أمارتيا ِ‬ ‫صن‪ ،‬فكرة العدالة‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.425‬‬ ‫‪ 3‬أمارتيا ِ‬ ‫صن‪ ،‬التنمية حرية‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.85-84‬‬ ‫‪ 4‬يمييز ِ‬ ‫صن بين أمرين‪ ،‬األول‪ :‬أقتراح رولز في صيغته الصارمة عن الحاجة الى أن تكون للحرية أسبقية طاغية عندما‬ ‫نكون في حالة النزاع‪ .‬والثانية‪ :‬إجرائه العام لفصل الحرية الشخصية على أنماط المزايا األخرى بشأن المعالجة الخاصة‬ ‫‪ ،‬ويتعلق هذا المطلب‪-‬وهو األكثر عمومية‪-‬بالحاجة الى تقديم وتقرير الحريات على نحو مختلف عن المزايا الفردية‬ ‫لألنواع األخرى‪ .‬ينظر‪ :‬امارتيا ِ‬ ‫صن‪ ،‬التنمية حرية‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.85‬‬

‫‪83‬‬

‫العدالة االجتماعية والتوزيع العادل عند رولز هو تحويل تلك السلع الى حريات موضوعية وعدم تجاوزها‬ ‫الى قابليات األفراد وقدراتهم(‪ .)1‬ان مايريد صن تأكيده‪ ،‬بوصفه بديالً علمياً واقعياً للطرح الرولزي‪ ،‬يتمثل‬ ‫في مقاربة العدالة بوصفها حرية‪ ،‬والحرية بوصفها القدرة والتمكين‪ ،‬ثم التمكين بوصفه تنمية بشرية‬

‫مستدامة‪ ،‬ال يختلف من حيث المبدأ عن جوهر مقاربة العدالة بوصفها إنصافاً في تثبيتها الحريات‬ ‫والحقوق االساسية‪ ،‬وفق المبدأ االول للعدالة وانطالقاً من مفهوم التنمية البشرية الذي يتبناه صن‪ ،‬ورؤيته‬ ‫بأعتبارها حرية‪ ،‬ونظرته الى الحريات بأعتبارها مرادفة للقدرات‪ .‬فإن تحقيق العدالة االجتماعية مرهونة‬ ‫بتحقيق الحريات‪/‬القدرات األساسية لكل فرد في المجتمع وتوسيعها بما يمكن كل فرد من اختيار الحياة‬ ‫التي يعتبرها ذات قيمة‪ .‬ومن هذا المنطلق فإن مقتضيات العدالة االجتماعية هو توسيع نطاق‬ ‫القدرات‪/‬الحريات لمن ال يحضون بقدر معقول منها‪ ،‬وتمكنهم من اكتسابها إن كانوا ال يملكونها اصالً‪.‬‬ ‫واذا كان توفير الحريات شرطاً لتحقيق العدالة االجتماعية‪ ،‬علينا ان نذكر ايضاً‪ ،‬ان تحقيق العدالة يؤدي‬ ‫الى توسيع خيارات الناس ومن ثم فإنه يؤدي الى توسيع نطاق التنمية البشرية(‪ .)2‬هنا تؤكد(مارثا نوسباوم‬

‫‪ )Martha Nussbeum‬على فكرة صن بإن مجال القدرات هو المجال الصحيح عند النظر في مسائل‬ ‫العدالة االجتماعية‪ ،‬وان القيمة اإلرشادية للقدرات في مجال العدالة اقوى من قيمة مدخل المنفعة‪ ،‬او‬ ‫الموارد عند دوركين‪ ،‬وحتى من فكرة العقد االجتماعي عند رولز‪ ،‬حيث ان االنطالق من القدرات يساعد‬ ‫على بناء مفهوم معياري او استهدافي للعدالة االجتماعية(‪.)3‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫نقالً عن‪ :‬تحسين حمه غريب‪ ،‬العدالة ونظرياتها‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.186‬‬ ‫يالحظ إن ِ‬ ‫صن يمييز بين الحريات االساسية‪/‬الموضوعية والحريات األدائية‪/‬الوسائلية مقارن ًة بالمبدأ األول(الحريات‬

‫األساسية) عند رولز‪ .‬مبيناً إن الحريات األساسية تشمل القدرة على البقاء بدل من الوقوع ضحية لموت مبكر‪ ،‬والقدرة‬ ‫على تجنب مظاهر الحرمان‪ .‬أما الحريات األدائية‪ ،‬فستمثل في الحريات السياسية والتسهيالت االقتصادية(فرص المشاركة‬

‫في اإلنتاج والتجارة)‪ ،‬وضمان الثقافة(مثل الحق بالمعرفة)‪ ،‬واألمن الوقائي من خالل شبكة الضمان االجتماعي‪ .‬للمزيد‬

‫ينظر‪ :‬إبراهيم العيسوي‪ ،‬العدالة االجتماعية والنماذج التنموية‪ ،‬المركز العربي لألبحاث‪ ،‬بيروت‪،2014،‬ص‪.23‬‬ ‫‪3‬‬

‫تكمن أهمية التشديد على مفهوم القدرات في أمرين مهمين وهما‪ )1( :‬هو أن لمدخل قدرات أهمية خاصة لعدالة‬

‫النوع( ‪ )Gender Justic‬المتعلقة بقضايا النوع والمساواة بين الجنسين‪ .‬فالمساواة جديرة بالتحقيق من منظور عدالة النوع‬ ‫– طبقاً ل ِ‬ ‫ـ(صن)‪-‬هي مساواة في القدرات‪ )2(.‬عندما يتعلق األمر بالقدرات‪ ،‬فإنه من الضروري تجنب المفهوم السلبي‬

‫للحرية‪ ،‬الذي يحث الدولة على األمتناع عن وضع العراقيل التي تحول دون التمتع بالحقوق والحريات‪ ،‬فالمطالبة بالتمتع‬

‫بالقدرات‪/‬الحريات‪ ،‬هو رفع تمكينهم من خالل الدعم القانوني والمؤسسي والمادي‪ .‬للمزيد ينظر‪Martha Nussbaum, :‬‬ ‫‪Feminist‬‬

‫‪Justicen,‬‬

‫‪Social‬‬

‫‪and‬‬

‫‪:San‬‬

‫‪Entitements‬‬

‫‪Fundamental‬‬

‫‪as‬‬

‫‪capabilities‬‬

‫‪Economics,Vol.9(2003)pp.33-35;on.The.web:www.Tandf.co.uk/jornal.‬‬

‫‪84‬‬

‫ثالثاً‪ /‬مآخذ أمارتيا صن على العقد اإلجتماعي‪:‬‬ ‫يذهب صن إن هناك مقاربتين عن العدالة في العصور الحديثة‪ ،‬احداهما تعتمد على مفهوم العقد‬ ‫اإلجتماعي بادءاً بـ(هوبز) ووصوالً الى أشهر فيلسوف في العدالة في القرن العشرين(جون رولز)‪،‬‬ ‫فالنظريات التي تنتمي الى هذه المقاربة هي دائماً نظريات تعتمد على الخير الشاملة فوقانية مؤسساتية‪،‬‬

‫أي تفرض على المجتمع عن طريق المؤسسات‪ .‬أما المقاربة األخرى فهي مقاربة يرجعها صن الى أدم‬ ‫سيمث أب األقتصاد الحديث وصوالً لفالسفة وعلماء اإلقتصاد في القرن العشرين كـكينث آرد (‪ ،)‬محيي‬ ‫نظرية الخيار اإلجتماعي(‪.)1‬‬ ‫ومن خصائص نظرية الخيار اإلجتماعي الذي يشكل الجانب العملي لنظرية أمارتيا صن في العدالة‪.‬‬ ‫أنها ال تعتمد على مفهوم العقد اإلجتماعي‪ ،‬والهي نظرية شمولية معتمدة على مفهوم فوقاني خاص عن‬ ‫الخير‪ ،‬إنها تؤمن بعدالة المجتمع بدل عدالة المؤسسات‪ ،‬وهي مقاربة نسبية غير مطلقة تعتمد على رفع‬ ‫وبناء على اعتمادها على العقد‬ ‫الظلم والالعدالة الموجودة بين أفراد المجتمع‪ ،‬أما المقاربة األولى‪،‬‬ ‫ً‬ ‫اإلجتماعي‪ ،‬فإن عدالتها مقتصرة على المشاركين في العقد فحسب‪ ،‬ويعتبر صن تلك العقود المذكورة‬ ‫هي أساس الدولة الديمقراطية الحديثة‪ ،‬ولهذا‪ ،‬فالعدالة فيها تقتصر على من في داخل تلك المجتمعات‬ ‫وعندما تتعامل مع خارج حدودها ال يمكنها أن تتعامل بالمعايير نفسها الموجودة في داخل مجتمعاتها‪،‬‬ ‫مما يجعل تلك النظريات هي أحادية الجانب(‪ ،)2‬أي تعتمد على مفهوم واحد تتطلب المساواة فيها‪ ،‬غير‬ ‫أن نظرية صن وان كانت تعتمد على توسيع الحريات والقدرات‪ ،‬إال أنه ال يطلب المساواة فيها‪ ،‬ألنه‬

‫‪‬‬

‫ارسى كينث آرد نظرية الخيار اإلجتماعي بشكل مهيكل وتحليلي‪ ،‬بمسلمات صريحة العبارة ومدروسة تشترط أن تلبي‬

‫الق اررات اإلجتماعية شروطاً دنيا معينة للموضوعية‪ ،‬يمكن أن تنبثق منها التصنيفات اإلجتماعية المناسبة وخيار الطبقات‬

‫اإلجتماعية‪( ،‬موضحاً ذلك في أطروحته لنيل دكتوراه) وقد أدى هذا الى والدة نظرية الخيار اإلجتماعي الحديث كنوع‬ ‫معرفي لتحل محل المقاربة االتفاقية‪ .‬للمزيد من االطالع ينظر‪ :‬أمارتيا ِ‬ ‫صن‪ ،‬ص‪.154-152‬‬ ‫‪ 1‬تعد نظرية الخيار اإلجتماعي عند أمارتيا ِ‬ ‫صن هي بديلة للعدالة اإلجتماعية وتنظم المجتمع في مقاربات العدالة األخرى‬

‫مقارن ًة بنظرية العقد اإلجتماعي عند رولز‪ .‬والمعنية بالق اررات الجماعية فيما تهتم باألساس على دور النقاش وأهمية توسيع‬ ‫دائرة المعلومات للوصول الى الق اررات الجماعية مع رعاية التقييمات والترتيبات والتفضيالت الفردية‪ ،‬معتمداً على القدرة‬ ‫االدراكية لإلنسان أكثر من أعتماده على القدرة اإلرادية‪ .‬للمزيد من اإلطالع ينظر‪ :‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪ 151-147‬و‬

‫ص‪.158-152‬‬ ‫‪ 2‬يرى أمارتيا ِ‬ ‫صن إن العدالة ليست فكرة أحادية ولكنها متعددة الجوانب وذات أبعاد مختلفة‪ ،‬فالفالسفة الغرب أمثال‬ ‫(هوبز ولوك و كانط وحتى رولز) فقد حددوا رؤيتهم للعدالة من خالل وضع(عقد إجتماعي) بين المواطنين والدولة‪ ،‬و أروا‬ ‫إن المجتمع العادل هو ناتج مؤسسات عادلة وقوانين إجتماعية وممارسات صحيحة من جانب المواطنين‪،‬اما ِ‬ ‫صن فيرى‬ ‫أن تلك النظرية التعكس أي أتفاق عقالني حول طبيعة المجتمع العادل‪ ،‬كما أنه اليحدد مشاكل المجتمع العادل‪ ،‬فال‬

‫يمكن إدراك عدالة مجتمع ما دون مقارنته بالمجتمعات االخرى‪ ،‬للمزيد ينظر‪ :‬نورالدين علوش‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.91‬‬

‫‪85‬‬

‫يرى‪ ،‬أنه على نظريات العدالة أن تكون متعددة المفاهيم‪ ،‬وهي نظريات قطعية التقبل التغير والتكامل‪،‬‬ ‫ومن ثم ال يمكنها التماشي مع تطورات المجتمع والتغيرات السائرة فيها ‪ ،‬فهي نظريات غير واقعية‬ ‫مفروضة بالمؤسسات يفيد المنتمي اليها ويضطهد المخالف لها(‪ ،)1‬يجادل صن إن هذا هو ما طبقه‬ ‫رولز في فكرته ذات الصلة بالعقد اإلجتماعي اإلفت ارضي ليحاجج بمبادىء العدالة ومنطبقة على‬ ‫المؤسسات التي تشكل البنية األساسية للمجتمع ويتم قياس عدالة األفراد وصواب اعمالهم‪ ،‬بمدى‬ ‫أستجابتهم لمتطلبات المؤسسات العادلة(‪ .)2‬ويعتقد صن أن نظريات العقد اإلجتماعي لها عيوب عدة‬ ‫ومن أهمها هو أهمال أصوات الذين ال يكونون أفراداً في المجموعة التي تجري فيها العقد ولكن تتأثر‬ ‫حياتهم بها‪ ،‬أما العيب الثاني فيسميه ِ‬ ‫صن بـ(العيب اإلجرائي)‪ ،‬فمثالً ابتكر رولز مفهوم حجاب الجهل‬ ‫بغية التخلص من األنحياز الى المصالح الفردية والمرامي الشخصية لألفراد في المجموعة‪ ،‬ولكنه لم‬ ‫يعمم لمعالجة محدوديات االنحياز الى أشكال التحيز المشتركة في المجموعة نفسها(‪.)3‬‬ ‫وأخي اًر يمكن القول‪،‬إن صن يفهم العدالة على انها العمل المحدد ذاتياً‪ ،‬وهو األداة األساسية لتحقيق‬

‫العدالة االجتماعية‪ ،‬وذلك بالنظر الى الجانب الفعال للفرد‪ .‬وهي بذلك تعطي االنسان المقدمات الضرورية‬

‫للتعرف الذاتي على فرص الحياة‪ ،‬واختيارها ثم تحقيقها‪ .‬فالقابليات هي امكانيات الفرد لتحقيق السبل‬ ‫المختلفة‪ .‬اما الحريات السياسية‪ ،‬والفرص االجتماعية‪ ،‬والضمانات فهي مقدمات هامة لتطوير القد ارت‪.‬‬ ‫فهي التي تفتح للفرد فرص الحياة المقررة ذاتياً‪ .‬ويعرف صن العدالة االجتماعية بأنها(المساواة في‬

‫القابليات)‪ .‬وتتمثل الالمساواة بالنسبة الى أمارتيا صن‪ ،‬في انعدام توفر القدرات األساسية لدى فئات‬

‫معينة من المجتمع(الفئات األكثر حرماناً)‪ ،‬حيث يمكن السيطرة على هذا التفاوت ومنح القدرات األساسية‬

‫لكل فرد في المجتمع بشكل متساو‪ ،‬ويذهب في كتابه(فكرة العدالة) الى أبعد من ذلك‪ ،‬بحيث لم يسع الى‬ ‫اقناع الفرد بالتخلي عن نظرية رولز السياسية فحسب‪ ،‬وانما أيضاً عن التقليد الفلسفي العريق الذي‬

‫تنضوي عليه نظرية رولز‪ ،‬والذي يتناول الترتيبات المثالية لمجتمع عادل التي يشير اليها صن بأنها‬

‫المؤسسات المافوقية‪ ،‬والتي ليست ضرورية وليست كافية كذلك كي تكون منهجاً لتعزيز العدالة فعلياً في‬

‫العالم الحقيقي‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬

‫نقالً عن‪ ،‬تحسين حمه غريب‪ ،‬العدالة ونظرياتها‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.178‬‬ ‫أمارتيا ِ‬ ‫صن‪ ،‬فكرة العدالة‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.120‬‬

‫للتوسع حول نقد امارتيا ِ‬ ‫صن لفكرة العقد اإلجتماعي‪ ،‬او نقد نظريات العدالة اإلجتماعية الداخلة في العقد اإلجتماعي‬

‫ينظر‪ :‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.237-219‬‬

‫‪86‬‬

‫المبحث الثاني‪ /‬العدالة عند مفكري اإلتجاه الليبرتاري(اليمين الليبرالي)‬

‫(‪)1‬‬

‫في هذا المبحث سوف نسلط الضوء على أهم منظري هذا اإلتجاه‪ ،‬ومقارنة نظرياتهم مع ماتقدم من‬ ‫نظريات اإلتجاه المساواتي(الليبرالية االجتماعية) حول العدالة‪ ،‬وذلك من خالل طرح أفكارهم‪ ،‬في المطلب‬ ‫األول سوف نسلط الضوء على نظرية األهلية عند(روبرت نوزك ‪ ،)()2002-1938‬وفي مطلب الثاني‬ ‫واألخير من هذا الفصل سنوضح مسألة حدود العدالة أمتيا اًز متبادالً عند(ديفيد جوثير ‪-1932‬‬

‫)(‪.)‬‬

‫المطلب األول‪ /‬روبرت نوزك والنظرية األهلية في العدالة‬ ‫وجد نوزك من أطروحات موراي روثبارد(‪ )‬حججاً قوية ضد شرعية الدولة‪ ،‬إذ دفعه الموقف المتحدي‬

‫من جانب روثبارد الى وضع كتابه(الفوضى‪ ،‬والدولة‪ ،‬واليوتوبيا) الصادر عام(‪ )1974‬المتحدثة بأسم‬ ‫(التحرريون‪ ، (Libertariansm‬إذ قدم في كتابه دفاعاً فلسفياً عن المبادىء الليبرتارية‪ ،‬ومجادالً بأن‬ ‫لألفراد حقوقاً وهي حقوق على درجة من القوة واألبعاد‪ ،‬مبتدأً بزعم"أن لألفراد حقوقاً‪ ،‬وأن هناك أشياء ال‬

‫يمكن لشخص أو مجموعة فرضها عليهم‪ ،‬وأننا ينبغي أن ال ننتهك تلك الحقوق لصالح المنفعة األعم‪،‬‬

‫‪1‬‬

‫يدافع الليبرتاريون عن حرية التبادل في مجال السوق‪ ،‬ويعارضون كل استخدام للرافعة الضريبية إلعادة توزيع الموارد‬

‫المادية‪ ،‬قصد تحقيق المساواة‪ ،‬كما تدعو الى ذلك النظرية الليبرالية‪ .‬مجادلين ان اعطاء الدولة الحق لتنظيم المبادالت‬

‫االقتصادية يؤدي الى مركزة مفرطة للسلطة‪ .‬وبأعتبار أن تجلب الفساد عموماً‪ ،‬فإن تنظيمها للسوق سيكون الخوة االولى‬ ‫على طريق العبودية‪ ،‬وفق القول المأثور لفون هايك" بقدر ماتزداد قبضة الدولة على شرايين الحياة االقتصادية قوة‪ ،‬تتدعم‬

‫قدرتها ورغبتها في التحكم في كل مجاالت حياتنا" لهذا السبب تكون الحريات الرأسمالية ضرورية للحفاظ على حرياتنا‬ ‫المدنية والسياسية‪ ،‬نقالً عن ويل كميلكا‪ ،‬مدخل الى الفلسفة السياسية المعاصرة‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.142-141‬‬ ‫‪‬‬

‫فيلسوف وأكاديمي امريكي ومفكر سياسي‪ ،‬جعله كتابه (الفوضى‪ ،‬والدولة‪ ،‬واليوتوبيا) الذي صدر عام(‪ )1974‬أشهر‬

‫ناقد معاصر للمساواة الليبرلية وخصوصاً لعمل (رولز) والذي كان في بداياته من المعجبين له‪ ،‬لكنه سرعان ما أنتقده‬ ‫انتقادات الذعة‪ ،‬وأشتهر بسبب أنتقاداته ألراء رولز‪ .‬وعمله هو (نظرية اليد الخفية) التي تبرر الحد األدنى من الدولة وال‬

‫أي شيء يزيد عن الحد األدنى وفرض الحد األدنى من الضرائب‪ .‬ينظر‪ :‬روبرت بينوك وفليب غرين‪ ،‬مجموعة المفكرين‬

‫السياسين في القرن العشرين‪ ،‬ت‪ .‬مصطفى محمود‪ ،‬المراكز القومي للترجمة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص‪.377‬‬ ‫‪‬‬

‫ولد في كندا سنة ‪ ،1932‬تلقى تعليمه في جامعة تورينتو‪ ،‬وحصل على شهادة جامعية في عام ‪ ،1954‬درس في‬

‫هارفارد‪ ،‬ثم حصل على شهادة دكتوراه عام‪ ،1961‬وفي عام ‪ 1974‬أصبح رئيس قسم الفلسفة ثم أصبح زميالً في الملكية‬ ‫الكندية عام ‪ ،1979‬وهو االن أستاذ الفلسفة وباحث اساسي في مركز الفلسفة للعلوم‪ ،‬ورئيس قسم الفلسفة في جامعة‬

‫بيستبيرغ‪ ،‬ينظر‪David Guothier,Morals by agreement(New York,Oxford, press1986), p.3 :‬‬ ‫‪‬‬

‫كان أحد أكثر كتاب الليبرتارية في القرن العشرين‪ ،‬من أهم أعماله في سبعينات ذلك القرن هو كتابه(البيان الليبرتاري)‬

‫الذي ظهر في طبعتين تحت عنوان(نحو الحرية الجديدة‪ :‬بيان الليبرتاري) في نيويورك معرفاً فيها لرؤية الليبرتارية للعالم‪.‬‬

‫للمزيد ينظر‪ :‬توم جى بالمر‪ ،‬أدب الحرية‪ ،‬في(مجموعة من المؤلفين‪ ،‬مفاهيم الليبرتارية وروادها‪ ،‬الكتاب السابع)‪ ،‬تحرير‬ ‫ديفيد بوز‪ ،‬ت‪ .‬صالح عبدالحق‪ ،2008 ،‬ص‪.154‬‬

‫‪87‬‬

‫ومن ضمن هذه الحقوق‪ ،‬حق أستغالل الفرد لجسده والسيطرة عليه وحق الملكية للموارد التي حصل‬ ‫عليها بجهده دون جور" وهي حقوق من القوة بحيث تضع حتى شرعية الدولة موضع المساءلة(‪.)1‬‬ ‫وتأسيساً عليه تصبح النظرية في الحقوق الفردية مكوناً معيارياً لليبرتارية ونظريتهم في العدالة‪ ،‬مؤكداً‬

‫إنه من غير العادل أن تحرم الناس من حياتهم أو حريتهم أو ملكياتهم‪ ،‬وتبقى الحقوق الفردية أحدى‬ ‫الخصائص المميزة لليبرتارية ومؤكدين على الملكية الذاتية أو الخاصة بصفتها أصالً للحقوق(‪ .)2‬طرح‬ ‫نوزك العديد من األفكار في كتابه‪ ،‬وقدم نقداً مباش اًر وقوياً لدفاع رولز عن دولة الرفاه(دولة الرعاية‬

‫اإلجتماعية) المتبنية إلعادة التوزيع(‪ .)3‬أكد نوزك في كتابه(الفوضى‪ ،‬والدولة‪ ،‬واليوتوبيا) على إن الدولة‬ ‫في الحد األدنى محددة في وظائف ضيقة ومتمثلة في الحماية ضد القوة والسرقة واالحتيال‪ ،‬وتطبيق‬ ‫التعاقدات‪ ،‬وان أي دولة أكثر أتساعاً من ذلك ستنتهك حقوق اإلنسان في ارغامه على عمل أشياء‬

‫معينة(‪ .)4‬وهذا ما أكده مفكروا الليبرتارية قبالً‪ ،‬إذ كانوا يعتقدون بأن الحكومة ينبغي أن تنحصر وظيفتها‬

‫في حماية حياة كل فرد وحريته وملكيته‪،‬وال ينبغي أن تكون مخولة بالتأثير على أدائهم أو تحسين طبيعتهم‬ ‫األخالقية أو فرض عقوبات على األشخاص الذين يمارسون نشاطاً ال أخالقياً مادام ال يضر بحقوق‬ ‫األخرين(‪ .)5‬وكذا أكدت(آبن راند ‪،)1982-1905‬عندما سِئلت‪ :‬ماهي الوظيفة الصحيحة للحكومة؟‬ ‫اجابت‪ ،‬هناك وظيفة صحيحة واحدة فقط للحكومة وهي حماية الحقوق الفردية وحماية الناس من الذين‬ ‫يبدأون بأستخدام القوة المادية ‪-‬من المجرمين– أي تعمل عمل شرطي يحمي الناس من أستخدام القوة(‪.)6‬‬ ‫‪1‬‬

‫توم جى بالمر‪ ،‬أدب الحرية‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.158-157‬‬

‫‪2‬‬

‫دوغ باندوا‪ ،‬تحيز خاص‪ ،‬عالج خاص‪ ،‬في(مجموعة من المؤلفين ‪ ،‬مفاهيم الليبرتارية وراودها‪ ،‬الكتاب الثاني‪ ،‬الفردية‬

‫والمجتمع المدني)‪ ،‬تحرير ديفيد بوز‪ ،‬ت‪ .‬صالح عبدالحق‪ ،2008 ،‬ص‪.126‬‬ ‫‪3‬‬

‫شدد نوزك في نقده بشكل عام على فكرة وهي أن رولز يغالي من تأكيده على مبدأ المساواة ويعمد وضع السلطة بيد‬

‫الحكومة‪ ،‬وفي الوقت نفسه‪ ،‬يتيح السبيل أمام أنتهاك حق التملك من خالل زيادة الضرائب على األثرياء بغية مساعدة‬

‫الفقراء(اي األفراد األقل انتفاعاً في المجتمع‪ ،‬فاالنتقاد ينصب على مبدأ الفارق)‪ ،‬في حين إن الليبرتاريين لم يكونوا يؤمنون‬

‫بالعدالة اإلجتماعية‪ ،‬بل يعتبرونها ظلماً واخالالً بالحرية‪ ،‬وينتقد نوزك بشكل خاص عدالة رولز حيث يقر أن أخذ المال‬ ‫والضرائب من قبل الدولة‪ ،‬يعد ضلماً وأنتهاكأ لحق الفرد لما يملكه ويتعلق به حص اًر‪ .‬للمزيد ينظر‪ :‬حسام الدين علي‬ ‫مجيد‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪ ،228‬ومحمد عثمان محمود‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.283‬‬

‫‪4‬‬

‫روبرت نوزك‪ ،‬نظرية العدالة في الحقوق‪ ،‬في(مجموعة من المؤلفين‪ ،‬مفاهيم الليبرتارية وروادها‪ ،‬الكتاب الثالث‪ ،‬الحقوق‬

‫الفردية)‪ ،‬تحرير ديفيد بوز‪ ،‬ت‪ .‬صالح عبدالحق‪ ،2008 ،‬ص‪.133‬‬ ‫‪5‬‬

‫دوغ باندوا‪ ،‬تحيز خاص‪ ،‬عالج خاص‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.125‬‬

‫‪ 6‬تعد(آبن راند) أحدى أكثر الشخصيات تأثي اًر واثارًة للجدل في التأريخ الحديث لليبرتارية‪ ،‬فرت من روسيا بعد الثورة‬ ‫البلشفية وهاجرت الى الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬ومن أهم مؤلفاتها(رأس النبع ‪ )1943‬و(أطلس لم يعد يبالي ‪)1957‬‬ ‫وغيرها من أعمال‪ .‬للمزيد ينظر‪ :‬آلفين توفلر‪ ،‬مقابلة مع آبن راند‪ ،‬في(مفاهيم الليبرتارية وروادها‪ ،‬الكتاب الثالث‪ ،‬الحقوق‬ ‫الفردية)‪ ،‬مصدر سبق ذكره ‪ ،‬ص‪.105-101‬‬

‫‪88‬‬

‫من ناحية أخرى ومن اجل المقارنة‪ ،‬تركن حجة نوزك بأعتبار الحرية قيمة حقيقية الى(قيود جانبية‬ ‫أخالقية) وهي قيد مركزي في حجته تعكس القيود الجانبية المفروضة على الفعل من المبدأ الكانطي‬ ‫(‪)1‬‬

‫األساسي‬

‫الذي يقر إن األفراد غايات في ذواتهم وليسوا مجرد وسائل‪ ،‬ويتوجب أن ال يضحى بهم أو‬

‫يستخدموا لتحقيق أهداف أخرى دون رضاهم‪ ،‬األفراد عند نوزك مصونون ال تنتهك حرياتهم‪ .‬هكذا يبدو‬ ‫أن هذه الحجة هي حجة رولز نفسها في إنكاره للنفعية‪ ،‬غير إن العدالة تنكر وفق رولز أن تصبح فقد‬ ‫حرية البعض فعالً صائباً ألنه يؤدي الى نفع أكبر يفيد منه آخرون‪ .‬هكذا يبدوا أن رولز ونوزك يتشاركان‬

‫في نقطة بدء(‪ ،)2‬لكن هل هذا يبدو صائباً؟ بالتأكيد ال ‪ ،‬ألن نطاق الحرية الفردية الذي يركن اليه نوزك‬ ‫يبدو أكثر إتساعاً بالمقارنة بذلك النطاق الذي يركن اليه رولز‪ .‬فالقضية المحورية التي تفرق بينهما –‬

‫هي موقفهما من حرية الملكية – في حين يعد رولز حق الملكيات الشخصية وأستخدامها بشكل حصري‬ ‫ضمن حريات الفرد األساسية‪ ،‬وهو ال يضمن في هذه الحريات بسط هذا الحق بحيث يشمل حقوقاً من‬

‫األكتساب واألرث بوصية فضالً عن أمتالك وسائل االنتاج وموارد الطبيعة‪ .‬بينما يرى نوزك بأنه ليس‬

‫هناك أتساق بين الحرية والمساواة‪ ،‬مجادالً‪ ،‬إذا كانت الحرية تشتمل على حقوق ملكية مطلقة‪ ،‬فإن‬ ‫إجراءات المساواتية التي يقرها مبدأ رولز في االختالف مثالً‪ ،‬سوف تقيد هذ ِه الحرية(‪.)3‬‬ ‫وعليه يجادل نوزك‪ ،‬بأنه كان يجب على رولز في(مبدأ الفارق) ان يتجنب أستخدام بعض األشخاص‬ ‫كوسائل لغايات أشخاص آخرين‪ .‬هذه الرؤية أيدها مايكل ساندل مجادالً بأن الليبرتاريين هم على حق‬ ‫في تأكيد أن الملكية الكاملة لكل على ذاته تتعارض مع الملكية المشتركة للمواهب التي يفترضها المبدأ‬ ‫الرولزي الثاني‬

‫(‪)4‬‬

‫مؤكدين من جانبهم على مفهوم واسع لحقوق الملكية‪ .‬والسؤال المهم هو‪ :‬هل يتوجب‬

‫علينا قبول هذا المفهوم الواسع لحقوق الملكية؟‪ .‬يعتقد نوزك معتمداً على رؤية جون لوك(‪ ،)‬أن مثل‬ ‫هذا المفهوم في حقوق الملكية إنما ينتج عن إلتزام بمبدأ يؤسس التزامنا بالقيود الجانبية(مبدأ الملكية‬ ‫الذاتية)‪ ،‬إذ يقر هذا المبدأ‪ ،‬إن كل شخص هو مالك الحق أخالقياً لشخصه وقواه‪ ،‬ومن ثم فإن كل‬ ‫‪1‬‬

‫للمزيد من اإلطالع حول هذه المسألة ينظر‪ :‬مايكل ساندل‪ ،‬العدالة‪ :‬ماالجدير أن يعمل به؟ ت‪ .‬مروان رشيد‪ ،‬جداول‬

‫للنشر والتوزيع‪ ،‬لبنان‪ ،2015 ،‬ص‪.158-123‬‬

‫‪ 2‬من الناحية الفلسفية يتفق كالً من رولز ونوزك‪ ،‬إذ كالهما معترضان على المذهب النفعي بوصفه مذهباً ينكر التمييز‬ ‫بين األشخاص‪،‬كما إنهما يقترحان أخالقاً قائمة على الحقوق بأعتبارها أكثر ضماناً لحرية األفراد‪ .‬ثم إن نوزك نفسه‪ ،‬رغم‬ ‫انه كان مديناً لـ(جون لوك) في نظرية الحقوق إال أنه يشترك مع رولز في أعتماده على المبدا الكانطي القاضي بالتعامل‬ ‫مع كل شخص من حيث هو غاية‪،‬ال مجرد وسيلة‪ .‬ينظر‪ :‬ساندل‪ ،‬الليبرالية وحدود العدالة‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.130‬‬

‫‪ 3‬كولن فارلي‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.84‬‬ ‫‪ 4‬نقالً عن مراد دياني‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.133‬‬ ‫‪ ‬يعتبر(جون لوك ‪ )1704-1632‬أعظم منظر لحقوق الملكية والحد من سلطة الدولة‪ .‬للمزيد من اإلطالع ينظر‪ :‬مايكل‬ ‫ساندل‪ ،‬العدالة ‪ :‬ما الجدير أن يعمل به؟‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.122‬‬

‫‪89‬‬

‫شخص حر(من وجهة نظر أخالقية) في استخدام تلك القوى بالطريقة التي يفضل‪ ،‬طالما أنه لم يستخدمها‬ ‫بشكل عدائي ضد اآلخرين(‪.)1‬‬ ‫هذا الجانب أكده جون ستيوارت ميل أيضاً‪ ،‬قائالً "أن األفراد أحرار في العيش كما يريدون‪ ،‬ماداموا‬

‫ال يؤذون آخرين‪ ،‬وأن سلطة الحكومة ينبغي أن تكون محددة بحزم‪ ،‬وان الفرض الوحيد الذي يحق في‬ ‫سبيله ممارسة السلطة على أي فرد من جماعة‪ ،‬ضد إرادته‪ ،‬هو منعه من ايذاء اآلخرين"(‪ .)2‬ومن اجل‬ ‫المقارنة‪ ،‬يمكن طرح سؤالين‪ :‬هل هناك ثمة مداعاة للدولة؟ماهو موقف نوزك من فرض الضرائب؟ فيما‬ ‫يخص السؤال األول‪ ،‬يرى نوزك ان صياغة شروط كافية لوجود الدولة‪ ،‬مهمة صعبة ومركبة‪ ،‬لكنه يشير‬ ‫الى شرطين ضروريين‪ :‬األول إن الدولة تحتكر أستخدام القوة(عامل األحتكار)‪ ،‬وثانياً تؤمن الدولة حماية‬ ‫من يقيم في حدودها أي(عامل إعادة التوزيع)‪ .‬هذان الشرطان يركن اليهما مفكرو االتجاه المساواتية‬

‫امثال رولز وآخرون لتأيدهم إعطاء السلطة بيد الحكومة‪ ،‬لكن هل هذا يتفق مع التزام نوزك بحقوق‬ ‫األفراد؟ الجواب هو ال‪ ،‬ألن وفق موروث الحقوق الذي يركن اليه نوزك‪ ،‬لدى األفراد حق في الدفاع عن‬ ‫حقوقهم وعقاب من ينتهك حقوقهم‪ ،‬وهذا يتعارض مع(عامل أحتكار الدولة)‪ .‬والجانب الثاني من الدولة‪،‬‬ ‫يتطلب إعادة توزيع‪ ،‬لكن نوزك يجادل إنه قد يعجز البعض عن تأمين الضرائب المتطلبة لتمويل هذه‬ ‫الرعاية الشاملة‪ .‬ويبدو هذا العامل متعارضاً مع الملكية الذاتية التي يتطلب عدم التدخل في شخصية‬

‫المرء أو في ممتلكاته(‪.)3‬‬

‫أما بالنسبة للسؤال الثاني‪ ،‬فيبدو أن رد نوزك واضحاً‪ ،‬ولكي تستطيع الدولة ممارسة حقها األوحد في‬

‫أستخدام العنف القانوني‪ ،‬يتعين بالفعل أن يجنى الضرائب‪ .‬إذًا الضريبة ليست ال أخالقية في ذاتها‪ ،‬لكن‬

‫يشترط أن ال تستخدم سوى في تمويل خدمات الحماية(وفق دولة الحد األدنى)‪ .‬وستكون الدولة ممنوعة‬ ‫من أستخدام قدرتها على اإلجبار ألي غرض سوى حماية الحقوق‪ ،‬ولكن تكون الضرائب مشروعة إال‬

‫لكي تغطي تكاليف الدفاع الخارجي وادارة نظام القانون(‪ .)4‬فبالنسبة لليبرتاريون فيرون أن ضرائب إعادة‬ ‫التوزيع هو شكل من أشكال اإلكراه‪ ،‬بل وسرقة أيضاً‪ .‬الفرق بين الدولة التي تجبر األثرياء من خالل‬ ‫‪Robert Nozick, Anarchy , state and Utopia ,(New York: Basic Books, 1974), p31.‬‬

‫‪2‬‬

‫‪1‬‬

‫جون ستيوارت ميل‪ ،‬أعتراضات على التدخل الحكومي‪ ،‬في(مفاهيم الليبرتارية وروادها‪ ،‬الكتاب األول‪ ،‬التشكيك في‬

‫السلطة)‪ ،‬تحرير ديفيد بوز‪ ،‬ت‪ .‬صالح عبدالحق‪ ،2008 ،‬ص‪.58‬‬

‫‪ 3‬كولن فارلي‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.88-87‬‬

‫‪ 4‬للمزيد من اإلطالع حول مسألة الضرائب عند الليبرتاريين بشكل عام‪ ،‬ونوزك بشكل خاص‪ :‬ينظر كالً من‪ :‬كريستيان‬ ‫دوالكامباني‪ ،‬الفلسفة السياسية اليوم‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪ ،210‬وكذلك ويل كميلكا‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.139‬‬

‫وأيضاً ‪ ،‬ديفد ميللر وريتشارد داجر‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪ .192‬ومايكل ساندل‪ ،‬العدالة‪ :‬ماالجدير أن يعمل بها‪ ،‬مصدر‬ ‫سبق ذكره‪ ،‬ص‪.84-73‬‬

‫‪90‬‬

‫الضرائب الى دعم برنامج إجتماعي للفقراء كما كانت عند دوركين‪ ،‬وبين اللص الذي يسرق المال من‬ ‫الغني ليعطيه الى متشرد(‪ .)1‬في المقابل يقول أمارتيا صن" أن هناك شواهد تدعونا الى القول بأن‬ ‫األستخدام غير المقيد للملكية الخاصة‪ -‬وأعني دون فرض قيود أو ضرائب‪ -‬يمكن أن يسهم في خلق‬ ‫حاالت من الفقر المدقح ويجعل من العسير الحصول على دعم اجتماعي لمصلحة من يتساقطون‬ ‫ويمثلون المؤخرة ألسباب تخرج عن إرادتهم من بينهم(العجز والشيخوخة والمرض والبؤس االقتصادي‬ ‫واالجتماعي)‪ .‬ويمكن أن يعيب هذا النهج قصوره عن تطوير البنية التحتية للمجتمع(‪.)2‬‬ ‫عموماً تختلف الليبرتارية بتشديدها على أولوية الحقوق وتأكيدها على أن إعادة توزيع الثروة من خالل‬

‫الضرائب عملية ال تتالئم مع مجتمع الحرية بأعتباره مجتمعاً مؤسساً على احترام الملكية الفردية‪ ،‬وان‬ ‫مسألة إعادة التوزيع باطلة من أساسها ومنتهكة لحقوق الفردية(‪ ،)3‬وهذا ما يجعل نظرية الليبرتارية مختلفة‬ ‫عن النظريات األخرى كالمساواتيين‪ .‬كما يبين نوزك إن للناس حقوقاً‪ ،‬وان لهذه الحقوق قوة وأتساعاً‬

‫يجعلنا نتساء ل حول مايجوز للدولة فعله لصالح األفراد بأعتبار أن لهم الحق في األستمتاع بممتلكاتهم‬ ‫كما يطيب لهم وفق مبدأ الملكية الذاتية(‪ .)4‬وان الدولة تنتهك هذه الملكية عبر فرض الضرائب بغية تقديم‬

‫العون لألقل حظوة في المجتمع‪ ،‬إن نوزك ال يقر وجوب أال يتصدق الناس طوعاً على الفقراء‪ ،‬إن ما‬ ‫يعترض عليه هو إعادة التوزيع القسرية‪ ،‬كونها تتعارض مع احترام األشخاص وملكياتهم المشروعة وحقهم‬

‫في القيام بحرية عن التبادل الحر بينهم وفق نظرية التملك المشروع التي يركن اليها نوزك كالتالي‪ :‬وفق‬ ‫صياغة نوزك لنظرية الملكية المشروعة شأنها شان سائر النظريات الليبرتارية تتمثل األطروحة الرئيسية‬ ‫في التالي‪ :‬إن قبلنا بالرأي القائل إن لكل شخص حقاً مشروعاً في ممتلكاته‪ ،‬سيكون التوزيع العادل عندها‬

‫ذلك الذي ينتج عن التبادل الحر بين األفراد‪ .‬فكل توزيع يأتي عن وضع عادل ومن خالل تبادل حر‬

‫للممتلكات يكون عادالً‪ .‬وتخالف الدولة مقتضى العدالة عندما تفرض الضرائب على المبادالت‪ ،‬رغم‬ ‫أنف المستفيدين من التبادل الحر للسلع والمنتجات‪ ،‬وسيظل ذلك مخالفاً للعدالة حتى وان استخدمت‬ ‫أموال تلك الضرائب في تعويض لألشخاص المبتلين بعاهات طبيعية‪ .‬فاإلقتطاع الضريبي الوحيد‬

‫المشروع‪ ،‬وفق هذه الوجهة‪ ،‬هو ذلك الذي يمكن من توفير موارد لتمويل المؤسسات الضرورية لحماية‬ ‫نظام التبادل الحر(‪ .)5‬وتقوم هذه النظرية على ثالثة مبادىء أساسية وهي‪-:‬‬

‫‪1‬‬

‫مايكل ساندل‪ ،‬العدالة‪ :‬ماالجدير أن يعمل به‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.76‬‬ ‫أمارتيا ِ‬ ‫صن‪ ،‬التنمية حرية‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.82-81‬‬

‫‪3‬‬

‫باسكال سالن‪ ،‬الليبرالية‪ ،‬ت‪ .‬تمالدو محمد‪ ،‬مؤسسة األطلس لألبحاث األقتصادية‪ ،‬بيروت‪ ،2011 ،‬ص‪.504‬‬

‫‪2‬‬

‫‪4‬‬

‫للمزيد من اإلطالع حول مبدأ الملكية الذاتية ينظر مثال(يانصيب العيون) كولن فارلي‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.85‬‬

‫‪ 5‬ويل كميلكا‪ ،‬مدخل الى الفلسفة السياسية المعاصرة‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.140‬‬

‫‪91‬‬

‫‪.1‬مبدأ التحويل‪ -:‬يقول هذا المبدأ إن ما يكسب على نحو مشروع يمكن أن تحول ملكيته على نحو‬ ‫حر‪ .‬أي أن هذا المبدأ يتعلق بنقل الملكية من شخص آلخر وتحويلها اليهم‪ ،‬وبالسبل التي يمكن لشخص‬ ‫بواسطتها أن ينقل ملكياته لشحص آخر‪.‬‬ ‫‪.2‬مبدأ عادل في اال كتساب البدئي‪ -:‬وهو مبدأ االكتساب األساسي للملكيات‪ ،‬أو تشخيص األشياء غير‬ ‫المملوكة‪ .‬هذا المبدأ يشمل القضايا المتعلقة بالكيفية التي يمكن ان تصبح بها األشياء غير المملوكة‬ ‫مملوكة‪ .‬وهو المبدأ الذي يفسر لنا كيف يتوصل األفراد ومن البداية الى حيازة أشياء يمكن أن تنقل‬ ‫ملكيتها في ما بعد وفقاً للمبدأ األول‪ ،‬الذي يبين أنه يكون التوزيع عادالً إذا نشأ عن توزيع عادل آخر‬ ‫بوسائل مشروعة والوسائل المشروعة لألنتقال من توزيع الى آخر يحددها مبدأ العدالة في النقل‪ .‬الخطوات‬

‫المشروعة األولى يحددها مبدأ العدالة في االكتساب وكل ما ينشأ عن حالة عادلة وبخطوات عادلة يعد‬ ‫عادالً‪ .‬لكن ال تنشأ جميع الحاالت الحقيقية وفقاً لمبدأي العدالة في الملكية‪ ،‬فهناك أشخاص يسلبون‬

‫اآلخرين عن طريقة األحتيال أو يستبعدونهم بحيث يستولون على إنتاجهم ويمنعونهم من العيش كما‬

‫يشاؤون‪ .‬كل هذه األساليب غير مسموح بها لنقل الملكية من حالة الى اخرى‪ ،‬وهناك أشخاص يكتسبون‬ ‫ملكيات بوسائل ال يقرها مبدأ العدالة في االكتساب ووجود ظلم سابق أي(أنتهاك سابق ألول مبدأيين‬ ‫العدالة في الملكية) يخلق مبدأ ثالث في العدالة يسمية نوزك(مبدأ التصحيح)(‪.)1‬‬ ‫‪.3‬مبدأ التصحيح‪ -:‬هو المبدأ الذي يدلنا على كيفية التعامل مع أوضاع تكون فيها الممتلكات مكتسبة‬ ‫جو اًر سواء عبر عملية تملك أولي أو عبر عملية تحويل‪ ،‬واذا أخذت هذه المبادىء الثالثة معاً‪ ،‬فهي‬ ‫تعني أنه إذا توفر شرط األكتساب العادل في الملكية فإن صيغة التبادل العادل يمكن أن تكون على‬

‫النحو التالي‪"،‬من كل‪ ،‬وفق تفضيالته‪ ،‬الى كل وفق ماله من مخصصات في البدء"(‪.)2‬‬ ‫وعليه وبرجوعنا الى موقف نوزك من الدولة ومسألة الضريبة‪ ،‬أفضت نظريته في حقوق الملكية إلى‬ ‫نتيجة مفادها(كما اسلفنا) أن دولة في الحد األدنى تنحصر مهامها فقط في الحماية ضد العنف والسرقة‬ ‫والغش وضمان احترام العقود‪ ،‬وكل توسيع الحق لمهامها يؤدي الى انتهاك حق األفراد‪ .‬على هذا النحو‪،‬‬

‫لن يكون هناك داع لوجود تعليم عمومي وال رعاية صحية وال خدمات عمومية‪ .‬تقتضي كل ِ‬ ‫هذه المؤسسات‬

‫تحويالً عمومياً‪ ،‬وبالتالي إداءاً ضريبياً إلزامياً يتحمله البعض من الناس رغماً عنهم‪ ،‬يمثل أنتهاكاً‬

‫لمبدأي(كل وفق تفضيالته إلى الكل وفقاً لما له من مخصصات في البدء)‪ ،‬والتي شدد عليها كالً من‬

‫(رولز ودوركين)‪ ،‬مؤكدين على ضرورة أن يأخذ التوزيع العادل في االعتبار األختيارات الفردية‬ ‫وأفضلياتهم‪ ،‬مثلما هو األمر لدى نوزك‪ ،‬لكن يتعين كذلك أن يكون مستقالً عن التخصيصات األولية(وهو‬ ‫‪1‬‬

‫روبرت نوزك‪ ،‬نظرية العدالة في الحقوق‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.140-133‬‬

‫‪2‬‬

‫نقالً عن‪ :‬ويل كميلكا‪ ،‬مدخل الى الفلسفة السياسية المعاصرة‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.142‬‬

‫‪92‬‬

‫أمر ال يتوفر لدى نوزك)‪ .‬فليس من المنصف أن يهلك جوعاً من أضرت بهم القسمة الطبيعية فقط‪ ،‬بل‬ ‫النه ال يوجد بين أيديهم ما يقدمونه لآلخرين في صفقة تبادل حر‪ ،‬أو أن يحرم أطفال من التعليم أو‬

‫الرعاية الصحية ألنهم ولدوا في عائلة فقيرة‪ .‬هذا ما دفع المساواتيين الليبراليين إلى إخضاع المبادالت‬ ‫الحرة للضرائب حتى يحصل من لحق بهم ضرر سواء من الطبيعة أو من المجتمع على تعويض‪ .‬في‬ ‫المقابل يرى نوزك أن هذا الشكل من إعادة التوزيع غير عادل‪ ،‬إذ إن للناس حقاً مشروعاً في ما‬ ‫يمتلكونه(إن كان مكتسباً بصفة عادلة) (وفق المبدأ الثاني)‪ ،‬ويعتمد ذلك أن يكون لهم مطلق الحق في‬

‫االستمتاع به كما يطيب لهم‪ ،‬طالما لم يكن في ذلك عنف والغش‪ .‬كما يحق له أن يتخلى عنه لصالح‬ ‫أناس أخرين كما يشاء(ما نالحظه في الحجة الحدسية عند نوزك)‪ .‬فيقول أنها أفضل طريقة في التصرف‬

‫بحق الملكية‪ ،‬ويحق له أن يقرر عدم إعطائها لهم(بما فيها الدولة)‪ ،‬وال يحق ألحد تجريده منها‪ ،‬وان كان‬ ‫الغرض منه إنقاذ المعوقين من الموت جوعاً(‪ .)1‬هنا يمكن ان نتساءل هل هذا يبدو إنصافاً؟ هذا ما‬ ‫يرفضه مفكرو اتجاه المساواتية الليبرالية وخاص ًة رولز‪ ،‬والكثيرون من المنظرين اليساريين الذين يتبنون‬

‫سياسة إعادة التوزيع كل تلك األشكاليات‪ .‬بيد أن نوزك يجادل بأن الكثير من المنظرين اليسار الليبرالي‬

‫يقاربون مسألة العدالة التوزيعية كما لو أنها عملية تقسيم كعكة‪ ،‬هذا ما ترفضه نظريته‪ .‬لكن ما الذي‬ ‫يجعلنا نقبل بنظرية تعتبر أن حقوق الملكية الفردية تتناقض مع كل سياسية إعادة التوزيع للموارد؟ لدى‬ ‫نوزك حجتان متميزيتان الحجة األولى(كما كان األمر عند رولز) هي حجة ذات طابع حدسي وتعمل‬ ‫على إبراز المظاهر اإليجابية في الممارسة الحرة لحقوق الملكية‪ ،‬أما الثانية فهي من طبيعة فلسفية‬ ‫وتعمل على أستنتاج حقوق الملكية من مسلمة أولى هي(ملكية الشخص لذاتها) وهو كما يأتي‪-:‬‬ ‫أوالً‪ /‬الحجة الحدسية (مثال والت تشامبرلين)‪-:‬‬ ‫يقول مبدأ نقل الملكية‪ ،‬إننا إذا أكتسبنا شيئاً ما على نحو مشروع يكون لنا عندها حق مطلق في‬

‫أمتالكه والتمتع به كما يحلو لنا‪ ،‬حتى لو ترتب عن ذلك العملية التوزيعية التكافؤ بالغ الحيف من حيث‬ ‫الدخل والحظوظ‪ ،‬وبأعتبار أن البشر قد ولدوا بقدرات متفاوتة‪ ،‬وبفعل هذا التفاوت في المؤهالت الطبيعية‪،‬‬ ‫ثر كذلك في حظوظ‬ ‫فإن بعض األشخاص سينعمون بالرخاء‪ ،‬في حين سيهلك البعض األخر جوعاً(مؤ اً‬ ‫األبناء)‪ .‬كيف ينوي نوزك تقديم دفاع حدسي عن الحقوق الملكية؟‪ .‬إنه يطلب منا ان نوصف في البدء‬ ‫حالة من التوزيع األولي‪ ،‬نعدها مشروعة‪ ،‬تؤكد بعد ذلك أننا نفضل حدسياً‪ ،‬فيما يخص الحيازة المشروعة‬ ‫للموارد مبدأ نقل الملكية بدل مبادىء الليبرالية في إعادة توزيع(‪ .)2‬ويعرض حجته كاآلتي‪-:‬‬

‫إذا أفترضنا أنه قد أمكن تحقيق توزيع مفضل‪ ،‬ولنطلق عليه توزيع(د‪ ،)1.‬ربما كان لكل واحد حصة‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫نقالً عن‪ :‬ويل كميلكا‪ ،‬مدخل الى الفلسفة السياسية المعاصرة ‪ ،‬مصدر سبق ذكره ‪ ،‬ص‪.143‬‬

‫المصدر نفسه ‪ ،‬ص‪.144-143‬‬

‫‪93‬‬

‫متساوية‪ ،‬ويشكل(د‪ )2.‬مجتمع مساواتي‪ ،‬وفيها ثمة فرد عليه طلب كبير وهو العب(والت تشامبرلين)‬ ‫من جانب فريق كرة السلة‪ ،‬ولنفترض إنه يوقع عقداً لمدة سنة واحدة مع فريق معين بموجبه يحصل‬

‫تشارمبرلين على(‪ 25‬سنتاً) من قيمة كل تذكرة تباع‪ .‬يبدأ الموسم ويتوافد الناس بسرور لحظور المباريات‬

‫ويدفعون أثمان تذاكرهم وفي كل مرة يضعون(‪ 25‬سنتاً) منفصلة من قيمة التذكرة في صندوق خاص‪.‬‬ ‫يعتقد الناس أن مشاهدته تستحق القيمة الكلية للتذكرة‪ .‬لنفترض إن مليون شخص قد حضروا مبارايته‬

‫في موسم واحد‪ ،‬وان تشامبرلين خرج من ذلك بربع مليون دوالر‪ ،‬لكن هل هو مستحق لهذا الدخل؟ هل‬ ‫هذا التوزيع الجديد الذي يسميه نوزك(د‪ )2.‬يعد توزيعاً عادالً؟(‪ .)1‬يرد نوزك‪ ،‬وفقاً لنظرية األهلية في‬

‫العدالة‪ ،‬ليس هناك شك حول ما إذا كان هناك لكل الناس في السيطرة على الموارد المملوكة لهم بموجب‬

‫(د‪ )1.‬إذا كان توزيعاً عادالً‪ ،‬لذا فإنه ليس بمقدور المساواتي أن يزعم إن(د‪ )1.‬لم يكن توزيعاً عادالً‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫بوسعه إنفاقها‬ ‫وكل واحد من هؤالء الناس قد أختار إعطاء(‪ 25‬سنتاً) من نقوده الى تشامبرلين حيث كان‬ ‫في شىء آخر‪ ،‬لكنهم جميعاً(على األقل مليون شخص) تجمعوا ليعطوها له‪ ،‬مقابل مشاهدته يلعب كرة‬

‫السلة‪ .‬إذا كان(د‪ )1.‬توزيعاً عادالً‪ ،‬وتوجه الناس باختيارهم الى(د‪ )2.‬ناقلين جزءاً من الحصص التي‬

‫أعطيت لهم بموجب(د‪ ،)1.‬ما الغرض منها إذا لم تستخدم من أجل شىء ما؟ أليس(د‪ )2.‬أيضاً عادالً؟‬

‫إذا كان للناس حق التصرف في الموارد التي استحقت لهم بموجب(د‪ ،)2.‬اال يشمل ذلك أيضاً حقهم في‬

‫إنفاقها أو أستبدالها مقابل مشاهدة تشامبرلين؟ هل يستطيع أحد تقديم الشكوى من ناحية العدالة؟(‪ .)2‬بما‬ ‫إن كل واحد قد تمتع بنصيبه المشروع وفق توزيع(د‪ ،)1.‬فإنه ال يستطيع أحد أن يتقدم بأسم العدالة‬ ‫بمطالبة في شأن ما هو نصيب شخص أخر‪ ،‬هكذا يبدو أن(د‪ )2.‬في رأي نوزك‪ ،‬مشروعاً‪ ،‬وينسجم في‬

‫نظره مبدأ نقل الملكية أكثر مما تنسجم معه مبادىء إعادة التوزيع على شاكلة مبدأ الفارق لدى رولز (‪.)3‬‬ ‫يمكن القول إن هذه الحجة فيها نوع من المعقولية‪ ،‬مشدداً على توزيع عادل تكمن في قدرته على‬

‫تمكين األفراد من استخدام النصيب الذي حصلوا عليه في قسمة ما للموارد في إنجاز شيء يريدونه‪ ،‬فال‬

‫يعقل أن ن قول‪ ،‬من جهة‪ ،‬إن على األفراد الحصول على نصيب عادل من الموارد وأن نمنعه من جهة‬ ‫أخرى من أستخدامه كما يريدون‪ .‬لكن هل يستجيب ذلك مع حدسنا فيما يخص المؤهالت غير المستحقة؟‬ ‫وفق مبدأ الفارق لرولز في التوزيع المبدئي(د‪ )1.‬يحصل كل فرد في البدء على قسط من الموارد بشكل‬ ‫متساو‪ ،‬لكن بربح تشامبرلين ربع مليون دوالر‪ ،‬في حين أن شخصاً معوقاً سيستهلك كل مالديه من‬

‫موارد‪ ،‬تعجز عن الحفاظ على بقائه‪ .‬عليه سيظل حدسنا من دون شك يحثنا على فرض ضريبة على‬

‫‪1‬‬

‫روبرت نوزك‪ ،‬نظرية العدالة في الحقوق‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.150‬‬

‫‪ 2‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص‪.153‬‬ ‫‪ 3‬كميلكا‪ ،‬مدخل الى الفلسفة السياسية المعاصرة‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.145‬‬

‫‪94‬‬

‫مداخيل تشامبرلين لتجنب مثل هذه الحاالت المأساوية(وفق مبدأ الفارق الرولزي)‪ .‬ولكن نوزك يجادل‬ ‫بأنه ال يمكننا إلزام تشامبرلين بدفع ضرائب لتعويض عما اصابهم من إعاقات طبيعية‪ ،‬ألنه يمتلك حقاً‬

‫مطلقاً في ما اكتسابه من دخل‪ ،‬غير أنه يقر بأن حدوسنا ال تمنحنا هذا المسلك فقط في تأويل حقوق‬ ‫الملكية‪ ،‬بل هو يقبل فكرة أن حدوسنا األكثر صالب ًة وتأثي اًر تنحو صوب تسويغ فكرة التعويض عن‬

‫أشكال الالمساواة غير المستحقة‪.‬‬

‫ثانياً‪ /‬حجة ملكية ذات لذاتها‪ -:‬يقدم نوزك هذا المبدأ كتأويل لمبدأ يحض على معاملة البشر غايات‬

‫في ذواتهم‪ ،‬متمثالً الصيغة الكانطية في التعبير عن صفة المساواة األخالقية الذي يسلم بها رولز أيضاً‪،‬‬

‫إذ صاغها نوزك ليكون دفاعاً قوياً عن الليبرتارية‪ .‬يمثل هذا المبدأ جوهر نظريته مؤكداً أن لألفراد حقوقاً‬ ‫يتعين على المجتمع أحترامها كونها تعكس(المبدأ الكانطي كما أشرنا اليه سابقاً)‪ .‬وبما إن األفراد متمايزون‬

‫جوز أن يطلب من كل‬ ‫فيما بينهم ولكل منهم تطلعات خاصة به‪ ،‬عليه تكون هناك حدود للتضحية ت َّ‬

‫واحد منهم تقديمها لصالح غيره من أفراد المجموعة‪ ،‬وهي حدود تضبطها نظرية في الحقوق‪ .‬لهذا السبب‬

‫تبدو النظرية النفعية‪ ،‬التي تغني وجود مثل تلك الحدود غير مقبولة في نظر نوزك كما حاججها رولز‬ ‫قبله كون المنفعية التستطيع معاملة األفراد كغايات في ذواتهم‪ .‬وتأسيساً عليه يتفق كل منهما على إن‬

‫معاملة األفراد سواسية تفترض وضع حدود للطريقة التي يمكن بها جعل شخص ما في خدمة مصلحة‬ ‫غيره أو المجتمع بأسره‪ .‬ولكنهم يفترقان‪ ،‬عند نقطة مهمة‪ ،‬وهي معرفة أي حقوق يتعين إعطائها األولوية‬ ‫كي يعامل األشخاص كغايات؟ بالنسبة لرولز إن أحدى الحقوق األساسية هو الحق في التمتع بنسبة من‬

‫موارد المجتمع‪ .‬في حين يرى نوزك‪ ،‬أن الحق األساسي األولي هو حق الشخص في امتالك ذاته‪.‬‬ ‫والسؤال هو‪ :‬لماذا ال نسطيع قبول الموقفين السابقين في الوقت نفسه؟ إذ ال تفترض فكرة كوننا مالكين‬ ‫لذواتنا أمتالكنا للموارد الخارجية‪ .‬وفكرة أن لنا الحق في قسط منصف من موارد المجتمع ال تمنعنا من‬ ‫أن نكون مالكين لذواتنا!؛ هنا يجادل نوزك أن المفهومين غير منسجمين‪ .‬في رأيه ينتقص المقتضى‬ ‫الرولزي من أن تسهم السلع المنتجة من الناس األكثر كفاءة في تحسين نوعية حياة األشخاص األقل‬ ‫أمتيا اًز‪ .‬فالمقتضى الهام‪ ،‬كما يجادل نوزك‪ ،‬هو اعتراف الشخص بالحق في امتالك ذاته‪ ،‬فإن كان الفرد‬ ‫مالكاً لذاته يكون مالكاً لمؤهالته أيضاً‪ ،‬عندها يكون له الحق في أمتالك كل ما يمكنه إنتاجه من خاللها‪.‬‬

‫لذلك ففرض الضرائب على الشخص الكفء من أجل إعادة توزيع الثروة لفائدة من هو أقل أمتيا اًز من‬ ‫غيره‪ ،‬ينتهك مبدأ ملكية الذات لذاتها(‪.)1‬‬

‫‪ 1‬للمزيد من اإلطالع حول هذا الموضوع ينظر‪ :‬ويل كميلكا‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬وباألخص الفقرات(ملكية الذات لذاتها‬ ‫والملكية عموماً ص‪ )164-150‬وأيضاً (ملكية الذات لذاتها ومسألة المساواة ص‪.)172-165‬‬

‫‪95‬‬

‫من كل ما سبق يمكن القول أن نظرية نوزك هي محاولة لصياغة مخطط يد خفية للعدالة تعمل‬ ‫أساساً على تصعيد الفرد‪ ،‬وشكل التوزيع في المجتمع يكون تلقائياً وعليه فإن الدولة ال تخوض في مشكلة‬

‫التوزيع وتكون همها منحص اًر‪ -‬في الحد األدنى‪ -‬في حماية حقوق الشخص وممتلكات األفراد وتكون‬ ‫ممنوعة من أستخدام قدرتها على اإلجبار ألي غرض سوى حماية الحقوق‪ ،‬وخالفاً لرولز الذي جمع‬

‫بين أعتبارات الحرية والمساواة‪ ،‬بيد إن الليبرتاريين ال يعنون إال بأعتبارات الحرية‪ ،‬رافضين بشكل تام‬

‫مسألة فرض الضرائب ألجل إعادة التوزيع‪ .‬وعليه يمكن القول إن نوزك يقدم ديمقراطية معارضة‬ ‫لديمقراطية رولز‪ ،‬ممكن تسميتها(ديمقراطية األغنياء) ألنه يفيد منها األغنياء واألكثر حظاً‪ ،‬مقارنة‬ ‫بديمقراطية رولز‪ .‬والتي يمكن تسميتها(ديمقراطية الفقراء) كونها يفيد منها األقل حظاً‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ /‬جوثير وحدود العدالة أمتيا اًز متبادالً‪.‬‬ ‫قارنا في المطلب السابق مفهومين متنافسين في العدالة عند كل من اليسار الليبرالي متمثالً برولز‬ ‫واليمين الليبرالي متمثالً بنوزك‪ ،‬ورغم األختالف الواضح بينهما‪ ،‬فإنهما يجتمعان على بعض األسس‪ ،‬إذ‬ ‫إن منهجيهما أبان تشكيل نظريتهما يركنان الى حدس أخالقي فيما يتعلق بما هو عادل‪.‬‬ ‫يركن ديفيد جوثير‪ -‬مثله مثل رولز‪ -‬الى فكرة العقد اإلجتماعي(كما يبين في كتابه‪ :‬أخالقية العقد‬ ‫‪ ،) Moral by Agreement‬ولكن عند مقارنته مع رولز‪ ،‬يرفض جوثير فكرة إمكان تبرير نظرية في‬ ‫العدالة بالركون الى أحداسنا األخالقية(كما كانت عند نوزك أيضاً)‪ ،‬بل على العكس تماماً‪ ،‬يتوجب أن‬ ‫تؤسس العدالة على مقدمات العالقة لها باألخالق‪ .‬وان المقدمات المعينة التي اسس عليها جوثير‬

‫نظريته األخالقية هي مقدمات التخير العقالني‪ ،‬ويجادل بان المبادىء العقالنية التي تحكم تبني الخيارات‬ ‫أو إتخاذ الق اررات ضمن األفعال الممكنة‪ ،‬تشتمل على مبادىء تقيد سعي الفاعل وراء تحقيق مصالحه‬ ‫بطريقة محايدة‪ ،‬هذه المبادىء األخيرة هي التي يعتبرها مبادىء أخالقية(‪.)1‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫يعد جوثير من أكبر أشياع التعاقدية المعاصرين‪ ،‬ومن المعجبين بمنهجية نظرية هوبز السياسية‬

‫في علم األخالق(أي بغاية تبرير القيود األخالقية) عبر الركون الى مقدمات العالقة لها باألخالق‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫بدءاً كان يزعم رولز إن مبدئي العدالة يشكالن التخير العقالني النهما يضمنان الحد األدنى من المنافع‪ ،‬إال انه في‬

‫أعماله األخيرة قام بالتقليل من أهمية الدور الذي يعزوه الى نظرية التخير العقالني‪ ،‬مجادالً بأنه من الخطأ وصف نظريته‬ ‫في العدالة على أنها جزء من نظرية التخير العقالني‪ .‬بيد إن هذه الحجة مايرغب جوثير في تبنيها‪ ،‬فهو يزعم أن الواجبات‬

‫األخالقية مؤسسة عقالنياً‪ .‬للمزيد من اإلطالع ينظر‪ :‬كولن فارلي‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.119-118‬‬

‫‪2‬‬

‫يعد توماس هوبز(‪ )1679-1588‬من النصير األساسي للتأسيسانية‪ .‬في كتابه(اللفياثان)‪ ،‬يحاول هوبز تبرير السيادة‬

‫المطلقة عبر تبيان أنه من الوجاهة أن يتفق الناس على قبول هذا التدبير‪ .‬ومع إن العقدين األخيرين شهدا تجديداً في‬ ‫األهتمام بحجة هوبز‪ .‬في حين ينكر كتاب معاصرون النتيجة التي يخلص اليها هوبز(إن السيادة المطلقة مبررة)‪ ،‬فإنهم=‬

‫‪96‬‬

‫ويصادق أيضاً على فكرة شبه المساواة التي يقرها هوبز‪ .‬المجتمع العادل عند جوثير مشروع تعاوني‬ ‫يسعى الى تحقيق مصالح متبادلة‪ ،‬علماً إن من تعوزهم القدرات الجسمية أو الذهنية على اإلسهام في‬

‫المشروع التعاوني مستثنون من المجال األخالقي(هذا مانوضحه عند مناقشة حدود العدالة أمتيا اًز متبادالً)‬ ‫وذلك بعدما أن نسلط الضوء على اشكالية االمتثال عند جوثير وكاآلتي‪-:‬‬

‫أوالً‪ /‬إشكالية االمتثال‪ -:‬هناك إشكالية مهمة تواجه النظريات التأسيسانية التي يتبناها جوثير بأعتبارها‬ ‫إن مثل هذه النظريات مؤسسة على مقدمات ال عالقة لها باألخالق‪ .‬طارحاً سؤاالً مهماً إال وهو‪ :‬لماذا‬ ‫يتوجب على الفرد االمتثال إلتفاق إذا كان بمقدوره اإلفادة شخصياً من اخت ارقه؟ هذه هي إشكالية االمتثال‪،‬‬

‫إذ ليس بمقدور(التعاقدية الهوبزية) حلها بمجرد إقرار أن إخالف العهود خطاء أخالقي‪ ،‬ألن هذا النوع‬ ‫من التعاقدية اليعول على الحدس األخالقي أصالً‪ .‬مفاد اإلجابة الوحيدة المتاحة ألشياع(هوبز من أمثال‬ ‫جوثير)‪ .‬أن األمتثال إلتفاق عقالني إنما يخدم مصالح المرء الذاتية(‪ .)1‬لذا صاغ جوثير نظريات‬ ‫(إصطناع أخالقي)‪ ،‬أي كطريقة مصطنعة للحد من النزوع الطبيعي لألفراد ومقتضياً من المجتمع وضع‬ ‫آليات معقدة لغرض أحترام المعاهدات‪ ،‬حتى ولو أقتضى األمر األعتماد على أساليب زجرية إن دعت‬

‫الحاجة‪ .‬لكن ماهي الحاجة الى أساليب من هذا القبيل‪ ،‬إن كان بين األفراد معاهدات تحترم صالح جميع‬ ‫األفراد؟ لماذا ال نثق في األمتثال الطوعي لكل شخص مادامت تلك المعاهدات تحترم مصلحة كل فرد؟‬ ‫لماذا نكون في حاجة الى آليات إجتماعية أصطناعية إلنقاذ االتفاق؟‪ .‬تكمن المشكلة في مسألة عدم‬ ‫الثقة واألمتثال للعقد بين أطراف العقد أو المعاهدات‪ ،‬وان كان من مصلحة كل شخص الموافقة عليه‬ ‫إال أنه قد ال يكون في األمتثال لها ألن مصلحة كل فرد على حدة‪ .‬فمثالً إذا كان هناك عقد لمنع صيد‬ ‫األسماك في المحيطات بموجبه‪ ،‬يقتضي على كل شخص الموافقة على جملة من القواعد تقيد ممارسة‬ ‫الصيد‪ ،‬إال أنه تدعي مصلحة كل فرد اال يتوقف عن الصيد طالما إن كل فرد ليس واثقاً تمام الثقة أن‬

‫اآلخرين سيفعلون مثله‪ ،‬فحتى وان كانت لدى كل فرد الثقة في أستعداد اآلخرين للتعاون‪ ،‬سيظل هناك‬

‫مشكل وهو عدم تقيد أحد األطراف بالعقد عندما يكون متأكداً أن جميع الناس سيلزمون أنفسهم بأتباع‬

‫قواعد األلتزام وبالتالي يتخطى الحدود المرسومة في الصيد‪ ،‬على اساس إن خرقه لالتفاق لن يحدث فرقاً‬

‫كبي اًر مادام اآلخرون جميعهم ملتزمين بها‪ ،‬وقد يكون ذلك(غير منصف) من الوجهة األخالقية‪ ،‬ولكن إن‬

‫(مركز على‬ ‫فكر الجميع على هذا النحو وخالف كل واحد تعهداته ظاناً أن ذلك لن يحدث فرقاً ذا شأن‬ ‫اً‬

‫= يستلهمون تأسيسانية مشروعة‪ ،‬وخاص ًة عند جوثير‪ .‬للمزيد حول الدولة الطبيعية عند هوبز ينظر الى كتابه(اللفياثان)‪،‬‬ ‫ت‪ .‬دنيا حرب وبشرى صعب‪ ،‬الفارابي للنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪.2010 ،‬‬ ‫‪ 1‬كولن فارلي‪ ،‬مصدرسبق ذكره‪ ،‬ص‪.124‬‬

‫‪97‬‬

‫مصلحته الذاتية) فسيتنصل الجميع من تعهداتهم وتنهار كامل المنظومة(‪ .)1‬باختصار‪ ،‬أن في الوقت‬ ‫الذي يكون للفرد مصلحة في الموافقة على جملة من القواعد المسؤلة للحفاظ على المحيط‪ ،‬لن تجد‬ ‫مالبسات يصبح فيها من غير الصالح له األمتثال إلى تلك القواعد‪ .‬فكل شخص يسعى الى تحقيق‬ ‫مصالحه على نحو معقول‪ ،‬ولكن عندما يقوم بأختيارات تراعي المصلحة الخاصة والفردية‪ ،‬يؤدي ذلك‬ ‫على الصعيد الجماعي الى نتائج ال معقولة‪ ،‬كما هو الحال في(مأزق السجينين)(‪ ،)2‬إذ يحركهما حافز‬ ‫المصلحة الخاصة(يريدان تقليص مدة البقاء في السجن)‪ ،‬وذلك بأعترافهما بالجريمة سوي ًة‪ ،‬أو اعتراف‬

‫كل واحد ضد اآلخر(ليخلص نفسه من العقوبة)‪ ،‬أو أتفقا قبل القيام بالجريمة على عدم االعتراف‪ .‬هنا‬ ‫يرى‪ ،‬إن عدم االعتراف هو الخيار المعقول على الصعيد الجماعي‪ ،‬في حين أن االعتراف هو االختيار‬ ‫المعقول على الصعيد الفردي‪ .‬إذن وعليه نكون في حاجة لتحقيق نتائج معقولة على الصعيد الجماعي‬

‫الى طريقة لمنع الناس من التصرف وفق مصالحهم الخاصة المعقولة(‪.)3‬‬ ‫وعليه يظل األمر األساسي كالتالي‪ :‬لضمان تحقيق نتائج جماعية معقولة ال يكفي فقط الموافقة على‬ ‫بعض المعاهدات‪ ،‬فال بد أيضاً من وضع جملة من اآلليات لغرض األمتثال لها‪ ،‬أي آليات تمنع الناس‬

‫من التنصل من التزاماتهم كـ(الصيد المفرط لألسماك أو االعتراف) حتى ولو كان التنصل هو الفعل‬ ‫المعقول‪ .‬ويتمثل الحل الهوبزي المعروف لهذا المشكل في منح الدولة القدرة على معاقبة المتنصلين مما‬ ‫يدفع من الثمن الذي سيدفعه من ال يتعاون في تطبيق القانون‪ .‬غير أن جوثير يرى أن األعتماد على‬ ‫أساليب زجرية وقهرية لغرض األمتثال ال يمثل حالً مناسباً للمشكل‪ ،‬إذ يرى أن الناس قادرون على حل‬ ‫مشاكل الفعل الجماعي دون تهديد بالقوة القسرية للدولة إذا أعتمدوا مبدأ(التأويج المفيد)‪ ،‬ويعتبر هذا‬

‫المبدأ عن االستعداد لالمتثال للمعاهدات ذات الفوائد المتبادلة‪ ،‬دون حساب إن كان التنصل منها معقوالً‬ ‫أم ال‪ ،‬طالما كان الشخص متأكداً أن اآلخرين سيتعاونون بدورهم‪ .‬فجوثير يعتقد أن ما يحفز سلوك‬

‫الناس في آخر األمر هو المصلحة الخاصة‪ ،‬ولكنه يقول إنهم في الواقع‪ ،‬لن ينجحوا في تأويج مستوى‬

‫‪1‬‬

‫ويل كميلكا‪ ،‬مدخل الى الفلسفة السياسية المعاصرة‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.175‬‬

‫‪2‬‬

‫يدعو جوثير الى أن نتخيل هناك شريكان أرتكبا جريمة السرقة واألعتداء المسلح محبوسين كالً على حدى‪ ،‬ويعرض‬

‫عليهم الحاكم مقترحاً‪ ،‬بما إن ليس هناك أدلة كافية ضدهم‪ ،‬فإذا لم يعترفا بجريمتهما فأنهما يسجنان لمدة سنة واحدة‪ .‬لكن‬

‫يعرض عليهم الحاكم(كل على حدة) مقترحاً ومفاده‪ ،‬إذا اعترف احداهما ضد اآلخر فإن المعترف سوف يبرء ذمته أما‬ ‫المعترف عليه سوف يسجن لمدة(‪ )8‬سنوات‪،‬أما في حالة أعترافهما بارتكابهما الجريمة سوف يسجن كل منهما‬

‫سنوات‪ .‬للمزيد حول هذا الموضوع ينظر‪David Gauthier, Morals by Agreement, Op.Cit,p.179 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫ويل كميلكا‪ ،‬مدخل الى الفلسفة السياسية المعاصرة‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.175‬‬

‫لمدة(‪)5‬‬

‫‪98‬‬

‫رفاهم إال اذا أعترفوا أن حرصهم على رعاية مصالحهم الخاصة تقتضي منهم تقييدها بمبادىء األخالق‪،‬‬ ‫كما تنص عليها المعاهدات ذات الفوائد المتبادلة(‪.)1‬‬ ‫ثانياً‪ /‬نظرية الفائدة المتبادلة‪ -:‬تعتمد النظريات الليبرتارية‪ ،‬أغلب األحيان‪ ،‬في الفائدة المتبادلة‪ ،‬على‬ ‫صيغة تعاقدية‪ ،‬ولكن وبما أن أستخدام ذات اإلجرائية التعاقدية في النزعة الليبرالية المساواتية مختلفة(كما‬ ‫ناقشناها من خالل طرح نظريات مفكريها)‪ ،‬إن الليبرتارية ستجعل االختالف بينهم غامضاً ومن خالل‬

‫استعراض تسويغ الليبرتارية للفائدة المتبادلة‪ ،‬يمكن اإلشارة الى جملة من الفروق بين الصيغة التعاقدية‬ ‫عند رولز من جهة‪ ،‬وتلك المستندة الى فكرة الفائدة المتبادلة من جهة أخرى‪ ،‬إذ تقترن اإلجرائية التعاقدية‬ ‫عنده‪ ،‬ما يسميه(الواجب الطبيعي في العدالة) علينا معاملة اآلخرين بعدل ألن كل واحد منهم هو مصدر‬ ‫مستقل لمطالب مشروعة‪ ،‬وال تأتي القيمة األخالقية لألفراد من الفوائد أو األضرار التي قد يجلبونها‪،‬‬ ‫وانما تأتي قيمتهم من طبيعتهم التي تجعل منهم غايات في ذواتهم(المبدأ الكانطي)‪ ،‬وبالتالي لهم الحق‬ ‫في المساواة واالحترام مع غيرهم‪ ،‬ولضمان إعطاء كل المتعاقدين اعتبا اًر متساوياً أثناء إبرام العقد‪ ،‬يبطل‬

‫الوضع البدئي مفعول التباين في المؤهالت والقوى الذاتية‪ ،‬التي تسبب تفاوتاً بين الناس من حيث القدرة‬

‫على المساومة ويحل العقد المساواة األخالقية محل التفاوت في العناصر الفيزيائية(الطبيعية)‪ .‬إذا إن‬

‫العقد بالنسبة له إجراء ناجع لتحديد واجبنا الطبيعي في العدالة ألنه يعبر بصدق عن المساواة األخالقية‬ ‫بيننا‪ .‬وتعتمد نظريات الفائدة المتبادلة هي األخرى‪ ،‬على نفس اإلجرائية‪ ،‬لكن لدوافع مغايرة لتلك التي‬ ‫نجدها لدى رولز‪ .‬فال وجود في نظر أصحاب هذه النظريات لواجب طبيعي أو لمصدر ذي مطالب‬ ‫أخالقية مستقل بذاته‪ ،‬وال وجود لمساواة أخالقية وراء الالمساواة الفيزيائية‪ .‬وفي رأيهم أن التصور الحديث‬ ‫للعالم يناقض الفكرة التقليدية القائلة بوجود طبع أخالقي متأصل في البشر وفي أفعالهم‪ ،‬فما يعده البشر‬ ‫قيماً أخالقية موضوعية ليس إال تفضيالت فردية‪ ،‬وال تتضمن األفعال اإلنسانية مايمكن أن يعد طبيعة‬ ‫خي اًر أو ش اًر حتى وان لحقت أفعال البعض ضر ًار بغيرهم‪ .‬ففائدة إبرام عقد يلتزم بمقتضاه كل طرف بعدم‬ ‫إلحاق األذية باآلخر هي فائدة متبادلة(‪.)2‬‬

‫في نظر جوثير‪ ،‬تعيد نظريات الفائدة المتبادلة‪ ،‬إنتاج نظريات أخالقية تقليدية ال فقط ألنها تضع‬ ‫نفس القواعد التي تقيد حريتنا الطبيعية في القيام بما نريد‪ ،‬وانما أيضاً النها تقتضي منا أن ندع هذه‬ ‫القواعد تنهض على أساس الفائدة المتبادلة‪ ،‬إال أن تبادل الفوائد يقتضي منا أن ننظر اليها كـ(واجبات)‬

‫ار يتخذ بداعي المصلحة الخاصة ال تحترم فيه شروط التعاون‪ .‬هنا يمكن التساؤل‪ ،‬هل إن‬ ‫تمنع قر اً‬ ‫المعاهدات ذات الفوائد المتبادلة توفر‪ -‬حتى وان فرضت قس اًر ‪ -‬أساساً متيناً للدفاع عن الليبرتارية؟ من‬

‫‪ 1‬ويل كميلكا‪ ،‬مدخل الى الفلسفة السياسية المعاصرة ‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.177‬‬ ‫‪ 2‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.174‬‬

‫‪99‬‬

‫عادة ضمن باب األخالقية‪ ،‬ولكن‬ ‫األكيد إن هذه المعاهدات ستتضمن بعضاً من الواجبات التي تدرج‬ ‫ً‬ ‫التقاطع بين مجال الفائدة المتبادلة ومجال األخالقية‪ ،‬أبعد من أن يكون تاماً‪ .‬وفقاً لوجهة الفائدة المتبادلة‬ ‫تظل مسألة إن كل أمتثال الى معاهدة ما مفيد أم ال‪ ،‬خاضعة الى نزوات كل فرد وقواه الخاصة‪ ،‬لهذا‬

‫سيكون نصيب األقوياء وأصحاب المواهب أوفر من الضعفاء والمعوقين مادامت قدرتهم على المساومة‬ ‫أقوى‪ ،‬فالمعاق يقدم فوائد قليلة لغيره‪ ،‬عندئذ لن تكون لألقوياء مصلحة في إقرار معاهدات تعترف‬ ‫بمصالح أمثاله من المعوقين وتحميها(‪.)1‬‬ ‫هذا هو العيب نفسه الذي لمسه رولز في النظرية التقليدية في العقد اإلجتماعي‪ .‬فهذه النظرية تسمح‬ ‫بوجود تفاوت بين الناس من حيث القدرة على التفاوض‪ ،‬في حين يفترض أن يقع تحييد أثار ذلك التفاوت‬ ‫لحظة تحديد مبادىء العدالة‪ .‬ويسمح جوثير خالفاً لتماشي رولز للتفاوتات في القدرة على المساومة‬

‫بالقيام بدور أساسي في ضبط مبادىء الفائدة المتبادلة التي تدلنا على اإلجرائية التعاقدية‪ .‬وتضمن‬

‫المعاهدات التي يسفر عنها األتفاق الذي مكنت من التوصل اليه هذه اإلجرائية لألفراد جملة من الحقوق‪،‬‬ ‫إال أن هذه التعاقد القائم على الفائدة المتبادلة ال يضمن لكل شخص منزلة أخالقية تميزه امام أقرانه‪،‬‬ ‫مادامت هذه الحقوق مرهونة بقدرات كل فرد على المساومة‪ .‬ومن خالل المقارنة يبين هناك أختالف بين‬ ‫صيغتين من التعاقد‪ .‬فرولز يستخدم إجرائية تعاقدية لبلورة تصوراتنا التقليدية حول الواجب األخالقي‪ ،‬في‬ ‫حين يستخدمها جوثير الستبدال هذه التصورات باألخرى‪ ،‬إذ يعبر مفهوم العقد بالنسبة لرولز‪ ،‬عن منزلة‬ ‫أخالقية يتمتع بها كل فرد‪ ،‬في حين يرى جوثير ان إجرائية العقد تمكن من إنتاج منزلة أخالقية مصطنعة؛‬ ‫تلغي اإلجرائية التعاقدية لدى رولز التفاوت في القدرات على المفاوضة‪ ،‬في حين انها تعكسه بأمانة لدى‬ ‫جوثير‪ .‬سواء من حيث المقدمات أو من حيث النتائج‪ .‬تتماشى هذه اإلتجاهات في نظرية العقد الى‬ ‫(‪)2‬‬

‫عالمين أخالقين مختلفين تماماً‬

‫هذا ما يبين عند عرض حدود العدالة أمتيا اًز متبادالً عند جوثير‪.‬‬

‫ثالثاً‪ /‬العدالة امتيا اًز متبادالً‪ -:‬لكي نفهم رؤية كيف يمكن للعدالة أن تكون امتيا اًز متبادالً‪ ،‬يجب أن‬ ‫نسأل ماهي الصفقة العقالنية؟ يتكون تناول جوثير لما يشكل الصفقة العقالنية من خطوتين‪ :‬األولى هو‬

‫موقف الصفقة األبتدائية‪ ،‬معرضاً ما يجلبه كل فرد الى طاولة التفاوض إذ كان للتعاون أن يكون أمتيا اًز‬

‫متباالً‪ ،‬يتوجب أن يحسن أوضاع األطراف نسب ًة إلى أوضاعهم حال عدم اختياره‪ ،‬يتضمن هذا الموقف‬ ‫(‪)3‬‬

‫عدة تأويالت‪ ،‬ومنها إنكار(جوثير لتأويل هوبز)‬

‫مؤكداً على إزالة كل أثار استغالل اآلخر في الوضع‬

‫‪ 1‬ويل كميلكا‪ ،‬مدخل الى الفلسفة السياسية المعاصرة ‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.179‬‬ ‫‪ 2‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص‪.180‬‬ ‫‪3‬‬

‫ثمة تأويالت عديدة لهذا الموقف‪ ،‬مثالً إن هوبز يعتبره نتاجاً غير تعاوني للحرب ضد الجميع‪ .‬غير أن جوثير ينكر‬

‫هذا التأويل‪ ،‬في المقابل يصوغ تأويالً مختلفاً يبدأ بقصة موجزة عن مجتمع السادة والعبيد‪ ،‬مرك اًز في قصته على أحد=‬

‫‪100‬‬

‫التصفقي األبتدائي‪ ،‬لكن ما ضرب السلوك الذي يشكل(أستغالل شخص آخر) ويتوجب أستبعاده من‬ ‫الوضع التصفقي االبتدائي؟‪ .‬لإلجابة على هذا السؤال يطرح جوثير ما يسميه(الشرط اللوكي) الذي‬ ‫يضفي هذا الشرط صيغة أخالقية على الدولة(الطبيعية الهوبزية)‪ ،‬حيث األفراد في(الدولة اللوكية)‬ ‫يحترمون حقوق بعضهم واليحسنون أوضاعهم عبر تفاعل يجعل أوضاع اآلخرين أسوء حاالً(‪ .)1‬أما‬ ‫الخطوة الثانية‪ ،‬فيختار فيها األفراد‪ ،‬وفق الموقف األول مجموعة من البدائل التي يعقل قبولها‪ .‬وذلك‬ ‫بفحص كل نتائج الصفقة الممكنة وابرام أتفاق على كيفية توزيع منافع التعاون‪ .‬ولكي يكون نفع المشروع‬ ‫التعاوني متبادالً‪ ،‬يتوجب أن تحصل كل األطراف(في أقل تقدير) على قيمة ما ساهمت به‪ ،‬وبعد تخطي‬ ‫تكاليف إسهامات كل طرف‪ ،‬ويعد اإلنتاج الباقي(فائضاً تعاونياً) مما يتوجب على الكائنات العقالنية‬ ‫تقسيمه ولكن كيف؟ يزعم أنصار المساواتية ومنهم رولز بالركون الى الحواس األخالقية ويتوجب تقسيم‬

‫الفائض بالتساوي‪ .‬لكن جوثير ينكر هذا الركون‪ ،‬مجادالً‪ ،‬بأنه يتوجب أن يكون تقسيم الفائض التعاوني‬ ‫عقالنياً‪ ،‬ويكون هذا عقالنياً‪ ،‬وفقاً له‪ ،‬في حالة وجود طرفين عادلين فقط‪ .‬في هذا الصدد يقول جوثير‪":‬أن‬

‫الوكالء في ظروف العدالة لديهم معرفة بااللتزام‪ ،‬والسبب هو تقيد سلوكهم وقبول مبادىء المنفعة المتبادلة‬

‫والتمسك به‪ ،‬والعمل النزيه‪،‬شرط امتثال آخرون"‪ .‬ولتحديد المبادىء يكون الوكالء عقالنيين ولديهم معرفة‬ ‫بكل شيء‪ ،‬وعلى عكس رولز أذ يجد الوكالء أنفسهم لديهم كامل المعرفة حول وضعهم‪ ،‬كما تمثل حالة‬ ‫األختيار األفتراضي صفقة جماعية في أختيار مبادىء تمثل حالً وسطاً‪ ،‬إذ يتنازل فيها كل شخص عن‬

‫مطالبه القصوى‪ ،‬وهي مبادىء تحكم توزيع المنافع واألعباء بين مجموعة من المتعاونين‪ ،‬هكذا هي‬ ‫المواهب واألصول مستقلة عن التعاون اإلجتماعي‪ ،‬وهي أصول طبيعية ال تخضع إلعادة إنتاج‪ .‬كما‬ ‫هي الحال في نظرية رولز (‪.)2‬‬ ‫تواجه نظرية جوثير التعاقدية االعتراضات واألنتقادات المتعلقة بوجاهة مفهوم العدالة أمتيا اًز متبادالً‪،‬‬

‫ومنها مثالً‪ ،‬كيف يتسنى لها حسم اشكالية االمتثال ودمج القيود األخالقية التي يفرضها(الشرط اللوكي)‪،‬‬

‫دون التخلي عن زعمها بتأمين أساس ال يركن الى مقدمات أخالقية؟ يشير النقاد الذين طوروا هذه‬

‫= السادة الصغار درس في الجامعة نظرية التخير العقالني‪ .‬مقترحاً لكيفية ان يكون في وسع كل من األسياد والعبيد‬ ‫تحسين أوضاعهم‪ .‬للمزيد ينظر‪ :‬كولن فارلي‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.134-133‬‬

‫‪1‬‬

‫يؤمن الشرط اللوكي لنظرية جوثير معيا اًر محايداً يمكن وفقه تقويم كل وضع تصفقي أبتدائي‪ ،‬ويزيل أثار أستغالل ذلك‬

‫الوضع من قبل أية أطراف‪ .‬فيما يجادل جوثير إن الحقوق تشكل نقطة بدء االتفاق وال تشكل منتهاه‪ .‬إنها الشىء الذي‬ ‫يجلبه كل طرف الى طاولة التفاوض وليس مايأخذه منها‪ .‬للمزيد ينظر‪ :‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.136‬‬ ‫‪Gregor Kavka, Jales Colman and Christophen morris, Rethinking. The Toxin Puzzle, in‬‬

‫‪2‬‬

‫‪Rational Commitment and Social Justice? (Cambridge, New York, 1998). p47.‬‬

‫‪101‬‬

‫األعتراضات الى تشكيل أساس أكثر كفاية لرفض تلك النظرية بوصفها تصو اًر وجيهاً في العدالة‬

‫اإلجتماعية‪ .‬ألن العدالة عنده ال تنشأ إال بين أطراف متساوين تقريباً من حيث القدرات الجسمية والذهنية‪.‬‬

‫واذا كانت العدالة التسري إال على المتساوين‪ ،‬فماذا عن أولئك الذين ال يستوفون هذا الشرط أمثال(صغار‬ ‫السن‪ ،‬كبار السن‪ ،‬واألجنة)؟‪ .‬وعليه يعد نقاد عقدانية جوثير ان هذه الحاالت أوضح سبيل لتبيان قصور‬ ‫ز متبادالً‪ .‬لذا يسمي(بوكانن ‪ )Buchnan‬في كتابه(حدود الحرية ‪(The Limits of Liberty‬‬ ‫العدالة امتيا اً‬

‫مشروع جوثير بـ( العدالة تبادالً للمصالح الذاتية) ويقضي مشروعه الى مبدأ التبادلية الذي يقصر حق‬ ‫الموارد اإلجتماعية فقط على من يسهم في الفائض التعاوني(‪ .)1‬وقد نجد مبدأ التبادلية متسقاً مع بعض‬

‫حواسنا المتعلقة بها هو منصف‪ ،‬ومثال ذلك‪ ،‬على المنتفعين بالمجان(‪ )‬الذين يختارون عدم اإلسهام أال‬ ‫يتوقعوا شيئاً مقابالً من المجتمع‪ .‬غير أن هذا المبدأ يحول دون أهلية كل المنتفعين بالمجان‪ ،‬سواء‬

‫آختاروا األنتفاع المجاني‪ ،‬أم أضطروا اليه لظروف خارجة عن إرادتهم‪ ،‬واال هلكوا أو لم يتسن لهم عيش‬ ‫حياة كريمة‪ .‬وعليه يجادل بوكانن إنه قد تكون نتائج نظرية جوثير أكثر تطرفاً من مجرد حرمان غير‬

‫المساهمين في العدالة التوزيعية ويرى أن العدالة امتيا اًز متبادالً تخفق في مالحظة أن أسئلة العدالة ال‬

‫تثار نسب ًة الى عالقات تقوم بين المساهمين فحسب بل تثار أيضاً على المستوى األعمق والخاص بنوع‬

‫المؤسسات التعاونية التي يتوجب تشكيلها‪ ،‬بقدر ما تحدد خصائص هذه المؤسسات جزئياً هوية من‬

‫يستطيع المساهمة(‪.)2‬‬

‫ومن جانب أخر يثير‪ ،‬ركون جوثير الى صياغة مساواتية تقريبية بعض المشاغل بخصوص وضع‬ ‫األطفال أو المسنين واألجيال القادمة‪ ،‬ألنها تقصر عضوية المجتمع األخالقي على من يشكل تعاونه‬ ‫نفعاً‪ .‬مما يثير أسئلة حول مدى وجاهة هذا الجانب من حجته‪ ،‬لماذا يتوجب على معظمي النفع أن‬ ‫ينشغلوا بالمسنين‪ ،‬طالما أنهم لم يعودوا ينتفعون منهم‪ .‬والجيل الذي سوف يولد من بعدهم طالما أنهم ال‬

‫يتوقعون أن يجلب اليهم أية فائدة‪ .‬لن يتأثر كثير من أنصار العدالة امتيا اًز متبادالً بتلك األعت ارضات‪.‬‬

‫وألن المزاعم المتعلقة بحقوق العجزة أو الحيوانات مؤسسة على أحداس أخالقية لذا يستحيل دعمها‬ ‫)‪Allen Buchnan, The Limits of Liberty, Chicago, IL: (University of Chicago press 1990‬‬

‫‪1‬‬

‫‪pp.229-230.‬‬

‫‪ ‬تشمل هذا الطائفة من ولد معاقاً إعاقة تحول دون إسهامه‪ ،‬ووفقاً لنظرية العدالة أمتيا اًز متبادالً‪ ،‬لن يكون هؤالء‬ ‫األشخاص أهالً للرعاية الصحية مثالً ألنها تخرق مبدأ التبادلية عبر تمكنه من األنتفاع مجاناً من ثروات من يسهم ويدفع‬ ‫الضرائب لتمويل مثل ذلك البرامج‪ .‬قارن مع (برنامج الرعاية اإلجتماعية) عند دوركين‪[.‬الباحث[‬

‫‪ 2‬يمكن توضيح حكم بوكانن بالتفكير في كيفية تطور مجتمعنا عبر الزمن وكيف يتم تحديد المساهمين فيه‪ .‬فبمقدور كثير‬ ‫من الذين يعانون من إعاقة جسمية أو ذهنية المساهمة في مجتمعنا الراهن من خالل التغيرات التي طرأت على التقنية‪،‬‬ ‫للمزيد حول هذا الموضوع ينظر‪ :‬كولن فارلي‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.142‬‬

‫‪102‬‬

‫بمقدمات ال تتعلق باألخالق‪ .‬وان منظري العدالة امتيا اًز متبادالً ال ينكرون االفتراضات المنهجية الخاصة‬ ‫بالسعي وراء موازنة تأملية‪ .‬إذ من غير المفيد عندهم تشكيل نظرية تتسق مع حدسنا األخالقي ألن‬

‫موثوقية هذا الحدس مسألة اخالقية‪ ،‬ولن يكون مثل هذا الحدس مبر اًر‪ ،‬فيما يجادل جوثير‪ ،‬يتوجب على‬

‫النظرية أن تعكس ما يتفق عليه أشخاص عقالنيون من صفقة نفعها متبادل‪ .‬وفق هذا فإن الجدل بين‬ ‫أشياع التعاقدية المنحازين لمقاربة رولز والمنحازين لمقاربة جوثير جدل يصعب تقويمه‪ ،‬كونهم يختلفون‬ ‫حول معيار تقويم النظريات‪ ،‬فالمدافعون عن الركون الى حدسنا األخالقي يزعمون أن نظرية جوثير غير‬ ‫بدهية الى حد يحول دون كونها نظرية في العدالة(‪ .)1‬ومع هذا يتفق جوثير مع رولز في اإليمان بضرورة‬ ‫األهتداء الى المبادىء التي ستنتظم وفقها الحياة اإلجتماعية من خالل فكرة االتفاق المبرم في إطار‬ ‫الوضع البدئي‪ ،‬وعلى خالف ذلك الوضع الذي تخيله رولز‪ ،‬يتعين في رأيه ان ينشد توفير شروط الفائدة‬ ‫المتبادلة وليس اإلنصاف‪ ،‬يجب إذن أن نتخيل آلية أخرى تبرز لنا التبعات الناجمة عن فكرة المساواة‬ ‫األخالقية وتحول دون أستخدام البعض ألمتيازاتهم غير المشروعة عند أنتقاء مبادىء العدالة(‪.)2‬‬

‫وبالمقارنة‪ ،‬يضع جوثير نفسه في إطار تحليل رولز‪ ،‬إذ يتفق معه في النظر الى المجتمع كمؤسسة‬ ‫تعاون من أجل تبادل الفائدة وحول أعتبار أن مبادىء العدالة ينبغي أن تكون متأصلة في صلب نظرية‬ ‫األختيار العقالني‪ .‬ويحيلنا(جوثير على رولز) عندما يتحدث عن هذه الصورة للمجتمع كمؤسسة تعاون‪،‬‬ ‫كما يتفق معه حول السياق الذي تنطبق فيه العدالة حتى إنه يستعيد عبارة رولز عندما يحدد ذلك السياق‬ ‫وهو"مجموعة الشروط المادية التي من شأنها أن تجعل من التعاون اإلنساني ممكناً وضرورياً"(‪.)3‬‬ ‫غير أن جوثير يضيف الى طرفي العدالة األساسيين(ندرة الموارد وأنانية األشخاص) طرفاً ثالثاً يتعلق‬

‫بالوعي بوجود الخارجات‪ ،‬وهو وعي يقود في الحقيقة الى المنافسة ولكن الى التعاون أيضاً‪ .‬ولكن نظرية‬

‫جذر وبديالً ممكناً لنظرية رولز ذلك أنها تتعارض معها في‬ ‫جوثير تبدو في بعض وجوهها أكثر عمقاً وت اً‬

‫العديد من النقاط الخاصة تلك المتعلقة بمسألة(أمتياز األشخاص ومواهبهم)‪ ،‬حيث يرى جوثير أن مواهب‬

‫األشخاص ومهاراتهم في أقصى حد ‪-‬حسب رولز‪ -‬ليست مواهب وال مهارات بأعتبار أن ليس لهم أي‬ ‫أمتياز في تلقيها(‪.)4‬‬

‫‪1‬‬

‫كولن فارلي‪ ،‬مصدر سبق ذكره ‪ ،‬ص‪.144‬‬

‫‪2‬‬

‫نوفل الحاج لطيف‪ ،‬جدل العدالة اإلجتماعية في الفكر الليبرالي‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.172‬‬

‫‪3‬‬

‫جون رولز‪ ،‬نظرية في العدالة‪ ،‬مصدر سبق ذركره‪ ،‬ص‪.171‬‬

‫‪ 4‬نوفل الحاج لطيف‪ ،‬مصدر نفسه‪ ،‬ص‪.180‬‬

‫‪103‬‬

‫نستنتج مما سبق‪ ،‬ومن باب المقارنة‪ ،‬يمكن االشارة الى الفرق بين الصيغة التعاقدية عند رولز وتلك‬ ‫المستندة الى فكرة الفائدة المتبادلة عند جوثير‪ .‬فاألول يستخدم اإلجرائية التعاقدية لبلورة التقليد حول‬ ‫الواجب األخالقي‪ ،‬مفادها معاملة اآلخرين بعدل ألن كل واحد منهم هو مصدر مستقل لمطالبه المشروعة‪،‬‬ ‫وال تأتي قيمتهم األخالقية من الفوائد او األضرار التي يجلبونها‪ ،‬انما تأتي فقط من طبيعتهم التي تجعل‬ ‫منهم غايات في ذواتهم‪ .‬وتعتمد نظرية الفائدة المتبادلة على نفس اإلجرائية لكن لدوافع مغايرة‪ ،‬ويستخدمها‬ ‫جوثير الستبدال هذه التصورات باألخرى‪.‬‬ ‫اذ يعبر مفهوم العقد بالنسبة لرولز‪ ،‬عن منزلة اخالقية التي يتمتع بها كل فرد‪ ،‬في حين تكمن لدى‬ ‫جوثير إجرائية العقد من إنتاج منزلة اخالقية مصطنعة؛ تلغي اإلجرائية التعاقدية عند رولز التفاوت في‬ ‫القدرات على المفاوضة‪ .‬وعليه يمكن القول تتماشى هذه اإلتجاهات في نظرية العقد الى عالمين مختلفين‬ ‫تماماً‪ ،‬ويبين هذا بوضوح تام في نظرية جوثير في تحديده لحدود العدالة امتيا اًز متبادالً‪ .‬هذه الصيغة‬

‫لجوثير اثارت اسئلة مهمة بخصوص نطاق العدالة‪ .‬متسائلين‪ ،‬إذا كانت العدالة ال تسري إال على‬ ‫المتساويين من حيث القدرات فماذا عن أولئك الذين ال يستوفون هدا الشرط؟ هذا ماجعل النقاد ان يعدون‬ ‫عقدانيته تعاني من خلل وال تشكل نظرية في العدالة‪.‬‬

‫بشكل عام نستنتج ما سبق ذكره في هذا الفصل‪ ،‬أعتمد دوركين على فكرة ضمان المساواة في المعاملة‬ ‫بين جميع األفراد عبر المساواة في الموارد التي يميزها عن المساواة في الفرص مقارن ًة برولز‪ ،‬مؤكداً أن‬

‫العدالة تتطلب موارد أولية متساوية‪ .‬وتتبنى صياغة لليبرالية شاملة مقارن ًة بالليبرالية السياسية التي تبناها‬

‫رولز‪ ،‬فليبراليته تقوم على مبدأين أساسيتين في الفردانية األخالقية وهم(مبدأ المساواة في األهمية ومبدأ‬ ‫المسؤلية الخاصة)‪ ،‬كما أنه يفضل المساواة في الموارد على المساواة في الرفاه التي يتبناها رولز‪ .‬غير‬ ‫أن نظريته تم أنتقادها بأعتبارها تركز تركي اًز ضيقاً على مسألة الموارد‪ .‬إذ يجادل نقاده‪ ،‬فحتى لو حصل‬ ‫الجميع على نصيب متساو من الموارد‪ ،‬فقد ال تتساوى قدرتهم على تحويلها الى خير أو نفع أو سعادة‪،‬‬

‫لذا أقترح أماريتا صن مسألة المساواة في القدرات األساسية بدالً من المساواة في الموارد‪ .‬ومن أجل‬ ‫المقارنة‪ ،‬ال ينكر صن أولوية الحرية التي تبناها رولز في المبدأ األول‪ ،‬لكنه يتسأل لما األولوية لمبدأ‬ ‫الحرية؟‪ ،‬فهناك أحوال يكون وجود اإلنسان وحياته في خطر‪ ،‬فإذا كان وجوده في خطر فما نفع البحث‬ ‫عن الحرية؟ فضالً على هذا‪ ،‬تكمن مآخذ صن على نظريات العقد اإلجتماعي في عدة نواح‪ ،‬ومن أهمها‬

‫أهمال أصوات من ال يكونون أفراداً في المجموعة التي يجري فيها العقد ولكن تتأثر حياتهم به‪ ،‬أما‬ ‫ِ‬ ‫يسميه بالعيب اإلجرائي‪ ،‬فمثالً أبتكر رولز مفهوم حجاب الجهل من اجل التخلص من‬ ‫المآخذ الثاني ف‬

‫اإلنحياز الى المصالح الفردية لألفراد في المجموعة‪ ،‬ولكنه لم يعمم هذا لمعالجة محدوديات األنحياز‬ ‫الى أشكال التميز المشتركة في المجموعة نفسها‪.‬‬

‫‪104‬‬

‫أما بالنسبة لنوزك فإن القضية المحورية التي يمكن مقارنتها مع رولز‪ ،‬هي موقفهما من حرية الملكية‪،‬‬ ‫ففي حين يرى الثاني حق الملكية الشخصية وأستخدامها بشكل حصري ضمن الحريات الفرد األساسية‪،‬‬ ‫فإنه اليضمن في هذه الحريات بسط هذا الحق بحيث يشمل حقوقاً من األكتساب‪ .‬بينما يرى نوزك بأن‬

‫ليس هناك أتساق بين الحرية والمساواة‪ ،‬مقارناً‪ ،‬إذا كانت الحرية تشتمل حقوق الملكية المطلقة‪ ،‬فإن‬ ‫اإلجراءات المساواتية التي يقرها مبدأ األختالف الرولزي‪ ،‬سوف تقيد هذه الحرية‪.‬‬

‫وعليه يجادل نوزك بأنه كان يجب على رولز أن يتجنب أستخدام بعض األشخاص كوسائل لغايات‬ ‫أشخاص آخرين ألن ذلك يتقاطع مع التزامه بالمبدأ الكانطي والذي يقر ان االفراد غايات بحد ذاتهم‬ ‫وليسوا وسائل‪ .‬ومن ناحية أخرى تختلف رؤية الليبرتاريين عن المساواتيين في مسألة الضرائب‪ ،‬بالنسبة‬ ‫لليبرتاريين‪،‬أن ضرائب إعادة التوزيع هو شكل من أشكال اإلكراه‪ ،‬ومشددين على أولوية الحقوق وتأكيدهم‬

‫على أن إعادة توزيع الثروة من خالل الضرائب عملية ال تتالءم مع مجتمع الحرية َّ‬ ‫بعد ِه مجتمعاً مؤسساً‬ ‫على أحترام الملكية الفردية‪ ،‬وسيضل ذلك مخالفاً للعدالة حتى وان أستخدمت أموال تلك الضرائب في‬ ‫تعويض األشخاص المبتلين بعاهات طبيعية‪.‬‬

‫‪105‬‬

‫الفصل الثالث ‪ /‬الجماعاتية ومفهوم العدالة‬ ‫ان انتقاد الجماعاتيين إلهمال الليبراليين لقيمة اإلجتماع له تأريخ طويل‪ ،‬معتقدين بأن تركيز الليبرالية‬ ‫على األفراد حمل في ثناياه إغفالهم لألهمية التكوينية لسياقهم األجتماعي وأهمية عالقاتهم البينية‬

‫ِ‬ ‫وعليه تعتبر الجماعاتية النقيض المباشر لمذهب الفردانية(‪ ،)2‬إذ تؤكد الجماعاتية من جانبها‬ ‫األخالقية(‪.)1‬‬ ‫على أن األخالق مستقلة عن األفراد‪ ،‬فهي أخالق موضوعية وليست ذاتية‪ ،‬تؤكد على الحتميته والضرورته‬

‫وتتجاهل الحريات الفردية والشخصية(كما تدعو اليها الليبرالية المساواتية والليبرتاريون) وتؤكد أيضاً على‬ ‫اإلدارة العامة في مقابل اإلدارة الفردية‪ ،‬والعقل الجماعي في مقابل العقل الفردي(‪.)3‬‬

‫قفزت الجماعاتية الى الواجهة على نحو خاص مع صدور مؤلفاتهم التي تجمع صفة واحدة هي النقد‬ ‫للنزعة المساواتية الليبرالية التي تبناها(جون رولز) فاتحين بذلك جدالً يعرف تحت أسم(الجدل اليبرالي –‬ ‫الجماعاتي)(‪ .)4‬وبفضل تلك المؤلفات برزت مدرسة سياسية وفكرية تعرف بـ(الجماعاتية)(‪ ،)5‬والتي تؤكد‬ ‫‪1‬‬

‫مع إن حركة الجماعاتية ظهرت في الثمانيات من القرن الماضي‪ ،‬لكن تأريخ أنتقاد الفكر الليبرالي و تركيزه على‬

‫الفردانية والحرية الفردية يرجع الى القرن ال(‪ ،)18‬والسيما من قبل عالم اإلجتماع(أميل دروكايم ‪،) 1917– 1858‬‬ ‫فالحركة الفكرية الجماعية ترجع الى ِ‬ ‫هذه الحقبة التأريخية‪ ،‬عبر التركيز على إن الجماعة هي األصل وليس الفرد خالفاً‬

‫لما يذهب ِ‬ ‫اليه مفكرو الليبرالية‪ .‬للمزيد ينظر‪ :‬ستيفن مولهال وأدم سويفت‪ ،‬رولز والجماعوية‪ ،‬في( مجموعة مؤلفين‪،‬أتجاهات‬ ‫المعاصرة في فلسفة العدالة‪ ،‬تحرير صموئيل فريمان)‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،2015،‬ص‪.555‬‬ ‫‪2‬‬

‫تعد الفردانية مذهب من يرى إن الفرد أساس كل حقيقة وجودية‪ ،‬أو مذهب يفسر الظواهر األجتماعية والتأريخية‬

‫بالفعالية الفردية‪ ،‬ومن يرى أن غاية المجتمع هي رعاية مصلحة الفرد‪ ،‬والسماح له تدبير شؤونه بنفسه‪ .‬للمزيد من األطالع‬ ‫حول مذهب الفردانية ينظر‪ :‬حسن محمد كحالني‪ ،‬الفردانية في التفكير الفلسفي المعاصر‪ ،‬مكتبة مدبولي‪ ،‬القاهرة‪،2004،‬‬

‫ص‪ 23‬و ص‪ .46-45‬وكذا ينظر‪ :‬أندرو هيوود‪ ،‬مدخل الى االيدولوجيات السياسية‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪. 439‬‬ ‫‪3‬حسن محمد كحالني‪ ،‬الفردانية في التفكير الفلسفي المعاصر‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪. 174‬‬ ‫‪ 4‬ديفيد ميللر وريتشارد داجر‪،‬النفعية ومابعدها‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.198‬‬ ‫‪5‬‬

‫أثار الجماعاتيون أربعة اعتراضات ضد خصومهم الليبراليين‪ ،‬االول هو الشكوى التي الحظها والزر من أن المنطق‬

‫المجرد لن يكون له ثقل يعتمد عليه الفالسفة عند محاولتهم لصناعة الركائز للعدالة واألخالق‪ ،‬فمثل هذا المشروع محكوم‬ ‫عليه بالفشل إذا لم يدرك أن التفكير في هذه االمور ال يمكن ان يتم بمعزل عن التقاليد والممارسات المشتركة وما لكل‬

‫منها أدوار ومسؤليات وفضائل‪.‬الثاني‪ ،‬أن تأكيد الليبرالي على الحقوق الفردية والعدالة يأتي على حساب واجب مدني‬ ‫والمصلحة العامة‪ ،‬فإن العدالة تجد حدودها في اشكال الجماعات التي تهتم بهوية افرادها كما تهتم بمصالحها(حسب‬

‫ساندل)‪.‬والثالث‪ ،‬هو أن الليبراليين المعاصرين ال يرون هذه االنتماءات وااللتزامات ألنهم يعتمدون على مفهوم ضيق عن‬ ‫الذات‪-‬حسب تعبير ساندل‪ -‬وهو مفهوم خاطىء ألن ذوات األفراد تتكون بفعل المجتمعات التي ترعاهم وتدعمهم‪ ،‬وعندما‬

‫يشجع رولز وغيره من الليبرليين األفراد أن ينعزلوا عن هذه الجماعات االجتماعية فإنهم سوف ينضمون الى مؤسسة‬

‫انهزامية تحطم الذات‪ .‬اما االعترض الرابع‪ ،‬فهو أن هذه النظريات المطلقة والعامة عن العدالة والحقوق قد اسهمت في‬

‫انسحاب الفرد إلى حياته الخاصة واص ارره على حقوقه حتى وان تعارضت مع حقوق اآلخرين مما يهدد المجتمعات=‬

‫‪106‬‬

‫على اعطاء مفهوم الجماعة حق قدره في االهتمام‪ ،‬إذ ترى بأن النظرة الليبرالية للفرد بوصفه حامالً‬

‫للحقوق تتجاهل أهمية الدور التكويني للجماعة في تشكيل فردية الفرد وتقلل منها‪ .‬وان المشكلة في‬

‫الموقف الليبرالي إزاء حقوق األنسان هي أنها تفترض أن األفراد ذوي الحقوق موجودون قبل المجتمعات‪،‬‬ ‫في حين أن المجتمعات هي التي تمنح الحقوق لألفراد في واقع األمر وتنبثق من المجتمعات المختلفة‬ ‫أنواع مختلفة من األفراد فتمنح الحقوق في بعض األحيان‪ ،‬وتجد سبالً أخرى إلعطاء معنى لحياة الناس‬

‫أحياناً أخرى‪ ،‬وان حقوق األفراد ال تلغي حقوق الجماعة(‪ .)1‬يقع هذا النقاش أحياناً في شكل جدل بين‬ ‫المشيدين بالحرية الفردية كالليبرتاريين وبين من يدعون الى قيم الجماعة أو إدارة األغلبية التي ينبغي‬

‫أن تسود دائماً‪ ،‬أو بين من يؤمنون بوجود حقوق أنسانية كونية مثل رولز وبين من يؤمنون بإستحالة نقد‬ ‫القيم التي ترسم صور مختلف الثقافات والتقاليد أو الحكم عليهم(عند بعض من مفكري الجماعاتية)‪.‬‬

‫وتركز النظرة الجماعاتية على الفكرة التي تفيد أن الحقوق يجب أن تقوم على القيم السائدة في أي‬ ‫جماعة معينة وان مبادىء العدالة تستمد قوتها األخالقية من قيم مشتركة أو سائدة في جماعة أو تقليد‬

‫معين‪ِ ،‬‬ ‫هذه هي طريقة الجماعاتية في ربط العدالة بالخير بأن قيم الجماعة هي التي تحدد مايعد عادالً‬ ‫أو غير عادل‪ .‬وفي سياق هذه النظرة يبقى األعتراف بحق ما مرهوناً بالبرهنة على أنه مندرج في سياق‬

‫ما أتفق عليه تقليد أو جماعة ما(‪ .)2‬فالمؤمنون بالقيم الجمعية يرون أن الهوية الفردية ناشئة من إرتباطات‬ ‫الناس بعضهم ببعض‪ ،‬وبالقيم الجمعية في سياق جماعي‬

‫(‪)3‬‬

‫ومع هذا فهناك أتجاهات متباينة ومتنازعة‬

‫أحياناً في الفكر الجماعاتي‪ ،‬يذهب البعض منهم إلى أن مفهوم الجماعة يجعلنا في غنى عن مبادىء‬

‫العدالة‪ ،‬ويرى البعض اآلخر أن فكرة العدالة‪ ،‬وان كانت تنسجم مع مفهوم الجماعة‪ ،‬فإن الفهم الصائب‬ ‫لقيمة الجماعة يقتضي منا تحوير مفهومنا لما هو عادل‪.‬وينقسم هذا الموقف الى فريقين‪ :‬األول يرى أنه‬ ‫البد أن ينظر الى الجماعة على أنها مصدر مبادىء العدالة( البد أن تقوم العدالة على المفاهيم المشتركة‬ ‫=الحديثة‪ ،‬كما قال ماكنتاير"فإن الصراع بين دعاة المواقف األخالقية المختلفة قد مزقت المجتمعات الحديثة فأصبحت‬ ‫السياسة حربأ اهلية تدور بوسائل اخرى نقالً عن‪ :‬ديفيد ميللر وريتشارد داجر‪ ،‬مصدر سبق ذكره ‪ ،‬ص‪.199-198‬‬ ‫‪ 1‬جون بليسن و ستيفن سميث‪ ،‬عولمة السياسة العالمية‪ ،‬مركز الخليج لألبحاث‪ ،‬دبي‪ ،2004 ،‬ص‪. 994‬‬ ‫‪2‬‬

‫مايكل ساندل‪ ،‬الليبرالية وحدود العدالة‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪. 22-20‬‬

‫‪3‬‬

‫هناك نقاط تشابه بين نقد الجماعاتين لليبرالية المعاصرة ونقد هيغل للنظرية الليبرالية الكالسيكية امثال(لوك و كانط)‬

‫اذ حاولوا صياغة تصور كوني للحاجات االنسانية ومعتمدين بعد ذلك على هذا التصور الالتأريخي للكائنات البشرية‬

‫للحكم على النظم اإلجتماعية والسياسية‪ ،‬وهذا الضرب وفق هيغل مغرق في التجريد وموغل في الفردانية‪ ،‬مادام ال يعير‬

‫أهتماماً للطريقة التي بها يكون الشأن اإلنساني‪ ،‬وهو في ممارسات وعالقات ضمن سياق تأريخي خاص‪ ..‬ومقابل هذا‪،‬‬

‫تشدد المقاربة البديلة لـ( هيغل ) على أرتباط خير األفراد‪ ،‬وبالتالي هويتهم وقدرتهم على الفعل األخالقي بالجماعات التي‬

‫ينتمون اليها وكذلك بالمراكز اإلجتماعية والسياسية التي يحتلونها ضمن سياق إجتماعي ما‪ .‬للمزيد ينظر‪ ،‬ويل كميلكا‪،‬‬ ‫مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.268‬‬

‫‪107‬‬

‫للمجتمع وليس على مبادىء كونية وخارجة عن التأريخ)‪ ،‬والثاني‪ :‬ينبغي على مفهوم الجماعة أن يقوم‬ ‫بدور أكبر في تحديد مفهوم مبادىء العدالة( ينبغي على العدالة أن تمنح وزناً أكبر للخير المشترك ووزناً‬

‫أقل للحقوق الفردية)(‪ .)1‬وهذا ما نستوضحه عند طرح مفاهيم الجماعاتية‪.‬‬

‫حسب هذه النظرية يتميز المجتمع الجماعاتي بفهم جوهري للحياة السعيدة أو الكريمة‪ ،‬وبدالً من أن‬ ‫يتطلب الخير العام فيه التكيف مع مختلف الخيارات الفردية‪ ،‬فأنه يقدم المعيار الذي يسمح بتقديم هذه‬ ‫الخيارات وضبطها وتوجيهها‪ ،‬وعلى الدولة الجماعاتية أن تشجع األفراد على أن يتبنوا تصورات للخير‬ ‫موافقة لنمط حياة الجماعة وتضع سلماً قيماً ألنماط الحياة المختلفة‪ .‬في الوقت الذي يشدد فيه الليبراليون‬ ‫على مبدأ تقرير مصير في قضايا التربية والصحة‪ ...‬الخ‪ .‬إذ إن االلتزام بهذه المؤسسات يتضمن ضرائب‬

‫قسرية على المواطنين‪ ،‬رغماً عن إراداتهم و خرقاً لمبدأ التوزيع العادل عند الليبرتاريين من أمثال(نوزك‬

‫وفون هايك) قبله الذين يدافعون عن الحق الطبيعي في الحرية واإلطالق األقصى للسوق ومواجهة‬ ‫الفلسفة التدخلية للدولة ومناهضة جميع االهتمامات المتعلقة بالعدالة األجتماعية(‪ .)2‬وعلى عكس‬

‫الليبراليين المساواتيين والليبرتاريين‪ ،‬يؤكد الجماعاتيون على اولوية الخير على الحقوق‪ ،‬مجادلين بأن‬ ‫القانون األخالقي العادل يأمرنا بتحقق الصالح العام او الخير المشترك(‪.)3‬‬ ‫ِ‬ ‫وعليه يمكن القول‪ ،‬تنهض الجماعاتية بوجه خاص في وجه الليبرالية وحيادية الدولة وتجنح الى‬ ‫سياسة الخير العام‪ .‬هذا ما س نوضحه بنوع من األختصار عند عرض مفاهيم الجماعاتية في المبحث‬ ‫األول من هذا الفصل‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫ويل كميلكا‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.269‬‬

‫فهمي جدعان‪ ،‬العدل في حدود ديونطولوجيا عربية‪ ،‬في (مجموعة من المؤلفين‪ ،‬ما العدالة ؟) المركز العربي لألبحاث‬

‫ودراسة السياسات‪ ،‬بيروت‪ ،2014 ،‬ص‪. 90-89‬‬

‫‪ 3‬يضرب(أدلر) على ذلك مثاالً بأن المواطن الذي يخون دولته بالتعامل مع األعداء ال يتعرض لحقوق المواطنين اآلخرين‬ ‫الطبيعية مباشرًة‪ ،‬ولكنه في واقع األمر يعتبر فعله تعد على المجتمع ككل بطريقة مباشرة‪ ،‬وعل المواطنين بطريقة غير‬ ‫مباشرة‪ .‬ومن هنا يؤكد أدلر على أهمية الخير وتفوقه على الحق‪ .‬للمزيد ينظر‪:‬‬ ‫‪Mortirner Adler,Six Greet Ideas(New York: MacMillan publishing co. press 1981) p,193.‬‬

‫‪108‬‬

‫المبحث األول ‪ /‬ابرز مفاهيم الجماعاتية في العدالة وافكارهم‬ ‫في هذا المبحث سوف نسلط الضوء على اهم المفاهيم واالفكار واالتجاهات التي تقوم عليها الجماعاتية‪،‬‬

‫وبعدها سوف نتقصى افكار بعض المفكرين الجماعاتيين ونقدهم لالتجاه الليبرالي بعد طرح بعض‬

‫المفاهيم التي تقوم عليها الجماعاتيه‪.‬اذ يعارض مايكل والزر الميثودولوجيا التي يوظفها العديد من‬ ‫الليبرالين المعاصرين عند تشكيلهم لنظرية العدالة‪ ،‬رافضاً طموح الليبراليين تجاه العمومية وتشكيل نظرية‬

‫للعدالة قابلة للتطبيق العام على جميع الثقافات‪ .‬كذلك نعاين كيفية تطبيق ديفد ميللر لمقاربة العينية‬ ‫التي يتبناها والزر على قضية القومية‪ ،‬وأخي اًر توضيح أفكار مايكل ساندل حول الذات غير المقيدة‬ ‫ومسألة حياد الدولة(في المطلب الثاني من هذا المبحث)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ /‬المفاهيم والنظريات‬ ‫اوالً‪ /‬المفاهيم‪ :‬عرضنا فيما سبق(في المبحث التمهيدي) بعض المفاهيم األخرى التي يقوم عليها‬

‫االتجاه الجماعاتي‪ ،‬بيد ان هناك مفاهيم وافكار لهذا االتجاه البد من تسليط الضوء عليها كاآلتي‪:‬‬

‫‪ .1‬الحقوق الفردية والخير المشترك ‪ :‬ان مشكلة العديد من الجماعاتيين مع الليبرالية الفردية ال تكمن‬ ‫في تشديدهم على العدالة في نزعتهم الكونية‪ ،‬وانما في نزعتهم الفردانية‪ .‬ويرى هذا النقد أن الليبراليين‬ ‫يقيمون نظرياتهم على مفاهيم الحقوق الفردية والحرية الشخصية‪ ،‬ولكنهم ال يعيرون أهتماماً لمدى توافق‬

‫حرية األفراد ورفاههم ووجودهم داخل الجماعة‪ ،‬ومتى اعترفنا بارتباط الكائنات البشرية في وجودها‬ ‫بالمجتمع كان واجبنا في العمل من أجل الخير المشترك موازناً لحقوقنا الفردية في الحرية‪ .‬وعليه يحاجج‬

‫الجماعاتيون أنه من الضروري لنا التخلى عن(سياسة الحقوق الليبرالية) وتبديلها بـ(سياسة الخير‬

‫المشترك)(‪ .)1‬إذاً هذه هي أهم قضية يطرحها الجماعاتيون الجدد وهي َّ‬ ‫تشكل تحدياً هاماً واجهتها األفكار‬

‫الليبرليون) حيث كانوا يختلفون حول طريقة تكريس مبدأ االحترام المتساوي‬ ‫المختلفة مثل(المنفعيون و ا‬

‫لمصالح جميع الناس‪ ،‬مركزين على خدمة المصالح الفردية عن طريق أفساح المجال أمام األفراد حتى‬ ‫يختاروا نوع الحياة التي يريدونها ألنفسهم‪ .‬فضالً عن اختالفهم في تحديد الحقوق والموارد التي تساعد‬ ‫الناس على متابعة إنجاز تصوراتهم لما هو خير لهم‪ .‬ولكنهم يتفقون على أن حرمانهم من حق تحديد‬

‫ذواتهم بذواتهم يعد إخالالً بمقتضى معاملتهم سواسي ًة (‪ .)2‬لذا كان رولز يرى إن تصو اًر كهذا لمعنى‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫ويل كميلكا‪ ،‬مدخل الى الفلسفة السياسية المعاصرة‪ ،‬مصدر سبق ذكره ص‪. 272‬‬

‫يرى العديد من الليبراليين َّ‬ ‫إن البداء احترام الناس من حيث هم شخصيات أخالقية هو أن تدعهم يحددون ذواتهم‬

‫بأنفسهم‪ ،‬لكن يرى بعض من الجماعاتيين بان هناك أفراد تعوزهم القدرة على مجابهة الق اررات التي تفرضها عليهم الحياة‬ ‫إذ قد تصدر عنهم مبادرات في غير محلها ويرتكبون أفعاالً تافهة‪ .‬واذا كان من المفروض أن نهتم بمصائر الناس‪= = ،‬‬

‫‪109‬‬

‫التحديد الذاتي البد أن يفضي بنا الى فكرة(الدولة المحايدة)‪ ،‬أي الدولة التي ال تبرر على أساس التفوق‬ ‫في تصور ما للحياة الخيرة وال تسعى الى تأثير ذي قصد في مواقف األفراد تجاه قيمة التطورات المتبانية‬

‫ِ‬ ‫وعليه يقدر رولز أن كل محاولة لفرض تصور ما للحياة الخيرة على األفراد‪ ،‬يلحق أذى بمصالحهم‬ ‫للخير‪.‬‬ ‫البد بالتالي أن تقف الدولة على الحياد في مسألة الحياة الخيرة (‪.)1‬‬ ‫األساسية و َّ‬

‫‪ .2‬الجماعاتيون وحياد الدولة‪ :‬ال يوافق الجماعاتيون على فكرة حياد الدولة (كما ينادي بها الليبراليون)‬ ‫ففي نظرهم البد من التخلي عن ِ‬ ‫هذه الفكرة لصالح سياسة الخير المشترك‪ ،‬بيد أن هذا التعارض بين‬ ‫السياستين يبدو مصطنعاً‪ .‬فالليبراليون ال يرفضون فكرة(الخير المشترك) مادامت سياسة الليبرالية تنشد‬ ‫رعاية مصالح كل فرد في المجموعة‪ .‬وفي التصور الليبرالي والسياقات األقتصادية والسياسية – التي‬ ‫تتراكب في خضمها التفضيالت الفردية بعضها مع البعض اآلخر لكي تفرز الخيارات األجتماعية – إن‬ ‫مصلحة الفرد هي التي تمكن من تحديد الصالح المشترك‪ .‬فال يعني تأكيد حياد الدولة نفي فكرة الخير‬ ‫المشترك‪ .‬في المجتمع الليبرالي يكون الخير المشترك ناتجاً عن مسار تضام فيه تفضيالت تولي كل‬

‫واحدة منها نفس القدر من األهتمام الذي تحضى به غيرها(مادامت ال تناقض مبادىء العدالة)‪ ،‬فلكل‬

‫التفضيالت الوزن نفسه‪ .‬ففي المجتمع الليبرالي يصالح مفهوم الخير المشترك على نحو يصبح ِ‬ ‫فيه مالئماً‬ ‫لتنوع التفضيالت وتصورات األفراد لما هو خير‪ .‬وعلى خالف ذلك يتميز المجتمع الجماعاتي بتصور‬

‫جوهري للحياة الصالحة‪ ،‬وهو تصور(يحدد نمط حياة الجماعة)‪ ،‬والبد أن يتالءم هذا الخير المشترك مع‬

‫تنوع التفضيالت الفردية‪ ،‬كونه من يمد الجماعة بمقياس لتقييم ِ‬ ‫هذه التفضيالت وفق سلم تفاضلي‪،‬‬

‫وسيتحدد بموجب ذلك الوزن الذي يمنح الى هذا التفضيل أو ذاك بمدى توافقه او اسهامه في تنمية‬ ‫الخير المشترك وعندها لن يكون مقتضى الحياد شرطاً لكل إنجاز على الصعيد العام ألهداف الجماعة‬

‫التي تحدد النمط المشترك لحياتهم (‪.)2‬‬

‫فكيف ال نقوم بشىء قد يجنبهم أرتكاب مثل تلك األخطاء؟‪ ،‬فإن لم يستطع فرد ما مجابهة ظروف الدهر بنجاح ‪ ،‬فسيكون‬ ‫عندها أحترام حقه في التحديد الذاتي بمثابة تركه يواجه مصيره المحتوم بمفرده‪ .‬وعليه يصبح االحترام عالمة على‬ ‫الالمباالة تجاهه‪ .‬أكثر منه عالمة على األهتمام ِ‬ ‫به‪ .‬للمزيد ينظر‪ :‬كميلكا‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.280‬‬ ‫‪ 1‬الحياد الذي يدافع عنه رولز ودوركين ذو مدى ضيق جداً ينحصر فقط في المزايا الخاصة التي تصنف بها تصورات‬ ‫الحياة الخيرة التي تحترم مقتضى العدالة ‪ .‬ودور العدالة هو حماية قدرة األفراد على الحكم بأنفسهم على مختلف تصورات‬

‫الحياة الخيرة والعمل على تحقيق توزيع منصف للحقوق والموارد ليستطيع الناس إنجاز تصوراتهم لما هو خير‪ .‬للمزيد‬

‫ينظر‪ :‬كميلكا‪ ،‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص‪ . 282-279‬وأيضاً ينظر‪ :‬مايكل ساندل‪ ،‬العدالة‪ :‬ما الجدير أن يعمل بها؟‪ ،‬مصدر‬ ‫سبق ذكره‪ ،‬ص‪.270-269‬‬ ‫‪2‬‬

‫ويل كميلكا ‪ ،‬مدخل الى الفلسفة السياسية المعاصرة‪ ،‬مصدر سبق ذكره ‪ ،‬ص‪. 282‬‬

‫‪110‬‬

‫‪ .3‬القومية والكوسمو سياسية ‪ :‬أن العيب الحقيقي للقومية الليبرالية ال يتمثل في قصورها عن دعم‬ ‫العدالة التوزيعية داخل الحدود القومية‪ ،‬وانما في عدم أكتراثها بقضايا العدالة العالمية العابرة للحدود‬ ‫القومية‪ ،‬وان ظهور أشكال التفاوتات بين الدول القومية في الغرب تظل قليلة األهمية مقارن ًة بالتفاوت‬ ‫بين الدول الغربية والدول النامية(او السائرة في طريق النمو)‪ ،‬وهذا يشير الى وجود نموذج مجسد‬

‫لالمساواة االعتباطية األخالقية التي كان على رولز إيجاد حل لها وذلك من خالل دعوته الى قيام‬

‫العدالة العالمية(‪.)1‬إذاً تلك هي بعض ابرز المفاهيم التي تقوم ِ‬ ‫عليه الجماعاتية والتي عرضناها(بنوع من‬ ‫اإليجاز) ما نستوضحه أكثر عند عرض أفكار كل من( المفكرين ‪ :‬والزر‪ ،‬وميللر‪ ،‬وساندل)‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ /‬النظريات‪.‬‬ ‫‪ .1‬الخيرات األساسية والعدالة التوزيعية عند والزر‪-:‬‬ ‫في رأي مايكل والزر(‪ ،)‬إن أحد مشكالت نظريات العدالة‪ ،‬كونها نظريات مطلقة وعامة‪ ،‬وفي مقابلها‬ ‫يضع منهجه المحدد الذي يهتم بالتاريخ والثقافة واالنتماء القائم في مجتمعاتنا وليس الظروف االفتراضية‬ ‫في مجتمعات من وحي الخيال(‪ ،)2‬وهو يسترعي االهتمام إلى اهمية الجماعة االجتماعية حيث وجد‪.‬‬ ‫ويعتبر نظريته أكثر النظريات توضيحاً لموجة المجتمعاتية‪ ،‬فهو يجمع بين قيمتين(التنوع والمساواة) في‬

‫نظريته‪ ،‬في كتابه األشهر(مجاالت العدالة ‪ :‬الدفاع عن التنوع والمساواة)‪ ،‬يرفض المساواة البسيطة التي‬ ‫يتبناها مفكرو الليبرالية(‪ .)3‬يرى والزر أن المساواتيين يعتقدون بنوع معين من المساواة بشكل عام‪ ،‬والتي‬ ‫يسعى أنصارها الى تحقيق مساواة أكبر(سياسياً واجتماعياً وأقتصادياً‪ ،)...‬اذ أن هدفهم األرتكازي هو‬

‫تحقيق أكبر قدر من المساواة وليس مساواة تامة( ‪ ،)Perfect Equality‬وال يعتقدون إن النجاح الجزئي‬ ‫لهذه العملية سيفضى بالضرورة الى قيام مجتمع موحد أخالقياً‪ ،‬بل في المقابل يعتقدون أن مواطني‬

‫‪1‬‬ ‫‪‬‬

‫ويل كميلكا ‪ ،‬مصدر سبق ذكره ‪ ،‬ص‪. 342‬‬ ‫مايكل والزر(‪-1935‬‬

‫) ‪ : Michel Walzer‬منظر سياسي أمريكي‪ ،‬وعضو رائد للديمقراطية االجتماعية‬

‫األمريكية‪ ،‬وأستاذ علوم األجتماع في(برينستون بنيوجرسي )‪،‬وكاتب وناقد كبير‪ ،‬وله عدة أعمال ابرزها(مجاالت العدالة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫يسميه(المساواة‬ ‫الدفاع عن التعددية والمساواة )‪ ،‬وهي دعوة متطورة الى ليبرالية مجتمعية وتعددية ‪ ،‬ويدافع فيها عن ما‬ ‫المركبة مقابل المساواة البسيطة ) للمزيد من اإلطالع ينظر‪ :‬روبرت بيونيك وفليب غرين ‪ ،‬مصدر سبق ذكره ‪ ،‬ص‪.498‬‬ ‫‪Michel Walzer "Spheres of Justice: A Detense of Pluralism and Equality ,(New York:‬‬

‫‪2‬‬

‫‪Basic Book :1983).p.5‬‬ ‫‪3‬‬

‫تحسين حمه غريب ‪ ،‬العدالة ونظرياتها ‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪. 126‬‬

‫‪111‬‬

‫الدولة الحرة والديمقراطية يمتلكون رؤية متنوعة ومتناقضة عن الخير‪ ،‬ومن ثم سوف يعملون على اعتماد‬ ‫الحرية التي يتمتعون بها من أجل تحقيق أهداف متنوعة ومتناقضة(‪.)1‬‬ ‫ومن جانب آخر يجادل والزر‪ ،‬لو أفترضنا أننا مجموعة من افراد المجتمع نؤمن بالمساواة‪ ،‬فنقوم‬ ‫بتوزيع المناصب‪ .‬عندها يظهر األختالف‪ ،‬عندما يكون أحدنا هو المسؤول األول ويكون اآلخرون تحت‬ ‫أمرته‪ ،‬وهذا هو الحال بالنسبة للمناصب األخرى‪ ،‬ومن ثم تظهر عدم المساواة‪ .‬فالتنوع هو األصل ويجب‬ ‫علينا الدفاع عنه‪ .‬ولكن يمكن التساؤل‪ ،‬كيف يكون حال المساواة التي يريد والزر أن يدافع عنها‪ ،‬إذا‬ ‫كانت المساواة المطلقة هي مستحيلة في المجتمع؟ يذهب والزر الى انه علينا الدفاع عن المساواة لكن‬ ‫ليس في شكلها البسيط(كما عمل بها مفكرو الليبرالية المساواتية) بل الدفاع عنها في شكلها العميق‪.‬‬ ‫وعليه يوضح والزر مقصده بما أن األصل في المجتمع هو التعدد(فال يجوز لنا رفعه) ولهذا ال يجوز‬ ‫أن نصرف جهدنا في عمل المستحيل كما يجادل والزر‪ ،‬وبدالً من ذلك علينا أن ال نجعل من هذا التنوع‬ ‫وسيلة أل ستغالل بعضنا البعض ومنع األضطهاد وسلب الحرية‪ .‬ولكن كيف يمكن تحقيق ذلك وما هي‬ ‫الوسائل التي تحقق هذا الغرض والمناهج التي تضمن العدالة؟ يؤكد والزر أن مشكلة نظريات العدالة(عند‬ ‫االتجاه الليبرالي) تكمن في أنها تستعمل منهجاً واحداً وتركز على مفهوم واحد تجعله األساس في جميع‬ ‫عمليات التوزيع كمفهوم(الحاجة أو األستحاقات أو القابلية )‪ ،‬وغيرها من المفاهيم األساسية في نظريات‬

‫العدالة‪ .‬في حين يرى والزر أن ليس هناك منهج يطبق على جميع الحاالت وليس هناك مفهوم واحد‬ ‫لجميع الحاالت أيضاً‪ ،‬بل لكل حالة توزيع وكل سلعة خاصة أسلوب خاص ومفهوم يجب أن يركز عليه‬

‫في التوزيع(‪ ،)2‬واألهم عنده ال توجد أية سلعة عامة إال بعد أعتبارها سلعة من قبل المعنيين في عملية‬ ‫التوزيع(‪ .)3‬هذا هو الشرط األول للعدالة التوزيعية عند والزر‪.‬‬

‫‪ 1‬حسام الدين علي مجيد‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪ .185‬في هذا الصدد يقدم والزر مثاالً كاآلتي‪ :‬هب أننا جماعة مكونة‬ ‫من خمسة أشخاص يوزع بيننا خمسة أرغفة‪ ،‬يبدو في الظاهر أن المساواة متحققة في ِ‬ ‫هذه العملية‪ ،‬اال أنه ال يمضي وقت‬

‫قصير عليها حتى تظهر خالفات‪ ،‬ألن لكل فرد منا ال يأكل رغيفه الخاص ِ‬ ‫به‪ ،‬ربما قد يحافظ الواحد منهم على رغيفه‬ ‫كي يبيعه لآلخرين عندما ال يبقى عندهم‪ ،‬أو ربما يجعل اآلخر من نصيبه صدقة لربه الذي يؤمن ِ‬ ‫به‪ ،‬ولعل الشخص‬ ‫الثالث يخزنه لوقت الحاجة ‪ ،‬أما االخر فقد يريد أن يبدل رغيفه بشيء قد يحتاج اليه هو او الجماعة الحقاً وتكون فائدته‬ ‫في المستقبل اكثر من فائدة حصته سواء أكانت هذه الفائدة تعود ِ‬ ‫اليه أو الى الجماعة‪ ،‬وهنا يظهر التنوع وتظهر اهداف‬ ‫الخير المتنوعة في المجتمع‪ .‬ينظر‪ :‬تحسين حمه غريب‪ ،‬العدالة ونظرياتها‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.126‬‬ ‫‪2‬‬

‫المصدرنفسه‪ ،‬ص‪.128-127‬‬

‫‪3‬‬

‫يجادل والزر إنه ال توجد سلعة عامة(مادية أو معنوية) إال بعد فهمها وارتضاء األفراد بجعلها موضع التوزيع ‪ ،‬وال تعد‬

‫أية سلعة سلعة خارج الذهن األفراد إال بعد أعتبارها كذلك داخله(أي داخل الذهن)‪ .‬وحتى في الحاجات اإلنسانية األولية‬

‫(كالغذاء والمسكن والملبس)‪ .‬فعند القبائل المهاجرة غير الساكنة مثالً ‪،‬ال يكون المسكن سلعة توزيعية ‪.‬للمزيد ينظر‪:‬‬

‫‪Michel Walzer "Spheres of Justice: A Detense of Pluralism and Equality Op.Cit. PP.68-70‬‬

‫‪112‬‬

‫أما الشرط الثاني هو أن يكون منهج التوزيع والمفهوم المركزي فيه منسجماً مع تلك السلع المراد‬

‫توزيعها‪ .‬لذا يؤكد على حقيقة أن كل فكرة أو فعل هو متجذر بالضرورة ضمن سياق نوعي‪ ،‬ومن ثم‬ ‫يعتقد أنه من المستحيل تحديد التوزيع العادل في مجتمع دونما اعتبار لثقافة هذا المجتمع ونمط معيشته‬

‫(‪ .)1‬رافضاً بذلك طموحات الليبراليين تجاه العمومية وتشكيل نظرية في العدالة قابلة للتطبيق العام وعلى‬ ‫جميع الثقافات‪ ،‬مجادالً بأن العدالة هي من صنع اإلنسان ومن المشكوك به أن تصنع بطريقة واحدة‬ ‫ليس إال‪ .‬وبالتالي ال يمكننا التوصل الى إجابات عن التساؤالت الصعبة التي تثيرها العدالة إذا تصورناها‬ ‫بطريقة نتجاهل األستحقاقات والمزاعم العينية التي ستثار حتماً عندما يفكر المرء في تأريخ المجتمعات‬

‫المختلفة وثقافتهم وعضويتهم (‪ .)2‬وانه ليس بأمكاننا أشتقاق مبادىء للعدالة في تجربة فكرية مجردة‬ ‫وقائمة على تساؤول مفاده‪ :‬أي من المبادىء سيختاره األفراد إذا لم يعرفوا شيئاً عن طبيعة وضعهم(منتقداً‬ ‫الوضع األصلي وحجاب الجهل عند رولز)‪ ،‬عدا أنهم يرغبون في تحقيق مجرد مجموعة من المنافع‬

‫األساسية(‪ .)3‬أي ال يمكن األعتماد على تلك المبادىء التي يقرها رولز وبالتالي تعميمها على كل‬ ‫المجتمعات(بغية تحقيق هدفه لقيام العدالة العالمية)‪.‬ألن كل مجتمع يعمل على صياغة منافعه‬ ‫اإلجتماعية الخاصة إضاف ًة الى تباينهم في كيفية توزيع ِ‬ ‫هذه المنافع بصورة عادلة‪ .‬وعليه يشدد والزر‬

‫على أن النفهم العدالة التوزيعية على إنها سعي الى إيجاد معيار توزيعي موحد يتم بموجبه توزيع المنافع‬

‫الرئيسة وكأنها عبارة عن عملية إجتماعية قائمة على تصورات مفادها‪ :‬إن الناس هم الذين يوزعون‬ ‫المنافع على غيرهم من الناس‪ ،‬بل إن العدالة التوزيعية هي عملية إجتماعية معقدة تحدث على نحو‬ ‫دقيق وفقاً لفكرة ‪:‬إن الناس يفهمون المنافع ويخلقونها‪ ،‬ثم يعملون على توزيعها في ما بينهم‪ .‬ونظ اًر إلى‬ ‫قيام كل مجتمع بخلق منافعه اإلجتماعية الخاصة‪ ،‬فإن قائمة الخيرات التي تنظم بواسطتها مبادىء‬

‫العدالة التوزيعية ستتباين من مجتمع إلى آخر(‪ .)4‬لذا ينتقد والزر المنظرين الذين يتعاملون مع الخيرات‬

‫‪ 1‬جاك لوكومت‪ ،‬الحرية والمساواة عن كتاب جون رولز‪ :‬نظرية العدالة‪ ،‬في(مجموعة المؤلفين‪ ،‬فلسفات عصرنا)‪ ،‬إشراف‬

‫جان فرانسو دوريتي‪ ،‬ت‪ .‬أبراهيم الصحراوي‪ ،‬الدار العربية للعلوم ناشرون‪ ،2009،‬ص‪.211‬‬ ‫‪2‬‬

‫كولن فارلي‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪. 189-188‬‬

‫‪ 3‬يجادل والزر أن هوية الفرد الثقافية غائبة عن طروحات رولز‪ ،‬بدليل أنه يضع بادىء األمر حاج اًز بين الفرد وهويته‬ ‫الثقافية المتمثل في(حجاب الجهل)‪ ،‬وبذلك فإن رولز يطالب أفراد المجتمع بالتخلي عن هوياتهم أياً كانت قبيل األتفاق‬ ‫على مبادىء العدالة‪ .‬وتبعاً لهذا المنظور يغدوا الفرد متجرداً من كل ما هو أخالقي حتى يختار مبادىء أخالقية يبنى‬ ‫عليها المجتمع العادل‪ .‬نفالً عن‪:‬حسام الدين على مجيد‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.230-229‬‬

‫‪ 4‬نقالً عن‪ :‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪ .231-230‬يرفض والزر فكرة وجود مجموعة واحدة من الخيرات لذلك كرس فصوالً‬ ‫بكاملها لقائمة متنوعة من الخيرات التي تفضلها كل المجتمعات‪ ،‬رغم إن معاني ِ‬ ‫هذه الخيرات تختلف من ثقافة ألخرى‬ ‫ولها مراتبها حسب تناولها وهي(العضوية‪ ،‬األمن والرفاه‪ ،‬النفوذ والخيرات‪ ،‬المناصب والوظائف‪ ،‬العمل الشاق‪ ،‬التعليم‪= ،‬‬

‫‪113‬‬

‫كأنها من السماء‪ ،‬فالخيرات يتم تصورها وخلقها قبل توزيعها‪ .‬لذلك يريد أن يحول أهتمامنا من التوزيع‬ ‫بحد ذاته الى التصور والخلق(خالفاً لرولز)‪ ،‬واعطاء معنى للخيرات بأنها صنع أجتماعي‪ .‬من جانب‬

‫أخر يقول والزر أن البحث عن نظرية كونية في العدالة بحث غير صائب‪ ،‬والسبيل الوحيد لتشخيص‬ ‫مقتضيات العدالة هو النظر في الطريقة التي تفهم بها كل جماعة قيمة الخيرات األجتماعية وتقدرها‪.‬‬

‫ويكون مجتمع ما عادالً عندما يعمل بتوافق مع التصورات المشتركة ألفراده كما تجسدها الممارسات‬

‫والمؤسسات الخاصة به‪ .‬وبهذا يكون تشخيص مبادىء العدالة مسألة تأويل ثقافي أكثر منه مسألة حجاج‬ ‫فلسفي(‪.)1‬‬ ‫وبذلك يدافع عن وجهة النظر التي مفادها "أن مبادىء العدالة نفسها تعددية ‪ Pluralism‬في‬ ‫صورتها‪ ،‬وان الخيرات االجتماعية المختلفة ينبغي أن توزع ألسباب مختلفة‪ ،‬وفقاً لعمليات إجرائية مختلفة‪،‬‬

‫وبواسطة عمالء مختلفين‪ ،‬وان جميع االختالفات تصدر عن مفاهيم مختلفة للخيرات األجتماعية ذاتها‬

‫التي هي نتاج ضروري لخصوصية تأريخية ثقافية(‪ .")2‬ومن هنا كان البد من نظرية في الخيرات‪ ،‬حيث‬ ‫يطرحها والزر معرفاً أهم مالمحها كالتي ‪:‬‬ ‫ناءعلى‬ ‫أ‪ .‬أن جميع الخيرات التي تهتم بها عدالة التوزيع هي خيرات أجتماعية للناس حيث يخلقونها ب ً‬ ‫تصوراتهم للخيرات ومن ثم يوزعونها فيما بينهم‪ .‬ويختلف معنى الخيرات بأختالف المجتمعات‪.‬‬

‫ب‪ .‬المعاني األجتماعية ذات طابع تأريخي‪ ،‬لذا فعدالة التوزيع نسبية‪ ،‬وتتغير من زمن آلخر(‪.)3‬‬ ‫يشدد والزر على قائمة متنوعة من الخيرات التي تثمنها معظم المجتمعات‪ ،‬رغم أن معاني ِ‬ ‫هذه‬ ‫الخيرات تختلف من ثقافة ألخرى مبر اًز سؤاالً هاماً هو‪ :‬ما المبدأ او المبادىء التوزيعية التي يمكنها أن‬

‫تغطي مثل هذا المدى المتنوع من الخيرات؟ لذا تحتل نظرية الخيرات مكاناً مركزياً في تصوره للعدالة‬

‫التوزيعية‪ ،‬مما يدعم ذلك وجهة نظره بعدم وجود معيار وحيد أو مجموعة وحيدة من المعايير المترابطة‬

‫تحكم جميع التوزيعات‪ .‬فمن المالئم توزيع بعض الخيرات وفقاً لمبدأ التبادل الحر‪ ،‬وتوزع أخرى وفقاً‬

‫لمبدأ الحاجة(األمن والرفاه) وهكذا دواليك‪ .‬وعلى هذا األساس يشيد والزر نظرية في العدالة(العدالة‬ ‫التوزيعية) للخيرات اإلجتماعية‪ ،‬حيث أن الخيرات األجتماعية عنده تشمل العضوية في دولة المجتمع‬ ‫من طعام ومأوى‪ ،‬وتتعدى هذا لتشمل المراكز السياسية أو نوعاً من الوظيفة والتعلم أو حتى األحترام‪.‬‬

‫=وقت الفراغ‪ ،‬الغرابة والحب‪ ،‬العناية األلهية‪،‬التقدير واألهتمام‪ ،‬القوة السياسية )‪ .‬ينظر‪ :‬كولن فارلي‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪،‬‬ ‫ص‪.205‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪3‬‬

‫وويل كميلكا‪ ،‬مدخل الى الفلسفة السياسية المعاصرة‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.270‬‬ ‫‪Michel Walzer,"Spheres of Justice "Op.Cit,P.5‬‬ ‫ينظر‪ :‬مقدمة المترجم لكتاب جون رولز‪ ،‬العدالة كإنصاف(إعادة الصياغة)‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.47-46‬‬

‫‪2‬‬

‫‪114‬‬

‫ويرى إن كل نوع من أنواع الخيرات اإلجتماعية هي التي تحدد المقياس للتوزيع(‪ .)1‬اما بالنسبة للمركز‬ ‫اليه هي المقياس‪ ،‬بل يصبح المقياس هو الكفاءة القيادية‪ .‬وتأسيساً ِ‬ ‫السياسي‪ ،‬فال تكون الحاجة ِ‬ ‫عليه‪،‬‬ ‫نرى ان مفهوم والزر لعدالة التوزيع هو(مساواة مركبة) وليس(مساواة بسيطة) أو احادية المعنى‪ .‬بكلمة‬

‫أخرى‪ ،‬العدالة التوزيعية عنده تتمثل في التوزيع الالمتساوي للخي ارت األجتماعية(‪.)2‬‬ ‫من هنا يتبين ان العدالة عند والزر هي فضيلة خاصة وال يوجد معيار عام فيه لجميع المجتمعات‬ ‫ولجميع السلع والحاالت وهذه هي مشكلة النظريات التوزيعية الشاملة التي تستند الى نوع واحد من التوزيع‬ ‫لجميع المجتمعات والحاالت وتعتمد على مفهوم واحد‪ .‬كما إنه من المستحيل أتفاق جميع المعنيين على‬ ‫نموذج سلعة للتوزيع وعلى طريقة توزيعها‪ ،‬فإن مايقوم في الواقع أن الجماعة المؤثرة تقوم مقام اآلخرين‬ ‫بالتوزيع‪ ،‬حتى الخيرات التي حددها والزر‪ ،‬بعدها خيرات أساسية في المجتمعات الحديثة لم يكن جميع‬ ‫األفراد في تلك المجتمعات متفقين على اعتبارها خي اًر وال على طريقة توزيعها‪ ،‬فإن مايقوم في الواقع أن‬

‫الجماعة المؤثرة تقوم مقام اآلخرين بالتوزيع وباسمهم(‪ .)3‬كما ان من المفيد هنا مقارنة بين النهج الليبرالي‬

‫وبين النهج الذي طرحه مايكل والزر‪ .‬فاألفتراض الذي يطرحه الليبراليون هو أنه ينبغي تخصيص األشياء‬ ‫للناس من خالل السوق مالم يكن هناك سبب وجيه للتمويل الحكومي‪ .‬وفي المقابل فإن اإلقتراح الذي‬ ‫يطرحه والزر هو أن التمويل الحكومي ينبغي أن يكون هو القاعدة‪ ،‬وعلى السوق أن يلتقط بقايا تلك‬ ‫العملية‪ .‬والدعوى التي يطرحها والزر دعوى ظالمة(حسب رأي المساواتيين) وغير قابلة للتطبيق‪ ،‬وأن‬ ‫نظريته ظالمة حسب ادعائهم ألنها تنص على أنه ينبغي توزيع كل سلعة وفقاً للقيم المشتركة ألفراد‬ ‫المجتمع وبالتالي فأنها تقوض وجود إجماع بين التقييمات في مختلف المجاالت‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫يجادل والزر إذا أخذنا خي اًر أجتماعياً مثل الرعاية الصحية‪ ،‬يالحظ والزر أن ممارسة الطب كانت في الغالب مشروعاً‬

‫ح اًر وخاصاً مرتبطاً ببيوت النبالء والبالط الملكي‪ ،‬وبالتالي أقتصرت منافع الرعاية الصحية على األقلية النخبوية‪ ،‬بيد أن‬

‫مؤسسات المجتمع الليبرالي المعاصر قد تغيرت مع مرور الزمن‪ ،‬بشكل يفرض فهماً أجتماعياً للرعاية الصحية بدالً من‬ ‫تركها لنظام السوق‪ .‬لذا يؤمن والزر بوجوب توفير الرعاية وفقاً للحاجة وليس وفقاً للثروة‪ .‬ينظر‪ :‬كولن فارلي‪ ،‬مصدر‬ ‫سبق ذكره‪ ،‬ص‪206‬‬ ‫‪2‬‬

‫يطالب والزر بنظام المساواة المركبة‪ ،‬وهذا يعني قيام شبكة من العالقات التي تمنع الهيمنة والسيطرة‪ .‬والفرضية التي‬

‫يقدمها هي وجود أوساط ومجاالت اجتماعية متباينة‪ ،‬فهو يريد تجنب تعميم مبدأ واحد للعدالة‪ .‬فال يجب أن يحصل أي‬

‫شخص على ميزة اجتماعية لمجرد تمتعه بميزة اخرى‪ ،‬ويرفض منطق التوزيع العام على أوساط المجتمع المختلفة‪ ،‬فلكل‬ ‫وسط له قواعده الخاصة في التوزيع التي ال يجب تعميمها على األوساط األخرى ونقلها اليها‪ .‬وبأستخدامه الحجج القائمة‬

‫على مذهب الجماعاتية‪ ،‬يعطي والزر األولوية لكل سياق اجتماعي ملموس على مبدأ التوزيع العام‪ ،‬ألن كل مجتمع يقوم‬ ‫في النهاية بتحديد قواعد التوزيع الخاص به‪ .‬للمزيد ينظر‪ :‬توماس ماير وأودو فورهولت‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.137‬‬ ‫‪3‬‬

‫تحسين حمه غريب‪ ،‬العدالة ونظرياتها‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪.132-131 ،‬‬

‫‪115‬‬

‫‪ .2‬ميللر بين العدالة القومية والعدالة العالمية ‪-:‬‬ ‫كما رأينا سابقاً أنتقد والزر النزوع الليبرالي بإعطاء اهتمام أقل لحقيقة أن للخيرات األجتماعية معان‬ ‫مختلفة في المجتمعات المختلفة‪ .‬تنشأ عن المقاربة العينية التي يشايعها الجماعاتيون مضامين مهمة‬

‫ليس عن العدالة المحلية فحسب‪ ،‬بل أيضاً على تصورنا وفهمنا للعدالة العالمية‪ .‬يجادل ميللر بأن‬ ‫العينية األخالقية تعامل الفاعلين على أنهم مقيدون مسبقاً بروابط والتزامات متنوعة لفاعلين معينين‬

‫آخرين‪ ،‬او جماعات آخرى وأن تعليالتهم األخالقية مؤسسة على هذه االلتزامات‪ .‬هنا يبين مدى اختالف‬ ‫هذا التوجه بالمقارنة مع مفهوم العمومية األخالقية الذي يتبناه كل من بيتز وجون رولز قبله الداعين‬ ‫الى عدم حصر مبادىء العدالة في العالقات بين المواطنين ضمن حدود أقليم معين والهادفين الى قيام‬

‫العدالة العالمية‬

‫(‪)1‬‬

‫‪.‬‬

‫في مقابل هذا ال ينكر أنصار(العينية األخالقية) ويعد ميللر من أحد المدافعين عنها‪ ،‬أن علينا واجباً‬

‫تجاه األجانب‪ ،‬بيد أنهم يدافعون عن رؤية منافسة لبنية الحياة األخالقية‪ .‬إنهم يرون أن"العالقات بين‬ ‫األشخاص جزء من المواضيع األساسية لعلم األخالق"‪ ،‬بحيث يمكن ربط المبادىء السياسية مباشرًة بهذه‬

‫العالقات‪ ،‬وعليه يدافع ميللر عن العينية األخالقية ويطبقها على قضية القومية‪ ،‬ويستند دفاعه الى ثالث‬ ‫أفتراضات مترابطة وهي‪-:‬‬ ‫‪ .1‬قد تكون األنتماءات إلى جماعات قومية جزءاً من مكونات الهوية الفردية ‪.‬‬ ‫‪ .2‬األمم مجتمعات أخالقية ‪.‬‬

‫‪ .3‬الشعب الذي يشكل مجتمعاً قومياً ي َّعد أهالً للمطالبة بحق تقرير المصير‪.‬‬ ‫تؤمن العينية األخالقية بمبدأ حق تقرير المصير الذاتي القومي وتلتزم بها ‪ ،‬وهذا هو األفتراض الثالث‬ ‫في مفهوم ميللر للقومية‪ ،‬ويمتاز هذا الحق بقيمة عالية وهو(األنشغال بالعدالة اإلجتماعية‪ ،‬وحماية الثقافة‬

‫‪1‬‬

‫لقد أدى طموح الليبرالين العمومية الى أن يطالب البعض أمثال(تشارلز بيتز) ومن قبله(جون رولز) أهتمامهما بتوسيع‬

‫نظرية العدالة على صعيد العالقات الدولية وتطبيق أستحقاقات العدالة العالمية‪ ،‬وبالتالي ليس هناك مبرر لمعاملة مواطنينا‬ ‫معاملة تفضيلية‪ .‬تشكل حجة(بيتز) شكالً من أشكال العمومية األخالقية(التي تقر وجوب معاملة جميع االشخاص بصورة‬ ‫متساوية ومحايدة فيما يخص خيراتهم ومصالحهم) ومدافعاً عن مفهوم كسموسياسية راديكالي في العدالة الدولية ضد‬

‫مايدعوه(أخالقيات مفهوم العدالة)‪ ،‬ويرى إنه ما من سبب لحصر مبادىء العدالة في العالقات بين المواطنين ضمن‬ ‫الحدود اإلقليمية الخاصة بالدول ذات السيادة‪ ،‬ومن وجهة النظر األخالقية‪ ،‬تعتبر الحدود األقليمية أعتباطية اتى نتيجة‬ ‫المتغيرات التأريخية وليس نتيجة المشاورات األخالقية‪ ،‬لذا ذهب رولز بالقول الى أنه ليس لشعب ما الحق في تقرير‬ ‫المصير أو الحق في األنفصال إذا كان ذلك(على حساب إخضاع شعوب أخرى)‪ .‬للمزيد ينظر‪ :‬انور محمد فرج‪ ،‬مصدر‬ ‫سبق ذكره‪ ،‬ص‪.410- 409‬‬

‫‪116‬‬

‫القومية‪ ،‬والتعبير عن األستقاللية الجماعية) (‪.)1‬وبعد طرح حجج ميللر من المفيد ان نوضح أوجه المقارنة‬ ‫بين أنصار العدالة العالمية ومن يخالفونهم في الرؤى من اصحاب القومية الليبرالية‪ .‬إذ دافع العديد من‬ ‫المعلقين على رولز وفكرته في العدالة العالمية‪ ،‬مجادلين بأنه البد أن تطبق العدالة على صعيد العالم‬ ‫بأسره وليس فقط على الصعيد الداخلي لمجموعة وطنية‪ .‬ففي(الوضع البدئي) لن يرضى الناس بأن تكون‬ ‫مصائرهم رهينة واقعة أعتباطية من الوجهة األخالقية تتمثل في صدفة المولود في بلد ما(‪ .)2‬ويمكن لهذه‬ ‫الالمساواة على صعيد العالم أن تقلص بطريقتين‪ :‬األولى‪ ،‬كما يراها رولز هو على الشعوب الجيدة‬ ‫التنظيم واجب مساعدة المجتمعات المغلوبة على أمرها من خالل إعادة توزيع الموارد من مواطني البلدان‬ ‫الغنية صوب مواطني البلدان الفقيرة‪ .‬صحيح أن نوع المؤسسات العالمية التي يقتضيها ذلك‪،‬ال توجد‬ ‫اآلن ولكن مادام رولز يؤكد أن علينا(واجب عدالة طبيعي) في إنشاء مؤسسات عادلة‪ ،‬فمن المفروض‬ ‫أن نعمل على إنشاء مثل تلك المؤسسات العالمية‪ .‬أما الطريقة الثانية فعلى الدول الغنية أن تفتح حدودها‬ ‫ِ‬ ‫وعليه يقول أنصار العدالة العالمية إنه ال يحق‬ ‫أمام سكان البلدان الفقيرة لألنتقال حيث توجد الموارد(‪.)3‬‬ ‫للبلدان الغربية تقييد الهجرة وهذا يبدو نتيجة ضرورية لمبادىء الليبرالية المساواتية ‪ .‬أما القومية الليبرالية‬ ‫فتبدو معنية فقط بدعم المؤسسات الوطنية للعدالة التوزيعية وتعد حق الدول الغربية في تجميع الثروة‬

‫ِ‬ ‫وهذه‬ ‫والزيادة في حجم الالمساواة مع الدول األخرى وغلق حدودها أمام المهاجرين‪ ،‬حقاً مسلماً به‪.‬‬

‫الالمباالة تجاه العدالة العالمية هي العيب الرئيسي في القومية الليبرالية(‪.)4‬‬

‫بقي لنا أن نوضح ان لدفاع ميللر عن القومية يحظى بأهمية عملية لنقد الجماعات اليبرالية‪ .‬فأغلبية‬ ‫الناس مرتبطون بعمق بهوياتهم القومية الموروثة‪ ،‬لذا فإن الشعور اإلنساني بأن لكل إنسان أهمية متساوية‬ ‫شعور غير واقعي‪ .‬بيد ان عينية ميللر األخالقية تلزم الفرد بأن يستدعي رؤية للمواطنة العالمية من أجل‬ ‫خلق واجبات دولية‪ .‬بيد أن أشياع العمومية األخالقية يدفعون بأن هذه الواجبات ليست صارمة بما فيها‬ ‫الكفاية‪ .‬فالسماح لألفراد بأن يكون أنشغالهم األعظم تجاه أبناء وطنهم يمكن أن يؤدي الى التقويض حتى‬

‫‪ 1‬تتجزء الفرضية األولى الى أفتراضين األول‪ :‬يميز فيها ميللر بين األمة والدولة مشي اًر إن األمة هي مجموعة من الناس‬

‫يطمحون الى حق تقرير المصير‪ ،‬ويتشكلون بمعتقد مشترك والتزام متبادل‪ ،‬قد تكون هناك أمة واحدة موزعة بين دولتين‬ ‫سابقا)‪،‬‬ ‫مثالً(المانيا قبل إعادة توحيدها)‪ ،‬او قد تكون هناك اكثر من امة واحدة في دولة واحدة مثل( األتحاد السوفيتي ً‬

‫والثاني هو أكثر أخالقية إذ يزعم أنه عندما تجعل قوميتنا جزًءاً من هويتنا فإننا بذلك التقوم بعمل يتعذر تبريره عقالنياً‪.‬‬ ‫أما بالنسبة الى االفتراض الثاني فإن ذلك اليعني عدم التزامنا بواجبات تجاه األجانب‪ ،‬بيد أنه يعني أن علينا واجبات‬

‫مختلفة تجاه أبناء وطننا أكثر شموالً من واجباتنا تجاه مواطني األمم األخرى‪ .‬ينظر‪ :‬كولن فارلي‪ ،‬ص ‪.213‬‬ ‫‪2‬‬

‫ويل كميلكا‪ ،‬مدخل الى الفلسفة السياسية المعاصرة‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.343‬‬

‫‪3‬‬

‫أنور محمد فرج‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪. 411‬‬

‫‪4‬‬

‫ويل كميلكا‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.343‬‬

‫‪117‬‬

‫تلك الواجبات التي يستلزمها حق تقرير المصير‪ .‬وتأسيساً عليه يمكن القول بأن دفاع ميللر عن صيغة‬

‫القومية مؤسسة على الرؤية الجماعية التي تزعم أن الفاعلين مقيدون بروابط والتزامات متنوعة تجاه‬ ‫فاعلين معينين أو مجتمعات معينة‪ .‬مجادالً بعكس أشياع العمومية األخالقية‪ ،‬بأن الحدود القومية مهمة‬ ‫أخالقياً ولهذا الموقف تداعيات مهمة على تحديد ماهية أستحقاقات العدالة الدولية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ /‬حدود العدالة عند مايكل ساندل‬ ‫قبل الولوج الى مفهوم العدالة عند (مايكل ساندل‪Michael Sandal‬‬

‫‪1953‬‬

‫_‬

‫) (‪ ،)‬من المفيد أن‬

‫نسلط الضوء على بعض المواضيع التي طرحها في كتابه(الليبرالية وحدود العدالة )‪ .‬إذ يتعلق كتابه‬ ‫بالخالف الحاصل بين من كانوا يشددون على الحرية الفردية‪ ،‬وبين من يزعمون ان قيم الجماعة هي‬ ‫التي ينبغي أن تسود‪ .‬في هذا السياق ينتقد مايكل ساندل كالً من الفريقين‪:‬ألن الليبراليين يقولون بوجوب‬

‫فصل الحقوق عن المذاهب األخالقية والدينية‪ ،‬بينما يقول الجماعاتيون بقيام تلك الحقوق على هذه‬

‫المذاهب‪ ،‬لذلك يرى ساندل إن هناك سبيالً ثالثاً أكثر وجاهة أال وهو اعتبار الحقوق مرهونة في تبريرها‬ ‫ِ‬ ‫وعليه يرى أن المجتمع الليبرالي مجتمع يحرص على عدم‬ ‫باألهمية األخالقية للغايات التي تخدمها‪.‬‬ ‫إمالء أي طريقة معينة في الحياة على االفراد‪ ،‬تاركاً لهم أكبر حرية ممكنة في تحديد القيم التي يتبنونها‬ ‫والغايات التي يسعون اليها في الحياة‪ .‬مفرطين بذلك تفسيرهم للجماعة‪ ،‬لذا يقول‪" :‬ما هو محل أختالف‬ ‫بين الليبرالية عند رولز وما أذهب ِ‬ ‫اليه في كتابي ال يتعلق بما إذا كانت الحقوق مهمة‪ ،‬وانما بمدى‬

‫إمكانية تحديد ِ‬ ‫هذه الحقوق وتبريرها على نحو ال ينطلق من تصور معين مسبق للخير"(‪ .)1‬إن ما ال‬

‫يتفقون عليه ال يخص معرفة ما إذا كانت المطالب الفردية والجماعاتية ينبغي أن يعترف بأن يكون لها‬ ‫وزن أكبر‪ ،‬وانما في قدرة مبادىء العدالة التي تحكم البنية االساسية للمجتمع التي عليها أن تكون محايدة‬ ‫بالنظر الى القناعات األخالقية والدينية التي يتبناها أفراد هذا المجتمع(‪( .)2‬ما سنوضحه عند عرض نقد‬ ‫ساندل على الليبرالية السياسية لرولز)‪ .‬طرح مايكل ساندل في كتابه(الليب ارلية وحدود العدالة) العديد من‬ ‫القضايا موضع النقاش‪ ،‬ومنها‪-:‬‬ ‫‪ ‬منظر أمريكي سياسي وأستاذ في جامعة هارفارد‪ ،‬يصنف نفسه بالوسط‪ ،‬بينما اآلخرون يصنفوه مع االتجاه الجماعاتي‪.‬‬

‫يشتهر على وجه الخصوص بمحاضراته ومؤلفاته حول العدالة وحول أنتقاداته لكتاب نظرية العدالة لـ(جون رولز)‪ .‬يجادل‬

‫كناقد مجتمعي بارز لليبرالية بأن الفلسفة السياسية الليبرالية تبرز الراديكالية الفردية التي ال تتضمنها المؤسسات اإلجتماعية‬ ‫و تعطي األولوية عن طريق الخطأ الى أتباع العدالة المتساوية المجردة عن الصالح المجتمعي األخالقي‪ .‬له عدة أعمال‬ ‫ومنها(الليبرالية وحدود العدالة) و(النمط الديمقراطي) و(العدالة ما الجدير أن يعمل ِ‬ ‫به؟) للمزيد ينظر‪ :‬موسوعة المفكرين‬ ‫السياسين في القرن العشرين‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.440‬‬ ‫‪Michael Sandal ,Liberalism and The Limits of Justice,( Cambridge University ,1989)P.21 .‬‬ ‫‪ 2‬ينظر‪ :‬مقدمة المترجم لكتاب مايكل ساندل‪ ،‬الليبرالية وحدود العدالة‪ ،‬ص‪ .29‬وكذا ص‪ 26-23‬و ص‪.31-27‬‬

‫‪1‬‬

‫‪118‬‬

‫‪ -1‬الذات غير المقيدة وليبرالية أخالق الواجب(‪:)1‬‬ ‫يختلف مفهوم الذات عند رولز مقارن ًة بـ(ساندل)‪ ،‬فعند رولز يحدد األفراد أهدافهم الشخصية وخططهم‬

‫في الحياة ليس في إطار وضع جماعي ما ولكن خارجه‪ ،‬وال شك أن الذات عند رولز تظهر في إطار‬ ‫سياق من الوقائع تضم قيماً عامة ووجهات نظر معينة‪ .‬ولكن هذه الذات تعمل كما لو كانت هذه القيم‬ ‫ليس لها بالضرورة أثر على الذات التي يصير عليها المرء‪ .‬يجادل ساندل أن المرء عند رولز دائماً ما‬

‫يكون سابقاً على قيمه وغاياته وال يقف تشكله عليهما بصورة كاملة‪ .‬ألن النفس تحافظ دائماً على مسافة‬

‫بينه وبين قيم الوضع الذي يعيش المرء فيه‪ ،‬ونظ اًر ألن اساس االرتباطات العامة تجاه اآلخرين تبقى في‬ ‫استناد الناس في هويتهم وكيانهم؛ على قيم عامة‪ ،‬وبسبب أن االشخاص عند رولز لن يفعلوا هذا في‬

‫الحقيقة فإنهم لن يضعون اساساً قوياً ألرتباطات مشتركة نحو اآلخرين‪ .‬ويشدد رولز على انه يجب‬

‫على كل فرد ان يكون في وضع يخول له إقرار أي نفع له يرغب في تتبعه‪ .‬فليس هناك مفهوماً خاصاً‬

‫للخير يكون على كل فرد ان يخضع له‪ ،‬فاقداً بذلك حريته في تتبع مسار حياته‪ .‬أما عند ساندل فإن‬

‫الذات تبدو متجددة وفق القيم السائدة في المجتمع الذي يعيش فيه المرء ووفق الحاجة الى تدعيم تلك‬ ‫القيم عبر مسار حياته‪ .‬وعليه يعارض ساندل في نقده لليبرالية بأنه يتأسس على مفهوم غير مقيد‬ ‫للذات(‪.)2‬‬ ‫يفسر ساندل أولوية الصواب على الخير بأنه قرار إبستمولوجي(معرفي) وليس مجرد زعم أخالقي‪،‬‬ ‫حيث يرى انه بإمكاننا معرفة ماهية الصائب بصورة مستقلة عن الخير‪ ،‬واذا كانت نظرية رولز في‬ ‫العدالة مشتقة بصورة متصلة من ما هو خير‪ ،‬فينبغي التساؤل عن أسس هذه النظرية‪ .‬يزعم ساندل‬ ‫إنها مؤسسة على مفهوم معين وخاص للذات ولدعم هذا التصور يركن ساندل الى بعض جوانب رئيسة‬ ‫في نظرية رولز ومنها الوضع األصلي إذ تكون األطراف فيها غير مهتمة للمصالح بصورة متبادلة‪،‬‬ ‫يجادل ساندل الزعم بأن األهتمامات والمصالح هي إهتمامات ومصالح الذات إنما يبرهن على أن رولز‬ ‫يتصور الذات بأنها غير مقيدة جوهرياً(‪ .)3‬بيد أنه يرى ان األمر الذي ال يمكن للمفهوم الليبرالي للذات‬

‫أن يتفهمه هو أن بعض غاياتنا‪ ،‬غايات ملزمة لنا رغم عدم أختيارنا لها طوعاً‪ .‬ويرى إن مفهوم الذات‬ ‫غير المقيدة ال يبرز في حالة الوضع األصلي لرولز‪ ،‬وحجاب الجهل الذي يتضمنه فحسب‪ ،‬بل يتجلى‬ ‫‪1‬‬

‫يقصد بها ساندل ليبرالية تحتل فيها أفكار العدالة واإلنصاف والحقوق الفردية دو اًر مركزياً‪ ،‬والتي هي مدينة لـ(كانط)‬

‫في معظم أسسها الفلسفية‪ ،‬وتؤكد من حيث هي أخالق على أولوية الحق على الخير‪ .‬للمزيد من اإلطالع ينظر‪ :‬مايكل‬ ‫ساندل‪ ،‬الليبرالية وحدود العدالة‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪. 55-35‬‬ ‫‪2‬‬

‫ستيفن ديلو‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.335-334‬‬

‫‪3‬‬

‫ينظر‪ :‬مايكل ساندل‪ ،‬سلسلة محاضرات من(‪1‬الى‪ ،)11‬متاح على الرابط‪http//shaixa.blog-post.com.html :‬‬

‫‪119‬‬

‫أيضاً في حجة رولز المباشرة على المبدأ الثاني للعدالة إذ يرفض في كتابه(نظرية في العدالة) نظام‬ ‫الحرية الطبيعية والمساواة الليبرالية ألنهما ال ي َّ‬ ‫خففان بما يكفي من تأثيرات عوامل الحياة اإلجتماعية‬

‫والطبيعية األعتباطية أخالقياً وحظوظها‪ .‬ويصف ساندل حجة رولز حول األنتقال من نظم الحرية‬

‫الطبيعية إلى المساواة الديمقراطية بأنها مراحل في عملية تجريد الشخص من ملكيته ومواهبه وهذا ماجعل‬ ‫النقاد يزعمون بأن نظرية رولز تكشف(على الرغم من قوة أنتقاده للنفعية) بعضاً من السياقات نفسها التي‬

‫ينتقدها في الموقف النفعي(‪ .)1‬ويوافق ساندل على وجهة نظر نوزك اذ يرى‪ ،‬بأن هناك نوعاً من التوتر‬

‫بين تشديد رولز على أن(مبدأ الفرق) يمثل عملياً توافقاً على عد توزيع المواهب الطبيعية قيمة مشتركة‪،‬‬

‫وبين تقاسم فوائد هذا التوزيع‪ ،‬وأتهامه للنفعية الكالسيكية بعدم التمايز بين األشخاص مأخذ الجد‪ .‬ويقول‬ ‫نوزك إن رولز ال يستطيع تجنب هذا التناقص إال بإضفاء قدر غير معقول من الوزن على التماييز بين‬ ‫(‪)2‬‬

‫األشخاص والمواهب‬

‫وحاذياً حذو نوزك‪ ،‬يجادل ساندل قائالً‪ ،‬إن لدى رولز(نظرية عن الشخص)‬

‫ليست المواهب سوى صفات عرضية غير جوهرية كلياً بدالً من كونها عناصر مكونة جوهرية للشخص‪.‬‬ ‫ولهذا السبب فإن رولز على حد زعم ساندل‪ ،‬ال يرى تمييز األشخاص متعرضاً لألنتهاك جراء فكرة‬

‫التعامل مع المواهب على إنها قيمة مشتركة‪ .‬إال أن ساندل يؤمن بأن نظرية الشخص الكامنة في العمق‬ ‫تعاني من عدم األتساق وال تستطيع إذاً ان تزود رولز بأي رد مقنع على األتهام الذي يقول بأنه هو‬

‫أيضاً مقترف لذنب إغفال تمييز األشخاص(‪.)3‬‬

‫‪ -2‬حياد الدولة‪ ،‬والرد على الليبرالية السياسية‪-:‬‬ ‫يؤيد الليبراليون فكرة حياد الدولة في سعيهم الحترام األشخاص ذواتاً مستقلة غير مقيدة زاعمين بأنه‬

‫ينبغي على الحكومة أن تظل محايدة تجاه مسائل الحياة الخيرة‪ .‬ألن الموقف المحايد هو الوحيد الذي‬ ‫يحترم األشخاص من حيث كونهم ذواتاً حرة ومستقلة وقادرة على اختيار قيمها وغاياتها‪ .‬يتعرض هذا‬

‫االحترام لالنتهاك إذا ألزمت الحكومة مواطنيها او شجعتهم على األلتزام بعقيدة دينية معينة على سبيل‬ ‫المثال‪ .‬في المقابل(وفي رده على الليبرالية السياسية) ينقد ساندل طموح الليبراليين المحايد‪ ،‬مجادالً‪ ،‬بأن‬ ‫(‪)4‬‬ ‫هناك العديد من الحاالت التي ال يمكن فيها للدولة أن تظل محايدة كـ(مسألة اإلجهاض) ‪ ،‬مجادالً‬

‫‪ 1‬كولن فارلي‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.193‬‬ ‫‪2 Robert Nozick , Anarchy ,state and Utopia (Oxford : Black well)P.228‬‬ ‫‪ 3‬صموئيل شفلر‪ ،‬رولز والنفعية‪ ،‬في(أتجاهات معاصرة في فلسفة العدالة)‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.536-535‬‬ ‫‪ِ 4‬‬ ‫هذه القضية التي أثارت انقسامات عديدة بين العديد من األمريكين‪ ،‬اذ أي قرار قد تتخذه الحكومة بخصوص اإلجهاض‬

‫فأنها التستطيع أن تكون محايدة تجاه األسس األخالقية والدينية‪ ،‬فإذا أقرت بحق النساء في اإلجهاض مثالً‪ ،‬فإنها تكون‬

‫بذلك قد أتخذت موقفاً ضد زعم العديد من األفراد المتدينين بان اإلجهاض مساو أخالقياً للقتل‪ .‬للمزيد من اإلطالع ينظر‪:‬‬ ‫ساندل‪ ،‬الليبرالية وحدود العدالة‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪ .321-318‬وينظر‪ :‬آمي غوتمان‪ ،‬رولز والعالقة بين الليبرالية=‬

‫‪120‬‬

‫ومقارناً‪ ،‬بأن لحياد الدولة مترتبات باهضة التكاليف‪(،‬على عكس الليبراليين أمثال نوزك) المؤيدين لحياد‬ ‫الدولة‪ ،‬فالدولة المحايدة ال تشغل نفسها بتنمية الفضائل المدنية وصقلها‪ .‬ويرى إنه ليس من المعقول‬

‫دائماً وضع مزاعم منبثقة من مذاهب أخالقية أو دينية بين قوسين‪ ،‬بمعنى تجنب الخوض فيها التزاماً‬ ‫بالحياد الليبرالي من أجل التوصل التفاق سياسي(‪ .)1‬المشكلة الرئيسة التي يريد ساندل طرحها للنقاش‬

‫هي‪ :‬كيف لنا أن نقدم الحق في العدالة على الخير األخالقي والديني؟ وكيف للمشرع أن يظل منسجماً‬ ‫مع الدستور العادل؟‪ ،‬وفق الرؤية الليبرالية السياسية التي يقدمها رولز(مؤكداً فيها الحياد إزاء الجدل‬ ‫األخالقي والديني)‪ ،‬إذا ما تثبت من صحة موقف الدين واألخالق في مسائل من هذا القبيل؟(‪ .)2‬وفق‬

‫الطرح الرولزي فإن الليبرالية السياسية تستطيع الرد على ذلك بالقول‪ :‬إن مسائل من هذا القبيل‪ ،‬تظل‬ ‫مسائل تشريعية‪ ،‬أي أقل درجة من األهمية بالنسبة لما تعمل العدالة الرولزية على تحقيقه في المستوى‬ ‫السياسي الدستوري‪ .‬لكن ذلك ال يحسم المسألة‪ .‬فوفق منطق األعتراض الذي يقدمه ساندل‪ ،‬فأن مايراد‬ ‫تأكيده ال يتعلق بأخالقية اإلجهاض من عدمها‪ ،‬وانما بجدوى الحياد األخالقي والديني الذي تلح عليه‬ ‫الليبرالية السياسية لمصلحة قيم وتقاليد متراكمة في الثقافة السياسية(‪.)3‬‬ ‫إن أنطالق رولز(لتبرير اإلتفاق السياسي من دون األخالقي والديني) يطرح وفق ساندل‪ ،‬أسئلة‬ ‫وصعوبات كثيرة بشأن معيار تحديد المعقولية في مايخص العقائد والمذاهب الشاملة‪ ،‬بمعنى السؤال عن‬ ‫مدى صحة القول بأن مذهباً كلياً مايعد معقوالً فحسب إذا كان قابالً لالتفاق معاً على القيم السياسية‬

‫وخاصة العدالة‪ ،‬وفق مادعي بـ(التوازن التأملي واإلجماع المتشابك) في التسويغ الليبرالي السياسي األمثل‬ ‫من ناحية أنسجامه مع أولوية الحق الذي تمثله العدالة السياسية على الخير الذي تمثله القيم األخالقية‬

‫والدينية والمذهبية الشاملة(‪ .)4‬وتأسيساً ِ‬ ‫عليه يعتقد ساندل أن أولوية الحق على الخير في الطرح الرولزي‪،‬‬ ‫تمثل إفتراضاً بني أنطالقاً من واقع التعددية المعقولة بوصفه ظرفاً أساسياً من الظروف الموجبة للعدالة‬

‫فحسب‪ .‬إذ البد من إيجاد مبادىء لها يمكن أن يتبناها مواطنون أحرار ومتساوون على الرغم من‬ ‫خالفاتهم األخالقية والدينية‪،‬ألنه "وان أختلفت آراؤنا(كما يجادل ساندل) في مجال األخالق والدين‪ ،‬فأننا‬ ‫لسنا مضطرين بعد تأمل‪ ،‬الى ان نختلف بشأن مفهوم العدالة"‪ ،‬وعلى ليبرالية رولز السياسية برهنة أن‬ ‫إعمال العقل والنقاش في ظروف من الحرية الليبرالية لن يؤدي الى نشوب نزاعات بشأن العدالة السياسية‪،‬‬ ‫= والديمقراطية في(أتجاهات معاصرة في فلسفة العدالة)‪ ،‬تحرير صموئيل فريمان‪ ،‬ت‪ .‬فاضل جكتر‪ ،‬المركز العربي‬

‫لألبحاث والدراسات‪ ،2015،‬ص‪.243‬‬

‫‪1‬نقالً عن ‪:‬محمد عثمان محمود‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.303‬‬ ‫‪2‬‬

‫ينظر‪ :‬مايكل ساندل‪،‬الليبرالية وحدود العدالة‪ ،‬مصدرسبق ذكره‪ ،‬ص‪.322-320‬‬

‫‪ 3‬محمد عثمان محمود‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪. 305‬‬ ‫‪4‬‬

‫مايكل ساندل‪ ،‬الليبرالية وحدود العدالة‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.323‬‬

‫‪121‬‬

‫وفي حال إخفاقها في ذلك فإن أولوية الحق على الخير تصبح موضع التشكيك في المستوى القيمي‬ ‫والسياسي مثلما هو الحال في المستوى األخالقي والديني والمذهبي الشامل عموماً‪ .‬بهذا يجانب ساندل‬

‫الصواب‪ ،‬ويتناقض مع نفسه(في الوقت نفسه)‪،‬ألنه أستند في الحديث عن تبرير أولوية الحق على الخير‬ ‫ِ‬ ‫يعنيه من‬ ‫عند رولز‪ ،‬على تقديم األخير عليه‪ ،‬بوصفها أستجابة لضرورات واقع التعددية المعقولة وما‬ ‫(‪)1‬‬ ‫أختالف في الغايات ونزاع بشأن تصور الخير ومفهومه ‪ .‬لكن ال يكتفي ساندل بتقديم أعتراضه انطالقاً‬

‫من مقولة التعددية التي يبني عليها رولز رؤيته بشأن أولوية القيم السياسية(وعلى رأسها العدالة)‪ ،‬إذ يرى‬

‫أن المواطنين في المجتمع التعددي المعقول ال يتفقون بالضرورة بشأن القيم الليبرالية السياسية التي تمثلها‬ ‫مبادىء العدالة بوصفها إنصافاً(وفي حال أتفقوا بشأنها)‪ ،‬من حيث المبدأ‪ ،‬فإنهم يختلفون في تفسيرها‬ ‫والمدى الذي يمكن لها أن تصله‪ ،‬وخير مثال على ذلك ‪ ،‬يتجلى في المشكالت المتعلقة بالعدالة التوزيعية‪،‬‬

‫إذ يظل مبدأ الفرق الذي يقدمه رولز بوصفه حالً لها‪ ،‬موضع أختالف على الرغم من كونه جزءاً من‬ ‫مبادىء العدالة السياسية‪ ،‬والدليل على ذلك حدة النزاع المعاصر بين الليبراليين أمثال نوزك من جهة‪،‬‬

‫ورولز نفسه من جهة أخرى‪ ،‬بشأن ضرورة تدخل الدولة إلعادة توزيع الثروة وتحقيق العدالة التوزيعية(‪.)2‬‬ ‫يقدم ساندل في نقده لليبراليين والجماعاتيين في مسألة الحقوق‪ ،‬طرحاً اكثر وجاهة وهو اعتبار‬

‫الحقوق مرهونة في تبريرها باألهمية األخالقية للغايات التي تخدمها‪ ،‬منطلقاً من ان المجتمع الليبرالي‬

‫يحرص على عدم امالء طريقة معينة في الحياة على األفراد تاركاً لهم الحرية في تحديد القيم التي يتبنوها‬

‫والغايات التي يسعون اليها خارج اطار جماعي‪ .‬هذا ما يخلق اختالفاً حول مفهوم الذات عند ساندل‬

‫مقارن ًة برولز‪ ،‬فعند رولز يحدد األفراد اهدافهم الشخصية وخططهم في الحياة ليس في اطار جماعي‪.‬‬

‫اما عند ساندل فإن الذات تتجدد وفق قيم سائدة في المجتمع‪ .‬وعليه يعارض ساندل في نقده لليبرالية‬ ‫بأنه يتأسس على مفهوم غير مقيد للذات ومؤيد لفكرة حياد الدولة‪ ،‬إذ يرى بأن الموقف المحايد هو الوحيد‬

‫الذي يحترم األشخاص ذواتاً حرة ومستقلة وقادرة على اختيار قيمها وغاياتها‪ .‬لذا ينتقد ساندل طموح‬ ‫الليبرالين المحايد‪ ،‬مجادالً بأن هناك العديد من الحاالت ال يمكن فيها للدولة ان تظل محايدة‪ ،‬وانه ليس‬ ‫من المعقول تجنب الخوض في بعض المسائل المنبثقة من مذاهب اخالقية ودينية من اجل التوصل‬ ‫ألتفاق سياسي‪.‬‬

‫‪ 1‬إن صح أعتقاد رولز باولوية الحق‪ ،‬وبالتالي العدالة السياسية على الخير والغايات لتنازعها وتعددها‪ ،‬إال أنه وفقاً لقراءة‬

‫ساندل‪ ،‬في موضع أخر‪ ،‬يؤكد إنها تتفق مع فلسفة أخالق الواجب الكانطية التي تقول بأولوية الذات اإلنسانية على‬ ‫غاياتها(فغاية الفرد تكتشف عن طبيعته)‪( ،‬ألن األنا سابق على غاياته)‪ ،‬للمزيد ينظر‪ :‬محمد عثمان محمود‪ ،‬مصدر‬ ‫سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.308-307‬‬ ‫‪2‬‬

‫نقالً عن‪ :‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.308‬‬

‫‪122‬‬

‫المبحث الثاني ‪ /‬التعددية الثقافية كشكل من أشكال الجماعاتية‬

‫(‪)1‬‬

‫في هذا المبحث سوف نسلط الضوء على مفهوم التعددية الثقافية‪ ،‬مركزين على نظريات ورؤى أهم‬ ‫مفكريها للعدالة‪ ،‬فضالً عن إيضاح اهمية األنتماء الثقافي والحرمان منه‪ ،‬هذا في المطلب األول‪ .‬اما‬ ‫في المطلب الثاني سوف نناقش سياسة األعتراف باألقليات الثقافية كوجه من اوجه العدالة‪.‬‬

‫المطلب األول ‪ /‬مفهوم التعددية الثقافية والعدالة عند كميلكا‬ ‫أوالً‪ /‬مفهوم التعددية الثقافية ‪-: Multiculturalism‬‬ ‫تأسس مذهب التعدد الثقافي منذ ستينات القرن الماضي في إطار األمتداد الذي عرفته الدينامية‬ ‫الديمقراطية بالشكل الذي تمارسه الدول المهيأة لمحطات للمهاجرين مثل(الواليات المتحدة األمريكية وكندا‬ ‫وأستراليا‪ ...‬الخ)‪ .‬ولم يكن صعود مدها وأنتشارها دفاعياً فحسب‪ ،‬ولكنه يستلهم حضوره من خالل تقوية‬

‫الليبرالية والديمقراطية وتعميقها (‪ .)2‬حظيت التعددية الثقافية برواج واسع في الكثير من الدول؛ كونها‬

‫مصطلحاً يتميز بتعدد ثقافي مشتق في االصل من المجتمعات ذات جماعات ثقافية متنوعة‪ ،‬وهو‬

‫مصطلح أقترن من حيث المبدأ بقيم المساواة والتسامح واألنفتاح على المهاجرين من خلفيات متباينة‬

‫عرقياً‪ ،‬إذ تمثل مذهباً أجتماعياً وبديالً إيجابياً عن سياسة اإلدماج الذي يلتزم بسياسة األقرار بحقوق‬

‫المواطنين والهويات الثقافية لجماعات األقليات العرقية واثبات قيمة التنوع الثقافي(‪ .)3‬وأول الشعوب التي‬

‫افادت من هذا الوضع‪ ،‬هم الشعوب األصلية‪ ،‬وقد تحققت مطالبهم في سبعينات القرن الماضي من‬

‫‪1‬‬

‫كانت المرحلة األولى لهذا الجدل هي تلك التي عرفتها فترة ما قبل سنة ‪ .1989‬لقد اعتبر المنظرون الذين انشغلوا بهذه‬

‫المسألة‪ ،‬في العشرية ما بين(‪1970‬و‪ ،)1980‬أن الجدل حول التعددية الثقافية يوافق اساساً الجدل بين( الليبراليين‬ ‫والجماعاتيين) وبين مناصري الفردانية ومناصري الجمعانية‪ .‬وعندما وجدوا انفسهم في مواجهة موضوع بحث لم يتم‬ ‫استكشافه من قبل بحثوا ‪-‬وذلك أمر طبيعي‪ -‬عن مماثلة بين ذلك الموضوع ومواضيع المعهودة لديهم‪ .‬ألمر كهذا بدا‬

‫لهم الجدل بين الليبرالية والجماعاتية األقرب إلثارة البحث في التعددية الثقافية‪ ،‬إذ أنها تفترض التعامل مع األفراد كأعضاء‬ ‫لجماعاتهم الثقافية‪ ،‬تبحث عن نظرية في(حقوق المجموعات) لغرض االعتراف بالمجموعات الثقافية واحترام حقوقها‪ .‬كل‬

‫ذلك يصطبغ بصبغة جماعاتية‪ .‬نقالً عن‪ :‬ويل كميلكا‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.418‬‬

‫‪ 2‬نمت فكرة التعددية الثقافية في أمريكا وأصبحت فكرة سياسية ناشطة ضد التمييز العنصري من ستينيات القرن الماضي‪،‬‬

‫حيث تصاعدت المطالبة بحق االختالف عن االخر وحق المساواة في الحقوق الحديثة بين جميع الفئات المهمشة أقتصادياً‬ ‫واجتماعياً وسياسياً بهدف تكسير الحد العنصري الفاصل بين البيض والسود للمزيد ينظر‪ :‬باتريك سافيدان‪،‬الدولة والتعدية‬ ‫الثقافية‪ ،‬ت‪ .‬مصطفى حسوني‪ ،‬دار تويقال للنشر‪ ،‬المغرب‪ ،2011 ،‬ص‪.15‬‬ ‫‪ 3‬طوني بنيت ولورانس غروسبيرغ‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.196‬‬

‫‪123‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫خالل االعتراف بحقهم في الوجود كجماعات متميزة في المجتمع وأستفادت من نظام االعتراف ‪ ،‬أيضاً‬

‫مجموعات وطنية مقيمة في منطقة محددة جداً ذات طابع ثقافي خاص ومتميز عن باقي المجتمع‬

‫مثل(الكيبكيين في كندا والباسك في أسبانيا‪ )...‬وغيرهم ‪.‬وقد وصلت درجة االعت ارف بهم الى حد المطالبة‬ ‫بحق السيادة الترابية (مطالبين باالستقالل الذاتي) (‪ .)2‬وقد ط أر على الجدل الفلسفي حول التعددية الثقافية‬ ‫تغير جذري في السنوات األخيرة من حيث مداها ومصطلحاتها األساسية‪ ،‬فقد اشتغل قليل من الفالسفة‬

‫والسياسيين وأصحاب النظريات السياسية في هذا المجال‪ ،‬حتى منتصف الثمانيات من القرن الماضي‪.‬‬ ‫وطوال هذا القرن أعتبرت مسائل األثنية مسائل هامشية لدى الفالسفة السياسين‪ ،‬ولكن‪ ،‬وبعد عشرات‬ ‫السنوات من اإلهمال النسبي‪ ،‬قفزت مسألة التعددية الثقافية الى واجهة النظرية السياسية‪ .‬وذلك ألسباب‬ ‫وعوامل عدة والتي بلغت أوجها في بداية تسعينيات القرن الماضي‪ ،‬فالديمقراطيات الغربية لم ت ِ‬ ‫نه التوترات‬ ‫التي يسببها التعدد اإلثنو‪ -‬ثقافي ‪ .‬وعليه ليس من المفاجىء عندئذ أن يحول المختصون في النظرية‬ ‫السياسية أهتمامهم أكثر فأكثر صوب هذه القضايا واألعتراف بها(‪.)3‬‬ ‫ووفقاً لمنظور أنصار التعددية الثقافية‪ ،‬فأنها ليست مقتصرة على قضية االعتراف الرمزي أو سياسة‬

‫الهوية تجاه األقليات‪ ،‬بل إنها تتعامل أيضاً مع قضيتي السلطة وتوزيع الموارد‪ .‬إذ تشدد التعددية الثقافية‬ ‫على وجوب قيام الدولة بإعادة هيكلة بنيانها‪ ،‬وذلك بخلق وحدات سياسية جديدة تمكن األقليات من‬

‫ممارسة أستقاللها الذاتي‪ .‬وتشكل األقليات الثقافية وقضية أنقسامها للسلطة السياسية والموارد األقتصادية‬ ‫(‪)4‬‬

‫مع األكثرية المهيمنة‪ ،‬الموضوع الرئيسي للتعددية الثقافية‪ ،‬األمر الذي يقضي بدوره فهم(المراد باالثقافة)‬

‫‪ 1‬إن االعتراف بوجود التعددية يعني اوالً ‪ :‬أعترافاً بوجود تنوع ووجود عدة دوائر لألنتماء في المجتمع ضمن الهوية‬ ‫الواحدة‪ ،‬ويعني ثانياً احترام هذا التنوع وقبول ما يترتب ِ‬ ‫عليه من خالف واختالف في العقائد واأللسنة والمصالح وأنماط‬ ‫الحياة‪ ،‬ويعني ثالثاً إيجاد صيغ مالئمة للتعبير عن ذلك تجربة في أطار مناسب‪ .‬للمزيد ينظر‪ :‬سعد الدين أبراهيم‪ ،‬التعددية‬ ‫السياسية والديمقراطية في الوطن العربي‪ ،‬منتدى الفكر العربي‪ ،‬عمان‪ ،1989،‬ص‪.121‬‬ ‫‪2‬‬

‫باتريك سافيدان‪ ،‬الدولة والتعدد الثقافي‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.16‬‬

‫‪ 3‬من تلك األسباب والعوامل ‪:‬أنهيار الشيوعية‪،‬إذ أطلق العنان في أوروبا الشرقية لموجة من الحركات القومية ذات الطابع‬

‫األثني فأثرت على نحو كبير في مسار الدمقرطة‪ ،‬فضالً عن وجود عوامل أخرى داخل الديمقراطيات العريقة‪،‬جعلت‬

‫القضايا األثنية تصبح أساسية ورد فعل عنيف ألصلي الديمقراطيات الفرعية ضد الوافدين على بلدانهم من المهاجرين‬

‫والالجئين وعودة الحركة السياسية للسكان األصليين للبروز وهو ما أدى الى صياغة مسودة أعالن األمم المتحدة لحقوق‬

‫اإلنسان األصليين وأستمرار تهديدات باإلنفصال داخل الديمقراطيات الغربية في كندا(كيبك) مثالً وفي بريطانيا(سكوتلندا)‬

‫وفي أسبانيا (الباسك) ‪ ...‬وغيرهم ‪ .‬ينظر‪ :‬ويل كيملكا‪ ،‬مدخل الى الفلسفة السياسية المعاصرة‪ ،‬مصدرسبق ذكره‪ ،‬ص‪.418‬‬ ‫‪ 4‬توفر الثقافة منافع عدة ألعضائها‪ ،‬فمن جهة توفر بيئة مالئمة يتمكن فيها األفراد من ممارسة حرياتهم وأختيار فرصهم‬

‫في الحياة‪ ،‬وان نوع خيارات الفرد ونطاقه يختلف بأختالف بيئة الفرد وتنشئته الثقافية‪ .‬ومن جهة ثانية هناك منفعة‬

‫إجتماعية أخرى توفرها الثقافة وهي أحترام الذات‪ ،‬وتعني اإلحساس الذي جعل من طريقة المرء في الحياة طريقة تستحق=‬

‫‪124‬‬

‫لدى دعاة هذا اإلتجاه وأنصاره من أمثال(باريخ ‪ ) Parekh‬إذ تعني الثقافة عنده هي طريقة فهم الحياة‬ ‫اإلنسانية وتنظيمها‪ ،‬واتساقاً من هذا المنظور‪ ،‬يعود كيملكا إلى أستخدام مفردة الثقافة على نحو أكثر‬

‫تحديداً‪ ،‬بحيث أنه يعني"وجود مجتمع مندمج ومتكامل نسبياً‪ ،‬يقطن أقليماً أو منطقة معينة‪ ،‬ويتقاسم‬ ‫ِ‬ ‫وعليه يشدد دعاة التعددية الثقافية على وجوب التعامل مع تنوع‬ ‫أعضاؤه لغة وتأريخاً مميزين"(‪.)1‬‬ ‫الجماعات الثقافية بعدها حقيقة واقعة‪ ،‬ومع هذا فهناك أختالف حول رؤية األتجاهات الفكرية األخرى‬ ‫من التعددية الثقافية وطروحاتها وهي ما سوف نستعرضها بنوع من اإلختصار كاآلتي‪-:‬‬ ‫‪ .1‬موقف اليسار ‪ -:‬يتوزع هذا الموقف على إتجاهين‪ ،‬األتجاه األول هو اليسار الليبرالي‪ ،‬وال سيما‬ ‫األتجاه المجتمعاتي او االجتماعي‪ ،‬فهو يتفق مع أنصار التعددية الثقافية في إن الجماعة ال تعبر عما‬

‫يتمتع ِ‬ ‫به أعضاؤها كونهم شركاء في المواطنة(‪ ،)2‬بل هي تعبير عن ماهيتهم وتجسيد لل اربطة التي‬

‫يكتشفون إنها تجمعهم وتشد بعضهم الى البعض‪ ،‬فهي لذلك ليست مجرد خاصية‪ ،‬بل أنها المكون الذي‬ ‫يتم بموجبه إنشاء الهوية التي يحملونها وبلورتها‪ .‬باعث ذلك هو أن الذات إنما تتكون بواسطة غاياتها‪،‬‬ ‫فهي ال تنشأ عن األختيار‪ ،‬بل تنشأ عن التأمل والتفكير في الذات‪ ،‬وعلى هذا األساس‪ ،‬يغدو بامكان‬ ‫النظر الى التنظيم اإلجتماعي من زاوية محاولة رامية الى خلق الفرص أمام البشر بغية أختيار ما‬ ‫أكتشفوه في ذواتهم والعالم المحيط بهم ومن ثم إقناع اآلخرين بأهميته وقيمته(‪ .)3‬أما اإلتجاه الثاني فهو‬ ‫اليسار االشتراكي‪ ،‬إذ يرفض نظرية التعددية الثقافية جمل ًة وتفصيالً‪ .‬فوفقاً للباحث البريطاني(كينان مالك‬

‫‪ ،) Kenan Malik‬ليست المشكلة في القبول بالتعددية عموماً‪ ،‬أو التعددية الثقافية خصوصاً "بل‬

‫المشكلة تتجسد في الالمساواة‪ ،‬وذلك ألن القبول بالتعددية هو في جوهره إقرار مجتمعية الالمساواة‬ ‫ورسوخها‪ .‬ويجادل إن هذا ال يعني إننا نرفض القبول بالتعددية‪ ،‬أي بمعنى رفض ذلك المجتمع الذي‬

‫يتمتع ِ‬ ‫فيه الجميع بحق حرية التعبير سياسياً وثقافياً ودينياً‪ ،‬بل إن ما نخشاه هو التمييز والتعصب"‪.‬لذا‬

‫يرفض التعددية الثقافية بدعوة إنها تؤدي عملياً الى الالمساواة‪ ،‬بحيث إن العمل به يقود الى تضيق‬ ‫=العناء‪ ،‬فأحترام الذات هو شرط ضروري لجعل أنشطة الفرد في حياته أنشطة غائية وبالتالي فإن غياب هذا الشرط يؤدي‬ ‫الى جعل هذه الخيارات(اي حيرتهم) عديمة القيمة‪.‬ينظر‪:‬حسام الدين علي مجيد‪ ،‬مصد سبق ذكره‪ ،‬ص‪.188-187‬‬ ‫‪1 Will Kymlicka , Multicultural Citizenship : A Libral Theory of Minority Rights (Oxford‬‬ ‫‪University , press,1995 ),p.18.‬‬ ‫‪ 2‬المواطنة من حيث مفهومها السياسي هي(صفة المواطن الذي يتمتع بالحقوق ويلتزم بالواجبات التي يفرضها ِ‬ ‫عليه‬

‫إنتماؤه الى الوطن) ‪.‬وفي قاموس علم األجتماع تم تعريف المواطنة ( بأنها مكانة وعالقة أجتماعية تقوم بين الفرد والمجتمع‬ ‫هذه العالقة يقدم الطرف األول الوالء‪ ،‬ويتولى الطرف الثاني الحماية‪،‬وتحدد ِ‬ ‫السياسي ومن خالل ِ‬ ‫هذه العالقة بينهم عن‬ ‫طريق أنظمة الحكم القائمة‪.‬للمزيد ينظر‪:‬سعيد عبدالحافظ‪ ،‬المواطنة‪ :‬حقوق وواجبات‪ ،‬مركز ماعد للدراسات الحقوقية‬

‫والدستورية‪ ،‬القاهرة‪ ،2007،‬ص‪.13-10‬‬ ‫‪3‬‬

‫نقالً عن‪ :‬حسام الدين علي مجيد‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.190‬‬

‫‪125‬‬

‫الحرية الشخصية لصالح المساواة بين الجماعات‪ .‬وعليه يمكن القول إن اليسار الليبرالي‪ ،‬إنما يسعى من‬ ‫أجل نقل فكرة العمل بالمساواة من المستوى الفردي الى المستوى الجماعي‪ ،‬أي العمل بالمساواة ما بين‬ ‫مختلف الجماعات والثقافات الى جانب المساواة الفردية‪ ،‬وذلك إلعتقاد هذا األتجاه بأن الليبرالية تعاني‬ ‫القصور فكرياً فيما يخص التعامل مع التنوع بحكم تركيزها على الفرد والحرية الفردية (‪.)1‬‬ ‫‪ .2‬موقف اليمين ‪ -:‬يتفق أصحاب هذا اإلتجاه على رؤية التعددية الثقافية من زاوية كونها أيدولوجيا‬ ‫سياسية وقائمة على فكرة إن جميع الثقافات‪ ،‬بعاداتها ومؤسساتها متساوية بصورة جوهرية‪ ،‬وأنه ليس‬ ‫هناك ثقافة أعلى مكانة أو أدنى مقاماً بالنسبة الى ثقافة أخرى‪ ،‬بل إن الثقافات متفاوتة فقط من حيث‬

‫العادات والمؤسسات ليست إال‪ .‬وتأسيساً على هذا األعتقاد‪ ،‬يرى أنصار هذا اإلتجاه على إن التعددية‬

‫الثقافية قد عملت وحسب في السنوات األخيرة على تقسيم السكان الى جماعات إثنية متنافسة بحيث لم‬ ‫تعد أية جماعة منها تشعر بأنها تتقاسم مع غيرها روابط مشتركة‪ .‬وغدت سياسة إعادة توزيع الموارد‬ ‫األقتصادية سياسة غير مقبولة‪ ،‬إذ يشعر الناس فيها بإن عليهم تقاسم الثروة مع الغرباء(‪ .)2‬ولمنع تلك‬ ‫التقسيمات السكانية يطرح اليمين الليبرالي إن تقنيات األتصال ستعمل على تشكيل ثقافة مشتركة تذوب‬ ‫فيها األقليات الثقافية‪ ،‬ومن ثم يتحول الوالء من الجماعات الى الدولة ومؤسساتها‪ .‬هذا ما يرفضه‬

‫الجماعاتيون وأنصار التعددية الثقافية أمثال كميلكا ويعدونه طرحاً غير عادل‪ ،‬وليس أساساً فلسفياً‬ ‫للتعامل مع التنوع الثقافي(‪.)3‬‬

‫ثانياً ‪ /‬العدالة وفقاً لرؤية(ويل كميلكا ‪-1962‬‬

‫)‪-:‬‬

‫يعد كميلكا(‪ )‬من أهم مفكري السياسة المعاصرين والمعروفين بأصحاب النزعة الثقافية القائلة بضرورة‬ ‫االلتفات الى ظواهر التعددية الثقافية واالنتماء الثقافي عند االشتغال على تحقيق العدالة الليبرالية السياسية‬ ‫‪Kenan Malik ,"Equal vs.Pluraln,pp.6-7‬‬ ‫‪www.kenanmalik.com‬‬ ‫‪ 2‬ينظر‪ :‬حسام الدين علي مجيد‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.195-194‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪1‬‬

‫يراد باألساس الفلسفي‪ :‬مجموعة من المعايير التي تتخذها السياسة قاعدة للتعاطي مع التنوع الثقافي داخل نطاق‬

‫الدولة‪ ،‬ويتم التعبير عن األساس الفلسفي هذا عادةً بمفردة (العدالة)‪ .‬للمزيد ينظر‪:‬حسام الدين علي مجيد‪،‬ص‪ .213‬وكذا‪:‬‬ ‫احمد عبدالحافظ‪ ،‬الدولة والجماعات العرقية‪ ،‬مركز الدراسات السياسية واإلستراتيجية‪ ،‬القاهرة‪ ،2005 ،‬ص ‪.39-37‬‬ ‫‪‬‬

‫فيلسوف كندي ولد سنة(‪ )1962‬عرف بنظريته حول التعددية الثقافية‪ ،‬ويعد أهم فيلسوف معاصر في أمريكا الشمالية‬

‫في قضايا الليبرالية السياسية ومفهوم المواطنة‪ .‬ركز جهده على بحث العالقة بين المواطنة والمجتمعات متعددة الثقافات‬

‫وتطويرها‪ ،‬نال شهادة الجامعة في الفلسفة في جامعة(كوينز عام ‪ )1984‬وشهادة دكتوراه في جامعة(اكسفورد عام ‪)1987‬‬ ‫فهو حالياً أستاذ للفلسفة في جامعة(كينغستون) له أعمال عدة‪(:‬الليبرالية‪ ،‬المجتمع والثقافة ‪)1989‬و(الفلسفة السياسية‬ ‫المعاصرة ‪ )1990‬و(المواطنة متعددة الثقافات ‪ )1995‬و(البحث عن طريقنا ‪ :‬تأمالت في العالقات األثنية‪ .‬الثقافية في‬

‫كندا ‪ )1998‬و(اوديسا التعددية الثقافية ‪ . )2011‬وغيرها‪ .‬ينظر‪ :‬نورالدين علوش‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.133‬‬

‫‪126‬‬

‫في دولة متعددة الثقافات‪ ،‬إذ البد من تغطية الحقوق العامة والمعنية باألفراد بغض النظر عن انتمائهم‬ ‫الجماعي‪ ،‬الى جانب الحقوق الجماعية أو المكانة الخاصة لألقليات الثقافية األمر الذي تجاوزه الطرح‬ ‫الرولزي انطالقاً من مبدأ المواطنة الليبرالية بوصفه معيا اًر وحيداً للتعامل مع األفراد على أساس المساواة‬ ‫التي ال يمكن مقارنتها إال بوقوف الدولة على مسافة واحدة من الخصوصيات الثقافية والجماعاتية‬ ‫األثنية(‪ .)1‬يرى كميلكا أن أية نظرية في العدالة ينبغي أن تحدد ماهية اهتمامات الناس‪ ،‬والنظر اليها‬ ‫بصورة شاملة‪ ،‬فضالً عن أن تأخذ في الحسبان ما سيترتب على االعتقاد بأن تلك االهتمامات ذات‬ ‫أهمية متساوية‪ .‬ووفقاً لليبرالية فإن النظر الى اهتمامنا الجوهري‪ ،‬يمكن في أعتبار معتقداتنا عن الحياة‬ ‫الكريمة وما يجعل الحياة ذات قيمة وأهمية‪ ،‬هي معتقدات صحيحة‪ ،‬ويجب أن نتصرف بموجبها‪ ،‬لذلك‬

‫فإن الحكومة تعامل الناس على قدم المساواة وبالقدر نفسه من االهتمام والتقدير‪ ،‬بحيث تتيح أمام كل‬ ‫فرد فرصة التمتع بالحريات والموارد الالزمة لتمكينه من ممارسة تلك المعتقدات التي يؤمن بها وان هذا‬ ‫المطلب األساسي يشكل قاعدة النظريات الليبرالية المعاصرة في العدالة(‪.)2‬‬ ‫بناء على فكرة تجمع بين االستقالل الذاتي والثقافة(‪ ،)3‬باعتبار‬ ‫يصوغ كميلكا منظوره الليبرالي للعدالة ً‬ ‫إن الثقافة هي القاعدة التي يرتكز اليها األستقالل الذاتي للفرد‪ .‬لكن كيف يوفق كميلكا بينهم ضمن أطار‬ ‫الليبرالية في العدالة؟ هنا يجيب كميلكا قائالً "إننا بحاجة الى توضيح أمرين‪ :‬أولهما أن اإلنتماء الثقافي‬ ‫يحظى بمكانة مهمة أكثر مما هو متصور ظاهرياً في الفكر الليبرالي‪ ،‬بمعنى إن األفراد هم جزء الينفصل‬ ‫عن البناء األخالقي لليبرالية‪ ،‬وينظر اليهم على أنهم أعضاء في مجتمع ثقافي معين وبالتالي سيشكل‬

‫انتماؤهم الثقافي فائدة ذات أهمية كبيرة بالنسبة اليهم‪ .‬وثانيهما‪ :‬ان أعضاء الجماعات الثقافية التي‬ ‫توصف بـ(األقليات ) يواجهون أشكاالً معينة من الحرمان ذي صلة بفائدة االنتماء الثقافي ذاته متطلباً‬ ‫معالجة أشكال الحرمان تلك‪ ،‬وتبرر في آن واحد وجود حقوق لألقلية‪ .‬وهذا يعني أننا بحاجة الى تبيان‬ ‫‪ 1‬ينظر‪ :‬محمد عثمان محمود‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.292‬‬ ‫‪2‬‬

‫يعمل كيملكا على تبيان ماهية تلك االهتمامات الجوهرية ومدى انسجامها مع الليبرالية‪ ،‬إذ يرى أن هناك شرطين‬

‫مسبقين إلشباع اهتمامنا الجوهري في أن نعيش حياة كريمة‪ .‬األول‪ :‬ان نعيش حياتنا بموجب معتقداتنا عما يضفي قيمة‬ ‫وأهمية على حياتنا‪ .‬والشرط الثاني ‪ :‬أن نكون أحرار في مسائلة تلك المعتقدات وتعديلها وذلك بأخضاعها لتجربة في‬

‫ضوء ماتوفره ثقافة الناس من معرفة ومثل وتصورات‪ ،‬وهذا يتطلب توفير الظروف الضرورية التي تمكنه من أكتساب‬ ‫الوعي وقدرة التمييز بين مختلف وجهات النظر ذات الصلة بالحياة الكريمة‪ ،‬وشكل هذان الشرطان أساس االستقالل‬ ‫الذاتي للفرد للمزيد نظر‪ :‬حسام الدين علي مجيد‪،‬ص‪.233‬و‪Kymilka ,Multicultural citizenship Op.Cit,p162‬‬

‫‪ 3‬مقارنة مع رولز الذي يشير بإن لألستقالل الذاتي شكلين‪ .‬أولهما األستقالل الذاتي السياسي للمواطنين وأستقاللهم‬ ‫القانوني ومشاركتهم على ِقدم المساواة في ممارسة السلطة السياسية‪ .‬أما الثاني فهو أخالقي خالص ويعبر عن طريق‬ ‫معينة في الحياة والتفكير بحيث يقوم على أساس قيام الفرد بنفسه بمساءل ِ‬ ‫ته ونقد غاياته ومثله العاليا‪ .‬ينظر‪ :‬المصدر‬

‫نفسه‪ ،‬ص‪.231‬‬

‫‪127‬‬

‫فكرة أن االنتماء الى جماعة ثقافية يمكن أن يشكل معيا اًر رئيساً لتوزيع المنافع واألعباء" التي تعد محل‬ ‫تركيز وأهتمام النظرية الليبرالية في العدالة " ولكن كيف ذلك؟‬

‫(‪)1‬‬

‫باالستناد الى فكرة أن طروحات رولز‬

‫بشأن المساواة في الحقوق ضمن نطاق الدولة‪ ،‬هي طروحات تصلح ألن تستخدم للدفاع عن الحقوق‬ ‫ِ‬ ‫وعليه يعمد كميلكا الى أيضاح مسألتين وهما‪-:‬‬ ‫الجماعية لألقليات الثقافية في الدولة المتعددة الثقافات‪،‬‬ ‫‪ .1‬أهمية اال نتماء الثقافي‪ -:‬حسب تعبير كميلكا للثقافة المجتمعية إذ انها الثقافة المتمركزة إقليمياً‪،‬‬ ‫تقوم على أساس لغة مشتركة ومستخدمة على نطاق واسع في المؤسسات المجتمعية‪ ،‬وعلى صعيد الحياة‬ ‫العامة والخاصة‪ ،‬بشكل يجعل الناس مشدودين الى جماعاتهم الثقافية بصورة وثيقة جداً بحيث لن يكون‬ ‫بالمقدور أجتثاثهم من ثقافتهم او حذف ماتلقاه المرء من تربية وتوجيه منذ سن الطفولة والغائه ‪ ،‬بل‬

‫سيبقى ذلك جزاء راسخاً في شخصيته‪ ،‬وبهذا فإن االنتماء الثقافي يؤثر بشكل فعال في هويتنا وقدرتنا‬

‫الشخصية(‪ .)2‬ويلخص كميلكا فكرة أهمية الثقافة التي تكمن في أن معتقدات األفراد وآرائهم في تحديد ما‬ ‫هو قيم وجدير بالممارسة في الحياة‪ ،‬إنما هي معتقدات وآراء مستمدة من موروثهم الثقافي‪ .‬بهذا يتفق‬ ‫كميلكا جزئياً مع الليبراليين على فكرة وجوب أن يكون األفراد أح ار اًر في القبول أو الرفض ألي من‬

‫الخيارات المتاحة أمامهم‪ ،‬ولكنه يختلف معهم في تأكيده فكرة(أن األنتماء الثقافي يعد من المنافع الرئيسة‬

‫بأعتبارِه عنص اًر رئيساً في تقديم األهتمام المتساوي باألفراد) الذي ينعكس إيجابياً على أحترام المرء‬

‫لذاته(‪ .)3‬هنا يقرر كميلكا أن قصو اًر مهما يكمن في الطرح الرولزي اال انه لم يقم مطلقاً بجعل االنتماء‬ ‫الثقافي من قبيل المنافع األساسية التي تعنى بها العدالة‪ .‬وبينما يوضح درجة األهمية التي تتمتع بها‬ ‫الحرية مقارنة بالمنافع الرئيسة األخرى‪ ،‬إال أنه اليقوم بالشيء ذاته في ما يخص عالقة الحرية بهذا‬

‫األنتماء‪ ،‬مبر اًز أسئلة مهمة مثل‪ :‬ماذا لو تعارضت رؤية الجماعات المتعددة للخير والحق المحدد له مع‬ ‫الليبرالية السياسية؟ أليست اليبرالية السياسية التي يقدمها رولز‪ ،‬بوصفها األكثر مالءمة لتحقيق العدالة‬ ‫االجتماعية‪ ،‬منحازة الى نمط معين من التفكير والسلوك‪ ،‬على الرغم من ادعائها غير ذلك؟ يؤكد كميلكا‬ ‫أن رولز جانب الصواب عندما تجاهل االنتماء الثقافي بصفته نفعاً اساسياً وصورة من صور التعبير‬

‫عن احترام الذات‪ ،‬ما اطلق عليه( األسس االجتماعية الحترام الذات)‪ ،‬فال شك في أن األنتماء الثقافي‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫نقالً عن حسام الدين على مجيد‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.234‬‬

‫سبب ذلك التأثير يعود أوالً الى إن الثقافة تعمل على تعيين نطاق عالمهم وبنا ِ‬ ‫ئه‪ ،‬فتساعدهم بذلك على أتخاذ ق اررات‬

‫صائبة بخصوص ما هو قيم بالنسبة اليهم في حياتهم(تشدد هذا المقولة على دور الثقافة في بناء األستقالل الذاتي) ‪.‬أما‬ ‫الثاني‪ :‬فهو أن الثقافة تهب االفراد حس الهوية‪ ،‬فهي توفر لهم مصد اًر غير مشروط وشامل لتقوية األنتماء واألرتباط‬

‫بعضهم ببعض وتسهل إمكانية التفاهم المتبادل وتعزز التضامن اإلجتماعي والثقة فيما بينهم‪ .‬للمزيد حول هذا الموضوع‬ ‫ينظر‪ :‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.235‬‬ ‫‪3‬‬

‫ينظر ‪ :‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.236‬‬

‫‪128‬‬

‫أحد اهم هذه األسس التي كان يفترض على رولز عند تصميم تجربة الوضع االصلي مراعاة مقتضياتها‪،‬‬ ‫وال سيما ان األطراف وفق عقالنيتهم وادراكهم الخير ال يريدون خسارة اوضاعهم االجتماعية وتقويض‬ ‫أسس احترامهم لذواتهم‪ .‬األمر الذي عبر عنها كميلكا(مادام خسران األنتماء الثقافي يدخل في نطاق‬ ‫بعدها منفعة رئيسية‪ ،‬هو اعتقاد يشتمل‬ ‫خسارة تلك األوضاع‪ ،‬فإن اعتقاد رولز بأهمية الحرية وأولويتها‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫بعينه وبالتالي يمنحنا خيارات ذات معنى(‪.)1‬‬ ‫على قيمة األنتماء الثقافي‬

‫‪-2‬الحرمان الثقافي‪-:‬‬ ‫يعارض الليبراليون عموماً منح أية حقوق للجماعات أستناداً الى األنتماء الثقافي للفرد‪ ،‬معتقدين بأن‬

‫منح الحقوق أعتماداً على األنتماءالثقافي سيخلق بالضرورة تفاوتاً راسخاً ذا طبيعة أعتباطية وأخالقية ما‬ ‫بين المواطنين وذلك يتوزيعهم الى فئتين(مواطنين من درجة اولى وثانية)‪ .‬وبغية تالفي مثل هذا الوضع‪،‬‬

‫طرح الليبراليون المعاصرون فكرة حيادية الدولة القائلة بوجوب عدم لجوء الدولة الى مكافئة أو معاقبة‬ ‫أي معتقد من المعتقدات ذات صلة بالحياة الكريمة‪ .‬في مقابل ذلك يرى كيملكا أن العمل بحيادية الدولة‬ ‫يخل التوازن الذي يراد تحقيقه ما بين الجماعة المهيمنة ثقافياً والجماعات الخاضعة لها وتعمل تلك‬

‫الحيادية على ضمان حيازة الجماعات الخاضعة عدداً محدداً جداً من الخيارات في سياق تفاعلها المتبادل‬

‫مع الجماعة المهيمنة وكيفية مجابهة ما تتمتع بها األخيرة من سيطرة وتفوق‪ .‬وبذلك تغدو حيادية الدولة‬

‫مجرد آلية بيد الجماعة المهيمنة لحماية ثقافتها وتعزيز شأنها على حساب الجماعات األخرى داخل‬ ‫نطاق(الدولة ‪ -‬األمة ) (‪.)2‬‬ ‫وتأسيساً على ما تقدم‪ ،‬يؤكد كميلكا أن تجاهل نظرية رولز لقيمة أهتمامات جماعة معينة(مثل االهتمام‬

‫بالهوية واللغة واألنتماء الثقافي) والتقليل من شأن تلك اإلهتمامات من قبل الدولة سيؤدي الى شعور‬ ‫أعضاء تلك الجماعة بالضرر حتى إذا تم أحترام حقوقهم المدنية والسياسية األساسية‪ ،‬وفي حال فشل‬ ‫مؤسسات الدولة في االعتراف بثقافة جماعة ما وهويتهم وعدم أحترامهما‪ ،‬فسيؤدي الى نتيجة متمثلة في‬ ‫االضرار البالغ بأحترام الجماعة لذاتها وشعورها باألنتماء وبالتالي‪ ،‬ال تغدو الحقوق الجماعية بمثابة‬ ‫‪ 1‬ينظر‪ :‬محمد عثمان محمود‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ص‪.297‬‬

‫ينظر‪ :‬حسام الدين علي مجيد‪ ،‬ص‪.238‬ومن اجل المقارنة تستند حجة كميلكا الى برهنة أن أعضاء األقليات الثقافية‬

‫قد يواجهون انواعاً معينة من الحرمان(بخصوص خير العضوية الثقافية) وهذا الحرمان يتطلب منح حقوق لألقليات‬ ‫ويبررها‪ .‬لبرهنة هذا‪ ،‬يقترح كميلكا أن نستعيد بذاكرتنا قصة المزاد لدوركين المتعلق بالناجين من سفينة‪ ،‬غير أن كميلكا‬ ‫يدخل تعديالً على المثال‪ ،‬فبدالً من أن يكون الناجون من سفينة واحدة‪ ،‬يطلب منا أن نتصور سفينتين إحداهما كبيرة‬

‫واألخرى صغيرة قاموت بعملية مزاد دوركيني وما أن أستوفت أشتراطات أختبار الحسد‪ ،‬حتى غادر الركاب السفينتين‬ ‫للبدء في أستغالل الموراد التي أحتازوها‪ .‬بيد أنه أتضح أن ركاب السفينتين من قوميتين مختلفتين‪ ،‬ووجد ركاب السفينة‬ ‫الصغيرة انفسهم في وضع أقل حظوة‪.‬للمزيد حول هذا المثال ينظر‪ :‬كولن فارلي ‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.238-232‬‬

‫‪129‬‬

‫امتيازات غير عادلة أو أنها شكل من أشكال التميز العرقي الذي يثير األستياء والتعصب لدى الجماعة‬ ‫المهيمنة تجاه األقليات الثقافية‪ ،‬بل من الممكن رؤية الحقوق الجماعية من زاوية انها تعويض عن‬ ‫الحرمان الجائر الذي لحق باألقليات‪ ،‬وهذا ليس معناه ان ينسجم مع العدالة وحسب‪ ،‬بل إنه ضروري‬ ‫لتحقيقها‪ .‬من جهة أخرى يرى كميلكا ضرورة التعامل مع حقوق اإلنسان وحقوق األقلية معاً بأعتبارهما‬ ‫عنصرين متكافئين من حيث األهمية في الدول المتعددة األثنيات والثقافات‪ ،‬بحيث أن حقوق األقليات‬ ‫تتجاوز من جهة تلك المجموعة المألوفة من حقوق المواطنة الحديثة والسياسية(التي هي مضمونة أصالً‬ ‫في جميع الديمقراطيات الليبرالية)‪ .‬ومن جهة ثانية يتم أعتمادها بهدف االعتراف بالهويات والحاجات‬ ‫المميزة للجماعات األثنية والثقافية‪ .‬ومن جهة ثالثة‪ ،‬فإن حقوق األقلية هي من األمور الضرورية لتحقيق‬ ‫العدالة‪ ،‬استناداً الى وجهة نظر رولز نفسه القائلة بأن العدالة تتطلب إزالة او تعويضاً عن أشكال الحرمان‬ ‫األعتباطية أخالقياً أو غير المستحقة(‪.)1‬‬

‫وبناء ِ‬ ‫عليه يقوم كميلكا بالعمل على أشتقاقات الحقوق الجماعية التي تحمي الجماعة الثقافية من‬ ‫ً‬ ‫أهتمامات الجماعة ومصالحها عينها‪ .‬فمثلها تتولد بحقوق الفردية ومن مصلحة كل فرد في الحرية‬ ‫الشخصية‪ ،‬فإن الحقوق الجماعية تنبع هي األخرى من مصلحة كل جماعة في المحافظة على بقائها‬ ‫واستمرارها بشكل ينبغي أن تتوازن الحقوق الجماعية من حيث األهمية مع حقوق األفراد الذين تتشكل‬ ‫الجماعة منهم‪ ،‬مما يعني إن كميلكا يهدف من وراء منظوره للعدالة الى تحقيق توازن بين األهمية الفردية‬ ‫واألهمية الجماعية(أي بين الحرية الفردية واألنتماء الثقافي)‪ ،‬وذلك على أساس أن المجتمع مكون أصالً‬ ‫من أفراد وجماعات ثقافية‪ ،‬ومن ثم ينبغي التعامل مع األفراد وأنتماءاتهم الثقافية بموجب منظور للعدالة‬ ‫اوسع نطاقاً‪ ،‬يأخذ بعين االعتبار أهمية تحقيق هذا التوازن‪ .‬ويتمثل ذلك المنظور الثقافي عن العدالة‬

‫لدى كميلكا في العدالة األثنية الثقافية(‪.)2‬‬

‫أستناداً لما سبق يمكن عرض بعض أوجهه المقارنة بين رولز وكميلكا‪ ،‬إذ يعمل األخير على تبني‬ ‫نظرية رولز في العدالة للتعامل مع التنوع الثقافي‪ ،‬إال إنه يوسع من نطاق ِ‬ ‫هذه النظرية لتشمل األفراد‬ ‫والجماعات الثقافية معاً‪ .‬فهو ينظر الى طروحات رولز من زاوية أنها تصلح للتطبيق في المجتمع‬

‫المتجانس ثقافياً‪ ،‬وليس المجتمع المتعدد الثقافات‪ .‬فضالً على إن نظرية رولز تهدف الى بناء مجتمع‬ ‫‪1‬‬

‫نقالً عن‪ :‬حسام الدين علي مجيد‪ ،‬مصدر سبق دكره‪ ،‬ص‪.240-239‬‬

‫‪ 2‬يعرف كميلكا العدالة األثنية الثقافية‪ ،‬بأنها غياب عالقات األضطهاد واإلذالل مابين مختلف الجماعات األثنية الثقافية‪،‬‬ ‫بحيث يتحقق ِ‬ ‫فيه التكامل بين اصناف شتى الجماعات األثنية الثقافية عن طريق حقوق األقلية‪ ،‬والعمل على حماية‬ ‫الحقوق الفردية ضمن المجتمع السياسي لكل من األكثرية واألقلية عن طريق حقوق اإلنسان التقليدية‪ .‬للمزيد ينظر‪:‬‬ ‫المصدر نفسه‪،‬ص‪ .241‬وكذا ‪Will Kymilka, Politics in the Vernacular, Nationalism :‬‬ ‫‪Multiculturalism and Citizenship,op,cit, p.72.p78.‬‬

‫‪130‬‬

‫محايد عرقياً‪ ،‬وذلك بإزالة كافة التشريعات التي من شأنها أن تفرق بين األفراد من حيث العرق او األثنية‬ ‫وتستثني من ذلك اإلجراءات التي تصب في صالح األفراد األقل أنتفاعاً‪ .‬في المقابل ومقارنة مع االتجاه‬ ‫الليبرالي يؤكد دعاة التعددية الثقافية فكرة ان هذا الهدف قائم على أساس ضعيف‪ ،‬إذ ليس بامكان الفصل‬

‫مابين الدولة‪-‬األمة واألثنية والثقافة وحتى في حال قيام الدولة بمثل هذا الفصل‪ ،‬فإن األمر سيكون‬ ‫لصالح الجماعات المهيمنة ونمط حياتهم على حساب الجماعات األخرى وأنماط حياتهم(‪.)‬‬ ‫فضالً عن هذا فإن مفكري األتجاه العام لليبرالية األجتماعية واالتجاه المساواتي(رولز ودوركين) تحديداً‬

‫ينظرون الى مفهوم الحرية من زاوية التحرر من أي تدخل في صناعة القرار الشخصي(خصوصاً تدخل‬ ‫ِ‬ ‫وعليه‬ ‫الدولة)‪ .‬أي بمعنى حصر تدخل الدولة في حدود المجال العام دون شمله المجال الخاص‪،‬‬ ‫سيتعامل كافة الناس في المجال العام بصورة متساوية ستغدو حقوقهم مضمونة دون أستثناء‪ ،‬أما المجال‬

‫الخاص‪ ،‬فيكون الناس أح ار اًر لعيش حياة كريمة وفقاً لمفهومهم واختياراتهم‪ .‬أما كميلكا‪ ،‬فيشدد على فكرة‬ ‫أنه سعياً لتحقيق الحرية‪ ،‬ينبغي أن يكون المرء ح اًر في التعبير عن نفسه‪ ،‬بعد ِه عضواً في جماعة ثقافية‬

‫ما‪ ،‬فضالً على كونه فرداً مشكالً بذاته‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬يجب أن يكون المرء قاد اًر على تعيين خياراته وتفضيالته‬ ‫ِ‬ ‫ومعتقداته‪.‬‬ ‫في الحياة طبقاً لثقافته ومعتقداته‪،‬ال طبقاً لثقافة غيره‬

‫وعلى الرغم من كون العدالة هي األساس الفلسفي لليبرالية بخصوص كيفية التعامل مع األفراد وتنوعهم‬ ‫األخالقي‪ ،‬فإن الليبراليين ال يتفقون على مسألة‪ :‬هل أن العدالة تشتمل على التنوع الثقافي أم يجب‬ ‫حصرها في التنوع األخالقي دون التنوع الثقافي؟ فاإلتجاه الليبرالي عموماً والليبرالية اإلجتماعية(االتجاه‬

‫المساواتي) خصوصاً يؤكدون على فكرة أقتصار العدالة على التنوع األخالقي فقط (من خالل أنتهاج‬

‫سياسة حيادية الدولة للتعامل مع معتقدات األفراد بشأن الحياة الخيرة)‪ ،‬معتقدين ان خالفها يؤدي الى‬

‫تعميق التفاوتات االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬بينما دعاة التعددية الثقافية‪ ،‬يرون أن الدولة – األمة‪ -‬منحازة‬

‫في جوهرها الى صالح الجماعة المهيمنة منذ نشوء ِ‬ ‫هذه الدولة‪ ،‬وأن الالحيادية تعمل على تعميق حدة‬ ‫تلك التفاوتات‪ ،‬فضالً عن تعزيزها لشعور األقليات الثقافية بهويتها(‪.)1‬‬

‫‪ ‬يجادل كميلكا إن السبب في ذلك‪ ،‬هو أن رولز وغيره من مفكري األتجاه العام لليبرالية اإلجتماعية او األتجاه المساواتي‬ ‫مثل دوركين‪ .‬قد أعتقدوا خطأ أن المجتمع السياسي هو نفسه المجتمع الثقافي‪،‬ألن الواقع العملي يشير إلى أن هناك‬ ‫مجتمع سياسي يمارس في ِه األفراد حقوقهم ومسؤلياتهم طبقاً لمنظور العدالة الليبرالية وهناك مجتمع ثقافي‪ ،‬الذي يعمل ِ‬ ‫فيه‬ ‫األفراد على صياغة أهدافهم ومصالحهم وتعديلها ‪ ،‬وان المنتمين الى هذا المجتمع يتقاسمون ثقافة ولغة وتأريخاً واحداً‪.‬‬

‫وبموجبها‪ ،‬يتم تحديد أنتمائهم الثقافي وعليه‪ ،‬فإن المجتمع السياسي يشتمل على أكثر من مجتمع ثقافي واحد‪ .‬للمزيد من‬ ‫االطالع ينظر‪:‬حسام الدين علي مجيد‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.250-249‬‬

‫‪1‬‬

‫نقالً عن‪ :‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.253-252‬‬

‫‪131‬‬

‫وعليه يمكن القول إن أتجاه التعددية الثقافية يحاول إحداث تغير نوعي في البناء الفكري الليبرالي‪،‬‬ ‫سعياً لتجاوبها مع التغيرات الثقافية والديمقراطية الحاصلة في المجتمعات الغربية ‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪/‬العدل والخير وسياسة االعتراف عند تشارلز تايلور‪-:‬‬ ‫فيما سبق ذكره من هذا الفصل‪ ،‬تبين أن دعاة التعددية الثقافية وبعض الجماعاتيين يعتقدون بضرورة‬ ‫جعل الثقافة جزءاً من المجال العام‪ ،‬وذلك من خالل توسيع نطاق الحرية ومساواة الليبراليين لصالح‬ ‫األقليات الثقافية‪ ،‬ثم مطالبة الدولة بضمان تحقيق ذلك عبر منح هذه األقليات حقوقاً جماعية تكفل لها‬

‫استم اررية ثقافتها‪ .‬هذا التوجه الفكري يخالف بعض الليبراليين الذين يؤمنون بفكرة حيادية الدولة من خالل‬

‫جعل الثقافة شأناً خاصاً بالفرد دون دخولها المجال العام‪،‬ألن العمل بالضد من ذلك سيقود الى شيوع‬

‫الالمساواة وتشظية الدولة‪-‬األمة في نهاية المطاف ومن أجل تفادي ذلك يطرح ( تايلور‪.)() -1931‬‬ ‫مجموعة من المفاهيم والطروحات وهذا مانسلط الضوء عليها كاآلتي‪-:‬‬ ‫اوالً‪ /‬مسألة العدل والخير(أسبقية الخير على العدل)‪ :‬تتسم مقاربته لمسألتي العدل والخير بالمرونة‬ ‫واألعتدال مقارن ًة بنظيراتها امثال(ساندل وغيرهم)‪ ،‬إذ يعبر تايلور على أن الذات الليبرالية مكتقية بنفسها‬

‫سياسياً وأقتصادياً(‪ ،)1‬وال ترتقي حتى للتصور األدنى لألنسان كحيوان سياسي ال يحقق طبيعته إال داخل‬

‫المجتمع ويفسر هذا االنحدار باختزال مفهوم الخير في بعد أحادي‪ ،‬إال هو البعد النفعي المتمركز على‬

‫الفرد(‪ .)2‬إال أن تايلور ال ينكر دالالت الخير الثانوية وراء مفهوم الحق‪ ،‬مقارناً بأن الحق ذاته ارقى‬

‫‪‬‬

‫فيلسوف كندي من مدينة كيبك وهو أستاذ للفلسفة والعلوم السياسية في جامعة (ماكجيل) في مونتريال‪ ،‬سعى الى‬

‫تنقيح أنطولوجيا النفس الذي تقوم عليها النظرية السياسية الحديثة والفلسفة التحليلية صدرت مقاالته الفلسفية في‬

‫عام(‪ )1985‬وهو من النقاد المجتمعين لليبرالية‪ .‬هو األن من رجال السياسة األكثر شعبية في كيبك‪ .‬من أهم أعماله‪:‬‬

‫(شرح السلوك ‪ )1964‬و(هيغل والمجتمع ‪)1979‬و(التعددية الثقافية‪:‬دراسة سياسة األعتراف‪ )1992‬و(العلمانية وحرية‬ ‫الضمير‪ .)2010‬للمزيد ينظر‪ :‬روبرت بنيوك وفليب غرين‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪ .482‬وكان تايلور مهتماً في بادىء‬ ‫األمر بقضية بناء الذات‪ .‬إن تصوره لألشخاص كأفرد مدمجين‪ ،‬وهو تصور ينتمي لمذهب الجماعاتية‪ ،‬قد مكنه من‬

‫الدفاع عن سياسة االعتراف‪ ،‬المرتكزة على االعتقاد أن األفراد يحتاجون أن يكونوا موضوعاً لمواقف اآلخرين اإلجابية‪،‬‬ ‫وأن الثقافات لها جوهرها الخاص الفريد والحقيقي‪ .‬ينظر‪ :‬اندرو هيوود‪ ،‬النظرية الساسية‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.369‬‬ ‫‪1 Thomas Moody,"some Companions between Liberalism and Ecentric Communitarnism‬‬ ‫‪,Op.Cit ,p.94.‬‬ ‫‪ 2‬يقصد بها هيمنة البعد األنتاجي واألستهالكي على كل نواحي الحياة‪ .‬وبالمقارنة مع الليبرالية يتضح عنده‪ ،‬أن نمط‬ ‫الخير الوحيد الذي تراهن ِ‬ ‫عليه الليبرالية هو خير نفعي فردي مباشر المتأت في العملية األقتصادية‪،‬أما اشكال الخير‬ ‫األخرى(الالمادية) فتعدها الليبرالية مصدر الصراعات الالمتناهية وتوكلها الى عاتق األفراد وبرغباتهم في األعتناق والتخلي‬ ‫عنها‪ .‬للمزيد ينظر‪=:‬‬

‫‪132‬‬

‫الخيرات‪ ،‬وعليه ال يكفي أن تتوقف عند مجرد اإلقرار بأولوية الحق على الخير‪ ،‬بل يتعين الذهاب الى‬ ‫أبعد من ذلك بتحديد معاني الخير الممكنة اال أنه من غير معقول أن ندافع عن نظرية للحق تنكر كونها‬ ‫ذات قاعدة وأمتدات في نظرية للخير‪ .‬فمقارن ًة مع الطرح الرولزي يرد الخير الى العدل و تفسر أسبقية‬

‫العدالة على الخير وأن الخير ال يتحقق إال إذا ما توفرت البنى األساسية الديمقراطية للعدل واإلنصاف‬ ‫ويكون الخير المتعاقب من تطبيق العدالة واإلنصاف نتيجة وليس سبباً‪ ،‬لذلك فمن المنطقي إذا ما اختزلنا‬

‫دالالت الخير كلها في الدائرة األقتصادية والسياسية أن يكون تابعاً ال متبوعاً‪ ،‬مسبوقاً ال سابقاً‪ .‬لذا‬ ‫يضيف تايلور دالالت للحق في عالقته العضوية بالخير تتجاوز المستوى الذي توقف عنده رولز‪.‬‬

‫مدافعاً عن أسبقية الخير في مستويين‪ .‬المستوى األولى‪:‬هو الخير الذي يقع داخل كل فرد‪ .‬والمستوى‬ ‫الثاني‪ :‬الخير الذي يتمتع بحضور جوهري وموضوعي(وهو األهم) ألنه يمنحنا مرجعية تقويم أخالقية‬

‫ن تجاوز من خاللها تناقضات رؤانا الذاتية والنسبية للخير وقد يوحدنا حول بعض الخيرات األساسية‬ ‫الالزمة ألستمرار الجماعة وهو الخير األقصى الذي تنشده اإلرادات الفردية والجماعية(‪.)1‬‬ ‫فضالً عن هذا فإن الطرح التايلوري(نسبة الى تايلور) يتباين أيضاً عن نظيره الجماعاتي الذي يقيم‬

‫صلة وثيقة بين مبدأ الخير ونمط الحياة الجماعية وخاص ًة الثقافية‪ .‬في حين يرى تايلور ان الحياة‬

‫الجماعية ليست محددة لطبيعة الخير الفرد‪ .‬ألنها مسبوقة باألنخراط البدئي لإلنسان في العالم‪ ،‬فقبل‬ ‫وجود الفرد نفسه في الفضاء اإلجتماعي وجد العالم وأنخرط في قوانينه وتكيف مع معطياته‪ ،‬وبفضل‬ ‫ذلك باتت النقلة الى المرحلة الثقافية واإلجتماعية شيئاً طبيعياً‪ ،‬علماً إن الثقافة ليست سوى تعبير عن‬ ‫هذا األنخراط‪ ،‬واألنخراط البدئي هو الذي يمكن الفرد من الحكم على صالحية الثقافات‪ ،‬وعندها يتأسس‬ ‫الخير على صالحية تتعالى وتتجاوز حدود الثقافات وأوليتها على الخير(‪.)2‬‬ ‫ويمكن القول أن تايلور يرجع خلفية التصور الليبرالي ألولوية الحقوق الفردية على االنتماءات‬ ‫الجماعية(كما هو واضح عند رولز) إلى كانط الذي عرف كرامة اإلنسانية باستقاللية اإلنسان‪ ،‬أي قدرة‬ ‫كل شخص على تحديد تصوره الخاص للحياة المثالية‪ .‬فالخطر الذي يفضي اليه هذا الرأي هو قيام‬ ‫ليبرالية تتأسس على الحقوق الفردية وترفض االختالف الثقافي عاجزة عن قبول أنماط الحياة الثقافية‬

‫‪=Richard Tuck,"Rights and Pluralism", in Philosophy in age of uralism,The ,The‬‬ ‫‪Philosophy of Charles Taylor in Questions Op.Cit ,p.160‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫نقالًعن‪ :‬مصطفى بن تمسك‪ ،‬اصول الهوية وعللها‪،‬جداول للنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،2014،‬ص‪.212-211‬‬ ‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.213‬‬

‫‪133‬‬

‫للمجموعات التي هي أساس بقائها‪ ،‬مما يعني اعترافاً بالحقوق الجماعية واالختالفات الثقافية‪ .‬بدل‬

‫األكتفاء بالحقوق الذاتية الفردية وذلك من خالل تبني سياسة االعتراف ‪.‬‬ ‫ثانياً‪ /‬سياسة االعتراف‪-:‬‬

‫ان حيادية الدولة ليست هي الطريق الوحيد للتعامل مع التنوع الثقافي‪ ،‬بل هناك طرق أخرى بديلة‪،‬‬ ‫لعل من أبرزها سياسة االعتراف العام لألقليات الثقافية‪ .‬وهي تعني إعادة توزيع الموارد االقتصادية‬ ‫ار من لدن الدولة‪-‬األمة‬ ‫والسلطة السياسية لصالح األقليات‪ ،‬ومن ثم تغدو سياسة االعتراف العام إقر اً‬ ‫بوجود االختالفات والتباينات الثقافية على نحو رسمي‪ .‬وتتخذ ِ‬ ‫هذه السياسة في وقتنا المعاصر تسميات‬ ‫مثل(سياسة التباين) أو(سياسة الهوية)‪ .‬وترتبط سياسة االعتراف بصورة وثيقة بمبادىء سياسية أقدم‬ ‫عهداً وأوسع أنتشا اًر هي في االساس متعلقة بالعدالة األجتماعية‪ ،‬واعادة توزيع الموارد األقتصادية وان‬ ‫هذا المطلب لم يكن فقط مجرد قضية اقتصادية‪ ،‬بل ضم في ثناياه برنامجاً ثقافياً سواء بصورة صريحة‬

‫أم ضمنية(‪.)1‬‬

‫يعد تايلور أول من تطرق إلى مفهوم سياسة االعتراف خالفاً عن اليمين الليبرالي الذي يكتفي بتمسك‬

‫بفكرة حيادية الدولة‪ ،‬ويرفض من حيث المبدأ فكرة االعتراف الرسمي بالتباينات الثقافية‪ ،‬إذ يعتقد تايلور‬

‫بوجوب احترام التنوع الثقافي‪ ،‬وحماية الدولة لحقوق األقليات بما ال يتعارض مع الحقوق والحريات‬ ‫األساسية للفرد‪ .‬مجادالً بأن سياسة االعتراف ترتبط يتغيرين رئيسين أصابا المجتمع الغربي وتراتبه‬ ‫األجتماعي‪ ،‬يتمثل التغير األول‪ ،‬بالتحول من تبني‪ ،‬الشرف الى تبني الكرامة‪ ،‬مما أدى الى بروز سياسة‬ ‫الشمولية التي تشدد على فكرة الكرامة المتساوية لعموم المواطنين وتحقيق المساواة بين المواطنين في‬ ‫الحقوق والواجبات‪ ،‬مستهدفاً الشمول دون وجود مواطنين من الدرجة األولى ومواطنين من الدرجة الثانية‬

‫مهما كانت التكاليف‪ .‬أما التغير الثاني فتجسد في تطور الفكرة الحديثة عن الهوية مما أدى الى ظهور‬

‫سياسة التباين او سياسة االعتراف ‪ ،‬م ِق اًر وجود هوية مميزة للفرد والجماعة(‪.)2‬‬

‫وبحسب تايلور يذهب البعض‪ ،‬الى أعتبار سياسة االعتراف بالتعددية‪ ،‬خيانة لشرعية الحياد السياسي‪.‬‬ ‫فالحياد السياسي يدعم معاملة جميع المكونات الثقافية على قدر من المساواة‪ .‬ووفقاً لمبدأ الكرامة اإلنسانية‬

‫الشاملة ال يقوم بأي استثناءات إزاء االختالفات الثقافية فيميز إحداها من األخرى‪ .‬نجد أن تايلور يبرر‬

‫هذه األستثناءات السياسية بأعتبارها ال ترمي إال الى حماية حقوق األقليات بالعيش بحرية في كنف‬

‫‪ 1‬حسام الدين على مجيد‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪ .208‬وكذا‪Hoffman and Graham, Introduction to :‬‬ ‫‪Political Ideologies,(London Education Limited, 2006),p.205.‬‬ ‫‪ 2‬المصدر نفسه‪ :‬ص‪ .209‬وينظر الهامش(‪ )90‬من نفس الصفحة‪.‬‬

‫‪134‬‬

‫األغلبية المسيطرة‪ ،‬وال تقوم سياسة االعتراف والتكيف مع االختالفات إال باالستناد في نهاية المطاف‬ ‫إلى األساس األولي للكرامة اإلنسانية‪ .‬ومعنى ذلك إن سياسة االعتراف ال تعاند المبادىء األساسية‬ ‫المنبثقة من المساواة الشاملة‪ ،‬بل تنطلق من حيث اعترافها أوالً بكرامة األفراد المتساوية‪ .‬ومن ثم توسيع‬ ‫نطاق هذا االعتراف ليشمل حقوقاً ثقافية متمايزة مساهماً في تحرير أفراد األقليات من اإلحباط وفي‬ ‫تحفيزهم على التفاعل سياسياً واجتماعياً في السياق التأريخي الذي يقيمون فيه (‪.)1‬‬

‫يتطلب العبور من مبدأ المساواة الشاملة إلى االعتراف باألختالفات الثقافية في واقع األمر‪ ،‬منح اعتراف‬ ‫سياسي ووضع قانوني لحالة خاصة ال يشترك فيها إال بعض الناس على وجه الحصر(‪ .)2‬األمر الذي‬ ‫يقتضي من مبدأ المساواة العمل على االعتراف بالخصوصية الثقافية وتمايزاتها وليس العكس(‪ .)3‬وينبغي‬ ‫التعامل من باب العدل واإلنصاف مع كل المواطنين على قدم المساواة‪ .‬ويقتضي مفهوم العدالة التامة‬ ‫األخذ بعين االعتبار كل الخصوصيات وليس فقط تلك التي تميز الثقافة الزائدة(‪ .)4‬إن مايستحق قيمة‬ ‫األعتراف هو(القدرة ) التي يشترك فيها الجميع على حد سواء‪ ،‬وهي باعثة على الوجود والتماييز وهذا‬ ‫ِ‬ ‫وعليه‪ ،‬تستند ممارسة سياسة االعتراف الى ما‬ ‫ما يؤكد أن كل شخص يستحق االحترام فيما ي َّعبر عنه‪.‬‬ ‫تنطوي عليه من قيمة أخالقية مطلقة‪ ،‬هذه اإلطالقية تعني هنا إن الجميع يرمون تكوين هوية لهم ويرمون‬ ‫تعريفها في بعديها المتالحقين(الفردي والثقافي)‪ .‬هنا يوافق كميلكا على قول تايلور بدعوة األنظمة‬ ‫الليبرالية الى األعتراف سياسياً بحقوق األقليات‪ ،‬ذلك إن مبدأ المساواة في الحقوق والحريات األساسية‬

‫بات غير كاف‪ ،‬إلن سياسة الليبرالية تستهدف الضمانة القانونية للممارسة الفعلية للحقوق العامة والخاصة‬ ‫بالمواطنة‪ .‬وال تدخل هذه الحقوق في خانة حقوق المواطنة المتعينة على أساس انتماء اجتماعي(‪ .)5‬بيد‬

‫أن تايلور يدافع عن ذلك النظام الذي يشجع التعدد الثقافي وتنوع اللغات‪ ،‬ويمكن أن يخفف المجتمع‬ ‫الليبرالي من هذا االختالف بشرط أن يوضع ملف العدالة في خانة الحقوق الثقافية وأن يؤمن هذا المجتمع‬

‫‪ 1‬سايد مطر‪،‬مسائل التعددية واألختالف في األنظمة الليبرالية‪،‬المركز العربي لألبحاث والدراسات‪،‬بيروت‪، 2015،‬ص‪.82‬‬ ‫‪2‬‬

‫أفضل مثال على هذا طلب مواطنين في كبيك بتشريع قوانين لجعل اللغة الفرنسية لغتهم الرسمية‪ .‬للمزيد حول هذا‬

‫الموضوع ينظر‪ :‬ويل كميلكا‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.326‬‬

‫‪ 3‬شن مؤيدو نزعة التعددية الثقافية الى(جانب الليبرتاريين أمثال نوزك الرافضين للسلطة األبوية) حملة ضد القانون الذي‬

‫صدر في السبعينيات في المملكة المتحدة يلزم راكبي الدراجات النارية بأرتداء الخوذات‪ .‬وأعتبروه أنه ينتهك حرية األديان‬

‫كونه غير منصف للسيخ المعممين‪ ،‬وكذا القوانين المنظمة لمسألة الذبح اإلنساني للحيوانات الخاصة بأديان اليهود‬

‫والمسلمين لذبح الحيوانات وفقاً لتقاليدهم‪ ،‬وكذا قانون ارتداء غطاء الرأس في فرنسا‪ .‬للمزيد من االطالع ينظر‪ :‬كولن‬ ‫فارلي‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.247-239‬‬ ‫‪4‬‬

‫باتريك سافيدان‪ ،‬الدولة والتعدد الثقافي‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.67‬‬

‫‪5‬‬

‫سايد مطر‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.86‬‬

‫‪135‬‬

‫بالعدل بين الثقافات(‪ .)1‬ومن جانب أخر ومقارنة بالمنطق الليبرالي الكالسيكي الذي يرى أن االعتراف‬ ‫باالختالفات الثقافية ربما يهدد حياد الدولة إزاء المضامين المنبثقة من حرية االختيار‪ ،‬يؤكد كالً من‬

‫كميلكا وتايلور على عدم إمكان االعتراف بأي حقوق ثقافية مالم تستند الى مقتضى الحريات الفردية‬ ‫األساسية وتتوافق معها‪ .‬تهدف سياسة االعتراف ببعض المطالب الخاصة ترمي في نهاية المطاف الى‬ ‫نشر روح التسامح والسعي الى التقارب بين المكونات المختلفة ودمجها إجتماعياً بدل تفريقها‪ ،‬وتكون‬

‫حاف اًز للتضامن اإلجتماعي بين المكونات الثقافية المختلفة(‪.)2‬‬

‫هناك سؤال مثار حول هل أن التعددية الثقافية تضعف الدعم لدولة الرفاه ولسياسات إعادة التوزيع؟‬ ‫حسب الفرضية التي يقدمها المدافعون عن التعددية الثقافية‪ -‬ان المؤسسات الكبرى منحازة لألغلبية وأن‬ ‫ذلك يهدد بشدة المصالح المقترنة باألفعال والهوية الشخصية‪ -‬يمكننا أن نتوقع أن ترى األقليات نفسها‬ ‫بالغربة تجاه العملية السياسية برمتها وأن تحترس منها‪ .‬يمكننا ان نتنبأ إذن بأن االعت ارف بالتعددية‬ ‫الثقافية سيعمق فعالً التضامن وسيدعم االستقرار السياسي وذلك بإزاحة الحواجز وازالة أشكال اإلقصاء‬ ‫التي تمنع األقليات من أن تنخرط بشكل مريح في المؤسسات السياسية‪ .‬فما حدث في(كندا واستراليا)‬ ‫أفضل دليل على هذا‪ ،‬وكانا اول من اعتمدا سياسات رسمية في التعددية الثقافية‪ .‬وهناك من يرى عكس‬ ‫ذلك امثال(بريان باري) مفترضين أن التعددية الثقافية تضعف الوحدة االجتماعية ولها مفعول سلبي على‬ ‫سياسة إعادة التوزيع إال انه ال يقدم لنا أي دليل على وجود مثل ذلك المفعول السلبي(‪.)3‬‬ ‫من ناحية أخرى وحسب تايلور أن حياد الدولة يقوض المعنى الجماعي للخير المشترك وهو معنى‬ ‫ضروري حتى يقبل المواطنون تحمل التضحيات التي تقتضيها منهم دولة الرفاه‪ .‬بيد ان معنى الخير‬ ‫المشترك وقع اآل ن ضحية لشيوع ضرب من الثقافة السياسية قائمة على مبدأ حياد الدولة وهي ثقافة‬ ‫تسمح لألفراد باختيار أهدافهم على نحو مستقل عن(نمط الحياة المشتركة)‪ ،‬كما تسمح لهم أيضاً باالمتناع‬ ‫عن العمل وفقا للخير المشترك إن أروا فيه ما يتضارب مع حقوقهم‪ ،‬وهذا يعني إننا لم نعد مستعدين‬

‫لتحمل األعباء التي تقتضيها العدالة الليبرالية‪ .‬ومن هنا تاتي أزمة المشروعية التي تعيشها الديمقراطيات‬ ‫الليبرالية‪ ،‬فهي تطلب من المواطنين تضحيات باسم العدالة يتزايد حجمها باستمرار في حين تكون قيمة‬ ‫ما يتقاسمونه مع من يطلب منهم التضحية من أجلهم متقلصاً‪ .‬وال يوجد أي نمط في الحياة المشتركة‬

‫يمكنه دعم ما تطلبه الدولة المحايدة من مواطنيهم(‪( .)4‬هذا ما دافع عنه كل من رولز ودوركين)‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫سيلين سباكتر وتشارلز تايلور‪ ،‬حكاية الذات‪ ،‬ت‪ .‬رشا مرتضى‪ ،‬المجلة العالمية‪ ،‬ابريل ‪ ، 2016،‬ص‪.241‬‬

‫‪ 2‬سايد مطر‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.86‬‬ ‫‪ 3‬ويل كميلكا‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.457-456‬‬ ‫‪4‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.322‬‬

‫‪136‬‬

‫وأخي اًر بقي أن نضيف إن نزعة التعددية الثقافية لم تنجو من النقد وبخاصة نقد المساواتيين الليبراليين‬

‫أمثال(بريان باري ‪ .)()2009-1939‬إذ مثل إنشغاله الرئيسي في زعمه بأن سياسة االعتراف تقوض‬

‫إعادة التوزيع ألن سياسة األخيرة تعتمد على حس التضامن الذي يجعل المواطنين يتصورون العملية‬ ‫ار على مستوى المجتمع حول المسائل ذات األهتمام المشترك)‪ .‬بيد أن السياسة التي تؤيدها‬ ‫السياسية(حو اً‬ ‫نزعة التعددية الثقافية تثير الخالف واإلنقسام وتقوض بالتالي األلتزام بالمساواة الليبرالية‪ .‬ويجادل باري‬

‫بأن أنصار نزعة التعددية الثقافية يخطؤن عندما يفترضون أن جميع األفراد وحاالت اإلجحاف التي‬ ‫تتعرض لها الجماعة تنجم عن خصائصهم الثقافية المميزة(‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫وعليه يمكن القول إن منتقدي نزعة التعددية الثقافية يؤمنون بأن إنشغال دعاة نزعة التعددية الثقافية‬ ‫الكامل بمجاالت االجحاف الثقافي جعلهم يغفلون التفكير في أهم القضايا االجتماعية الملحة التي تواجه‬ ‫المجتمعات الرأسمالية‪ ،‬وخاص ًة حاالت اإلجحاف االجتماعي – االقتصادي‪ .‬وان التحدي الذي يواجه‬ ‫أنصار التعددية الثقافية يتمثل في قدرتهم على تبيان الكيفية التي تساعد بها السياسات التي يدافع عنها‬

‫أعضاء المجتمع األقل حظوة‪ .‬لذا يجب توضيح المصالح التي تكمن وراء المزاعم المتعقلة بأهمية الثقافة‬ ‫وتقديم حجج مقنعة على قدرة سياسات التعددية الثقافية على توفير الحماية األفضل لتلك المصالح‪.‬‬ ‫ومن مجمل ما سبق نستطيع القول‪ :‬يرى والزر أن هناك مشكلة عند اإلتجاه الليبرالي عند صياغتهم‬ ‫لنظريات العدالة بأعتبارها تنتهج منهجاً واحداً وتركز على مفهوم واحد للعدالة التوزيعة‪ .‬ولحل هذه‬ ‫المشكلة يطرح والزر شرطين‪ :‬ففي الشرط األول‪ ،‬يرى أنه ليس هناك منهجاً ومفهوماً واحداً يطبق على‬ ‫جميع الحاالت‪ ،‬بل لكل حالة توزيع ولكل سلعة خاصة أسلوب ومفهوم خاص يجب أن يركز عليه في‬

‫التوزيع‪ .‬والشرط الثاني هو أن يكون منهج التوزيع والمفهوم المركزي فيه منسجماً مع تلك السلع المراد‬ ‫توزيعها‪ ،‬مقارناً مع الليبراليين بأنه من المستحيل تحديد التوزيع العادل في مجتمع ما دون أعتبار لثقافة‬

‫هذا المجتمع ونمط عيشه‪ ،‬رافضاً بذلك طموح الليبرالين تجاه العمومية األخالقية(التي يتبناها رولز)‬

‫وتشكيل نظرية في العدالة قابلة للتطبيق العام وعلى جميع الثقافات‪ ،‬وال يمكن االستناد الى تلك المبادىء‬

‫التي يقرها رولز والداعي الى عدم حصر مبادىء العدالة بين المواطنين ضمن حدود اقليم معين‪ ،‬وتطبيق‬ ‫مبادىء العدالة ومنهج توزيع على جميع الثقافات بغية تحقيق هدفه لقيام العدالة العالمية‪ ،‬هذا ما ترفضه‬

‫‪‬‬

‫أستاذ للفلسفة السياسية بجامعة كولومبيا وأستاذ للعلوم السياسية في لندن‪ ،‬حصل على جائزة(جوان سكايت ) للعلوم‬

‫السياسية عام‪ ،2001‬يعد من أبرز المنظرين السياسين المعاصرين‪ ،‬له مؤلفات عدة ومنها(نظرية ليبرالية في العدالة‪)1973‬‬ ‫و(نظريات العدالة األجتماعية‪ )1989‬و(لماذا تعد العدالة األجتماعية مهمة؟‪ )2005‬للمزيد من األطالع ينظر‪ :‬مؤلفه‪،‬‬ ‫الثقافة والمساواة‪ :‬نقد مساواتي للتعددية الثقافية‪ ،‬ت‪ .‬كامل المصري‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،2011 ،‬ص‪.223‬‬ ‫‪ 1‬كولن فارلي‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.251‬‬

‫‪137‬‬

‫ميللر المنتمي للصيغة العينية األخالقية‪ .‬مجادالً مثله مثل والزر بأن العينية األخالقية تعامل الفاعلين‬ ‫على أنهم مقيدون مسبقاً بروابط والتزامات متنوعة لفاعلين معينين آخرين‪ ،‬أو جماعات أخرى‪.‬‬

‫أما بالنسبة لمقارنة رؤى كل من ساندل ورولز حول الذات‪ ،‬فعند رولز يحدد األفراد أهدافهم الشخصية‬ ‫وخططهم في الحياة ليس في إطار وضع جماعي‪ .‬أما عند ساندل فإن الذات تبدو متجددة وفق قيم‬ ‫سائدة في المجتمع‪ ،‬وعليه يعارض ساندل في نقده لليبرالية بأنه يتأسس على مفهوم غير مقيد للذات‪،‬‬ ‫مؤيداً لفكرة حياد الدولة على اساس أن الموقف المحايد هو الوحيد الذي يحترم األشخاص بوصفهم ذواتاً‬ ‫حرة مستقلة وقادرة على اختيار قيهما وغاياتها‪[.‬هذه االستقاللية قد يؤدي االفراد أن ال يولوا اهتماماً للنمط‬

‫الحياة والخير المشترك]‪ .‬ويرى تايلور أيضاً أن حياد الدولة يقوض المعنى الجماعي للخير المشترك بيد‬ ‫أن معنى الخير المشترك وضع اآلن ضحية لشيوع ضرب من الثقافة السياسية القائمة على مبدأ حياد‬

‫الدولة وهي ثقافة ال تسمح لألفراد باختيار أهدافهم على نحو مستقل عن نمط الحياة المشتركة‪.‬‬ ‫أما بالنسبة لكميلكا فأنه ينظر الى طروحات رولز بأنها تصلح للتطبيق في المجتمع المتجانس ثقافياً‪،‬‬

‫وليس في مجتمع متعدد الثقافات‪ ،‬هادفاً لبناء مجتمع محايد عرقياً‪ .‬وأن مفكري اإلتجاه العام لليبرالية‬

‫اإلجتماعية أو األتجاه المساواتي(رولز ودوركين) يحصرون تدخل الدولة في حدود المجال العام دون‬ ‫شمله المجال الخاص‪ ،‬وعليه سيتعامل كافة الناس في المجال العام بصورة متساوية وضامنة لحقوقهم‬ ‫دون أستثناء‪ ،‬أما المجال الخاص‪ ،‬فسيكون الناس أح ار اًر لعيش الحياة الكريمة وفقاً لمفهومهم وأختياراتهم‪.‬‬

‫ومقارن ًة بهذا يشدد كميلكا على فكرة أنه سعياً لتحقيق الحرية‪ ،‬ينبغي أن يكون المرء ح اًر في التعبير عن‬ ‫نفسه بعد ِه عضواً في جماعة ثقافية ما‪ ،‬ومن ثم يجب أن يكون المرء قاد ًار على تعين خياراته وتفضيالته‬

‫في الحياة طبقاً لثقافته ومعتقداته‪ .‬وعليه يرجع تايلور خليفة التصور الليبرالي ألولوية الحقوق الفردية‬

‫عن االنتماءات الجماعية الى كانط الذي عرف الكرامة االنسانية باستقاللية اإلنسان‪ ،‬أي قدرة كل شخص‬ ‫على تحديد تصوره الخاص للحياة المثالية‪ ،‬فالنمط الذي يؤدي اليه هذا الرأي‪ ،‬هو قيام ليبرالية تتأسس‬ ‫على الحقوق الفردية وترفض األختالف الثقافي وعاجزة عن قبول أنماط الحياة الثقافية للمجموعات التي‬ ‫هي أساس بقائها وذلك من خالل تبني سياسة تعترف بذلك التنوع الثقافي‪.‬‬

‫‪138‬‬

‫الخاتمة(االستنتاجات)‬ ‫يعد مفهوم العدالة من المفاهيم المحورية وذات اهمية مركزية في فلسفة األخالق والسياسة والحقوق‬ ‫عبر العصور‪ ،‬فقد صور المفكرون السياسيون(المجتمع الجديد ) على أنه المجتمع(العادل)‪ ،‬غير أن‬ ‫درجة االتفاق كانت اقل بشأن ماتمثله العدالة‪ ،‬فهناك إشكاليات فيما يتعلق بالوقوف على ماهيتهما‬ ‫وابعادهما ودالالتها في الواقع‪ .‬وتلعب الخطابات االتي تتحدث عن العدالة دو اًر هاماً في تأريخ الفلسفة‬

‫السياسية منذ القدم‪ ،‬بأعتبارها قاعدة اجتماعية اساسية الستمرار الحياة‪ ،‬وقاعدة تنطلق منها بحوث ايجاد‬ ‫المقاييس والمعايير األخالقية والقانونية‪ ،‬ومن خاللها يتم الدفاع عن المفاهيم االخرى(الحرية والمساواة‬ ‫والسعادة والحق واألخالق والصواب‪ ...‬وغيرها من المفاهيم)‪ .‬ومع كل تلك األهمية لمفهوم العدالة‪ ،‬إال‬

‫أنه لم ينتب مفهوم ما من الجدل مثلما أنتاب مفهوم العدالة‪ ،‬وذلك ليس لكثرة ما كتب عنه او حوله‪،‬‬ ‫على العكس من ذلك فقد لقي األهتمام على مستوى تأريخ الفكر الفلسفي بوجه عام والفكر السياسي‬ ‫والنظرية السياسية بوجه خاص‪ ،‬غير أن أية فكرة وصلت اليها اإلنسانية‪ ،‬وفيها شيء من الكمال‪ ،‬قد‬ ‫مرت بمجموعة من المنحدرات وشهدت مراحل من المد والجزر نحو تطورها وكمالها‪ ،‬والعدالة من األفكار‬ ‫التي ال يمكن استثناؤها من هذه القاعدة‪ .‬فربما تكون العدالة المثال النموذجي للمفهوم(محل تنازع بشكل‬ ‫اساسي)‪ ،‬إذ ال يوجد مفهوم موضوعي أو مقرر للعدالة‪ ،‬إنما يوجد مجموعة من المفاهيم المتنافسة‪ .‬ومن‬ ‫هنا وعلى ضوء األسئلة المطروحة المتبناه من خالل بحثنا تم التوصل الى جملة من االستنتاجات‬ ‫كاالتي‪:‬‬ ‫‪ -1‬تحظى العدلة كفكرة اساسية باعتراف انساني عام‪ ،‬ولكن تأسيس العدالة ذاتها وكذلك مبادئها‬ ‫التفصيلية هي موضع خالف ونقاش‪ .‬فالعدالة مفهوم اخالقي أو معياري‪ ،‬بمعنى ماهو(عادل) يكون(جيداً)‬

‫اخالقياً‪ ،‬ووصف شيء بأنه(غير عادل) يعني إدانته بأنه(سيء) اخالقياً‪ .‬ومن جانب آخر تعد العدالة‬ ‫مبدأ عام ومقياس للحكم األخالقي ومعايير القانون‪ ،‬فيما يخص توزيع المكافآت والعقوبات‪ ،‬فهي تعني‬

‫إعطاء كل شخص ماهو(واجب األداء) له‪ .‬فمنذ العصور الوسطى اصبحت العبارة المتوارثة عن فكر‬ ‫العدالة اإلغريقي والروماني‪ ،‬التي تقضي بأن(العدل هو أساس الملك) مبدءاً اساسياً لفلسفة الدولة‪ .‬وان‬ ‫كان واجب الحكام المتمثل في تحقيق العدل يقابله على الجانب اآلخر حق المحكومين في مقاومة الظلم‪.‬‬

‫‪-2‬الجدل السياسي عن العدالة يتمثل في مسألة التوزيع بصفة خاصة‪ ،‬وقد كانت المساواة في توزيع‬ ‫الفرص هي المبدأ الليبرالي‪ ،‬وكل حسب قدراته اإلنتاجية هو المبدأ اإلشتراكي‪ ،‬وكل حسب احتاجاته هو‬ ‫المبدأ الشيوعي للعدالة‪ .‬فهناك نقطة اخرى‪ ،‬وهي مدى ضرورة تحقيق مبدأ المساواة األساسية لكافة البشر‬

‫‪139‬‬

‫في شكل العدالة في توزيع فرص البداية‪ ،‬او العدالة في توزيع الفرص لتحقيق الغايات‪ ،‬فبينما تطالب‬ ‫الديمقراطية االجتماعية المساواة في النتائج‪ ،‬يؤيد مذهب الليبرالية السياسية مبدأ تكافؤ الفرص‪.‬‬ ‫االلتزم‬ ‫ا‬ ‫‪ -3‬تقوم النظرية الليبرالية للعدالة على االعتقاد في المساواة بصور متنوعة‪ ،‬إذ تستلزم الفردية‬ ‫بالمساواة االساسية‪ ،‬وهي فكرة متجذرة في مفهوم الحقوق الطبيعية‪ ،‬كما تستدعي المساواة االساسية‬ ‫اإليمان بالمساواة الرسمية‪ .‬ونتيج ًة لذلك‪ ،‬يرفض الليبراليون أية مميزات او امتيازات اجتماعية‪ ،‬وبهذا‬ ‫المعنى تكون الليبرالية(عمياء) تجاه(االختالف)‪.‬‬

‫‪-4‬يشترك الليبراليون في االعتقاد بتكافؤ الفرص‪ .‬وال يعني هذا القول بأنه ينبغي أن تكون هناك مساواة‬ ‫في النتائج او المكافأة‪ ،‬وأن أحوال المعيشة والظروف االجتماعية يتعين ان تكون نفسها بالنسبة للجميع‪.‬‬ ‫إذ يعتقد الليبرتاريون أن المساواة االجتماعية غير مرغوب فيها بسبب أن الناس لم يولدوا متماثلين‪ ،‬بل‬ ‫يمتلكون مواهب ومهارات مختلفة‪ .‬وانما تعني المساواة عند الليبرالي أن األفراد يجب أن يحظوا بفرص‬ ‫متكافئة لتنمية مهاراتهم وقدراتهم غير المتكافئة(حكم األكفأ)‪ .‬أي ذلك المجتمع الذي ال يعكس فيه عدم‬ ‫المساواة في الثروة والمكانة االجتماعية إال التوزيع غير المتساوي للجدارة او المهارات بين البشر‪ .‬او‬ ‫تتأسس عدم المساواة فيه على عوامل خارجة عن السيطرة البشرية كالحظ او المصادفة‪.‬‬ ‫‪-5‬لقد اختلفت المفكرون والمنظرون الليبراليون في كيفية تطبيق مبادىء العدالة في الممارسة‪ .‬فقد أيد‬ ‫الليبراليون الكالسيكيون حكم األكفأ ألسباب اقتصادية وأخالقية‪ ،‬بتركيزهم على الحوافز‪ ،‬ومن ناحية‬ ‫األخالقية أال يعامل األفراد غير المتساوي بصورة متساوية‪ .‬أما الليبراليون المحدثون‪ ،‬ففهموا العدالة‬ ‫االجتماعية على أنها تتطلب اإليمان بقدر ما من المساواة االجتماعية إلعادة بناء نظام اجتماعي يتفق‬ ‫مع المبادىء األخالقية‪ ،‬ومحاولة تقويم الظلم االجتماعي‪.‬‬ ‫‪-6‬لقد ارتبط مفهوم العدالة االجتماعية بالرفاهة االجتماعية‪ ،‬ومن ثم فإن العدالة االجتماعية تمثل توزيع‬ ‫المكاسب او المكافئات في المجتمع بشكل ممكن الدفاع عنه اخالقياً‪ .‬واضحت العدالة االجتماعية‪ ،‬مثل‬

‫العدالة ذاتها‪ ،‬هي مفهوم محل النزاع‪ ،‬وال يوجد مفهوم متفق عليه بشكل جامع لما هو عادل اجتماعياً‪.‬‬

‫فإذا كانت العدالة تعني(لكل واحد حسب احتياجاته) فسيكون لها تداعيات مساواتية‪ ،‬أي توزيع الموارد‬

‫المادية إلشباع ‪-‬على األقل‪ -‬االحتياجات األساسية لكل شخص‪.‬‬ ‫‪-7‬وبما أن افكار الحاجة والمساواة غالباً مايسيران جنباً الى جنب‪ ،‬فإن النظريات الحديثة القائلة بالمساواة‬ ‫تعتمد احياناً على مجموعة اوسع من الحج‪ .‬ومن اكثر هذه النظريات تأثي اًر هو ماقدمه(جون ارولز) في‬

‫كتابه (نظرية في العدالة)‪ .‬وكان هدفه هو اخذ مكان داخل الفلسفة األخالقية والسياسية‪ ،‬فنظريته بنيت‬ ‫بشكلها النهائي ضد النفعية‪ ،‬ولكن هذا الدحض للنفعية استند على قناعة عميقة وقوية‪ ،‬وهي ان الثقافة‬

‫‪140‬‬

‫الديمقراطية تحمل في داخلها متطلباً او واجباً جوهرياً يسير باتجاه الحريات والحقوق االساسية للمواطنين‪،‬‬ ‫وأن هذا المطلب له األولوية بشكل مطلق‪ ،‬وهو مايشرح مفهوم رولز للعدالة‪.‬‬

‫‪-8‬اذا كانت النظرية النفعية ترى أن معيار العدل والظلم يحتكمان بكل مانفعل ونفكر ونقول‪ ،‬وان العدالة‬ ‫هي تحقيق اكبر قدر من السعادة والخير ألكثر عدد من الناس‪ .‬فقد انتقد رولز هذا الرأي من حيث ان‬ ‫النظرية النفعية تتعامل مع االفراد باعتبارهم وسيلة للوصول الى الخير األكبر للمجتمع وليس غاية‪،‬‬ ‫متأث اًر بالنظرية الديونطولوجية(اخالق الواجب لكانط) وان الفرد غاية بحد ذاته وليس وسيلة‪.‬‬ ‫‪ -9‬وتمثل نظرية رولز الليبرالية االجتماعية واالتجاه المساواتي‪ ،‬والتي احيا فيها النقاش الفلسفي وذلك‬ ‫بالوقوف عند مشكالت الليبرالية داخل سياقها منطلقاً من مفاهيم الحرية والمساواة وتبرير تدخل الدولة‬

‫من أجل اعادة توزيع الثروة وتوفير الفرص‪ .‬لقد ركز رولز بشكل اساسي على مسألة البنية األساسية‬

‫للمجتمع بوصفها الموضوع األول للعدالة‪ ،‬وميزة اساسية لتصور تعاقدي في مجتمع ديمقراطي‪ .‬وقامت‬ ‫نظريته على عدة اهداف ومقاصد‪ ،‬ابرزها‪ ،‬محاولته بعث معنى تجذير اإلنسان في الدولة العقالنية‪،‬‬ ‫وذلك عن طريق تقديم تصور جديد لمفهوم العدالة يكون اساساً اخالقياً لمجتمع ديمقراطي‪ ،‬ومحاولته‬ ‫لتحديد أرضية العدالة من خالل تركيزه على المؤسسات االجتماعية الرئيسية‪.‬‬

‫‪-10‬هكذا ايضاً جاءت نظرية رونالد دوركن في االتجاه المساواتي دفاعاً عن العدالة االجتماعية‪،‬‬ ‫وجاءت نظريته في المساواة وجعل منها اكثر مركزية في الليبرالية‪ ،‬إذ أن الحرية عنده جانب من جوانب‬

‫المساواة عوضاً من أن تكون مثاالً سياسياً مستقالً يمكن ان يتعارض معها‪ ،‬وقدم دوركن صيغته(الليبرالية‬

‫الشاملة) والمؤسسة على مبدأين من ضمن مبادىء الفردانية االخالقية‪ ،‬وهي(مبدأ المساواة في األهمية‪،‬‬ ‫ومبدأ المسؤولية الخاصة)‪ ،‬ليعلن أن القيمة األساسية التي تقوم عليها الليبرالية ليست الحرية‪ ،‬وانما هي‬

‫المساواة وال سيما المساواة في االحترام واالهتمام ‪.‬‬ ‫‪ -11‬يقر أمارتيا صن بأن المفاهيم التأسيسية التي قدمها رولز تعد تحوالً مهماً في الفلسفة السياسية‬ ‫واألخالقية المعاصرة‪ ،‬بيد أنه يأخذ عليها اكتفائها بالتركيز على المؤسسات المثالية‪ ،‬في حين يجب على‬

‫أية نظرية يمكنها أن تتسم بالرحابة وأن تكون أساساً للتفكير العملي(معاينة مسائل إعالء العدل وانزال‬ ‫الظلم) بدل تقديم حلول لمسائل تمس العدالة الكاملة عبر التركيز على إقامة مؤسسات عادلة مع أعطاء‬

‫دور ثانوي ومساعد لطرق الحياة الفعلية للناس على رغم تأثيره على طبيعة فكرة العدالة ذاتها وسعتها‪.‬‬ ‫وال ينكر صن دور المؤسسات‪ ،‬لكنه يعد دورها مساعداً مقارن ًة برولز‪.‬‬ ‫‪-12‬وكذلك جاءت نظرية أمارتيا صن(المساواة في القدرات االساسية) ليقدم فيها رؤية المتعددة لمعاني‬ ‫العدالة‪ .‬ويرى ان العدالة يجب اوالً ان تتخلص من هيمنة رغبة االغلبية وأن تحس الحياة الحقيقية التي‬

‫‪141‬‬

‫يحياها المواطنون‪ ،‬وفي نفس الوقت على العدالة أن تأخذ في الحسبان كل مخاوف واسباب قلق‬ ‫المواطنين‪ .‬اما اذا كانت العدالة االجتماعية هي طبقاً للحقوق‪ ،‬فقد قدمت الليبراتارية(روبرت نوزيك) رؤية‬ ‫ضد النزعة نحو المساواة ودولة الرفاه وتدخل الدولة‪ ،‬برفضها مبدأ العدالة المتعمد على االحتياجات وكل‬

‫افتراض لصالح المساواة‪ .‬وبدالً من ذلك‪ ،‬تناصر مبدأ للعدالة يعتمد على فكرة(الحقوق)‪ ،‬او في بعض‬

‫الحاالت (االستحقاقات)‪ .‬وبذلك ارتكزت على تقليد الفكر التوزيعي‪ ،‬لتكون النظرية في الحقوق الفردية‬

‫مكوناً معيارياً لليبرتارية ونظريتهم في العدالة‪.‬‬ ‫‪ -13‬قدم روبرت نوزك دفاعاً فلسفياً عن المبادىء الليبرتارية‪ ،‬مجادالً بان لألفراد حقوقاً وهي حقوق‬

‫على درجة من القوة واألبعاد‪،‬ال يمكن أنتهاكها لصالح المنفعة األعم‪ .‬وتتضمن تلك الحقوق(حق إستغالل‬

‫الفرد لجسده‪ ،‬وحق ملكيته للموارد التي حصل عليها بكده دون جور)‪ ،‬وهي حقوق من القوة بحيث تضع‬ ‫حتى شرعية الدولة موضع المساءلة‪ .‬وعليه تصبح النظرية في الحقوق الفردية مكوناً معيارياً لليبرتارية‬ ‫ونظريتها في العدالة‪ .‬وقدم نقداً مباش ار لدفاع رولز عن دولة الرفاه المتبنية إلعادة التوزيع‪ .‬ومقارن ًة معه‪،‬‬ ‫أكد على أن الدولة في الحد األدنى محددة وظائفها في الحماية من القوة والسرقة وتطبيق التعاقدات‪ .‬وأن‬

‫أية دولة أكثر أتساعاً من ذلك ستنتهك حقوق األفراد وحريتهم وملكيتهم‪.‬‬ ‫‪-14‬أما جوثير والذي يركن مثله مثل رولز‪ ،‬الى فكرة العقد االجتماعي‪ ،‬إال أنه يرفض فكرة إمكان تبرير‬ ‫نظرية في العدالة بالركون الى أحداس أخالقية‪ ،‬وانما يفترض ِ‬ ‫به بأنه يتوجب أن تؤسس العدالة على‬

‫مقدمات ال عالقة لها باألخالق‪ .‬وأن المبادىء العقالنية التي تحكم تبني الخيارات او إتخاذ الق اررات‬ ‫تشتمل على مبادىء تقيد سعي الفاعل وراء تحقيق مصالحه بطريقة محايدة‪ ،‬هذه المبادىء األخيرة هي‬ ‫التي تعتبرها مبادىء أخالقية‪.‬‬ ‫‪ -15‬تركز الجماعاتية على ضرورة أعطاء مفهوم الجماعة أكثر أهتماماً‪ ،‬مجادلين بان النظرة الليبرالية‬ ‫تتجاهل الدور التكويني للجماعة في تشكيل فردية الفرد‪ .‬وأن مشكلة الليبرالية إزاء الحقوق‪ ،‬هي أنها‬

‫تفترض أن األفراد ذوي حقوق موجودون قبل المجتمعات في حين أن المجتمعات هي التي تمنح الحقوق‬ ‫لألفراد ويؤكد بأن الحقوق يجب أن تقوم على القيم السائدة في المجتمع‪ ،‬وأن مبادىء العدالة تستمد قوتها‬ ‫األخالقية من قيم مشتركة في جماعة‪،‬وأن قيمهم هي التي تحدد ما هو عادل أو غير عادل‪.‬‬ ‫‪-16‬هذا ما أكد عليها ساندل عندما كان يرى إن الذات متجددة وفق القيم السائدة في المجتمع‪ .‬مخالفاً‬ ‫مع رولز الذي يحدد األفراد عنده اهدافهم وخططهم الشخصية في الحياة خارج اإلطار الجماعي‬

‫‪142‬‬

‫وقيمها(باعتبارهم ذواتاً مستقلة غير مقيدة)‪ .‬ويرى الجماعاتيون إن تلك اإلهتمام بالنزعة الفردانية تؤدي‬

‫الى تشضية المجتمع وعدم اإلهتمام بالخير المشترك‪.‬‬

‫‪-17‬اما بالنسبة للتعددية الثقافية باعتبارها شكالً من أشكال الجماعاتية‪ ،‬وبديل إجابي عن سياسة‬ ‫اإلدماج‪ .‬يلتزم بسياسة اإلقرار بحقوق المواطنين والهويات الثقافية لجماعات األقليات العرقية واثبات قيمة‬

‫التنوع الثقافي واإلعتراف بحقهم في الوجود كجماعات متميزة في المجتمع‪ .‬وشكل األقليات الثقافية وقضية‬ ‫انقسامها للسلطة السياسية والموارد االقتصادية مع األكثرية المهيمنة‪ ،‬موضوعهم الرئيسي‪ .‬ما دفع كميلكا‬ ‫مناداة بضرورة اإللتفاف اليهم عند اإلنشغال على تحقيق العدالة الليبرالية السياسية في دول متعددة‬ ‫الثقافات‪ ،‬محاوالً تحقيق التوازن بين األهمية الفردية واألهمية الجماعية(أي بين الحرية الفردية واإلنتماء‬ ‫الثقافي)‪ .‬وأكد عليها تايلور بتصور الليبرالي ألولوية الحقوق الفردية على اإلنتماءات الجماعية‪ ،‬والتي‬ ‫بالنتيجة يفضي بالخطر‪ ،‬ألنه يرفض اإلختالف الثقافي ويعجز عن قبول انماط الحياة الثقافية للمجموعات‬ ‫التي هي أساس بنائها‪ .‬لذا نادى تايلور( من خالل تبني سياسة االعتراف) الى الدعوى باالعتراف بحقوق‬ ‫الجماعية واختالفات ثقافية بدل اإلكتفاء بالحقوق الفردية‪.‬‬

‫‪143‬‬

‫قائمة المصادر والمراجع‬ ‫اوالً‪ /‬المعاجم والموسوعات‪:‬‬ ‫‪ .1‬ابراهيم مدكور‪ ،‬المعجم الفلسفي‪ ،‬الهيئة العامة لشؤون المطابع األميرية‪ ،‬مصر‪.1983،‬‬ ‫‪ .2‬ابراهيم مدكور‪ ،‬المعجم الوجيز‪ ،‬مجمع اللغة العربية‪ ،‬المطبعة األميرية‪ ،‬القاهرة ‪.1994،‬‬ ‫‪ .3‬أبن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬مجلد الرابع‪ ،‬بيروت‪.1956 ،‬‬ ‫‪ .4‬دليل أوكسفورد للفلسفة‪ ،‬تحرير تدهو تدرتش‪ ،‬المكتبة الوطنية للبحث‪ ،‬ت‪ .‬نجيب الحصادي‪ ،‬ليبيا‪،‬‬ ‫‪.2003‬‬ ‫‪ .5‬دليل أكسفورد للفلسفة‪ ،‬تحرير‪ :‬تدهو تدرتش‪،‬ج‪ ،2‬ت‪.‬منصور محمد البابو ومحمد حسن أبو بكر‪،‬‬ ‫المكتب الوطني للبحث والتطوير‪.2003،‬‬ ‫‪ .6‬طوني بنيت ولورانس غروسبيرغ‪ ،‬مفاتيح إصطالحية جديدة‪ ،‬معجم المصطلحات الثقافية‪ ،‬ت‪ .‬سعيد‬ ‫الفاتحي‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪.2010،‬‬ ‫‪ .7‬علي بن الجرجاني‪ ،‬كتاب التعريفات‪ ،‬دار أحياء التراث العربي للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪.2003،‬‬ ‫‪ .8‬الكيالي(وأخرون)‪ ،‬الموسوعة السياسية‪ ،‬الجزءالرابع‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات‪ ،‬بيروت‪.2001،‬‬ ‫‪ .9‬مراد وهبة‪ ،‬المعجم الفلسفي‪ ،‬دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،4‬القاهرة‪.1998،‬‬ ‫‪.10‬‬

‫جورج طرابيشي‪ ،‬معجم الفالسفة‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.2006 ،3‬‬

‫‪.11‬‬

‫روزنتال وبومدين‪ ،‬الموسوعة الفلسفية‪ ،‬ت‪ .‬سمير كرم‪ ،‬بيروت‪.2006 ،‬‬

‫‪.12‬‬

‫موسوعة الهالل اإلشتراكي‪ ،‬مطبعة د ار الهالل‪ ،‬القاهرة‪.1968،‬‬

‫ثانياً‪ /‬المراجع العربية والمعربة‪-:‬‬ ‫‪ .1‬ابراهيم العيسوي‪ ،‬العدالة االجتماعية والنماذج التنموية‪ ،‬المركز العربي لألبحاث‪ ،‬بيروت‪.2014،‬‬ ‫‪ .2‬أبوبكر محمد أمين‪،‬العدالة مفهومها ومنطلقاتها‪ ،‬دار الزمان للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬دمشق‪،‬‬ ‫‪.2010‬‬ ‫‪ .3‬أحمد إبراهيم حسن‪ ،‬غاية القانون‪ ،‬دار المطبوعات الجامعية‪ ،‬المصر‪.2001،‬‬ ‫‪ .4‬أحمد أبراهيم عبد منصور‪ ،‬كفائة وعدالة توزيع الدخل‪ ،‬دون دار النشر‪،‬القاهرة‪.2013 ،‬‬ ‫‪ .5‬احمد عبدالحافظ‪ ،‬الدولة والجماعات العرقية‪ ،‬مركز الدراسات السياسية واإلستراتيجية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪.2005‬‬ ‫‪ .6‬إسماعيل زروخي‪ ،‬دراسات في الفلسفة السياسية‪ ،‬دار الفجر‪ ،‬الجزائر‪ ،‬دون سنة النشر‪.‬‬ ‫‪ .7‬إسماعيل نامق حسين‪ ،‬العدالة بين الفلسفة والقانون‪ ،‬الفراهيدي للنشر والتوزيع‪ ،‬بغداد‪.2014،‬‬

‫‪144‬‬

‫‪ .8‬أفالطون‪ ،‬الجمهورية‪ ،‬دراسة وترجمة فؤاد زكريا‪ ،‬دار الوفاء للطباعة والنشر‪،‬بيروت‪.2004،‬‬

‫‪ .9‬أمارتيا ِ‬ ‫صن‪ ،‬فكرة العدالة‪ ،‬ت‪ .‬مازن جندلي‪ ،‬الدار العربية للعلوم ناشرون‪ ،‬بيروت ‪.2010 ،‬‬ ‫‪.10‬‬

‫امارتيا ِ‬ ‫صن‪ ،‬التنمية حرية‪ ،‬ت‪.‬شوقي جالل‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬المجلس الوطني للثقافة‪ ،‬الكويت‪،‬‬

‫‪.2004‬‬ ‫‪.11‬‬

‫إمام عبدالفتاح إمام‪ ،‬األخالق والسياسية(دراسة في فلسفة الحكم)‪ ،‬المجلس األعلى للثقافة‪،‬‬

‫القاهرة‪.2001،‬‬ ‫‪.12‬‬

‫اندرو هيوود‪ ،‬مدخل الى األيدولوجيات السياسية‪ ،‬ت‪.‬محمد صفار‪ ،‬المركز القومي للترجمة‪،‬‬

‫القاهرة‪.2012 ،‬‬ ‫‪.13‬‬

‫اندرو هيوود‪ ،‬النظريات السياسية‪،‬ت‪.‬لبنى الزيدي‪ ،‬المركز القومي للترجمة‪ ،‬القاهرة‪.2013 ،‬‬

‫‪.14‬‬

‫أنطونى غيدنز‪ ،‬بعيداً عن اليسار واليمين‪ ،‬مستقبل السياسات الراديكالية‪ ،‬ت‪ .‬شوقي جالل‪ ،‬عالم‬

‫‪.15‬‬

‫أنطوني دي كرسبني وكينث مينوج‪ ،‬من فالسفة السياسة في قرن العشرين‪ ،‬ترجمة وتقديم د‪.‬نصار‬

‫المعرفة‪ ،‬الكويت‪.2001 ،‬‬

‫عبدهللا‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪.2012،‬‬ ‫‪.16‬‬

‫باتريك سافيدان‪،‬الدولة والتعدية الثقافية‪ ،‬ت‪ .‬مصطفى حسوني‪ ،‬دار تويفال للنشر‪ ،‬المغرب‪،‬‬

‫‪.2011‬‬ ‫‪.17‬‬

‫باسكال سالن‪ ،‬الليبرالية‪ ،‬ت‪ .‬تمالدو محمد‪ ،‬مؤسسة األطلس لألبحاث األقتصادية‪ ،‬بيروت‪،‬‬

‫‪.2011‬‬ ‫‪.18‬‬

‫برتراند رسل‪ ،‬تأريخ الفلسفة الغربية‪ :‬الفلسفة القديمة‪ ،‬الكتاب األول‪ ،‬ت‪.‬د‪.‬زكي نجيب محمود‪،‬‬

‫لجنة التأليف والترجمة والنشر‪ ،‬القاهرة‪.1967،‬‬ ‫‪.19‬‬

‫بريان باري‪،‬الثقافة والمساواة‪ :‬نقد مساواتي للتعددية الثقافية‪ ،‬ت‪ .‬كامل المصري‪ ،‬الجزء الثاني‪،‬‬

‫عالم المعرفة‪ ،‬الكويت‪.2011،‬‬ ‫‪.20‬‬

‫بول ريكور‪ ،‬الذات عينها كاآلخر‪ ،‬ت‪.‬جورج زيناتي‪ ،‬المنظمة العربية للترجمة‪ ،‬بيروت‪.2005 ،‬‬

‫‪.21‬‬

‫بول ريكور‪ ،‬العادل‪ ،‬ت‪.‬مجموعة من المترجمين‪ ،‬المجمع التونسي للعلوم واالداب‪ ،‬بيت‬

‫الحكمة ‪،‬التونس‪.2009،‬‬ ‫‪.22‬‬

‫بومدين بوزيد‪ ،‬فلسفة العدالة في عصر العوامة‪ ،‬الدار العربية للعلوم ناشرون‪ ،‬الجزائر‪.2009،‬‬

‫‪.23‬‬

‫تحسين حمه غريب‪ ،‬العدالة ونظرياتها‪ ،‬منشورات جامعة التنمية البشرية‪ ،‬السليمانية‪.2016 ،‬‬

‫‪.24‬‬

‫تحسين حمه غريب‪ ،‬جون رولز فيلسوف العدالة‪ ،‬مشروع ‪ 100‬كتب‪،‬سلسلة(‪ ،)82‬السليمانية‪،‬‬

‫‪.2009‬‬

‫‪145‬‬

‫‪.25‬‬

‫مرجعة وتحرير‬ ‫ترينس بول وريتشارد بيلالمي‪ ،‬الفكر السياسي في القرن العشرين‪ ،‬ت‪ .‬مي مقلد‪ ،‬ا‬

‫طلعت الشايب‪ ،‬المركز القومي للترجمة‪ ،‬القاهرة‪.2010 ،‬‬ ‫‪.26‬‬

‫توماس هوبز‪ ،‬اللفياثون‪ ،‬ت‪ .‬دنيا حرب وبشرى صعب‪ ،‬الفارابي للنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪.2010 ،‬‬

‫‪.27‬‬

‫توماس ماير وأودو فورهولت‪ ،‬المجتمع المدني والعدالة‪ ،‬مجموعة من المترجمين‪ ،‬القاهرة‪.2010،‬‬

‫‪.28‬‬

‫جان توشار‪ ،‬تأريخ الفكر السياسي‪ ،‬ت‪.‬علي مقلد‪ ،‬الدار العالمية للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬

‫بيروت‪ ،‬ط‪.1983 ،3‬‬ ‫‪.29‬‬

‫جان جاك روسو‪ ،‬العقد اإلجتماعي أو مبادىء حقوق اإلنسان‪ ،‬ت خالد زعيتر‪ ،‬بيروت‪.1995 ،‬‬

‫‪.30‬‬

‫جان جاك شوفاليه‪ ،‬تأريخ الفكر السياسي‪ ،‬ت‪.‬محمد عرب صاصيال‪ ،‬المؤسسة الجامعية‬

‫للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪.1979،‬‬ ‫‪.31‬‬

‫جمال سالمة علي‪ ،‬النظريات السياسية والقضاية الفكر السياسي‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬

‫‪.2005‬‬ ‫‪.32‬‬

‫جورج سباين‪ ،‬تطور الفكر السياسي(الكتاب األول)‪ ،‬ت‪.‬حسن جالل العروسي‪ ،‬دار المعارف‪،‬‬

‫القاهرة‪ ،‬ط‪.1971 ،4‬‬ ‫‪.33‬‬

‫جورج سباين‪ ،‬تطور الفكر السياسي(الكتاب الثاني)‪ ،‬ت‪ .‬حسن جالل عروسي‪ ،‬مؤسسة فرانكلين‬

‫للطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‪ -‬نيورك‪ ،‬ط‪.1969 ،2‬‬ ‫‪.34‬‬

‫جورج سباين‪ ،‬تطور الفكر السياسي(الكتاب الثالث)‪ ،‬ت‪.‬راشد البراوي‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬مصر‪،‬‬

‫‪.1671‬‬ ‫‪.35‬‬

‫جون إهنبيرغ‪ ،‬المجتمع المدني(التأريخ النقدي للفكر)‪،‬ت‪ .‬علي حاكم صالح وحسن ناظم‪،‬‬

‫المنظمة العربية للترجمة‪ ،‬بيروت‪.2008 ،‬‬ ‫‪.36‬‬

‫‪.37‬‬

‫جون بليس وستيفن سميث‪ ،‬عولمة السياسة العالمية‪ ،‬دبي‪ ،‬مركز الخليج لألبحاث‪.2004 ،‬‬

‫جون رولز‪ ،‬العدالة كإنصاف‪ :‬إعادة صياغة‪ ،‬ت‪.‬حيدر حاج إسماعيل‪ ،‬مركز دراسات الوحدة‬

‫العربية‪ ،‬بيروت‪.2009،‬‬ ‫‪.38‬‬

‫جون رولز‪ ،‬قانون الشعوب وعودة الى فكرة العقل العام ‪ ،‬ت‪ .‬محمد خليل‪ ،‬المجلس األعلى‬

‫للثقافة‪ ،‬القاهرة‪.2007 ،‬‬ ‫‪.39‬‬

‫جون رولز‪ ،‬نظرية في العدالة‪ ،‬ترجمة ليلى طويل‪،‬الهيئة العامة السورية للكتاب‪ ،‬دمشق‪.2011 ،‬‬

‫‪.40‬‬

‫جون ستيوارت ميل‪ ،‬النفعية‪ ،‬ت‪ .‬حيدر حاج إسماعيل‪ ،‬المنظمة العربية للترجمة‪ ،‬توزيع مركز‬

‫دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪.2012،‬‬ ‫‪.41‬‬

‫ديفيد جونستون‪ ،‬مختصر تاريخ العدالة‪ ،‬ت‪ .‬مصطفى ناصر‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬كويت‪.2012 ،‬‬

‫‪146‬‬

‫‪.42‬‬

‫حسام الدين علي مجيد‪ ،‬أشكالية التعددية الثقافية في الفكر السياسي المعاصر‪ ،‬مركز دراسات‬

‫الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪.2010 ،‬‬ ‫‪.43‬‬

‫حسن محمد كحالني‪ ،‬الفردانية في التفكير الفلسفي المعاصر‪ ،‬مكتبة مدبولي‪ ،‬القاهرة‪.2004،‬‬

‫‪.44‬‬

‫حسين مؤنس‪ ،‬الحضارة ‪:‬دراسة في أصول وعوامل قيامها‪،‬عالم المعرفة ط‪ ،2‬المجلس الوطني‬

‫للثقافة والحقوق واألداب‪ ،‬الكويت‪.1998،‬‬ ‫‪.45‬‬

‫ديفيد جونستون‪ ،‬مختصر تاريخ العدالة‪ ،‬ت‪ .‬مصطفى ناصر‪ ،‬عالم المعرفة‪،‬دون بلد النشر‪،‬‬

‫‪ ،2012‬ص‪.86‬‬ ‫‪.46‬‬

‫روبرت بينوك وفليب غرين‪ ،‬مجموعة المفكرين السياسين في القرن العشرين‪ ،‬ت‪ .‬مصطفى‬

‫محمود‪ ،‬المراكز القومي للترجمة‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪.47‬‬

‫روبرت دال‪ ،‬التحليل السياسي الحديث‪ ،‬ت‪ .‬عال أبوزيد‪ ،‬مركز أهرام للترجمة والنشر‪ ،‬القاهرة‪،‬‬

‫‪.48‬‬

‫ريمون غوش‪ ،‬السياسة في العهد السقراطي‪ ،‬دار الساقي‪ ،‬بيروت‪.2008،‬‬

‫‪.49‬‬

‫سايد مطر‪ ،‬مسائل التعددية واألختالف في األنظمة الليبرالية‪،‬المركز العربي لألبحاث ودراسات‪،‬‬

‫‪ ،1993‬ص‪.167‬‬

‫بيروت‪.2015،‬‬ ‫‪.50‬‬

‫سربست نبي‪ ،‬المجتمع المدني(السيرة الفلسفية للمفهوم)‪ ،‬مؤسسة حمدي للطباعة والنشر‪،‬‬

‫السيمانية‪.2006،‬‬ ‫‪.51‬‬

‫ستيفن ديلو‪ ،‬التفكير السياسي والنظرية السياسية والمجتمع المدني‪ ،‬المشروع القومي للترجمة‪،‬‬

‫ت‪ .‬ربيع وهبة‪ ،‬قاهرة‪.2000،‬‬ ‫‪.52‬‬

‫سعد الدين أبراهيم‪ ،‬التعددية السياسية والديمقراطية في الوطن العربي‪ ،‬منتدى الفكر العربي‪،‬‬

‫عمان‪.1989،‬‬ ‫‪.53‬‬

‫سعيد عبدالحافظ‪ ،‬المواطنة‪ :‬حقوق وواجبات‪ ،‬مركز ماعد للدراسات الحقوقية والدستورية‪،‬‬

‫القاهرة‪.2007،‬‬ ‫‪.54‬‬

‫سيلين سباكتر وتشارلز تايلور‪ ،‬حكاية الذات‪ ،‬ترجمة رشا مرتضى‪ ،‬المجلة العالمية ‪.2016،‬‬

‫‪.55‬‬

‫سيمور مارتن ليبست‪ ،‬رجل السياسية‪ :‬األسس اإلجتماعية السياسية‪ ،‬ت‪ .‬خيري حماد و آخرون‪،‬‬

‫بيروت‪ ،‬دار األفاق الحديثة‪.1970 ،‬‬ ‫‪.56‬‬

‫صالح أحمد هاشمي‪ ،‬العدالة والمجتمع المدني(حالة مصر)‪ ،‬دون دار النشر‪ ،‬القاهرة‪،‬‬

‫‪.2005‬‬ ‫‪.57‬‬

‫صالح الدين عبدالفتاح الخالدي‪ ،‬سيرة أدم‪ ،‬مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع‪ ،‬األردن‪.2003 ،‬‬

‫‪147‬‬

‫‪.58‬‬

‫صموئيل فريمان‪ ،‬إتجاهات معاصرة في فلسفة العدالة‪ ،‬ت‪ .‬فاضل جكتر‪ ،‬المركز العربي‬

‫لألبحاث‪ ،‬بيروت‪.2005 ،‬‬ ‫‪.59‬‬

‫طيب ابو عزة‪ ،‬نقد الليبرالية‪ ،‬تنوير للنشر واالعالم‪ ،‬القاهرة‪.2013 ،‬‬

‫‪.60‬‬

‫عبدالهادي عباس‪ ،‬أزمة العدالة‪ ،‬دار الحارث‪ ،‬دمشق‪.2007 ،‬‬

‫‪.61‬‬

‫عدنان السيد حسين‪ ،‬تطور الفكر السياسي‪،‬المؤسسة الجامعية للدراسات للنشروالتوزيع‪ ،‬بيروت‪،‬‬

‫ط‪.2012 ،3‬‬ ‫‪.62‬‬

‫علي عبود المحمداوي‪ ،‬الفلسفة السياسية‪ .‬دار الروافد الثقافية‪ -‬ناشرون ‪ ،‬بيروت‪.2015،‬‬

‫‪.63‬‬

‫علي رضا الحسيني‪،‬األسس السياسية في مجتمعات التعددية‪ ،‬دار الهادي للطباعة والنشر‪،‬‬

‫بيروت‪.2006،‬‬ ‫‪.64‬‬

‫غانم محمد صالح‪ ،‬الفكر السياسي القديم والوسيط ‪ ،‬جامعة بغداد‪.2000 ،‬‬

‫‪.65‬‬

‫القاضي عبدالجبار بن أحمد‪ ،‬شرح األصول الخمسة‪ ،‬مكتبة الوهبة‪ ،‬القاهرة‪.1995،‬‬

‫‪.66‬‬

‫كانط‪ ،‬تأسيس ميتافيزيقيا األخالق‪ ،‬ت‪ .‬عبدالفغار المكاوي‪ ،‬قاهرة‪ ،‬الدار القومية للنشر‪.1965 ،‬‬

‫‪.67‬‬

‫كانط‪ ،‬تأسيس ميتافيزيقيا األخالق‪ ،‬ت‪ .‬عبدالفغار المكاوي‪،‬منشورات الجمل‪ ،‬المانيا‪.2002،‬‬

‫‪.68‬‬

‫كانط‪ ،‬مشروع السالم‪ ،‬ت‪ .‬عثمان إمين‪ ،‬دار المدى للثقافة و النشر‪ ،‬العراق‪.2007 ،‬‬

‫‪.69‬‬

‫كانط‪ ،‬نقد العقل العملي‪ ،‬ت‪ .‬غانم حنا‪ ،‬بيروت‪ ،‬المنظمة العربية للترجمة‪.2008 ،‬‬

‫‪.70‬‬

‫كريستيان دوال كامباني‪ ،‬الفلسفة السياسية اليوم‪ ،‬ت‪ .‬نبيل سعد‪ ،‬عين للدراسات والبحوث اإلنسانية‬

‫واإلجتماعية‪ ،‬الطبعة األولى‪.2003 ،‬‬ ‫‪.71‬‬

‫كولن فارلي‪ ،‬مقدمة في النظرية السياسية المعاصرة‪ ،‬ت‪ .‬محمد زاهي بشير ومحجوب الحصادي‪،‬‬

‫جامعة قاريونس‪ -‬بنغازي‪.2008 ،‬‬ ‫‪.72‬‬

‫مارسيل بريلو وجورج ليسكييه‪ ،‬تاريخ األفكار السياسية‪،‬األهلية للتوزيع والنشر‪،‬بيروت‪.1993،‬‬

‫‪.73‬‬

‫مايكل ساندل‪ ،‬العدالة‪ :‬ماالجدير أن يعمل به؟ ت‪ .‬مروان رشيد‪ ،‬جداول للنشر والتوزيع‪ ،‬لبنان‪،‬‬

‫‪.2015‬‬ ‫‪.74‬‬

‫مايكل ساندل‪ ،‬الليبرالية وحدود العدالة‪ ،‬ت‪ .‬محمد هناد‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪،‬‬

‫‪.2009‬‬ ‫‪.75‬‬

‫مجموعة مؤلفين‪ ،‬ما العدالة؟معالجات في السياق العربي‪ ،‬مركز العربي لألبحاث ودراسة‬

‫السياسات‪،‬بيروت‪.2014،‬‬ ‫‪.76‬‬

‫مجموعة مؤلفين‪ ،‬فلسفات عصرنا‪ ،‬إشراف جان فرانسو دوريتي‪ ،‬ت‪ .‬إبراهيم صحراوي‪ ،‬منشورات‬

‫األختالف‪ ،‬الجزائر‪.2009 ،‬‬

‫‪148‬‬

‫‪.77‬‬

‫مجموعة مؤلفين‪ ،‬مفاهيم الليبرتارية وروادها‪ ،‬الفردية والمجتمع المدني(الكتاب الثاني)‪ ،‬تحرير‬

‫ديفد بوز‪ ،‬ت‪ .‬صالح عبد الحق‪.2008 ،‬‬ ‫‪.78‬‬

‫مجموعة مؤلفين‪،‬مفاهيم الليبرتارية وروادها‪(،‬الكتاب السابع)‪ ،‬تحرير ديفيد بوز‪ ،‬ت‪ .‬صالح‬

‫عبدالحق‪.2008 ،‬‬ ‫‪.79‬‬

‫مجموعة مؤلفين‪ ،‬سؤال الحداثة والتنوير بين الفكر العربي والغربي‪ ،‬منشورات الضفاف‪ ،‬بيروت‪،‬‬

‫‪.2013‬‬ ‫‪.80‬‬

‫محمد حميدهللا حيدر أبادي‪ ،‬مجموعة الوثائق السياسية‪ ،‬مطبعة القاهرة‪ ،‬مصر‪(،‬دون سنة‬

‫النشر)‪.‬‬ ‫‪.81‬‬

‫محمد عثمان محمود‪ ،‬العدالة األجتماعية الدستورية في الفكر الليبرالي السياسي المعاصر‪،‬‬

‫المركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬بيروت‪.2014 ،‬‬ ‫‪.82‬‬

‫محمد ممدوح عبدالمجيد‪ ،‬العدالة من مفهوم الى اإلجراء‪ ،‬أبن نديم‪ ،‬بيروت‪.2015،‬‬

‫‪.83‬‬

‫مدونة جستينان‪ ،‬ت‪ .‬عبدالعزيز فهمي باشا‪،‬عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪ ،‬دون سنة النشر‪.‬‬

‫‪.84‬‬

‫مراد دياني‪ ،‬حرية – مساواة – إندماج إجتماعي‪ ،‬المركز العربي لألبحاث والدراسة السياسات‪،‬‬

‫بيروت‪.2014،‬‬ ‫‪.85‬‬

‫مصطفى النشار‪ ،‬تأريخ الفلسفة اليونانية من منظور الشرقي‪ ،‬ج‪ ،2‬دار القباء‪ ،‬القاهرة‪.2000،‬‬

‫‪.86‬‬

‫مصطفى بن تمسك‪ ،‬اصول الهوية وعللها‪ ،‬جداول للنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪.2014 ،‬‬

‫‪.87‬‬

‫مصطفى صقر‪ ،‬فلسفة العدالة عند األغريق المكتبة الجالء الجديدة‪ ،‬المصر‪.1989،‬‬

‫‪.88‬‬

‫موسى إبراهيم‪ ،‬معالم الفكر السياسي الحديث والمعاصر‪ ،‬دار المنهل اللبناني‪،‬بيروت‪.2011،‬‬

‫‪.89‬‬

‫ملحم قربان‪ ،‬قضايا الفكر السياسي‪ ،‬العدالة‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪،‬‬

‫بيروت‪.1992،‬‬ ‫‪.90‬‬

‫موسى إبراهيم‪ ،‬معالم الفكر السياسي الحديث والمعاصر‪ ،‬مؤسسة عزالدين‪ ،‬بيروت‪.1994،‬‬

‫‪.91‬‬

‫نجود بليمان‪ ،‬الليبرالية الحديثة‪ :‬تجديد نظرية العدل عند جون رولز‪ ،‬إتحاد جمعيات الفلسفة‬

‫العربية‪ ،‬دون مكان النشر‪.2008 ،‬‬ ‫‪.92‬‬

‫نورالدين علوش‪ ،‬أعالم الفلسفة السياسية المعاصرة‪ ،‬ابن نديم للنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت ‪.2013 ،‬‬

‫‪.93‬‬

‫نوفل حاج لطيف‪،‬جدل العدالة االجتماعية في الفكر الليبرالي‪،‬جداول للنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪،‬‬

‫‪.2015‬‬ ‫‪.94‬‬

‫هاني يحي نصري‪ ،‬دعوة للدخول في تأريخ الفلسفة المعاصرة‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات‬

‫والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪.2002 ،‬‬

‫‪149‬‬

‫‪.95‬‬

‫ويل ديورانت‪ ،‬قصة الفلسفة‪ ،‬ت‪ .‬عبدهللا مشعشع‪ ،‬مكتبة المعارف‪ ،‬بيروت‪ ،‬المطبعة‬

‫األولى‪.2005،‬‬ ‫‪.96‬‬

‫ويل كميلكا‪ ،‬مدخل الى الفلسفة السياسية المعاصرة‪،‬ت منير الكشو‪،‬المركز الوطني للترجمة‪،‬‬

‫تونس‪.2010،‬‬

‫‪ .97‬ويل كميلكا‪ ،‬أوديسا التعددية الثقافية‪ ،‬ت‪ .‬إمام عبد الفتاح إمام‪ ،‬الكويت‪.2012 ،‬‬ ‫‪.98‬‬

‫ياسر قنصوة‪ ،‬قراءة جديدة في الفلسفة السياسية‪ ،‬رؤية للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪.2009 ،‬‬

‫ثالثاً‪ /‬البحوث‪-:‬‬

‫‪ .1‬أرنست فورتن‪ ،‬القديس أوغستين‪ ،‬في(تأريخ الفلسفة السياسية‪ ،‬ليو شتراوس وجوزيف كروبسي)‪،‬ت‪.‬‬ ‫محمود سيد احمد‪ ،‬المشروع القومي للترجمة‪ ،‬القاهرة‪.2005 ،‬‬ ‫‪ .2‬آلفين توفلر‪ ،‬مقابلة مع آبن راند‪ ،‬في(مجموعة مؤلفين‪ ،‬مفاهيم الليبرتارية وروادها‪ ،‬الحقوق الفردية‪،‬‬ ‫الكتاب الثالث) تحرير ديفيد بوز‪ ،‬ت‪ .‬صالح عبدالحق‪.2008 ،‬‬ ‫‪ .3‬آي غوتمان‪ ،‬رولز والعالقة بين الليبرالية والديمقراطية في(مجموعة باحثين‪،‬أتجاهات معاصرة في‬

‫فلسفة العدالة)‪ ،‬تحرير صموئيل فريمان‪ ،‬ت‪ .‬فاضل جكتر‪ ،‬المركز العربي لألبحاث‬

‫والدراسات‪.2015،‬‬

‫‪ .4‬أنور محمد فرج‪ ،‬البحث عن العدالة العالمية‪ ،‬دراسات قانونية والسياسية(مجلة فصلية)‪ ،‬العدد(‪،)7‬‬ ‫يصدرها مركز الدراسات القانونية والسياسية في كلية القانون والسياسة‪ /‬جامعة السليمانية‪.‬‬ ‫‪ .5‬توم جى بالمر‪،‬أدب الحرية‪،‬في(مجموعة مؤلفين‪ ،‬مفاهيم الليبرتارية وروادها‪ ،‬مستقبل الليبرتارية‪،‬‬ ‫الكتاب السابع)‪ ،‬تحرير ديفيد بوز‪ ،‬ت‪ .‬صالح عبدالحق‪.2008 ،‬‬ ‫‪ .6‬جاك لوكومت‪ ،‬الحرية والمساواة عن كتاب جون رولز‪ :‬نظرية العدالة‪،‬في(جان فرانسوي دوريتي‪،‬‬ ‫فلسفات عصرنا)‪ ،‬ت‪.‬ابراهيم صحراوي‪ ،‬منشورات األختالف‪ ،‬الجزائر‪.2009 ،‬‬ ‫‪ .7‬جمال مفرج‪ ،‬نظرية العدالة عند جون رولز‪ ،‬في (مجموعة باحثين‪ ،‬فلسفة العدالة في عصر العولمة)‪،‬‬ ‫أعداد وتنسيق بومدين بوزيد‪ ،‬منشورات األختالف‪ ،‬الجزائر‪.2009 ،‬‬ ‫‪ .8‬جون ستيوارت ميل‪ ،‬أعتراضات على التدخل الحكومي‪ ،‬في(مجموعة مؤلفين‪ ،‬مفاهيم الليبرتارية‬ ‫وروادها‪ ،‬التشكيك في السلطة‪ ،‬الكتاب األول)‪ ،‬تحرير ديفيد بوز‪ ،‬ت‪ .‬صالح عبدالحق‪.2008 ،‬‬ ‫‪ .9‬عادل صابر الراضي‪ ،‬الفكر الليبرالي المعاصر(جون رولز نموذجاً)‪،‬مجلة الفلسفة‪،‬العدد(‪ ،)10‬تشرين‬ ‫األول‪ ،‬قاهرة‪.2013 ،‬‬

‫‪150‬‬

‫‪.10‬‬

‫دوغ باندوا‪ ،‬تحيز خاص‪ ،‬عالج خاص‪ ،‬في (مجموعة مؤلفين‪ ،‬مفاهيم الليبرتارية وراودها‪ ،‬الفردية‬

‫والمجتمع المدني‪ ،‬الكتاب الثاني)‪ ،‬تحرير ديفيد بوز‪ ،‬ت‪ .‬صالح عبدالحق‪.2008 ،‬‬ ‫‪.11‬‬

‫ديفد ميللر وريتشارد داجر‪ ،‬النغعية وما بعدها‪،‬في(مجموعة مؤلفين‪ ،‬الفكر الساسي في القرن‬

‫العشرين)‪ ،‬ت‪ .‬مي مقلد‪ ،‬تامركز القومي للترجمة‪ ،‬القاهرة ‪.2010‬‬ ‫‪.12‬‬

‫روبرت نوزك‪ ،‬نظرية العدالة في الحقوق‪ ،‬في( مجموعة مؤلفين‪ ،‬مفاهيم الليبرتارية وروادها حقوق‬

‫الفردية‪ ،‬الكتاب الثاني)‪ ،‬تحرير ديفيد بوز‪ ،‬ت‪ .‬صالح عبدالحق‪.2008 ،‬‬ ‫‪.13‬‬

‫ستيفن مولهال وأدم سويفت‪ ،‬رولز والجماعوية‪ ،‬في(مجموعة باحثين‪،‬أتجاهات المعاصرة في‬

‫فلسفة العدالة)‪ ،‬تحرير صموئيل فريمان‪ ،‬ت‪ .‬فاضل جكتر‪ ،‬المركز العربي لألبحاث‪ ،‬بيروت‪2015 ،‬‬ ‫‪.14‬‬

‫سعيد المصري‪ ،‬أوراق الحوا‪ ،‬إشراف محمد رمضان‪،‬اصدار الدوري‪ ،‬اصدار االول‪،‬القاهرة ‪،‬أبريل‬

‫‪.2011 ،‬‬ ‫‪.15‬‬

‫صموئيل شفلر‪ ،‬رولز والنفعية‪ ،‬في(مجموعة باحثين‪ ،‬أتجاهات معاصرة في فلسفة العدالة)‪،‬‬

‫تحرير صموئيل فريمان‪ ،‬ت‪ .‬فاضل جكتر‪ ،‬المركز العربي لألبحاث‪ ،‬بيروت‪.2015 ،‬‬ ‫‪.16‬‬

‫صاموئيل كورفيز‪ ،‬نظرية في العدل‪ ،‬في(أنطوني دي كرسيني وكينث ميونج‪ ،‬الفالسفة السياسية‬

‫في القرن العشرين)‪ ،‬ترجمة وتقديم د‪.‬نصار عبدهللا‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪.2012،‬‬ ‫‪.17‬‬

‫عبدالعزيز ركح‪ ،‬جون رولز‪ ،‬في(مجموعة األكاديمين العرب‪ ،‬الفلسفة السياسية المعاصرة) تحرير‬

‫علي عبود محمداوي ‪ ،‬تقديم على حرب‪ ،‬منشورات األختالف‪،‬جزائر‪.2013،‬‬ ‫‪.18‬‬

‫فهمي جدعان‪ ،‬العدل في حدود ديونطولوجيا عربية‪ ،‬في(مجموعة مؤلفين‪ ،‬ما العدالة ؟) المركز‬

‫العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬بيروت‪.2014 ،‬‬ ‫‪.19‬‬

‫لودفيغ فون ميزس‪ ،‬عن المساواة وعدم المساواة‪ ،‬في(مجموعة مؤلفين‪،‬مفاهيم الليبرتارية وروادها‪،‬‬

‫الفردية والمجتمع المدني‪ ،‬الكتاب الثاني)‪ ،‬تحرير ديفد بوز‪ ،‬ت‪ .‬صالح عبد الحق‪.2008 ،‬‬ ‫‪.20‬‬

‫محمد األشهب‪ ،‬الحق في العدالة في الخطاب الفلسفي المعاصر‪ ،‬في(مجموعة مؤلفين‪،‬‬

‫مالعدالة؟)‪ ،‬المركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات ‪ ،‬بيروت‪.2014 ،‬‬ ‫‪.21‬‬

‫محمد ممدوح عبدالمجيد‪ ،‬العدالة القضائية بين أفالطون وأرسطو‪ ،‬في(مجموعة من المؤلفين‪،‬‬

‫فلسفة القانون ورهانات العدالة)‪ ،‬إشراف وتحرير‪.‬عامر عبدالزيد الوائلي‪ ،‬ابن نديم للنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫بيروت‪.2016،‬‬ ‫‪.22‬‬

‫نورمان دانيالز‪ ،‬المساواة الديمقراطية‪ ،‬في(مجموعة باحثين‪ ،‬إتجاهات معاصرة في فلسفة العدالة)‪،‬‬

‫تحرير صموئيل فريمان‪ ،‬ت فاضل جكتر‪ ،‬المركز العربي لألبحاث‪ ،‬بيروت‪.2015 ،‬‬

‫‪151‬‬

‫رابعاً‪ /‬المراجع األلكترونية‪:‬‬ ‫‪ -1‬آباد عادل زكريا‪ ،‬مفهوم العدالة بين أفالطون وأرسطو وأنعكاساته في الفكر السياسي المعاصر‪ ،‬متاح على‬ ‫الرابط‬

‫?‪.www.damanhor.edu.eg /pages/Thesis Detalisx‬‬

‫‪ -2‬أحمد صافي‪ ،‬الديمقراطية والحرية‪ ،‬مركز العلمي العربي لألبحاث‪ ،‬متاح ‪.http:// www.arab-csn.ong‬‬ ‫‪ -3‬رشا ماهر البدري‪ ،‬الليبرالية الجديدة‪ .‬جون رولز‪ :‬نحو العدالة التطبيقية‪ ،‬مقال متاح على الرابط‬

‫‪.http://www.almothaqaf.com‬‬ ‫‪ -4‬عبدالرحمن بووشمة‪ ،‬نظرية العدالة عند جون رولز‪ ،‬ديوان العرب‪ ،2009 ،‬متاح على الرابط ‪،‬‬

‫‪.htt://www.diwanalarab.com‬‬ ‫‪ -5‬عبدالعالي كركوب‪ ،‬الفكر السفسطائي والعدالة لممارسة سياسية‪ ،‬نموذج (ثراسيماخوس وكاليكلس)‪ ،‬متاح على‬

‫الرابط ‪.www.ahewar.org‬‬ ‫‪ -6‬عبدهللا السيد ولد أباه‪ ،‬نظرية العدالة عند جون رولز‪ ،‬مجلة التسامح‪ ،‬العدد ‪ ،24‬خريف ‪ ،2008‬مقال متاح‬ ‫على الرابط ‪. htt://www.aitasamoh.net‬‬ ‫‪ -7‬علي الربيعي‪ ،‬الفيلسوف األمريكي جون رولز ونظرية الوفاق المعقدة‪ ،‬مقال متاح على الرابط‬

‫‪.http://www.alittihad.com‬‬ ‫‪ -8‬محمد هاشمي‪ ،‬في المفهوم العدالة‪ :‬جون رولز‪ ،‬مقال متاح على الرابط ‪. http://www.alflasafa.com‬‬ ‫‪ -9‬نوفل حنفي‪ ،‬نظرية العقد األجتماعي لدى (جون رولز)‪ ،‬مقال متاح على الرابط‬ ‫‪http://www.mominoun.com‬‬

‫‪-10‬‬ ‫‪-11‬‬

‫‪http:// www.kenanmalik.com.‬‬

‫‪Kenan Malik ,"Equal vs.pluraln,pp.6-7‬‬

‫مايكل ساندل‪ ،‬سلسلة محاضرات‪ ،‬متاح على الرابط‪:‬‬

‫‪http:// www.shaikha.blogspost.com.‬‬

152

:‫ المراجع باللغة األنكليزية‬/ً‫خامسا‬ 1. Alvin Schmidt ,The ,means of Multiculturalism :Trojan House in America (Connecticut: pager Publishers ,1997). 2. Amartya Sen, Inequality Reexamined (Oxford: Oxford University, press, 1992). 3. Amy Gutmann, "Communitarian Critics of Liberalism", Philosophy and Puliclic Affairs, Vol,14 (summer 1985). 4. Bhikhn Parekh; Rethinking Multiculturalism Cultural Diversity and Political Theory .2nd ed.(New York : Palgnave Macmilan ,2006). 5. Bryan Duignan,The 100 Most Influential Philosophers of all Time,New York,pp,305307.

6. Colin Farrelly ,An Introduction to Contemporary Political Theory (London :Sage Publication ,2004). 7. David Gauthier Morals by Agreement, New York, NY: Oxford Univiresty press, 1986. 8. Gregor Kavka, Jales Colman and Christophen morris, Rethinking. The Toxin Puzzle, in Rational Commitment and Social Justice? (Cambridge, New York, 1998). 9. Hoffman and Graham, Introduction to Political Ideologies,(London Education Limited, 2006). 10.John Insley ,Cambridge Dictionary of English , Publisher : Cambridge University press, 2013. 11.John Rawls Political Liberalism,(New York: Columbia University pros, 1993). 12.John Rawls, The Low of peoples ( Cambridge, MA: Harvard University press 1999) . 13.Macintyre, After Virtue :a study in moral theory (London: Duck worth, 1985). 14.Michael Sandal , Liberalism and The Limits of Justice (Cambridge , university press , 1989). 15.Michael Walzen , Spheres of Justice : A defense of Pluralism and Equality ( New York : Basic Books , 1983). 16.Michel Walzer "Spheres of Justice: A Detense of Pluralism and Equality ,(New York: Basic Book :1983).

153

17.Michel walzer ,"Equality and civil Society",in: Simon chambres and will kymilka.eds; Alternative Conception of civil Society(erinceton,NJ Princetion University,press 2002). 18.Mortirner Adler,Six Great Ideas(New York: Macmillan Publishing co.). 19.Publisher : OUP Oxford :Authon :As Horn by,18 Mar 2010,UK, ISBN-LO, Amazon .CO.UK Sales Rank:56389. 20.Richard Tuck, "Rights and Pluralism ", in Philosophy in age of pluralism ,The Philosophy of Charles Taylor in Questions. 21.Robert Nozick, Anarchy , state and Utopia ,(New York: Basic Books, 1974). 22.Ronald Dworkin, Sovereign Virtue: The theory and practice of Equality (Cambridge, MA: Harvard University press 2000). 23.Stephen Bullion ,Longman Dictionary of Contemporary English ,Publisher: Person Education, 2015. 24.Thomas Moody,"some Companions between Liberalism and Eccentric Communautarismn. 25.Will Kymlicka , Multicultural Citizenship : Alibral Theory of Minority Rights (Oxford University , press,1995 ). 26.Will Kymlicka , Multicultural Odysseys :Navigating the New International Politics of Diversity (Oxford University ,Press, 2007). Journal: 1. John Rawls "Akartian Concept of Equality", Cambridge Review. Vol.96(February 1975). 2. Martha Nussbaum, "capabilities as Fundamental Entitements :San and Social Justicen, Feminist Economics, Vol.9(2003). 3. Morris Grin ,The Concept of Justice ,Philosophy ,The Journal of the Royal Institute of Philosophy ,vot.19.No.144.

‫‪154‬‬

‫الملخص‬ ‫تناول بحثنا موضوع (مفهوم العدالة في النظرية الليبرالية المعاصرة‪ :‬دراسة في االتجاهات المساواتية‬ ‫والليبرتارية الجماعاتية)‪ ،‬احد اهم المفاهيم المحورية والجوهرية في فلسفة األخالق والسياسة‪ ،‬التي شغلت‬ ‫فكر االنسان منذ القدم حتى يومنا هذا‪ .‬اذ لم يتكون مفهوم العدالة مرة واحدة‪ ،‬بل شهدت مراحل من المد‬ ‫والجزر نحو تطورها وكمالها‪ ،‬واستغرق تاريخاً طويالً من التفكير والتأمل والتجارب‪ ،‬وتطور مفهومها‬ ‫بالتدرج مع تطور الفكر السياسي والنظريات السياسية‪ .‬واهتم بها المفكرون والفالسفة بأعتبارها فضيلة‬

‫وقيمة اساسية وماتتركه من آثار على حياة االفراد والجماعات‪ ،‬متسائلين حول أفضل انواع الحياة وافضل‬ ‫نظام سياسي قادر على تعزيزها‪.‬‬ ‫كل تلك الجهود شكلت في السبعينات من القرن الماضي موضع جدل ونقاش واسع‪ ،‬وخاص ًة بعد‬

‫مساهمة (جون رولز) حول مفهوم العدالة باعتبارها من اكثر المساهمات تأثي اًر في الفلسفة السياسية‬

‫المعاصرة في القرن العشرين‪ ،‬كمحاولة منه إلعادة المبحث األخالقي الى صلب النظرية السياسية(اي‬

‫اعادة التفكير في مسائل الحرية والمساواة في المجتمعات المعاصرة)‪ .‬فاتحاً بذلك باب الجدل والنقاش في‬

‫الواليات المتحدة االمريكية بين االتجاه المساواتية الليبرالية المناهضة للفوارق وماتمثله من مخاطر على‬ ‫التماسك االجتماعي والتوافق السياسي والمؤيد لتدخل الدولة‪ ،‬وبين االتجاه الليبرتارية المناهضة للعدالة‬ ‫االجتماعية وماتمثله من مخاطر على الحريات الفردية والمعارض لتدخل الدولة‪ ،‬هذا من جانب‪ ،‬وبين‬ ‫االتجاه العام لليبرالية القائم على قيم وحقوق فردية‪ ،‬واالتجاه الجماعاتية القائمة على قيم وحقوق الجماعة‬ ‫(بما فيها االقليات الثقافية)‪.‬‬ ‫هذا الجدل يعرف اليوم بـ(الجدل الليبرالي – الجماعاتي) منطلقاً من أختالف رؤياهم حول مفهوم‬

‫ومعنى العدالة‪ ،‬لذا ركزت دراستنا على هذا الجانب من تلك المناظرات والنقاشات القائمة على مفهوم‬ ‫العدالة بين تلك اإلتجاهات الفكرية المختلفة كأحد منطلقات النظرية السياسية المعاصرة والمقارنة بينها‬ ‫محاوالً الوقوف عند أهم األطروحات والنظريات التي طرحها كالً من الليبرالين الساعين الى تحقيق الحرية‬ ‫والمساواة وبناء مجتمع ديمقراطي عادل التي يمكن اإلنسان بأن ينعم بالحياة السعيدة القائمة على مبدأ‬ ‫العدالة واإلنصاف‪ .‬والجماعاتين الساعين الى توسيع مفهوم العدالة وطريقة تحقيق المساواة والحرية‬ ‫للمجتمعات ذات التعددية الثقافية واألخالقية في الفكر السياسي المعاصر‪.‬‬

‫‪155‬‬

‫ثوختة‬ ‫بابةتى تويَذينةوةكةمان (ضةمكى دادثةروةرى لة تيؤرى ليرباليزمى هاوضةرخدا‪ :‬خويَندكاريكة لة ئارِاستةكانى‬ ‫يةكسانطةرايى وليربتاري وكؤمةلَطةراى ) تيشك ئةخاتة سةر يةكيَك لة طرنطرتين ضةمكة بنةرِةتى‬ ‫وطةوهةريةكانى فةلسةفةى رِةوشت و سياسةتدا‪ .‬ئةم ضةمكة هةر لةسةرةتاى دروست بوونى شارستانيةتى‬ ‫مرؤظايةتى بؤتةهؤى سةرقالَكردنى تاكةكان وكؤمةلَةكان لة ثيَناو بةديهيَنانى دادثةروةرى‪ ،‬ئةمةش ئاماذةيةكة‬ ‫بؤ رِةسةنى ئةم ضةمكة‪ ،‬ضةمكى دادثةروةرى تةنها بةيةك قؤناغةدا تيَثةرِنةبوة‪ ،‬بةلَكو ضةندين قؤناغى‬ ‫بينيوة لة هةلَكشان وداكشان بةرةو ثةرةسةندنى وكاملَبوونى‪ ،‬ئةمةش وايكرد كة ببيَتة سةرضاوةى تيَرِمان‬ ‫وطرنطى ثيَدانى بريمةندةكان هةرلةسةردةمى كؤنةوة هةتا ئيَستا بةو ثيَيةى فةزيلةت وبةهايةكى طرنط و‬ ‫بنةرِةتى يةو كاريطةرى بةردةوامى هةبووة لةسةر ذيانى تاك وكؤمةلَةكان‪ ،‬كة هةميشة ثرسيويانة لةبارةى‬ ‫ضؤنيَتى بةديهيَنانى باشرتين ذيان و باشرتين سيستمى سياسي كة بتوانيَت برةو بةم ضةمكة بدات‪.‬‬ ‫سةرجةم ئةم هةوآلنة بوة هؤى دروست بوونى طفتطؤو مشتوم ِريَكى فراوان بةتايبةتى لة هةفتاكانى سةدةى‬ ‫رِابردوو‪ ،‬بةتايبةتى لة دوايى هةولَةكانى فةيلةسوفى ئةمريكى (جؤن رِؤلَز) وةك هةولَيَك بؤ طيَرِانةوةى اليةنى‬ ‫ئةخالقي بؤ ناوةرِكى تيؤرى سياسي (واتة دووبارة بريكردنةوة بة ضةمكةكانى ئازادى ويةكسانى ) كة بوةهؤى‬ ‫خالَى وةضةرخان لة فةلسةفةى سياسي دروست بوونى سةردةميَكى نوآ لة مشتومرِ لة ووآلتة يةكطرتووةكانى‬ ‫ئةمةريكا لة نيَوان ئارِاستةى يةكسانطةرايى كة لة هةولَى نةهيَشتنى جياوازيةكان لة نيَوان تاكةكان‬ ‫مةترسيةكانى لةسةر يةكانطريى كؤمةلَطا بوون‪ ،‬وة لةنيَوان ئارِاستةى ليربتاري كة لة هةولَى دذايةتى دووبارة‬ ‫دابةشكردنةوةى داهاتةكان بوون بةو ثيَيةى كة هةرِشةية بؤ سةر ئازادى تاكةكان‪ .‬ئةمة لةاليةك وةلةنيَوان‬ ‫ئارِاستةى ليربِالَى وةستاو لةسةر بةهاو مافى تاكطةراى و وةلةنيَوان ئارِاستةى كؤمةلَطةراى وةستاو لةسةر بةهاو‬ ‫مافى كؤمةلَطةراى‪.‬‬ ‫ئةم مشتومرِة لةم رِؤذةماندا ناسراوة بة (مشتومرِى ليربِالَى – كؤمةلَطةراى) هؤكارى سةرةكى ئةم مشتومرِة‬ ‫بريتى ية لة جياوازى تيَرِوانينى هةريةك لةو ئارِاستانة لة مةرِ ضةمكى دادثةروةرى وتيَطةيشتنى جياوازيان‬ ‫لةمةرِ بةهاو ماناى ئةم ضةمكة‪ .‬هةربؤية تويَذينةوةكةمان تيشك خستنة سةرة لةبارةى ئةو مشتومرِانةو‬ ‫هةولَيَكة بؤ وةستان لةسةر طرنطرتين ئةو تيؤرة جياوازو دذ بةيةكانةى كة هةريةكةيان هةولَى جياواز دةدةن‬ ‫ض بؤ بةديهيَنانى ئازادى و يةكسانى و بةديهيَنانى كؤمةلَطةيةكى دميوكراسى دادثةروةر كة يارمةتيدةرى تاكةكان‬ ‫بيَت بؤ بةديهيَنانى ذيانيَكى خؤشطوزةران و ثشت بةست بة ثرنسيثى دادثةروةرى (ئارِاستةى ليربِالَى)‪ .‬وة‬ ‫هةولَةكانى (ئارِاستةى كؤمةلَطةراى) بؤ فراوانكردنى ئةم ضةمكة بةشيَوةيةك ببيَتة هؤى بةديهيَنانى يةكسانى‬ ‫بؤ فرة رِؤشنبريى وئةخالقيةكان لة هزرى سياسى هاضةرخدا‪.‬‬

156

Abstract Our research deals with the subject (the concept of justice in contemporary political theory, comparative study between the Liberal direction and trend Community), one of the most critical and fundamental concepts in moral and politics philosophy that ran human thought since ancient times to the present day. As the concept of justice has not made up once, but has seen phases of the tides towards the development and perfection, and took a long history of thinking and meditation and experiences and the development of the concept gradually with the development of political thought and political theories, it interested in thinkers and philosophers as a basic virtue and valuable of the core is its impact on the lives of individuals and groups. Wondering about the best types of life and better able to strengthen political system. And all those efforts formed in the seventieth of the last century, the subject of controversial and widely discussed, and especially after the contribution (John Rolls) on the concept of justice as one of the most influential contributions to contemporary political philosophy in the twentieth century, an attempt him to restore the moral section to a solid political theory (any rethink freedom and equality issues in contemporary societies). Opening this gate of controversy and debate in the United States between the liberal leftwing anti-differences, and it poses risks to social cohesion and political consensus, and the trend libertarian anti-social justice, and it poses risks to individual freedoms, on the one hand, and on the other hand, between liberalism based on values and individual rights, and community based on the values and the rights of the group (including cultural minorities). This controversy is known today as (the controversy Liberal- Community) starting point of difference in their vision about the concept and the meaning of justice, so focused our study on this side of those debates and discussions based on the concept of justice between these various intellectual trends of a premises contemporary political theory and the comparison between them, trying to stand at the most important theses and theories put forward by both liberals seeking to achieve freedom, equality and building a just and democratic society that the human was able to enjoy the happy-based life on the principle of justice and equity, and the two groups attempt to expand the concept of justice and the way to achieve equality in multiculturalism and ethical in the contemporary political thought.

Shahab Ahmed - Farhad Aziz Ahmed.pdf

There was a problem previewing this document. Retrying... Download. Connect more apps... Try one of the apps below to open or edit this item. Shahab Ahmed ...

2MB Sizes 254 Downloads 1001 Views

Recommend Documents

Idress - Farhad Aziz Ahmed.pdf
... THE COLLEGE OF. NURSING/SULAIMANI UNIVERSITY IN PARTIAL. FULFILLMENT OF THE REQUIREMENTS FOR THE. DEGREE OF MASTER SCIENCE ...

thesis sakar - Farhad Aziz Ahmed.pdf
There was a problem previewing this document. Retrying... Download. Connect more apps... Try one of the apps below to open or edit this item. thesis sakar ...

thesis sakar - Farhad Aziz Ahmed.pdf
Apr 2, 2017 - 43551 -- 48926 -- -- -- -- -- -- -- 40895 -- 29657 -- 40875 54352 -- -- -- -- --. Whoops! There was a problem loading this page. Retrying... thesis sakar - Farhad Aziz Ahmed.pdf. thesis sakar - Farhad Aziz Ahmed.pdf. Open. Extract. Open

M.Sc (Shawnm Ahmed Aziz)2015[Detection of anti- Hepatitis A and E ...
M.Sc (Shawnm Ahmed Aziz)2015[Detection of anti- Hepatitis A and E IgG, IgM and Nucleic Acid among.pdf. M.Sc (Shawnm Ahmed Aziz)2015[Detection of anti- ...

Adeel Ahmed -
Lake Point. 1BR. 50k 4chks. Lake Point. 1BR. 50K. Lake City (Fully Furnished & Lake View) ... Marina Crown. 1BR. 60k. Marina Pinnacle (Marina & Sea View).

Ahmed Moustafa.pdf
There was a problem previewing this document. Retrying... Download. Connect more apps... Try one of the apps below to open or edit this item. Ahmed ...

Adeel Ahmed -
Botanica Tower (Fully Furnished, Full Sea & Palm View). 1BR. 105k. Marina Crown. 1BR. 60k. Marina Pinnacle (Marina & Sea View). 1BR. 55k. Sulafa Tower.

Ahmed Bakhat Masood -
Internet, security, video conferencing and Laptop policies. • Management of ... 10. Next Generation Internet Technologies and Mobile Applications, International ... Computer Network Server Administration in LINUX, International Islamic.

ahmed-unhappy-queers.pdf
Retrying... Download. Connect more apps... Try one of the apps below to open or edit this item. ahmed-unhappy-queers.pdf. ahmed-unhappy-queers.pdf. Open.

dr Ahmed Badwy.pdf
Page 1 of 10. 1. INTRODUCTION. Cleft lip nasal deformity is a patho- physiological deformity of cleft lip that. necessarily accompanies it. It is caused by.

Dr. Ahmed Farid
Symphysis pubis. Sacro-iliac. Sacro-coccygeal. - Between apex of the sacrum and base of the coccyx. - It is 2ry cartilaginous joint. - Between the 2 pubic bones. - It is 2ry cartilaginous joint. - Between the auricular surfaces of both sacrum and ili

Aziz Nesin - Bay Duduk.pdf
There was a problem previewing this document. Retrying... Download. Connect more apps... Try one of the apps below to open or edit this item. Aziz Nesin - Bay ...

Ahmed Bakhat Masood -
Islamia University, Bahawalpur. (Master in Economics). BCA. 1996-98. 67 % -. Allama Iqbal Open University,. (Bachelor in Computer Applications). Islamabad.

Hariem_Abdullah_(119020216)_The_Dissertation - hariem Ahmed ...
Hariem_Abdullah_(119020216)_The_Dissertation - hariem Ahmed Abdullah.pdf. Hariem_Abdullah_(119020216)_The_Dissertation - hariem Ahmed Abdullah.

amir ahmed | na09b046 -
Coordinator, Organizing Team, Terry Fox Run 2011 (7000+ participants). (August 2011). ▫ Involved in setting up and running registration counters, water stops, ...

Resume_Syed Ahmed Zaki_March 2017.pdf
Web Application Developer(Voluntary Purpose) at Elebele.com, Duration: December 2015, Built open source PHP based app. PHP-GCM for their ecommerce ...

"Resurrection or Resuscitation?" By Ahmed Deedat
right has anybody to add to or delete from words in the 'Book of God?' .... I was taken off from the theme I was expounding two paragraphs above by the ...

IANT Ahmed Mohamed News Release.pdf
We believe that the Dallas/Ft-Worth Metroplex serves as a microcosm of this, and. we are proud to be part of such a community. However, when incidents like ...

ahmed zaki movie streaming ...
There was a problem previewing this document. Retrying... Download. Connect more apps... Try one of the apps below to open or edit this item. ahmed zaki movie streaming vostfr_____________________________________.pdf. ahmed zaki movie streaming vostf

PHYSIQUE AHMED FIZEZI ARAB.pdf
Page 3 of 128. Les incertitudes. A.FIZAZI Univ-BECHAR LMD1/SM_ST. 11 !"# 6. - 7#8 &' M ". 1& : 6.1. 1 m g =12.762 2 % m2 m1 . +"'. "# :;. m g = 57.327 .M M.

Bayanat_Sayeed Ahmed khansab - 1.pdf
551. Ð. V. ƒ ̈ . ̧. ÂN. Y. ð. 0*'!*zŠ 11. 761. ÔŠõ. 0*Æ. y ̈KZ 21. 671. } TMg. (ZÄ. e. [. gTMhg. „. e. ð 31. 391. [. æÐ. [2[. xZ 41. 502. ZoÜ 51. 982. tÛ. » a. Î. ÅÛ.

Ahmed Amir El Masry, PMP -
Certified Project Management Professional (PMP) from Project Management ... Certified Primavera Project Portfolio Management Implementation Specialist from.

135 -Ahmed F. Elbayoumi.pdf
This interest appears. more appropriate at this time, when business executives and auditors are continually being held to. higher standards of accountability and ...

Major Shahal Ahmed Nobel.pdf
Whoops! There was a problem previewing this document. Retrying... Download. Connect more apps... Major Shahal ... ed Nobel.pdf. Major Shahal ... med Nobel.